في ذكرى اغتيال بيار الجميّل.. هذا ما قالته باتريسيا وأمين وألكسندر

273

في ذكرى اغتيال بيار الجميّل.. هذا ما قالته باتريسيا وأمين وألكسندر!

في أسبوع الاستقلال وفي منزلها في الرابية، تستقبلنا عائلة شهيد الاستقلال الشيخ بيار الجميّل وفي ذكرى استشهاده، بكثير من المحبّة والموَدّة والبسمات والنِكات والبساطة. عائلة، باختصار، تُجسّد العفوية والسلام. تقول سيّدة المنزل باتريسيا الجميّل إنّها قد لا تفهم في السياسية كثيراً، وهي لم تحبّها يوماً، إلّا أنّها أحبّت زوجَها. وتكشفُ أنّ أكثر ما جذبَ بيار إليها كان بساطتها وبَسمتها، وهي في المقابل، تعترف بأنّ ضحكته وإنسانيته المرهفَتين أنسَياها حجمَ المسؤولية عند قرارها الارتباطَ بأحد أفراد عائلة الجميّل، ولم تُثنِها المخاطر التي ألمَّت بهم منذ التاريخ عن قرارها في مشاركته المسيرةَ في السرّاء والضرّاء.

مّا عن ولدَيها، فتُجيب والضحكة تملأ وجهَها: «سأحدّثكم عنهما قدرَ ما تشاؤون، فهما يشعّان نوراً ويَمنحان البيتَ إشراقةً ويملأانه فرَحاً، لا سيّما عندما يبتسمان، فسِرُّ ضحكتهما النابعة من القلب، أنّها تشبه ضحكة بيار الصادقة والعفوية التي تزرع الأمل وتزيل الألمَ وتُحيي الرجاء».

أمين وألكسندر جلسا يُنصتان إلى حديث والدتهما، فيما لم تفارق البسمة ثغريهما، إلّا أنّهما استأذنا ليعاودا متابعة دروسهما بعدما وعدنا أمين بأنّ جلستنا معه ستكون مميّزة عند الانتهاء من حصّته مع أستاذ اللغة العربية، لتعلّقَ باتي (كما أحبّت أن نناديها): «منهمكة هذه الأيام بالفَيقة بكّير للتدريس والمراجعة! ما في مزح السنة! هناك شهادة الـBrevet لأمين».

ومتى تجلسين مع نفسِك؟

تجيبُ السيّدة باتريسيا بغَصّة، من دون أن تفارق البسمة وجهَها: أجلس مع بيار يومياً. وأتمنّى أن تزهر التضحية الكبيرة التي قدّمها لبلده، لأنّني أخاف عندما أرى الاتجاه الذي يذهب إليه البلد. ولكن يجب أن نثق بالأمل الذي زرعه فينا.

• هل أحَبَّ بيار وطنَه أكثر من العائلة؟

– لم يحبّ بيار وطنه أكثر من العائلة، وليس دقيقاً الوصفُ، إنّما كان قلبه كبيراً كفاية ليحبّنا كلّنا سَوياً، وخصوصاً لبنان وحزب الكتائب»، تتنهّد وتضيف… «وبعد كان بيساع». كانت إنسانيته طاغية على شخصيته وفوق كلّ اعتباراته. أعلم «أنّ شقفة من حياتو كانت لعيلتو، أمّا الشقفة الأكبر فكانت لوَطنو».

• ماذا يعني لكِ شهر الاستقلال؟

– كانت لنا مواعيد مؤلِمة مع القدر هذا الشهر، فبالإضافة إلى ذكرى استشهاد بيار الثامنة، فقد غيّبَ الموت والدي. كذلك فقدَت العائلة الشيخ ألكسندر الجميّل الذي أكنّ له مع زوجي بيار معزّةً خاصة، وكانت له بيننا مكانةٌ سياسية مهمّة.

وقد فقدناه منذ أسبوعين، وكان لفكر الشيخ ألكسندر الجميّل السياسي الأثرُ الكبير في الإلمام السياسي لزوجي بيار، فهو كان في غياب الرئيس أمين الجميّل القسري في فرنسا يأتي صباح كلّ سبت إلى منزلنا متأبّطاً قصاصات الجرائد، ويصرّ على بيار قراءتها والاحتفاط بها في أرشيفه.

• كيف أقنعَتِ ابنَ بكفيّا بمصاهرة زغرتا؟

– وُلدتُ في زغرتا في عائلة مسالِمة لم تنتمِ إلى أيّ من الأحزاب السياسية. ويهمّني في هذا السياق التأكيد أنّ بيار، ومن دون جهد منّي أو من العائلة، قد دخلَ إلى قلوب أبناء زغرتا. وقد حزنَ أهلها عليه كحزن أهل بكفيا ولبنان عليه، وبَكوه بقدرهم.

• ألم تخافي يوماً من خطر الارتباط بزعيم سياسي من عائلة الجميّل؟

– تعرّفتُ إلى بيار في عامه الـ21، وكنتُ أنا في الـ 20، لم أفكّر كثيراً في الخطر ذلك الوقت، فلم يكن يزاول السياسة عندما التقينا، كان في سَنتِه الجامعية الأولى وكانت عائلته في الخارج، وربّما شعرَ بأنّ السياسة لا تهمّني، فكان يقول لي: لا تخافي لم أحبّ السياسة، وأنا سأزاول المحاماة فقط. تضحك باتي وتضيف: أقول لأقاربي وللأهل: «سايَرني سَنة فقط». عام 1995 قال لي: إنتهى الأمر. سأبدأ بعقد لقاءات للشباب، فأنا أريد تحريك العجَلة مجدّداً، فلم أُرِد أن أقفَ في طريقه.

وكبرَت رغبتُه في العمل لإحياء حزب الكتائب وإنعاشه واستردادِه، وقد حقّق حلمَه بعدما عملَ جاهداً لعودة الرئيس أمين الجميّل إلى لبنان، فكان له ما أراد.

• بمَن تأثرَ الشيخ بيار الجميّل في نظرك؟

– في المرحلة الأولى تأثرَ بوالده، إلّا أنّ بيار عملَ كثيراً على نفسه، فخلق حالة خاصة به. وبتجرّد أرى أنّ شخصية بيار الجميّل تأثرت بالتركيبة الكبيرة لشخصية الرئيس المؤسس جدّه بيّار الجميّل، مع تأثّرِه الأساسي بالطبع بوالده أمين، وأعتقد أنّ هذه هي الحقيقة. كما تأثرَ أيضاً ببشير، ففي النهاية هما من الفرع نفسه، والأساس.

• كيف تصفين الوجه الآخر لبيار؟

– لديه سِرّ ومقدرةٌ على تحريك كلّ ما هو جامد إنْ في المنزل أو في المحيط الذي يتواجد فيه، فورشةُ حزب الكتائب بدأ تنفيذها بيديه، أرادها ورشةً وطنية من دون التفكير بالعواقب. وفي الوقت الذي ترك الكتائبيّون بمعظمهم التزاماتهم الحزبية وبيوتَهم ووطنَهم وغادروا، جاء بيار ليصعقَهم مجدّداً، فتدبّ الروح الوطنية في أوصالهم ويعودوا متلهّفين للمشاركة في ورشة العمار.

• كيف اعتاد أمين وألكسندر على فكرة غياب والدهما منذ ثماني سنوات حتى اليوم؟

– منذ استشهاد بيار عملتُ على تثبيت فكرة أنّ بيار معنا ويَرانا من فوق. فلم يشعر ولداي بفقدانه.

• كيف يتفاعل ولداكِ عندما يُذكر اسمُ والدهما أمامهما؟

– أجمل ما في ولديّ أنّهما عند ذكر بيار، لا ترتسمُ الحسرة على ثغريهما، بل ابتسامةٌ رائعة.

• كيف تصفين علاقتك بالعائلة الكبيرة؟ وهل تلتزمين بالنشاطات السياسية والكتائبية؟

– علاقتي بالعائلة جيّدة جداً، فنحن نجتمع أيام الآحاد، وهي مقدّسة بالنسبة لنا ولهم. وتضيف ضاحكةً: «لا نسجّل الفاولات، فنهار الأحد عائليّ بامتياز، نقصد فيه مع ولديّ منزلَ جدّهما الرئيس أمين الذي ينتظرنا مع عائلته بشوق، وهم يحيطون عائلتي برعاية خاصة وبدَعم لا محدود، وأنا أفتخر بعلاقتي الرائعة بهم.

كما أحاول المشاركة في النشاطات الكتائبية قدر المستطاع. إلّا أنّ اهتمامي الخاص والإضافي هذه السنة بالشهادة الأولى لأمين يمنعني من الالتزام الكلّي، الأمر الذي يسري على دراستي أيضاً بعدما توقّفتُ عن إتمام السنة الأخيرة المتبقّية لي من الماستير في الاتصالات وعالم الإعلام، لأتفرّغ لولديَّ.

• أيّ ولديك أقربُ إلى شخصية بيار الجميّل، أمين البِكر أم ألكسندر؟

– الاثنان لديهما شيء مشترَك من شخصية بيار، إلّا أنّ الذي يملك الكاريزما «والعجقة»، أي عجقة بيار، هو أمين. فهو يتحرّك كوالده تماماً. أمّا ألكسندر فلديه شيء من الجدّية والحسم أكثر، إلّا أنّ ضحكة بيار أراها في وجه «ألكس»، فوجهُه بكامله يضيء وينوّر عندما يضحك… يحبّ مادة الرياضيات، فيما يفضّل أمين التاريخ.

وتضيف: «أرى في أمين كاريزما بيار، وأرى في ألكس جدّية بيار عندما يريد تسجيلَ رأي أو فكرة أو موقف. يعرف ماذا يريد. «بياخِدا جَد». أمين «أبو عجقة» لا يستطيع الجلوس على كرسي مدّة طويلة بلا حراك. تماماً كوالده الذي كان دائم الحركة ويهوى وضعَ لمساته في كلّ شيء.

• هل لدى أمين مَيلٌ إلى السياسة؟

– بدأ يميل إلى العمل السياسي ويستمتع بذلك، والشباب يحضنونه. عندما قرأ النيّة للمرّة الأولى في ذكرى والده تأثّر بـ«الوقفة» وأحبَّ تكرارَها في القدّاس السنوي غداً (اليوم). وهو سيتلو أيضاً نيَّةً عن نفس والده، والفَرق اليوم أنّه أصبح يستوعب ما يقرأ أكثر فيتأثّر بالمضمون.

• وهل بدأا يستمعان إلى خطابات والدهما؟

– نعم يستمعان إليها، خصوصاً أمين الذي بدأ يصغي إليها كلّها، علماً أنّني تجنّبتُ هذا الموضوع بدايةً لأنّني كنت أنزعج من رؤية بيار على الشاشات، فلم أرَها ولم أدعهما يشاهدانها، إلّا أنّ الوضعَ تغيّر اليوم. فهما يشاهدانها ويجلسان قربي بحماسةٍ لسماعها، فيعاود أمين مشاهدة الشريط وتكرار أقوال والده. أمّا ألكسندر فيصمت وتكرج الدموع من عينه ولا يقول شيئاً.

ولتغيير الأجواء، تبتسم السيدة الجميّل وتكشف أنّ أمين بدأ يُخطّط لما سيقول في خطاباته في المستقبل. وعندما سألناها عمّا يفعله ألكسندر حين يخطب شقيقه أمين أمامه، تجيب ضاحكة: «ألكسندر يصغي ويبدأ بالتنظير علينا»!

• لحظات لا يمكن نسيانها معه؟

– لم يقُل كلّا يوماً للأولاد، وكان يجلب الهدايا معه عند العودة، ويقول لي: «لا أراهما كثيراً، قولي أنتِ لا واتركيني أقول لهما نعم». حاوَل بيار دوماً الوصول إلى المنزل مساءً في فترة استحمام الأولاد، وهو لطالما أحبَّ مشاركتي هذه اللحظات، وقد أمضينا سنواتٍ كثيرة أنا وأمين وألكسندر، عندما يحين موعد الاستحمام مساءً ولدى سماعنا إغلاقة الباب ليلاً… نجفل.

أمين ونشيد الكتائب

لم نجفَل من اختراق أمين جلستنا بعدما عاد من درسه متحمّساً للمشاركة في الحوار كما وعدنا، وذلك بعدما سمحَ لنفسِه بفترة استراحةٍ أخرى ليفيَ بوعده ويعطينا حصريّاً مقابلته الصحافية الأولى! تُسارِع والدته إلى احتضانه، لافتةً إلى أنّه سيبلغ الرابعة عشرة من العمر عشيّة عيد الميلاد، إلّا أنّ أمين كان قد استوى في جلسته مستعداً للحوار.

• أرى أنّك لا تحبّ اللغة العربية؟ هل يزعجك الكلام باللغة العربية، وهل تجدها صعبة؟

يضحك أمين بيار الجميّل من قلبه ويجيب: صحيح هي صعبة ولا أحبّها، ولكنّني سأتعلمها وأتقنها، لأنّها لغة والدي وبلدي، ولأنّني قرّرتُ أن أصبح محامياً لامعاً كوالدي، لذلك يلزمني تعلّمها جيّداً وإتقانها وسأفعل ذلك.

• غير المحاماة، ماذا كنتَ لتفعلَ لو خُيّرت؟

– أحبّ العمل السياسي، ربّما سأكون رجُلاً سياسياً، ولكن أحبّ الرياضة أيضاً، وخصوصاً كرة القدم. وربّما كنت سأغدو لاعبَ كرة قدَم مشهوراً كخَيار آخر.

• مَن هو زعيمُك المفضّل؟

– والدي طبعاً، وبعده جدّي أمين وعمّي سامي بالتأكيد. وأحبّ قضاءَ أوقاتي مع جدّي وعمّي والشباب.

• مَن هو فريقُك المفضّل؟

– برشلونة، فيما يفضّل شقيقي أليكس تشيلسي.

• هل تتابع برامجَ تلفزيونية معيّنة؟

– أتابع البرامج الأجنبية التثقيفية، إلّا أنّني أحبّ متابعة نشرات الأخبار المحلّية.

• هل تحبّ الغناء؟ وماذا تُنشد؟

يبتسم ويجيب: أحبّ نشيد الكتائب، ولكنّني أفضّل غناء «عالصخر منحفر كتائب».

• ومَن تحبّ؟

– أحبّ لبنان وعائلتي.

• إلى أيّ درجة تحبّ لبنان؟

– قد ما حَبّو بيّي.

• هل تعلم كم أحَبَّ والدُك بيار لبنان؟

– بَعرف… استشهد كرمالو.

• هل استمعتَ إلى خطابات والدك؟

– نعم، وأفعل ذلك بصورة متواصلة، وأحبّ تردادها، وتردادَ بعض الشعارات التي أثّرَت فيّ.

• ما هي المواقف والشعارات التي أثّرَت فيك؟

– تستوقفني السيارات في شوارع بيروت التي ما زالت تضع على زجاجها الشعار الذي أطلقه أبي عندما كان وزيراً للصناعة «بتحِب لبنان.. حِب صناعتو». وأتسابَق مع شقيقي ألكسندر لتعدادها ونفرَح بالنتيجة.

• وأيّ الخطابات أحَبُّ إلى قلبك؟

– أحبّ ذلك الخطاب الذي أطلّ فيه والدي من بكفيا أمام تمثال جدّي بيار الجميّل في ذكرى وفاته، فقال فيه: «مين قال إنّو بيار الجميّل مات، بيار الجميّل عايش بكلّ واحد فينا».. وينظر أمين إلى السماء وبضحكةٍ واثقة غلّفتها غصّة خفيّة يقول: «أنا بدوري سأقول للّبنانيين وللكتائبيّين غداً: «مين قال إنّو بيار الجميّل وبيّي بيار أمين الجميّل ماتوا.. بيار المؤسّس وبيي بيار الجميّل عايشين بكلّ واحد فينا».

مارلين وهبة |  الجمهورية

2014 –   تشرين الثاني –   21