يوسف بزي: تليفون بن زايد وبشار الأسد/قرقاش وبن زايد والعالم كله يعرف لو أن النظام الأسدي يستطيع تصنيع كورونا بقنابل ليرميها على السوريين لما تردد وبهذا المعنى، مساعدة الأسد تبدو غير إنسانية

161

تليفون بن زايد وبشار الأسد
يوسف بزي/موقع تلفزيون سوريا/29 آذار/2020
*قرقاش وبن زايد والعالم كله يعرف، لو أن النظام الأسدي يستطيع تصنيع كورونا بقنابل ليرميها على السوريين لما تردد. وبهذا المعنى، “مساعدة” الأسد تبدو غير إنسانية.

تروي موظفة مرموقة في الأمم المتحدة في العام 2015، كيف أن وكالات الغوث التي كانت تنشط في سوريا، كانت تضطر لحسبان كمية هائلة من المساعدات المخصصة للمناطق المنكوبة والمحاصرة، ستذهب بالمصادرة لصالح جيش النظام. وعلى هذا الأساس كانت تعمل كي يصل ما يتيسر إلى المدنيين المحتاجين. وكانت المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة كما بعثتها الرسمية، قد أكدت مراراً أن النظام السوري انتهج سياسة التجويع، إضافة إلى منهجية تدمير المستشفيات والمستوصفات ومراكز الإسعاف والدفاع المدني.
نستذكر ذلك عقب الاتصال الذي أجراه ولي عهد الإمارات محمد بن زايد ببشار الأسد، تحت شعار “المساعدة الإنسانية”. فحسب قول وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، فإن هذا الاتصال يأتي بسياق الظروف الاستثنائية المرتبطة بوباء كورونا!
وقال قرقاش، عبر “تويتر”: “الظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا تتطلب خطوات غير مسبوقة، وتواصل الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري هذا سياقه، البعد الإنساني له الأولوية وتعزيز الدور العربي يعبر عن توجه الإمارات، خطوة شجاعة تجاه الشعب السوري الشقيق تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة”. وكان بن زايد نفسه نشر تغريدة قال فيها: “بحثت هاتفياً مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.
قبل الدخول في هذا المضمون، نتذكر أيضاً، محاولة دولة الإمارات إعادة فتح سفارتها في دمشق قبل سنتين، قبل أن تُنهَر إقليمياً ودولياً على نحو لجمها عن هذه الخطوة.
وسبق ذلك، مبادرات إماراتية، لزيارات وفود إلى سوريا أو استقبال وفود سورية، هي في مجملها تتعلق بمعارض عقارية أو مشاريع اقتصادية، أو خطط تجارية تقع في خانة سعي الإمارات إلى ضمان حصة في مستقبل إعادة الإعمار والبناء. لكن أيضاً سرعان ما تم تجميد هذا النشاط “تحت ضغط دبلوماسي”، رضوخاً لسياسة عربية ودولية مقاطعة لنظام الأسد.
أبعد من ذلك، يتسق هذا التوجه الإماراتي مع وجهة سياسية تعتمدها بإصرار، قوامها التحالف مع أي شيطان لمواجهة “الإخوان المسلمين” أولاً (وهذه يافطة تضم أطيافاً لا حصر لها من التيارات الإسلامية)، ناهيك عن التيارات العلمانية أو الليبرالية أو اليسارية، ومقارعة النفوذ التركي تالياً..
والأهم، هو التخلص كلياً من موجة “الربيع العربي” ومناخاته وتداعياته، على نحو يفوق أهمية بالنسبة للإمارات أي “خصومة”.
هكذا، نعود إلى مضمون المكالمة والتغريدات “العاطفية”، كي ندرك تماماً فحواها الفعلي.
فالأزمة الإنسانية الناتجة عن وباء كورونا، ذريعة لا تنقصها الوجاهة على أي حال، كي تبادر الإمارات إلى إنعاش جهودها في التواصل مع النظام، ومع الأسد شخصياً.
لكن، بتذكر أن النظام هذا متهم على نحو راسخ بارتكابه جرائم ضد الإنسانية، وبعداوته العميقة والوحشية للسكان، وازدرائه المعروف بحياة مواطنيه.. وصحتهم، يدفعنا هذا إلى التشكيك بمقصد دولة الإمارات ورغبتها المعلنة بـ”مساعدة سوريا الشقيقة”.
ويمكننا والحال هذه، الترحيب حقاً بمساعدة السوريين، أي المواطنين، عموم الشعب السوري.. من قبل الإمارات وغيرها، وأيضاً حسب لغة الوزير قرقاش أي “تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة”، فيكون الأولى هنا أولئك القابعون في العراء والخيم، الذين شردهم النظام أخيراً، والذي يربو عددهم في الشمال السوري وحده المليون شخص. وكان يمكن للإمارات أيضاً بلا مكالمات مع الأسد (احتراماً لمشاعر السوريين على الأقل)، أن تقدم المساعدات لهم عبر عشرات المؤسسات الدولية أو المحلية التي تُعنى بصحة الناس.
الإمارات قبل غيرها تعرف تماماً الفارق الهائل بين “التطبيع” مع النظام من جهة، و”مساعدة” الشعب السوري.
فالأمر الأول هو أكبر مكافأة لقاتل، ورضوخ مشين لمحور إيراني جلب الكوارث على الإمارات وعلى العالم العربي برمته.
أما الأمر الثاني فيبدو منسياً ومهملاً عمداً، لأن الشعوب الثائرة خطرة ومزعجة لأنظمة تحب “الاستقرار”، ولا بأس من البطش بها وإماتتها قصفاً أو جوعاً أو مرضاً ووباء.
قرقاش وبن زايد والعالم كله يعرف، لو أن النظام الأسدي يستطيع تصنيع كورونا بقنابل ليرميها على السوريين لما تردد. وبهذا المعنى، “مساعدة” الأسد تبدو غير إنسانية.