نجم الهاشم/حكومة الأميركان في لبنان.. قصّة الولادة القيصرية

139

حكومة الأميركان في لبنان.. قصّة الولادة القيصرية

نجم الهاشم/نداء الوطن/11 شباط 2020

كان رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب في الولايات المتحدة الأميركية عندما تلقى اتصالاً هاتفياً يطلب فيه المتصل منه العودة إلى لبنان.

منذ استقالة الرئيس سعد الحريري في 29 تشرين الأول 2019 طرح اسمه في الكواليس ليكون رئيساً محتملاً لحكومة ممكن أن تتشكل. ولكنه لم يصبح جدياً إلا بعد أن أعلن الحريري عزوفه عن طرح اسمه كمرشح لإعادة تسميته وخروجه من السباق المتكرر من بيت الوسط إلى السراي الحكومي.

 يوم الإثنين 16 كانون الأول 2019 كان من المقرر أن يبدأ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الإستشارات النيابية لتسمية الشخصية السنية التي يمكن أن تشكل الحكومة. وكان من شبه المسلم به أن الرئيس سعد الحريري سيكون صاحب الحظ. فمنذ استقالته بقي الثنائي الشيعي المتمثل بـ”حزب الله” وحركة أمل متمسكاً بعودته.

رئيس مجلس النواب نبيه بري بقي مصراً على تسميته “ولو بدو لبن العصفور” و”حزب الله” أراد أن يمدد للتسوية الرئاسية التي أبلى فيها الحريري البلاء الحسن وكان مرضياً عليه من الحزب ومن رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل.

على هذا الأساس رابط الثنائي الوزير علي حسن خليل، المعاون السياسي لبري، والحاج حسين الخليل، المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في بيت الوسط لحمله ولو بالقوة إلى كرسي الحكم الثالث.

حتى عندما كشف باسيل ومن ورائه الرئيس عون عن الرغبة في الذهاب نحو حكومة من لون واحد بقي الثنائي الشيعي مع خيار الحريري وقد عبر نصرالله عن هذا الجو العام في أحد خطاباته بينما كان بري أكثر تعبيراً عن الخوف من الفتنة السنية الشيعية.

فشلت محاولات الإتيان بمن يسميه الحريري. من الوزير السابق بهيج طبارة إلى سمير الخطيب أحد أصحاب “شركة خطيب وعلمي” إلى الوزير السابق محمد الصفدي.

ثمة من كان يعتبر أن الحريري أيضاً يناور بالتسميات وأنه كان يريد أن يكون صاحب الحظ الأكيد وأنه يحرق الأسماء من أجل أن يعيد تلميع اسمه وصورته.

خروج الحريري ودخول دياب
فجر ذلك الإثنين أعلن تكتل الجمهورية القوية من معراب بعد اجتماع ماراتوني ليلي أن القوات لن تسمي الرئيس سعد الحريري وأنها تترك موضوع منح الثقة معلقاً على ما يمكن أن تكون عليه التشكيلة الحكومية.

لقد وعد الرئيس سعد الحريري أكثر من مرة أنه سيأتي بحكومة اختصاصيين مستقلين ولكنه لم يكن حاسماً في هذا الأمر بدليل أن الثنائي الشيعي بقي يتحدث عن حكومة تكنو سياسية.

كانت القوات تعتبر أن الحريري سيحصل على تسمية الأكثرية النيابية لأن لا أحد غيره مطروح وأن الرهان هو على التشكيلة. وبالتالي لم تكن تقدّر أنه سيعتذر لأنها لن تسميه على خلفية أن تسميته ستفتقد إلى الميثاقية بعد عزوف كتلتي القوات والتيار الوطني الحر عن تسميته.

طلب الحريري تأجيل الإستشارات حتى يوم الخميس 19 كانون الأول. وعندما أعلن خروجه من السباق دخل الحلبة اسم حسان دياب.

المرة الأولى التي تم فيها طرح اسم دياب جدياً كانت في منتصف تشرين الثاني الماضي. اقترحه الرئيس السابق لصندوق المهجرين المهندس شادي مسعد على الوزير جبران باسيل مع العلم أن البعض يعتبر أن مسعد يحمل الجنسية الأميركية وقريب من الدوائر السياسية في واشنطن.

عندما التقى باسيل الحريري سأله عن دياب فلم يكن موافقاً.
أكثر من مرة حاول باسيل الحصول على موافقة الحريري ولكن من دون جدوى.بعد سقوط اقتراحات بهيج طبارة ومحمد الصفدي وسمير الخطيب. بعد اعتذار الحريري جرت المحاولة الجدية. طرح شادي مسعد الإسم على الرئيس ميشال عون.

سأل عون عما إذا كان دياب مستعداً ليكون مرشح تحدٍّ قادراً على تشكيل حكومة من لون واحد وعما إذا كان يمكن أن يخضع لضغوط تجعله يعتذر بدوره كما حصل مع الثلاثة الذين سبقوه إلى مذبح التصفية.

 فكان الجواب أنه لن يتراجع مهما كانت الظروف والأسباب وأنه مستعد لهذا الخيار ولهذه المواجهة.التسميات والمعايير

تم الإتصال بدياب ليعود. سأل عما إذا كانت العملية جدية. تم تأكيد الأمر. حزم حقائبه وعاد. بعدما عاد دياب إلى لبنان بدا كأنه بات الرئيس الجديد للحكومة. تم تحديد موعد له في القصر. طمأنه عون بأنه ستتم تسميته.

على هذا الأساس وضع المعايير التي على اساسها سيوافق على اختيار أسماء الوزراء بعد تسميته بأكثرية 69 نائباً من تحالف قوى 8 آذار.

في اليوم التالي زار الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط. بعد اللقاء اعلن ان “توجهي ان تكون الحكومة حكومة اختصاصيين ومستقلين”. وقال: “الرئيس الحريري قدم كل التعاون والأجواء إيجابية مع الجميع”. ولكن في الواقع لم يحصل على دعم الحريري الذي كانت لديه خشية من أن يتحول دياب من رئيس حكومة عادي إلى منافس في الإنتخابات النيابية. جرت محاولة لطمأنته على أساس أن دياب لن يدخل المنافسة السياسية والإنتخابية.

عبر دياب عملية التسمية. كان عليه أن يعبر عملية التشكيل. باعتبار أن الذين سموه كانوا محددين وأن الوزراء يجب أن يكونوا محددين أيضاً كان يجب أن تحصل عملية التشكيل بالسرعة القصوى.

صحيح أنه كان أعلن بعد تسميته أن العملية قد تستغرق بين 4 و6 أسابيع ولكن لم تكن هناك دواع للتأخير.

ما حصل قلب التوقعات. صحيح أنه كان غرّد قبل تسميته مؤيداً مطالب ثورة 17 تشرين ولكن بدا كأن هذه التغريدات كانت بمثابة تمهيد لجعل تسميته أكثر قبولاً وأقل حدة وتحدياً.

منذ البداية تصرف دياب وكأنه معه شريك واحد في التسمية هو الوزير السابق دميانوس قطار. أراده إلى جانبه كأنهما واحد. على قاعدة باسيل “مع الحريري داخل الحكومة ومعه خارجها” طرح دياب “مع قطار في الحكومة أو خارجها”. اقترحه وزيراً للخارجية ولكنه بدأ الإصطدام بباسيل وبالطريقة التقليدية لتشكيل الحكومات. أبلغه عون وباسيل معاً أنهما يريدان الحقائب التي كانت معهما.

الرئيس نبيه بري ايضاً كان له المطلب نفسه بالنسبة إليه وإلى “حزب الله”: نعطيك الأسماء قبل التشكيل وإصدار المراسيم.

إضافة إلى ذلك طالب الأربعة بحقائب إضافية كانت من حصة القوات اللبنانية والمستقبل والإشتراكي باعتبار أن هؤلاء لن يتمثلوا في الحكومة ومن الممكن تقاسم حقائبهم.

من هنا نزلت “حصة” قطار من الخارجية إلى الإقتصاد ثم إلى العمل وصولاً إلى البيئة والتنمية الإدارية.

مهما يكن من أمر ما كان دياب سيرفض ولا كان قطار سيعتذر لأن الهدف كان أن يكون قطار داخل الحكومة مهما كانت الحقيبة التي سيحصل عليها وعلى هذا الأساس برز بعد التشكيل كيف أنه يشارك في لقاءات يعقدها دياب ولا تدخل ضمن مسؤوليات وزارتيه.

منذ بداية مسيرة تسمية دياب لعب صديقه المهندس شادي مسعد دور الوسيط بينه وبين الرئيس عون والوزير باسيل وأحياناً مع أطراف أخرى.

ويقال أن مسعد كان أول من اعتبر أن حسان دياب هو الذي سيكون رئيس الحكومة الجديد حتى عندما لم يكن هناك من يتوقع أن يدخل اسمه في السباق.

كثرت لقاءات مسعد وجولاته المكوكية. في يوم واحد انتقل مرتين بين بيروت واللقلوق مروراً ببنشعي حيث التقى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. كان المطلوب أن يتم حل العقد بين “الحلفاء” بينما كان من الواجب أن يسهّل هؤلاء مهمة الرئيس المكلف.

منذ البداية طرحت مسألة توزير وزير محسوب على “اللقاء التشاوري” باعتبار أنهم وحدهم من النواب السنة سموا دياب. ثمة من طرح أن يتمثلوا عن طريق توزير جواد عدرا.

تم استبعاد هذا الخيار لأن عدرا تم طرح اسمه ليكون وزيراً ممثلاً لهذا اللقاء في الحكومة السابقة وتم رفضه ولا يمكن العودة إلى هذا الخيار. عندما تم استبعاده ثمة من طرح تلميحاً اسم زوجته زينة عكر.

ولكن المفارقة كانت أنها من طائفة الروم الأرثوذكس. ولم يتم التركيز عليها. ليقع الخيار على المهندس طلال حواط في وزارة الإتصالات التي كانت من حصة تيار المستقبل. نجحت هذه التسمية ولكنها أوقعت الخلاف داخل التشاوري بحيث اعترض النائب جهاد الصمد وذهب إلى خيار عدم منح الحكومة الثقة. حواط عمل في الولايات المتحدة الأميركية وكندا ومتخرج من جامعة سان خوسيه في كاليفورنيا ويقال أنه يحمل الجنسية الأميركية.

زينة عكر والوزارة
طرح دياب أن يكون مسعد الذي ينتمي إلى طائفة الروم الأرثوذكس نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع ولكن الطرح سقط بسبب اعتراض الحزب السوري القومي الإجتماعي عليه لأنه ترشح في انتخابات 2018 ضد النائب أسعد حردان الرئيس الأسبق للحزب.

طرح أيضاً اسم جاك صراف فلم يمرّ.
بعدها تم اقتراح اسم العميد ميشال منسى. المشكلة كانت في رتبته العسكرية. قبل توزيره يؤدي التحية العسكرية لقائد الجيش العماد جوزف عون ولا يمكن بعد توزيره أن يؤدي عون التحية له. تم استبعاده. عندها تم طرح اسم زينة عكر عدرا لهذا المنصب كان هناك تحفظ مرتبط بكونها امرأة وبكيف يمكن أن يؤدي لها الضباط التحية. ولكن تلك لم تكن مشكلة لأن موضوع تأكيد تسميتها وزيرة للدفاع ونائبة لرئيس مجلس الوزراء تم في اللحظات الأخيرة قبل اختتام التشكيل. عكر يقال أيضاً أنها تحمل الجنسية الأميركية. ولكن على رغم كونها سورية قومية اجتماعية لم تحصل على بركة الحزب.

مشكلة القومي
عندما طرح مسعد اسم نقيبة المحامين السابقة أمل حداد لتكون في هذين الموقعين تمسك بترشيحها الحزب السوري القومي الإجتماعي باعتبارها محسوبة عليه أو قريبة منه مع أنها غير حزبية. ولكن اختيارها عاد وسقط بسبب رفض باسيل لها وترشيحه القومي السوري أيمن حداد ليكون وزيراً للإقتصاد. التقى دياب مع أيمن ووجد فيه مواصفات جيدة ليكون وزيراً نظراً لعلاقاته مع مؤسسات مالية دولية ولديه خبرة. ولكن ترشيحه سقط أيضاً لأن القومي اصر على امل حداد. فسقطا معاً من التشكيلة.

خلافات الحلفاء
بقي دياب متمسكاً بأن تضم الحكومة 18 وزيراً. حرص على مقابلة من يتم عرض أسمائهم عليه. وزيران فقط لم يقابلهما قبل التأليف واحد من “حزب الله” وواحد من حركة أمل أعطي إسماهما في قصر بعبدا.

بقي مصراً على أن يكون الوزراء اخصائيين من دون الإعتراض على مسألة المرجعية السياسية التي تسميهم.

تمسك بتسمية 6 وزيرات.
بدا كأن العملية معقدة أكثر من اللازم.
بدأ التلميح بأن الرئيس عون والوزير باسيل غير راضيين عن تعاون دياب وكذلك طلع صوت الرئيس بري.

لم تكن المشكلة مع دياب وحده. عندما بدا مرة أن الحكومة على وشك الولادة وتم تسريب الأسماء مع الحقائب التقى دياب مع الرئيس بري. أبلغه بري أن هناك مشكلة. سليمان فرنجية يريد وزيرين وحقيبتين إحداهما الأشغال ولا يريد أن يكون لباسيل الثلث المعطل. أبلغه أيضاً أن الحزب القومي يريد أن يتمثل بوزير يسميه هو وأن الدروز يريدون وزيرين والكاثوليك أيضاً. كبرت المشكلة. هدد فرنجية بعقد مؤتــمر صحــافي السبت 17 كانون الثاني.

في 14 كانون الثاني استقبل بري باسيل في عين التينة. كان بري قد أعلن أنه قد لا يشارك في الحكومة ولكنه يمنحها الثقة وكان باسيل قد هدّد أيضاً بأن يخرج مع تياره من الحكومة.

أجّل فرنجية مؤتمره الصحافي بعد تدخل بري و”حزب الله”. كانت عملية التأليف تتعرقل ضمن الصف الواحد وكان الضغط يزداد في الشارع نتيجة الفشل الكبير وكان دياب يعاني من خيبة أمل.

باسيل: راحت علينا
تم التسريب أن “حزب الله” “شال إيدو” من التشكيل وأنه لن يتدخل نتيجة الخلافات بين حلفائه وتمسكهم بمطالب تعرقل تشكيل الحكومة وتؤثر سلباً على صورة “حزب الله”.

وصل الخبر إلى دياب فبدا كأنه دخل نفقاً مسدوداً وأنه سيواجه الفشل.

باسيل أيضاً كان أمام مواجهة الإنهيار. أبلغ وسيطاً بينه وبين دياب “أن “حزب الله” لا يتدخل وإذا لم تتشكل الحكومة اليوم راحت علينا”.

تدخل الرئيس بري. التقى دياب بحثا عن مخرج بزيادة عدد الوزراء إلى عشرين. وافق دياب. يوم الثلثاء 21 كانون الثاني عقد فرنجية مؤتمره الصحافي وهاجم باسيل وجشعه وحمله مسؤولية العرقلة على رغم أن الأجواء كانت تشير إلى الحلحلة.

توجه الرئيس بري إلى قصر بعبدا للقاء الرئيس عون قبل أن يصل الرئيس المكلف. في هذا اللقاء تم وضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الحكومية التي لم يحصل فيها الحزب القومي على أي وزير يمثله على رغم وجود 3 وزراء حزبيين أو قريبين من الحزب.

ولكن القرار كان قد اتخذ.
في ذلك اللقاء تمت تسمية معظم الوزراء مع التوزيع الأخير للحقائب.

 ستة من العشرين يحملون الجنسية الأميركية من بينهم أحد وزراء “حزب الله” عماد حب الله الذي كان يشغل منصب عميد الجامعة الأميركية في دبي منذ أيار 2017 وهو كان درس في الولايات المتحدة الأميركية وتخرج من جامعاتها ويحمل عدة شهادات.

 وستة أيضاً يحملون جنسيات غربية غير أميركية.
هذه الحكومة التي كانت تسمية رئيسها قيصرية وعملية تشكيلها قيصرية وسيكون حصولها على الثقة عملية شاقة وقيصرية ستلقى عليها مهمات شاقة وسيكون عليها إجراء عمليات إصلاح وإنقاذ قيصرية.

فهل ستستطيع أن تعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله؟

وهل سيمكنها أن تتسلم المسؤولية بكل مسؤولية وتتحرر من سلطة من سموا رئيسها ومن شاركوا في اختيار الوزراء؟ وهل ستتمكن بسهولة من عبور حواجز حصولها على الثقة؟

يبقى أن الثقة ليست من مجلس النواب بل من الشارع ومن الإنجازات التي يمكن أن تتحقق وتحتاج إلى معجزات.