د. منى فياض/حكومة أعطونا فرصة: هدنة أم قبضة أمنية؟

60

حكومة أعطونا فرصة: هدنة أم قبضة أمنية؟
د. منى فياض/الحرة/26 كانون الثاني/2020

أسبوع الغضب الذي سبق ولادة الحكومة في لبنان والعنف الذي تلاها، قَلَبَ ثورة اللبنانيين واللبنانيات، من ثورة أثارت إعجاب العالم بسلميتها والطاقات التعبيرية والفنية التي فجرتها والنقاش الفكري والقانوني الذي فتحته، إلى فوضى وعنف تسبب بـ 500 إصابة بيومين والعدد ينحو للتصاعد.

أخيرا حصل الذين لا يطيقون “ثورة” من دون دم على مبتغاهم. لست ألوم أحدا بالطبع. ولا يمكن اتهام كل من استخدم العنف بالمندس أو المأجور. يبدو أنه يصعب على البعض ضبط النفس بعد مماطلة السلطة وتجاهلها التام لما يحصل لأكثر من 3 أشهر. فاستمرار السلطة بنفس الألاعيب المعتادة دون خجل أجج الغضب الشعبي.

لكن أمر من هم في السلطة ليس بيدهم. صحيح أنهم أسياد لعبة المحاصصة والطمع بحصة إضافية والصراع حول “حصتك أكبر من حصتي” وتقاسم الحقائب الخدماتية، لكن هناك من يقرر عنهم ويستخدم “مبضع الجراح” عند اللزوم، فتتألف الحكومات.

ما الذي ننتظره في المرحلة القادمة من سلطة تبني بينها وبين من تدعي تمثيلهم جدار عزل مكهرب؟

وللتأكيد على “استقلالية الحكومة” سأنقل بعض ما تبادلته الصحف أثناء تأليفها الماراتوني:

“المسؤول الأمني في “حزب الله” وفيق صفا، والمعاون السياسي للأمين العام للحزب حسن خليل على اتصال يومي بالرئيس المكلف”.

“نقلت مصادر المتصلين بـ (جبران) باسيل عنه أنه يطالب بوحدة المعايير في تمثيل الأطراف، ويأخذ على الرئيس (حسان) دياب أنه لم يتدخل في تسمية الوزراء الشيعة وهو من يسمي الوزراء السنّة من دون تدخل من أي طرف، فكيف يتدخل في تسمية الوزراء المسيحيين المقترحين من الرئيس (ميشال) عون والتيار (الوطني) الحر”؟ وقالت مصادر سياسية مواكبة لـ”الشرق الأوسط”، إن باسيل لا يزال يناور؛ مرة بحكومة اختصاصيين ومرة أخرى بالأسماء بهدف كسب الثلث المعطل، سائلة: “ما دامت الحكومة حكومة لون واحد، فلماذا الثلث المعطل فيها؟”.

هذا غيض من فيض لا يدل سوى على أن هذه الحكومة أبعد ما تكون عن الاستقلالية. عندما كان لبنان سيدا حرا استقال بشارة الخوري لتظاهرة أمام بيته وأفسح المجال لإحداث التغيير. المشكلة الآن أن لبنان ليس سيدا ولا حرا ولا مستقلا.

أتوا بحكومة “كومبارس” وهواة، ستشكل ستارة معتمة تجهد في إخفاء اللاعب الأكبر: “حزب الله” وإيران من خلفه. سيستخدم الأمين العام للحزب مهارته الخطابية ليرد على مثل هذه “الاتهامات الباطلة” بالهزء والتنكر.

لكن ما يريد خطاب “حزب الله” الرسمي إخفاءه، يفصح عنه الصحفيون الناطقون باسمه وشارحي مقاصده دون تحفظ. ألخص ما كتبه ابراهيم بيرم في النهار: “محمد رعد في تصريح نوعي مباغت.. متوعّدا إياهم بأننا “لن ندعكم وشأنكم” حتى وإن أدرتم ظهركم”… “وتعمد توجيه هذه الرسالة.. ليرسم لهم في مرحلة ما بعد التوليفة الحكومية، الخطوط الحمر ومساحة الإقدام والإحجام المباح لهم اللعب بين جنباتها في قابل الأيام”..

ويكمل بيرم “وعليه، أيضا، فإن ثمة من فسر هذا السلوك الخشن من جانب “حزب الله” بمثابة “دفاع كفائي ليس إلا”.. و”ظهر في فضاءات الحزب من يتبنى نظرية جوهرها أن “رسالة السيد تلك” ما لبثت أن أعطت أكلها وظهرت ثمارها وقد تجلى ذلك في انضباط جنبلاط ضمن قواعد لعبة هادئة حالت دون جنوحه نحو التصعيد المستفز ضد الحزب والتيار البرتقالي، إذ بقي خطابه يتسم بالسلاسة ومقيدا بحدود المعقول”.

يحاول الحزب إخفاء العنف الذي يتعامل فيه مع الثوار، سواء عبر الأجهزة الامنية التي يمون عليها أو من المندسين الذين يرسلهم، وآخر إنجازاتهم الاعتداء على فريق تلفزيون MTV في البقاع.

ما يخفيه الحزب عبر عنه أيضا بوضوح النائب محمد رعد عندما اعترض على حزب الكتائب لتحوله إلى “مستشفى ميداني” لإسعاف المصابين خلال يوم العنف الدامي الذي مارسته بعض أجهزة الأمن: “هل المعايير أن يرسل الناس لممارسة الشغب، وليشتبكوا مع قوى الأمن الداخلي، ولنقيم لهم في مقر حزبي مستشفى ميدانيا؟ هل هذه هي السياسة التي تبني وطنا؟”.

تعاني السلطة من آفتين متلازمتين: حالة انفصال تام عن الواقع، وحالة انعدام المسؤولية والفشل في القيام بأي ذرة إصلاح.

فلا يزال خطابهم يتكرر: نحن مع المحتجين مطالبهم مطالبنا ووجعهم وجعنا. وكأنهم متفرجون! لكنهم يقسمون الثوار بين حقيقيين ومزيفين ويصفونهم بالشعبوية والراديكالية. على اعتبار أن خطبهم حول حقوق المسيحيين والرئيس القوي والأقليات وتحرير فلسطين وطرق القدس الملتوية هي برامج عمل في منتهى الجدية!

إنها حكومة “أعطونا فرصة”؛ نحن اختصاصيون مستقلون كما طلبتم.

مما لا شك فيه أن الثورة نجحت في منع السياسيين التقليديين من تبوأ واجهة السلطة. فأتوا بمن هم خارجها من أتباعهم من الاختصاصيين. لكن الخلط في توزيع الاختصاصات على الوزارات ودمج الوزارات، الثقافة بالزراعة مثلا، أفقد صفة الاختصاص معناها. مع ذلك سارع رئيس الحكومة عند إعلانها بإتحافنا بتصريح أنه قام: “بتأليف حكومة لم ير لبنان مثيلا لها في تاريخه!”.

هل قصد عدد السيدات؟ الذي يعيدنا إلى مدرسة النظام السوري الذي كان سباقا في تعيين الوزيرات والنائبات لتبييض صفحته أمام المنظمات الدولية؟ أم أنه قصد تعيين وزيرة في الدفاع! ألم تسبق الحكومة السابقة إلى مثل هذا الفتح العظيم بتعيين أول سيدة في العالم العربي كوزيرة للداخلية؟ ومع ذلك “ما شالت الزير من البير”.

بالرغم من الأخبار المتداولة في وسائل الاعلام، عن فساد بعض من في هذه الحكومة وتبعية البعض الآخر للنظام السوري، نظل بانتظار كيفية استقبال المجتمعين الدولي والإقليمي وإمكانية دعمهما لها.

أميركا طبعا ستنتظر أداء حكومة اللون الواحد وبيانها الوزاري وموقفها من القرارات الدولية ومن ترسيم الحدود مع إسرائيل واستخراج النفط وجديتها في الإصلاح! ولقد سارع وزير المال إلى اعلان قرب استغلال النفط والغاز. ألا يعني ذلك انفتاح محور المقاومة على إسرائيل عبر أميركا؟

من ينتظر قيادة للثورة سينتظر طويلا. ومن ينتظر تراجعا، أيضا سينتظر طويلا بالمقابل عبّر الشارع عن الغضب الشديد من الحكومة.

فما الذي ننتظره في المرحلة القادمة من سلطة تبني بينها وبين من تدعي تمثيلهم جدار عزل مكهرب؟

هل يمكن الوثوق بأن حكومة من هذا النوع ستتمكن من الصمود ناهيك بمواجهة الانهيار واستعادة ثقة الشارع؟

أم أنها ستكون الواجهة لمرحلة تتناوب فيها السلطة سلوكي التجاهل والقمع العنيف!

مع العلم أن العنف سيستدعي المزيد من الردود الراديكالية والمزيد من العنف وصولا إلى الانفجار الكبير.

وعلى رأي صديق: “بعد أن تقتلعي عيني برصاصة مطاطية، لا يعود أمامي أيتها السلطة إلا أن أنظر إلى الأمور بعين واحدة حمراء”.

من ينتظر قيادة للثورة سينتظر طويلا. ومن ينتظر تراجعا، أيضا سينتظر طويلا. إنها مرحلة الثورات دون قيادة للجيل الجديد على المستوى العالمي. جيل الوعي السياسي والمطالب بحقه بقيادات سياسية مؤهلة، على ما جاء في مقال سام برانن تحت عنوان عصر الثورات من دون قيادات.