شارل الياس شرتوني/عامر الفاخوري، مسرحية حزب الله وسياسة تناسل الأزمات

203

عامر الفاخوري، مسرحية حزب الله وسياسة ” تناسل الأزمات “
شارل الياس شرتوني/21 آذار/2020

*حزب الله في أدائه يعتمد نهيلية سياسية لم تقف عند أي حد لا في السابق ولا اليوم.

*وموقف اخر صادر عن احد الناشطين في الحراكات المدنية، واصف الحركة، الذي ظهر على حقيقة دوره كاحد أدوات حزب الله، تضاف الى ذلك الحملة الإعلامية المحكمة التنسيق بين أبواق حزب الله في مختلف وسائل الإعلام.

*ان كل هذا الضجيج المفتعل ما هو الا عملية تغطية يعتمدها حزب الله من اجل تبرير سياسة القضم التي وصلت الى خواتيمها.

*ان الغموض الذي لف قضية تخلية سبيل عامر الفاخوري هو مقصود من قبل حزب الله، والقاضي العسكري اصدر قراره بناء على تعليمات من قيادة حزب الله

**********
سياسة وضع اليد على الحكم في لبنان من قبل حزب الله تأخذ منحى تصاعديًا وتدرجيا بحيث لن يبقى حيز من الحياة المؤسسية خارج سيطرته، وهو في سعيه هذا لم يترك وسيلة من وسائل التضليل، وتحريف الحقائق والكذب الا واستعملها.

لقد بنيت مسرحية عامر الفاخوري على مفارقات تختصرها بعض المشاهد: حسن نصرالله يعتبر إطلاق سراح عامر فاخوري مؤشرًا لسيطرة الولايات المتحدة على الحكم في لبنان، في حين ان الوزارة الحالية ليست الا غطاء لسيطرته كما بلورتها تصريحات حسان دياب وزينة ابي عكر كترداد ببغائي لمواقف حزب الله، والقاضي العسكري الذي اصدر الحكم، حسن عبدالله، هو ضابط شيعي من بلدة الخيام ومرتبط بدوائر نفوذ حزب الله داخل الجيش؛ أما الحملة السياسية والإعلامية لحزب الله فقد جندت ابواقها المعهودة:

تظاهرات نسائية متمرسة بالعويل وتمثل وضعية الضحية، تصريح مستفيض لاحد الناطقين باسم تجمع العلماء المسلمين (جهاز اصطنعته الثورة الإسلامية الإيرانية في محاولة لوضع اليد على الافتاء السني في لبنان، على غرار ال Comintern الشيوعي، ١٩١٩- ١٩٤٣)، هاني حمود، الذين أزاح مسؤولية الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية باتجاه رئيس الجمهورية وفريقه السياسي.

وموقف اخر صادر عن احد الناشطين في الحراكات المدنية، واصف الحركة، الذي ظهر على حقيقة دوره كاحد أدوات حزب الله، تضاف الى ذلك الحملة الإعلامية المحكمة التنسيق بين أبواق حزب الله في مختلف وسائل الإعلام.

ان مؤدى هذه الحملة المفتعلة هو استكمال تغطية وضع اليد على مفاصل القرار السياسي، وتظهير وهن وتبعية رئاسة الجمهورية الصورية كتمهيد لإعلان السيطرة التامة.

ان كل هذا الضجيج المفتعل ما هو الا عملية تغطية يعتمدها حزب الله من اجل تبرير سياسة القضم التي وصلت الى خواتيمها.

قصة عامر فاخوري هي جزء يسير من مجريات الحروب المتوالية على ارضنا منذ ١٩٦٥، ان استثناءها واعتبارها حادثة فريدة هو تظهير لسياسات التضليل الإعلامي التي يعتمدها حزب الله، كما فعل سابقوه من اجنحة اليسار التوتاليتاري، والمنظمات الفلسطينية خلال الحرب (١٩٦٥- ١٩٩٠ ).

هذه الريتوريك الأيديولوجية الكاريكاتورية والمانوية  (Manichéenne ) التي تعتمد استراتيجية كبش المحرقة وشيطنة الخصوم السياسيين، تغب من معين بولشيفي اعتمد على سياسات كذب منهجية استعملت في مجالات الإبادات الجماعية، والمناقلات السكانية الجماعية، والإرهاب والاغتيالات وتطويع الرواقات السياسية في المديين الروسي والسوفييتي.

هذا يعني، بالتالي، اننا أمام مرحلة استهداف إرادي للسياسة الميثاقية بما تفترضه من استعادة لوقائع الحرب الماضية على نحو نقدي، وعلى قاعدة الحقيقة والمصالحة، ومن خلال ثقافة ديموقراطية مشتركة قائمة على روح الحقيقة، والاعتدال المبدئي، والنقاش غير المشروط والضوابط المنهجية والاتيكية الناظمة للخطاب السياسي.

ان فتح ملف معتقل الخيام يفترض فتح عشرات الملفات المشابهة عند كل الافرقاء من منطلق ما يسمى اليوم بالعدالة الانتقالية  (Transitional Justice )، وإلا وقعنا في دائرة سياسة الانتقام وتصفية الحسابات، والتعاطي الاستنسابي مع الملفات، وافتعال الإشكالات النزاعية على نحو اعتباطي، ولا مسوغ له، كما هو الحال مع اداء حزب الله الحالي الذي يسعى بشكل علني وصريح، الى استكمال مشروع إقامة حزام استراتيجي شيعي قائم على سلسلة من الديكتاتوريات الإسلامية الملحقة بالنظام الإيراني، كما لاينفك عن تأكيده نعيم قاسم.

ان الغموض الذي لف قضية تخلية سبيل عامر الفاخوري هو مقصود من قبل حزب الله، والقاضي العسكري اصدر قراره بناء على تعليمات من قيادة حزب الله، الذي استعمل هذا الملف منطلقا لإطلاق مرحلة نزاعية جديدة متزامنة مع الأزمة الصحية الخطيرة التي دفعت بها السياسة غير الرشيدة والمشبوهة لوزير الصحة التابع له، وذلك امعانا في تعميق القلق والخوف داخل المجتمع السياسي والمدني اللبناني، وتسهيلا لعملية تطويع التيارات الممانعة.

ان سياسة افتعال الأزمات في ظل المخاوف الوجودية التي استحثتها الأزمة الصحية ليست بالنافلة، كما ينبئنا اداء حزب الله في الثلاثة العقود المنصرمة، بل هي جزء من نهج احكام رباطات سياسة النفوذ الإيرانية في المنطقة، وتثبيت شرعية النظام في الدواخل الإيرانية، كبديل وظيفي عن شرعيته الأيديولوجية والعملانية المتهاوية، ومتابعة سياسة تركز السيطرة الشيعية على خطوط التقاطع بين جبل عامل وجبال العلويين في الشمال السوري، ولا خروج عن هذه الأفق النزاعية المسدودة لبنانيا واقليميا، ما لم تدخل المنطقة في تعديلات جذرية في موازين القوى الإقليمية وتردداتها على مستوى الأنظمة.

حزب الله في أدائه يعتمد نهيلية سياسية لم تقف عند أي حد لا في السابق ولا اليوم.