شارل الياس شرتوني: سياسات النفوذ الشيعية والدولة الصورية ودورة العنف/موقف رائد لنقيب المحامين

55

سياسات النفوذ الشيعية والدولة الصورية ودورة العنف
شارل الياس شرتوني/23 كانون الثاني/2020
لقد دخلت الأزمة المفتوحة في مرحلة جديدة قوامها الاستعمال الاستنسابي للعنف المفرط تجاه الحراكات المدنية التي باتت تعبر، في هذه المرحلة وخلافًا للمراحل السابقة، ليس فقط عن التململ حيال اداء الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها، والأزمات البنيوية لنظام الطائف، بل عن مفاعيل الأزمة المالية وتردداتها على كل مستويات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، الناس بدأت تتلمس بشكل مؤلم تأثير الأفق السياسي المسدود على حيثيات الحياة اليومية، كما ان القطاعات الاقتصادية (موقف تجمع الصناعيين اليوم) عبرت بشكل نافر عن اعتراضها على سياسة إدارة السيولة التي اقرتها ونفذتها جمعية المصارف بشكل احادي، وفي ظل غياب إرادي تام من قبل حكومة تصريف الأعمال، الأمر الذي حدا بممثل الأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيتش، الى التعبير عن سخطه حيال درجة اللامسؤولية التي توصف اداء الاوليغارشيات الحاكمة. بالمقابل، المشهد السياسي القاضي بتأليف الحكومة، يتحرك على وقع المحاصصات الاوليغارشية، وعلى قاعدة التنكر التام لما طرحته الحراكات المدنية لجهة كسر الإقفالات المفروضة على الحياة السياسية، والتمهيد لإصلاحات بنيوية تطال النسق السياسي العام.

لقد اندرجت الممارسات العنفية ضمن سياق التطويع والترهيب وتفعيل التناقضات المذهبية، تمهيدًا لما يعتقده مهندسو هذا الاداء (الثنائي الشيعي وملحقاته في مختلف الأوساط) بداية لعملية تصفية الحراكات، وفرض إيقاع للحياة السياسية قائم على الثنائية الناظمة للعمل السياسي التي ابتدعها نظام الطائف، المؤسسات الصورية ومراكز القوى الفعلية، بحيث يتحول المبنى الدولاتي الى إطار فارغ للعبة سياسية تتم على خط تقاطع سياسات نفوذ الداخل والخارج. تؤكد التوليفة الوزارية الحاضرة صدقية هذه المقاربة، عبر اختيار فريق وزاري تقني نسبيا للقيام بالعمل الإداري للوزارات على أهميته القصوى في هذه الظروف الاستثنائية، مع ابقاء الوصايات السياسية على الوزراء من قبل مراكز القوى التي أتت بهم، وفي ظل الخيارات السياسية الكبرى التي تضعها مراكز القوى الشيعية بإشراف حزب الله، الأمر الذي سوف يبقي الغامًا متنوعة على درب العمل الحكومي، ويقيد حرية حركته، ويرسي البلاد على خط تلاقي الفوالق الزلزالية في المنطقة، والنزاعات الدولية والإقليمية.

هذا الانفصام الممأسس ليس بمستحدث بل وليد ارث سياسي تراكمي من سياسات السيادة الاستنسابية والمحدودة، والفراغات الدستورية الارادية التي عبرت عنها أزمات متوالية منذ بداية التسعينات (حتى لا نعود الى ابعد) لجهة الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات والتعيينات الإدارية.
ان متابعة الحراكات المدنية على نحو سلمي وخلاق أساسية من اجل ابقاء الضغط، وتوسيع دائرة الدعم الدولية للمد الاصلاحي، ومراقبة الاداء الحكومي، وبلورة برامج العمل الاصلاحي وقواعد العمل المشترك خارجا عن الخيارات الأيديولوجية والمصلحية الانقسامية، والحؤول دون استهداف السلم الأهلي واهداف الحراكات البعيدة، مسعى أساسي إذا ما اردنا تقويض هذه الاقفالات الاوليغارشية.
اما الهم الأساسي الجامع في هذه المرحلة فهو إدارة ازماتنا المالية والاقتصادية والاجتماعية ككل متداخل من اجل احتواء الانهيارات القاتلة وإزاحة الضغوطات الحياتية الخانقة، وتصليب ممانعتنا السياسية لان المواجهة مكملة وطويلة.

نماذج لبنان الناهض
شارل الياس شرتوني/23 كانون الثاني/2020
” كان لدينا قضاة اصحاب علم واخلاق، واليوم لدينا قضاة لا علم لهم ولا أخلاق” (نقل حرفي لما قاله لي الدكتور ادمون نعيم سنة ٢٠٠٠)
موقف رائد لنقيب المحامين
ان المواجهة التي تمت بين نقيب المحامين ملحم خلف والقاضي سامي صدقي الذي سمح لنفسه طرد المحامي الوقور مالك عويدات (٨٦ سنة) من المحكمة، تؤكد مرة أخرى أهمية النقلة النوعية التي قام بها المحامون عند انتخابهم ملحم خلف نقيبا لهم. عندما قال النقيب خلف “ما حدا بضهر محامي من المحكمة” أكد مرة أخرى ان حكم القانون في هذا البلد لن يخضع لمزاجية قاض أو صلف سياسي أو وقاحة فاسد، والأهم لن يفسح المجال للتطاول على كرامة المحامين والمتقاضين، وأنه آن الأوان لإعطاء عمل العدالة في بلادنا كل البعد الأخلاقي الملازم له. لقد جاء وقت التصدي لواقع الفساد والضمور الأخلاقي والتسيب السلوكي، والتبعية لمراكز القوى، وتشريع الفساد لأصحاب النفوذ السياسي والمالي الذي يسود في أوساط العمل العدلي والقانوني في بلادنا .
ان اعادة الاعتبار للشيخ الجليل المحامي مالك عويدات، هو اعادة الصدارة للأخلاقيات الأساسية في الوسط العدلي والمهن القانونية التي أصبحت ذيلًا لسياسات النفوذ، وعنوانا من عناوين الفساد في البلاد، واحدى المداخل الأساسية للعمل الاصلاحي على المستويات السياسية والمالية والاجتماعية. لن تستقيم الحياة السياسية والعامة ما لم يستعد القضاء نزاهته ومعاييره الأخلاقية والمناقبية واستقلاليته، والا فلا سبيل لإصلاحها. كل التقدير للموقف المبدئي للنقيب خلف الذي استحق لقب حامل عصا العدالة (Bâtonnier de l’ordre des avocats) .وننحني إجلالا أمام الشيخ الوقور المحامي مالك عويدات.