نبيل يوسف: الآباتي شربل قسيس، الراهب الذي رحل بصمت وقلّة قليلة ما تزال تتذكره رحمه الله، وقد يكون من حسن حظه أنه غادرنا قبل أن يشاهد أحوال الموارنة الآن

1193

الآباتي شربل قسيس، الراهب الذي رحل بصمت وقلّة قليلة ما تزال تتذكره رحمه الله، وقد يكون من حسن حظه أنه غادرنا قبل أن يشاهد أحوال الموارنة الآن

نبيل يوسف

في مثل هذا اليوم (١٣ شباط ٢٠٠١) ، غاب بِصَمْت الآباتي شربل قسيس الرئيس العام للرهبنة اللبنانية المارونية (١٩٧٤ – ١٩٨٠) ورئيس المؤتمر الدائم للرهبانيات الكاثوليكية، وعضو الجبهة اللبنانية، جبهة العمالقة التي ضمت إضافة إليه، الرئيس كميل شمعون والرئيس سليمان فرنجية والشيخ بيار الجميل، والتي إستطاعت قيادة الشعب المسيحي في أحلك الظروف، وواجهت العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، هذا العالم الراغب يومها بتهجير المسيحيين من لبنان إلى أميركا وكندا وإحلال الفلسطينيين في جبال لبنان فتحل مشكلة اسرائيل .. رحل الآباتي شربل قسيس بصمت وهدوء الراهب المتجذّر في صخور جبلنا المقدس.
من المؤكّد أن قلّة قليلة ما تزال تتذكّره وهو الذي عاش عقدين من العمر بعد إنتهاء رئاسته للرهبنة في ديره بعيداً عن الأضواء.
هائلة الأخبار عن الآباتي شربل قسيس، والتي قد يؤلّف منها مجلدات، ومن الظلم أن يضيع تراث هذا الراهب العظيم دون أن يصدر عنه ولو كتاب واحد.
كثيرة هي المحطات في مسيرة الآباتي قسيس، لاسيّما خلال الحرب اللبنانية منها:
١ – ظهر الخميس ١١ أيلول ١٩٧٥ شوهد الآباتي قسيس في دير سيدة النجاة في بصرما يبكي بحرارة وألم ثلاثة من إخوته الرهبان، وهم: الأب بطرس ساسين ٩٦ عاماً الفاقد نظره قبل أعوام، والأب أنطونيوس ثمينة ٨٤ عاماً، والأخ يوحنا مقصود ٦٦ عاماً، الذين كانوا ذبحوا ذبحاً ظهر الثلاثاء ٩ أيلول في مقرهم في دير مار جرجس في عشاش بعد أن دخلته المجموعات الفلسطينية وخرّبته وأحرقته، وكان يومها هناك ثلاثة رهبان آخرين مجهولي المصير هم الآباء: مرتينوس فهد، وافرام سلامه، وأنطوان شالوحي، الذين كان فقد الاتصال بهم من نهار الأربعاء ٥ أيلول (تبين لاحقاً أنهم كانوا معتقلين لدى منظمة الصاعقة الفلسطينية المؤيدة لسوريا وأطلق سراحهم بعد أيام).
٢ – فجر الإثنين ٥ تموز ١٩٧٦ تعرّضت بلدَتَي شكّا وحامات وساحل منطقة البترون الشمالي لهجوم فلسطيني كاسح إرتكبت خلاله مجازر يندّى لها الجبين.
إستنفرت الجبهة اللبنانية قواتها وهبّ المقاتلون بالآلاف للمشاركة في إسترداد شكّا وحامات وشكّل شارع البترون الرئيسي ملتقى معظم الوحدات العسكرية قبل انطلاقها إلى الجبهة.
لم يكن قد مرّ ساعات قليلة على الهجوم حتى وصل الآباتي شربل قسيس يرافقه الأب يوسف عجيل رئيس دير كفيفان وعدد من الرهبان إلى مبنى سراي البترون الذي تحوّل إلى غرفة عمليات عسكرية بقيادة العقيد (العماد قائد الجيش لاحقاً) فيكتور خوري، وهو يدخل السراي تحلّق الصحافيون حول الآباتي قسيس فقال لهم: لا كلام قبل تحرير حامات وشكّا، وعن وضع الرهبان في دير شكّا قال: أصبح الدير مركز التجمّع الرئيسي لأبناء شكّا الهاربون من منازلهم، ومصير الرهبان مرتبط بمصير أهالي شكّا وقرارهم الإستشهاد مع أهالي شكّا، على أمل أن نتمكن من الوصول إليهم قبل ذلك.
لم يمكث الآباتي قسيس طويلاً في السراي معتبراً أن وجوده بين الضبّاط والعسكريين لا يفيد، فانطلق إلى مدخل البترون الشمالي مباركاً الآليات العسكرية المنطلقة محمّلة بالمقاتلين ووجهتها خطوط الجبهة، فكان يشدّ من العزائم مطالباً بالنصر. وعشرات المقاتلين يلوّحون له محيّين. ورغم الخطر عاد وتوجه إلى سلعاتا حيث كان أعيد نصب المدفَعين لتأمين التغطية المدفعية لما تبقّى من أحياء صامدة في شكا، فراح يساعد بنفسه بنقل القذائف وتأمين إحتياجات المربض، وعصراً إعتذر عن المشاركة في اجتماع الجبهة اللبنانية في الكفور معتبراً أن وجوده بين المقاتلين الذين راح يجول عليهم في مواقهم أهم.
٣ – في أيلول ١٩٨٦ حلّ موعد إنتخابات رئاسة الرهبنة اللبنانية المارونية فسعت عدة قيادات مارونية على رأسهم الرئيس سليمان فرنجية لعودة الآباتي شربل قسيس إلى رئاسة الرهبنة، لكن يبدو أن تدخلات فاتيكانية أوصلت الآباتي باسيل الهاشم فغضب الرئيس فرنجية، وبعد فترة أوفد الرئيس شمعون أحد الوسطاء إلى الرئيس فرنجية محاولاً إقناعه بالآباتي الهاشم المستعد أن يزوره في قصر زغرتا ردّ الرئيس فرنجية، أن لا شيء شخصي ضد الآباتي الهاشم فأهلاً وسهلاً به، ولكن المرحلة القادمة على المسيحيين من الخطورة بمكان تستوجب أن يكون على رأس الرهبنة اللبنانية قائد حقيقي والآباتي قسيس خير من كان يستطيع أن يقود المرحلة القادمة..
هذا غيض من فيض تاريخ الآباتي شربل قسيس، الراهب الذي رحل بصمت وقلّة قليلة ما تزال تتذكره رحمه الله، وقد يكون من حسن حظه أنه غادرنا قبل أن يشاهد أحوال الموارنة الآن.


الرهبنة اللبنانية المارونية: تاريخ ورسالة
المسيرة/21 آب/2016
مع الأباتي شربل قسيس لمع إسم الرهبانية اللبنانية المارونية. لم تكن رئاسته لهذه الرهبنة من العام 1974 حتى العام 1980 مسألة عابرة. قبله كانت شاهدة في كل الأديار التابعة لها على تجذير الحضور المسيحي على مساحة لبنان ومعه بقيت شاهدة على هذه الرسالة وأضافت عليها مهمة الاضطلاع بمغامرة إنقاذ لبنان، ليصبح الأباتي عضوا في الجبهة اللبنانية وواحدا من مؤسسيها وأحد أبرز العاملين على تحديد الأدوار التي تقوم بها.
قبل ذلك وفي خلال الحرب كانت لجنة بحوث الكسليك حاضرة في دراسة الواقع اللبناني وتقديم الدراسات والاقتراحات العملية من أجل تثبيت النظام في لبنان. كانت تلك اللجنة جريئة في مقاربة المواضيع الخلافية ومبادرة الى طرح الأفكار من دون خوف.
وفي أديار الرهبنة بدأت بوادر المقاومة اللبنانية وقد دفع بعضها ثمن الحرب في بداياتها تهجيرا وقتلا لتسجل في سجل تاريخها أسماء رهبان شهداء كثيرين. ولم يكن من قبيل الصدف أن تجعل الرهبنة من دير عوكر مقرا للجبهة اللبنانية، ومن ديرها في السوديكو مكانا للقاءات كثيرة، خصوصا أن أهم مقرراتها في خلواتها الكثيرة صدرت في دير سيدة البير.
طوال تاريخها حافظت الرهبنة على تداول السلطة الكنسية. كل ستة أعوام رئيس جديد إلا في الحالات الطارئة التي استدعت التغيير سواء بالاستقالة أو بالوفاة.
بعد الأباتي شربل قسيس انعقد لواء الرهبانية للأباتي بولس نعمان من العام 1980 حتى العام 1986. لم تكن فترة رئاسة نعمان أقل خطورة من فترة رئاسة قسيس. استطاع نعمان أن يثبت حضور الرهبانية في الحياة السياسية المضطربة وأن يجعل منها رقما صعبا وصاحبة قرار، خصوصا في مسألة ترشيح قائد “القوات اللبنانية” الشيخ بشير الجميل الى رئاسة الجمهورية، ثم في انتخابه قبل أن تطرح التطورات السياسية بعد اغتيال بشير دور الأباتي نعمان ودور الرهبانية على بساط البحث في الدوائر الفاتيكانية.
صحيح أن دور الرهبنة العلني والصاخب خفت في نهاية عهد نعمان ولكنها طوال العهود التي تلت بقيت حاضرة في الحياة الوطنية على رغم ابتعادها عن الانغماس المباشر في الحياة السياسية. فهي منذ تأسست كانت مهمتها نشر الأديار في كل لبنان وحول هذه الأديار نشأت أكثر من قرية وأكثر من بلدة. وهي مع الرؤساء العامين الذين تعاقبوا على الرئاسة لم تتخلَّ عن هذه المهمة، خصوصا من خلال العودة الى الأديار التي كان تم تدميرها وتهجير رهبانها لتعيد بناءها من جديد وكأنها في ورشة لا تنتهي.
ومع انتخاب الأباتي نعمة الله الهاشم رئيسا لها تتجدد هذه المهمة، خصوصا في هذه المرحلة الخطيرة التي يمر فيها لبنان.
نشأت الرهبانية اللبنانية المارونية عام 1695، نتيجة لعمل تجديدي رهباني قام به ثلاثة شبان موارنة أتَوا من حلب، هم جبرائيل حوا، وعبدالله قرأعلي، ويوسف البتن. إنتمى هؤلاء الرجال إلى عائلات مارونية عريقة في التقوى والحسَب. إختمرَتْ فيهم دعوة الروح للحياة الرهبانية، ففاتحوا بعضهم بعضا وذويهم بمقصدهم، وأَموا لبنان تحت غطاء الحج والتجارة، بناء على توصية أهلهم، إحترازا من فشل ممكن.
وعندما وطئوا عتبةَ دير سيدة قنوبين، الذي كان قد تَحول كرسيا للبطريركية المارونية منذ سنة 1440، مَثَلوا أمام البطريرك إسطفان الدويهي (1670-1704)، وكشفوا له سر دعوتهم. فاستجوبهم البطريرك، ونبه خاطرَهم إلى شظف الحياة الرهبانية في أماكنَ فقيرة وغير آمنة، وهم أبناء رغد ودلال. فأكدوا له اقتناعَهم وتصميمَهم. حينئذ بارك البطريرك خطوتَهم، ودعمَ مسيرتهم، وَوَهَبهم مقرا في دير مرت مورا – إهدن، في 1 آب 1695. وهكذا كانت البداية.
مؤسسو الرهبنة
يوسف البتن
عبد الله قرأعلي 1699 – 1716
جبرائيل فرحات 1716- 1723
الأباء العامون منذ العام 1950
الأب موسى عازار (عَينطورة المتن) 1950 – 1956
الأب إغناطيوس أبي سليمان (المتَين) 1956 – 1962
الأب يوسف طربيه (تنّورين) 1962 – 1968
الأب بطرس القزّي (الجيّة) 1968 – 1974
الأب شربل القسّيس (قرطبا) 1974 – 1980
الأب بولس نعمان (شرتون) 1980 – 1986
الأب باسيل الهاشم (رشميّا) 1986 – 1992
الأب عمّانوئيل خوري (دير جنّين) 4 أشهر و 4 أيام 1992 – 1993
الأب يوحنّا تابت (عشقوت) 1993 – 1998
الأب أثناسيوس الجلخ (بحرصاف) 1998 – 2004
الأب الياس خليفة 2004 – 2010
الأب طنوس نعمه 2010 – 2016
قدس الأب العام الأباتي نعمة الله الهاشم 2016…