إياد أبو شقرا: إسقاط الطائرة الأوكرانية يزيد انكشاف نظام إيران/راغدة درغام: استراحة وهميّة في المواجهة الأميركية – الإيرانية

143

استراحة وهميّة في المواجهة الأميركية – الإيرانية
راغدة درغام/ايلاف/12 كانون الثاني/2020

إسقاط الطائرة الأوكرانية يزيد انكشاف نظام إيران
إياد أبو شقرا/الشرق الأوسط/12 كانون الثاني/2020
إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية فوق محيط العاصمة الإيرانية من شأنه أن يزيد انكشاف طبيعة نظام طهران. لكن الحقيقة، أن ما حدث في موضوع الطائرة لا يضيف جديداً لما يعرفه المتابعون المتجرّدون والموضوعيون الذين تابعوا مسيرة «الثورة الخمينية» منذ 1979.
الذين يتذكّرون الصراعات الدامية والإعدامات والتفجيرات القاتلة ومحاكم صادق خلخالي، والتنكيل بالعديد من أوائل المشاركين في «الثورة»، وتحوّل القيادة تدريجياً إلى «مافيا» ميليشياوية بوليسية توسعية بقيادة «الحرس الثوري»… يعرفون جيداً طبيعة هذا النظام.
هنا ثقافة الحياة لا تعني شيئاً في ظل تبجيل ثقافة الموت. الحريات لا قيمة لها أمام سطوة سلطة تعلو على المُساءلة. الديمقراطية واجهة خالية من أي مضمون، وتُستخدَم حصراً من أجل العلاقات العامة والمزايدات الخارجية… لأن مركز الحكم في مكان آخر. الدولة كيان فضفاض وشبه فارغ إلا من بُعده القومي العرقي، حيث لا دور للأقليات إلا الطاعة. وداخل هذه الدولة تقوم دويلة أكبر منها، تنهى وتأمر، وتكتنز وتنفق، وتشتري وتبيع، وتفتح لها فروعاً في الخارج هي نسخ «طبق الأصل» عنها، مهمتها أن تكون ولاية حصرية لمنظومة «ولاية الفقيه».
لا أحد يجادل في حق أن تلعب إيران دوراً يليق بها. هذا أمر طبيعي جداً. فإيران بلاد عريقة ذات تراث عظيم وثقافة رائعة وفنون مبهرة. ثم إنها بلاد يقارب تعداد سكانها الـ84 مليون نسمة – أي توازي ألمانيا التي هي ثاني أكبر دول أوروبا – بينما تمتد على مساحة ضخمة هي أقل بقليل من مليون و650 ألف كلم مربع. أما بالنسبة إلى ثرواتها الطبيعية فإنها في مجال الطاقة وحده – ناهيك من ثرواتها العديدة الأخرى – تمتلك رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم وثاني أكبر احتياطي غاز طبيعي.
ألمانيا، بالمناسبة، استطاعت أن تغدو قوة اقتصادية وحضارية وسياسية عالمية رغم تاريخها المشتت وكياناتها المتناثرة وشبه المستقلة… وأيضاً، رغم هزيمتها في حربين عالميتين. وهذا يعني أنه ليس هناك ما كان سيمنع إيران من أن تكون «ألمانيا الشرق الأوسط»، فتلعب دور «قاطرة قيادة» سلمية عاقلة… كما كانت ألمانيا مع أوروبا تحت رؤيوية كونراد أديناور، ومعجزة لودفيغ إيرهارد الاقتصادية، وحكمة فيلي برانت في ضبط إيقاع «الأوستبوليتيك» في العلاقات بين الشرق والغرب من قلب القارة الأوروبية.
كان بمقدور إيران أن تكون عامل حداثة و«مشروع نهضة» إقليمياً، بدلاً من أن تدفع ثمن فجاجة طموحها الإمبريالي المكشوف… بدايةً مع حلم الشاه محمد رضا بهلوي بدور «شرطي الخليج»، وانتهاءً بكارثة جموح الملالي وإصرارهم الانتحاري على «تصدير ثورة» ظلامية تعيش في الماضي وتنأى عن المستقبل، وتستنهض كل أحقاد التاريخ… الصحيح منه والمزوّر!
للأسف، بينما قادت ألمانيا المشروع الأوروبي وبنت أحد أعظم اقتصادات العالم من دون مغامرات عسكرية توسعية، فعلت إيران العكس… فزجّت إيران الشرق الأوسط في عدة حروب مكلفة بشرياً وسياسياً واقتصادياً.
بدأ مسلسل هذه الحروب مع الحرب العراقية – الإيرانية رداً على قرع طهران طبول «تصدير الثورة». وبعد «تجرّع» القيادة الخمينية – كما نعلم – «كأس السم» تغير التكتيك في طهران، ولكن من دون أن يتغير الهدف الاستراتيجي. وهكذا بدأ «الحرس الثوري» زرْع الميليشيات التابعة في الدول العربية المجاورة وتأجيج المذهبية، وتشجيع العسكرة والعنف، وتدمير الانفتاح والاعتدال، ومصادرة تُراث الشيعة العرب واسترهانه و«فرسنته».
أصلاً، الدفع باتجاه العسكرة من منطلق استعلائي انغلاقي، للثأر من التاريخ والتوافق، دخيلٌ على التشيّع الحقيقي. كذلك كان مناقضاً للتشيّع رفعُ شعارات المظلومية لتبرير الاستكبار، وادّعاء حصرية حب أهل البيت من أجل تهميش هويّتهم العربية وإبعادهم عن بيئتهم ومحيطهم.
ومن ثم، كان الشيعة هم الضحية الأولى لما حصل في لبنان، ثم العراق واليمن، بل حتى إيران نفسها… بفعل استراتيجية النظام وحرسه الثوري. لقد صودر القرار الشيعي المستقل واختُطف وشُوِّه. ولذا كان من الطبيعي، في يوم من الأيام بعدما استهلكت هذه الحالة الشاذة نفسها وتجاوزت حدها أن يبدأ التململ… وبدأ حقاً. بدأ من إيران، قبل أن يُقمع غير مرة، أحدثها في أواخر 2019، وقبلها عام 2009 مع «الحركة الخضراء». وكذلك رأيناه في ساحات لبنان، وبيئته الشيعية بالذات، في النبطية وصور وبعلبك وكفررمان وغيرها. وتناقل العالم صوره وتداعياته في كربلاء والنجف والناصرية… وأيضاً البصرة والحلّة والديوانية في العراق.
ما عاد ممكناً احتواء مارد الانتفاضة ضد هيمنة «الحرس» وأتباعه حتى في قلب معاقل الشيعة. ما عادت العين تخشى مخرز البلطجة والفاشية.
قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» صُفّي بقرار من القيادة الأميركية بناءً على اعتبارات أميركية، مع أن التخلص منه كان مطروحاً منذ مدة من دون أن يترجَم على الأرض. وبالتالي، ثمة ظروف ومعادلات دولية يتوجب على إيران أولاً، وعلى ضحايا نظامها ثانياً، أن يقرأوها بتمعن.
لقد ظل سليماني موجوداً لأنه لفترة غير قصيرة كان يشكّل حالة «تقاطع مصالح» مع مشاريع إقليمية أخرى. وبمجرد تغيّر الأولويات والحاجات، اتُّخذ قرار إزالته من المعادلة. والمبدأ نفسه ينطبق على كل أتباعه داخل العراق وخارجه.
المسألة إذاً ليست أن «محور المقاومة» جبّار لا يُقهر في وجه خصومه، بل لأن هذا المحور – عن دراية أو جهل – يخدم مصالح آنيّة معينة.
وبالأمس كشفت مأساة الطائرة الأوكرانية مجدداً العيوب القاتلة للنظام الإيراني… حكومةً وتكنولوجيا. فهناك أكثر من سلطة وأكثر من خطاب، في بلد لا يرقى تقنياً لتحدي القوى الكبرى. ثم إن القدرة النووية ستكون كارثية أولاً وأخيراً على إيران.
ذلك أن بلداً يقع على فوالق زلزالية نشطة تشكّل فيه المفاعلات النووية قنابل موقوتة أضرارها على المدنيين لا تعد ولا تحصى. وهي إذا كانت قد ألحقت أضراراً في دول متقدمة كالولايات المتحدة (ثري مايل آيلاند) واليابان (فوكوشيما)… فكيف يمكن احتواء التسرّب منها في إيران… حيث لا تميِّز الصواريخ «الذكية» الطائرات المدنية عن الطيران المعادي؟

استراحة وهميّة في المواجهة الأميركية – الإيرانية؟
راغدة درغام/ايلاف/11 كانون الثاني/2020
قرار التريّث وتعديل السياسات المتشدّدة في طهران ما زال لم ينضج بالرغم من مؤشرات احتواء المواجهة العسكرية المباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية في أعقاب قتل قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني والرد الإيراني الأوّلي عليه بإطلاق صواريخ باليستية ضد قاعدتين أميركيتين في العراق لم تسفر عن قتل أميركيين، بحسب تأكيد واشنطن. الانقسام في الصفوف الرسمية الإيرانية يقع بين منطق الإصلاحيين – على نسق تأكيد وزير الخارجية محمد جواد ظريف ان قصف القاعدتين هو الرّد على قتل سليماني – وبين توعّد المتشدّدين بـ “عملية ضخمة” ضد القوات الأميركية في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط تقول المصادر انها ستأخذ شكل “عمليات” وليس عملية واحدة وستكون “متزامنة” Simueteneous في أكثر من بلد وأهداف مختلفة. المحرّك للجولة المقبلة من المواجهة هو قرار الرئيس الأميركي تشديد العقوبات الخانقة على الصناعات الإيرانية، اضافة الى الصناعات النفطية، واستهداف أفراد في النخبة الإيرانية الحاكمة بعقوبات “شديدة للغاية”، حسب تعبير الرئيس دونالد ترامب.
بالمقابل، تتوعّد قيادات “الحرس الثوري” وذراعه الإقليمي “فيلق القدس” بـ”انتقام أشد” أعطى فكرةً عن منفذيه – وربما مواقعه – قائد القوة الصاروخية أمير علي حاجي زاده عندما عقد مؤتمره الصحفي وسط أعلام القوات غير النظامية المتعدّدة الجنسيات في العراق ولبنان وفلسطين واليمن الى جانب ميليشيات أفغانية وباكستانية وأعلن العزم على إطلاق “عمليات كبيرة تهدف الى طرد القوات الأميركية من المنطقة”.
القيادات الأميركية، المدنية والعسكرية، تأخذ على محمل الجد التهديدات الإيرانية ولذلك وضعت خُططاً عسكرية ترافق العقوبات الجديدة قالت المصادر انها ستضرب عصب البرنامج النووي داخل إيران سيما وأن طهران أعلنت عزمها على مضاعفة تخصيب اليورانيوم وهي تلوّح باحتمال انسحابها ليس من الصفقة النووية Jcpon فحسب وإنما من معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل NPT. فالقرار في واشنطن هو منع إيران وأذرعتها من تحقيق وعدها بطرد القوات الأميركية من المنطقة وسحق من يتوعّد الأميركيين الذين يأتون الى المنطقة “عامودياً” إعادتهم الى بلادهم “أفقياً” في “نعوش” كما صرح الأمين العام لـ”حزب الله” في لبنان حسن نصرالله. كذلك ان أنظار إدارة ترامب منصبّة على السفارات الأميركية في مختلف العواصم العربية وأبرزها في العراق وفي لبنان وذلك على ضوء المعلومات بأن “فيلق القدس” ينوي ايعاز أذرعته بتأجيج الحركة الشعبية ضد السفارات على نحوٍ يشابه ما حدث في السفارة الأميركية في طهران عام 1979 باستيلاء “شعبي” عليها واحتجاز موظفيها لفترة 444 يوماً.
فالخطط العسكرية الأميركية لا تنتظر الى ما بعد وقوع الاعتداءات التي تعتقد إدارة ترامب انها في صدد الإعداد والتنفيذ وإنما تستبقها ضمن السياسة الجديدة القائمة على الاستباقية والردع. ولذلك تقول المصادر، ان جزءاً من الاستعدادات العسكرية الأميركية يتم الإعداد له سويةً مع إسرائيل تحسّباً لقرارات إيرانية تصعيدية في الساحة اللبنانية، وتهيئةً لعمليات أميركية – إسرائيلية ضد المواقع النووية داخل إيران انتقاماً من عمليات إيرانية كبرى بما فيها ضد القواعد الأميركية الأساسية في البحرين والكويت، أو تلك التي تدخل في نطاق التصعيد النووي. لذلك من المبكّر القفز الى الاستنتاج ان صفحة المواجهة طُويَت، أو ان المفاوضات اقتربت، أو ان الانقسامات الإيرانية حُسِمَت لصالح التعديل والإصلاح بدلاً من المغامرة المتهوّرة نحو الانتحار.
هناك أمل بأن تكون الحِكمة هي التي أسفرت عن إطلاق صواريخ باليستية نحو القاعدتين الأميركيتين ضمن خطوات مدروسة تجنّبت عمداً سقوط القتلى كي لا يأتي الرد الأميركي الساحق الذي وعد به دونالد ترامب. رئيس هيئة الأركان الأميركية، الجنرال مارك ميلي، أشار الى ان القصف بالصواريخ الإيرانية على قواعد يتمركز فيها جنود أميركيون كان “هدفه القتل”. وبحسب مسؤولين آخرين أميركيين ان عدم وقوع قتلى أتى بفضل المعلومات الاستخبارية والإنذارات المسبقة، وإلاّ لاستعرّت الحرب، لو أسفر القصف عن قتل أميركيين. فهذا هو الخط الأحمر الذي كان وضعه دونالد ترامب منذ البداية ولم يتراجع عنه بعدما انهالت عليه أوصاف الجبن والضعف لأنه لم يردّ على استفزازات إيرانية مثل اسقاط طائرة “الدرونز” والهجوم غير المسبق على “أرامكو” في السعودية.
المشهد الآن بات مُختلفاً: حالة التأهب العسكري مستمرة بالرغم من تنفّس الصعداء إزاء احتواء الجولة الأولى من المواجهة. الاستعدادات العسكرية الأميركية، الاستباقية منها والردعية، يجب أخذها على محمل الجد وهي تتمثل بحركة انتشار وإعادة انتشار للقوات والقدرات الأميركية الجوية والبرية والبحرية تذكّر بأن هذه الدولة العظمى الوحيدة في العالم، وهي ليست في مزاج كسر هيبتها. والرئيس الأميركي يشعر بالثقة بعدما نُفِذت عملية قتل ثاني أهم رجل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد مرشد الجمهورية علي خامنئي. ذلك ان قتل قاسم سليماني أنجز لدونالد ترامب قطع الرأس الاستراتيجي المنفّذ عسكرياً لإيديولوجية التوسّع الإيراني في الجغرافيا العربية ورفض الاكتفاء بالقوة العسكرية والعظمة الإقليمية وراء الحدود الإيرانية. وقاسم سليماني لم يكن فقط رجلاً فوق العادة بنفوذه العسكري وإنما أيضاً بنفوذه السياسي علماً انه كان أهم أقطاب حياكة سجّادة الخلافة لمرشد الجمهورية. وثالثاً، لقد كان قاسم سليماني ثاني أهم رجل في إيران يليه رئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، وهو الذي أدار السياسة الخارجية المتشدّدة.
هذا المشهد، إذن، يوحي بأن لا مناص أمام “فيلق القدس” الآن من الاختيار بين التعديل والإصلاح وبين الانهيار والانتحار. فأما يتأقلم “فيلق القدس” مع واقعه الجديد ويدرك أن مع غياب رأس الهرم، لن تجري الأمور على عادتها، سيّما في وجه التأهب العسكري الأميركي، أو يجاذف بالانتحار. فإدارة ترامب اليوم قررت اتخاذ الإجراءات لاستكمال الفكرة الأساسية من وراء قتل قاسم سليماني، وهي، قتل المشروع الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن بعد إضعافه بنيوياً. إذا قررت القيادة في إيران انها ستخوض الحرب الشاملة مع الولايات المتحدة من أجل الاحتفاظ بمشروع التوسّع الإقليمي، سيكون عليها دراسة الحسابات العسكرية جيداً. فنعم، انها تمتلك قدرات عسكرية من شأنها أن تُلحق الأذى الكبير والبنيوي في ساحات المعارك بالنيابة في الجغرافيا العربية، لكن مواجهة أميركا عسكرياً مُكلِفة. وإذا صدقْت الأخبار عن تنسيق أميركي – إسرائيلي عسكري في حال الاضطرار، فإن المنطق يؤشّر فقط الى انتحار عسكري وانهيار.
المشهد الآخر له علاقة بالانتخابات الرئاسية الأميركية والتي كانت تراقبها القيادات الإيرانية بأمل أن تُسفر محاولات عزل دونالد ترامب عن إسقاط حظوظه بولاية ثانية. اليوم، على طهران أن تُعيد حساباتها لأن ما فعله دونالد ترامب يكاد يرقى الى مرتبة حسم وضمانة الولاية الثانية – وبالتالي سيكون على الجمهورية الإسلامية الإيرانية التعايش مع دونالد ترامب لأربعة سنوات أخرى. الحكمة تقتضي التفكير مليّاً بهذا المشهد بدلاً من الحلم ببديل عنه والرهان على الأوهام. الحكمة تقتضي استعادة المفاجأة الكبرى التي أتى بها آية الله الخميني عندما أعلن وقف النار في الحرب مع العراق متجرِعاً “كأس السم” لأنه اضطر الى ذلك من أجل بلاده. فلعل القيادة الإيرانية تفكّر في مصلحة الشعب الإيراني الذي سيدفع ثمن عناد القيادات المتشدّدة بكل أبعاد ذلك الثمن الاقتصادية منها والعسكرية.
المشهد الثالث له علاقة بالأوضاع الاقتصادية المُترتِبة على عناد القيادات الإيرانية الرافضة للتأقلم وتعديل مشروع التوسّع الإقليمي والرافضة أيضاً للعرض الأميركي المدعوم أوروبياً لخوض المفاوضات على صفقة نووية جديدة تشمل كذلك الصواريخ الباليستية. فإذا استمر العناد، ازدادت العقوبات المكبِّلة والمُكلفة ولدفع ذلك بالقيادات الإيرانية الى إجراءات عسكرية انتقامية تطلق مواجهة قاتلة. فلا عيب بوضع الأولوية القاطعة في مصلحة الشعب والبلد والدولة ولا عيب في الإصلاح وفي تعديل منطق أثبت عدم جدواه، وإيديولوجية أساءت لدولة إيران العريقة.
وهذا يوصل الى المشهد الرابع وهو ذلك الرهان الفاشل على شق الصفوف الأميركية – الأوروبية، أو ذلك الابتزاز الذي ظن بعض المتشدّدين أنه سيجر الأوروبيين التحايل على العقوبات والقفز عليها عبر آلية مالية تتيح لإيران بيع نفطها. وحسب المصادر، ما زال بين القيادات الإيرانية من يهدد الأوروبيين بأن عليهم إجبار الولايات المتحدة على التراجع وعليهم تفعيل الآلية المالية، وإلا، أمامهم عزم إيران على تمزيق الاتفاق النووي وربما الانسحاب من معاهدة منع الانتشار NPT. هذه المغامرة خطيرة للغاية لأنها ستؤدي بالتأكيد الى إجراءات عسكرية أميركية وإسرائيلية داخل إيران، حسب المصادر المطّلِعة.
يبقى إذن أن خيار العودة الى المفاوضات هو خيار الحكمة. مستحيل أن تقبل واشنطن بالجلوس الى طاولة المفاوضات بموجب الشرط الإيراني بأن يتم رفع أو تعليق العقوبات ريثما تتم المفاوضات. أمام طهران فرصة الحكمة والموافقة على مفاوضات على صفقة نووية جديدة – سيما وأن أوروبا اصطفت وراء أميركا في هذا الموقف ولم يعد هناك خلاف أو اختلاف. عليها التدقيق بالوضع الميداني والبنيوي في أعقاب قتل قاسم سليماني. عليها بدء التعايش مع فكرة بقاء دونالد ترامب في البيت الأبيض لسنوات أربع آتية وبسلاحه الحاد المُتمثل في عقوبات خانقة وفي تأهب عسكري لأهم الجيوش في العالم.