شارل الياس شرتوني/ما هو المطلوب من هذه الحكومة؟

51

ما هو المطلوب من هذه الحكومة؟
شارل الياس شرتوني/03 شباط/2020

تنطلق الحكومة الجديدة من أزمة ثقة تسبق جلسة إعطاء الثقة من قبل مجلس نيابي مطعون بشرعيته ولا ثقة للناس بأعضائه.

هذا الواقع المأزوم منذ بداياته ليس بالأمر المستغرب بعد انقضاء مائة يوم على انطلاقة الحراكات المدنية، ومحاولات اجنحة المعادلات السياسية القائمة واءدها في مهدها، وتفكيك أوصالها للحؤول دون تشكل موازين قوى مضادة تكسر الاقفالات المحكمة التي أوصدت أبواب التغيير على وتائر زمنية متعددة.

تنطلق هذه الحكومة من حيثية الأمر الواقع، وعلى خط متواز مع الحراكات المدنية، وضمن محددات فرضتها الخيارات السياسية الإقليمية الخاصة بالثنائي الشيعي، وعلى خطوط التقاطع والتباين بينه وبين شركائه أعضاء النادي الاوليغارشي المغلق، وانطلاقًا من إملاءات الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية المنهارة.

ان اكتسابها لأية شرعية مرتبط بقدرتها على وضع البلاد على خط التطبيع والإصلاح التراكمي وتحييدها عن النزاعات الإقليمية المدمرة، ريثما تتبلور التسويات الكبرى. هذه التحديات المطروحة على الحكومة تصطدم بالعقبات والصعوبات التالية:

أ- فقدان أعضائها الاستقلالية المعنوية والمراس السياسي الذي يسمح لهم، مجتمعين او منفردين، أخذ البعد عن إملاءات مراكز النفوذ التي أتت بهم، والخوض في أعمالهم التدبيرية انطلاقا من قناعاتهم الضميرية ومسؤولياتهم المهنية. هذه الاثقال المعنوية اللاجمة سوف تبقي الاداءات ضمن حدود تفرضها سياسات الثنائي الشيعي والمصالح الاوليغارشية القائمة، والحراكات المدنية في فضاء الاعتراضات المطبعة والمطوعة عندما تقتضي الحاجة.

ب- بقاء الحراكات المدنية على حيوية تعبيراتها ضمن هوامش أدائية اعتراضية غير قادرة على اجراء نقلات نوعية باتجاه الترجمة السياسية، بفعل اختلافاتها الأيديولوجية ومرتكزاتها السياسية، وعدم قدرتها على بلورة برنامج عمل مشترك مستند الى إجماعات الحراكات حول مسائل الفساد واستعادة الأموال العامة المنهوبة، والإصلاح في السياسات العامة، والتحضير لانتخابات نيابية تأسيسية.

ج- تحديد هامش مبادراتها الإصلاحية والعلاجية بفعل كوابح سياسية مسبقة تحول دون ترجمة عملية لإعلانات النوايا التي تتصدر البيان الوزاري لجهة المسائل التالية: تحرير القيود المالية المصطنعة التي استحثها التهريب غير المبرر لأموال الاوليغارشيات مع بداية الحراكات المدنية، وانعدام الثقة بالنظام المصرفي الذي عبر عنه سحب المودعين لأموالهم وإيداعهم إياها في منازلهم، ووقف التحويلات الاغترابية، وانسحاب الرساميل الأجنبية، وترددات الركود الاقتصادي على السيولة والملاءة المصرفية؛ ضبابية الآليات المقترحة من اجل استرداد الأموال المنهوبة والعائدات الريعية التي ارستها سياسات الدين العام؛ عدم اعتماد سياسة اصلاحية صريحة لجهة تفكيك نظام الزبائنيات التي ترفد نفوذ الثنائي الشيعي والعجز البنيوي للمالية العامة، وتحمي الموارد الريعية والحيازية التي تجمع اقطاب الاوليغارشيات المتنوعة، وتحول دون اشراك المجتمع المدني والهيئات المهنية، في صياغة السياسات الإصلاحية العائدة لمختلف القطاعات المالية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، واعادة ترسيم فواصل العام والخاص على أساس التفاوض بين أطراف العقود الاجتماعية الملازمة للثقافة والمؤسسات الديموقراطية.

د- فصل الديناميكيات السياسية الناظمة للحياة السياسية الداخلية عن مترتبات النزاعات الإقليمية، وتحرير المبادرة لجهة السياسات الخارجية والدفاعية المتموضعة على خطوط تقاطع النزاعات الشيعية-السنية، والاسرائيلية-الفلسطينية، والعراقية والسورية واليمنية. ان واقع الاحتباسات النزاعية هو واقع مديد وملازم للاعطاب التكوينية للكيان الوطني اللبناني، يرخي بأثقال كبيرة على مندرجات الحياة السياسية الداخلية التي اكتوت بنيرانه الوافدة من مصادر متنوعة. ان سياسات النفوذ بتصريفاتها الشيعية والسنية، وبعض تعبيرات الحراكات المدنية تستوي في تبنيها وتطبيعها وتأقلمها مع الصراعات الإقليمية كديناميكيات ناظمة، تبقي السؤال حول مدارات التغيير ومآلاته وسبل ادارته على نحو عقلاني وهادف في ظل تداخلات نزاعية خارجية مدمرة.

ان سرد هذه الاعتبارات أساسي إذا ما اردنا تقييما واقعيا لمندرجات العمل الحكومي المزمع بعيدا عن التمنيات الفارغة والمضللة، وشطحات المواقف السياسية الهوائية، والتسليم بإملاءات الأمر الواقع المطبق على تماسكنا الدولاتي وحقوقنا وحرياتنا واستقرارنا وسيادتنا منذ ثلاثين عاما.

الحكومة هي في حالة مواجهة فعلية مع استحقاقات مالية واقتصادية واجتماعية ضاغطة، ومدغمة بمواعيد داهمة وضوابط مهنية وسياسية عامة قسرية لا تحتمل المناورة والتأجيل كما جرى في الماضي القريب مع الإجهاض المتعمد لخطة سيدر-باريس٤، وما سبقها من تحايل وتذاكي على المؤسسات الدولية والدول المانحة. نحن اليوم في مواجهة مع أنفسنا حاسمة قبل معاودة التواصل مع المجتمع الدولي، فإما ان نذهب اليه دولة متماسكة ومالكة لأمرها، وإما أي تلكؤ في هذه المجالات هو نذير اضافي لما هو معروف ومتداول به، سقوط الدولة الصورية ونهاية الجمهورية اللبنانية مع اختتام المئوية الأولى لإنشائها.