الأب سيمون عساف: يا رب علمنى أن أمارس نعمة التأمل

113

يا رب علمنى أن أمارس نعمة التأمل
الأب سيمون عساف/11 كانون الثاني/2020

حياة التأمل تحتاج الى فترة هدوء وسكينة، فأن اعمال الله العظيمة يعملها فى النفوس الهادئة.

السيد المسيح مثلنا الأعلى في التأمل
كان السيد المسيح يقضى اوقاتاً فى الصلاة والتأمل: فقد كان يعتزل فى البراري والأماكن الهادئة مصلياً ومتأملاً “ فكان يعتزل في البراري ويصلي.” (لو16:5)، لذلك نلمس أهمية الخلوة فى الصلاة والتأمل من حياة السيد المسيح، الذي ترك لنا مثالاً لنتبع خطواته.

قال القديس اغسطينوس: “لا يوجد شيء نافع مثل التأمل كل يوم فيما احتمله ابن الله لأجلنا”.

الآباء القديسون والتأمل
يسمى الآباء التأمل الروحي بالتاوريا وهى:
التاوريا الأولى: وهى التأمل فى المخلوقات والطبيعة ويطلقون عليها الهذيذ بالمخلوقات.
التاوريا الثانية: وهى التأمل فى السماويات وما فيها والأرواح والملائكة والله فوق الكل.
التاوريا الثالثة: وهى التأمل فى الثالوث القدوس وعظمته وجلاله ويطلق عليه الدهش.

موهبة روحية: أحياناً يكون التأمل موهبة روحية، يستقبل بها الإنسان معرفة فوق المعرفة العادية.

قال القديس اغسطينوس “عند الوقوع فى درجة الدهش الروحى الكامل، يفقد الانسان مشاعر الجسد ويُحمل الى الله، ثم يعود لحالته..”

سمات التأمل المسيحي
قال القديس مار اسحق،”إن التدبير الروحي الكامل حيث يتأمل العقل فى حب الخالق وعنايته وإرادته الصالحة ويبطل من الإنسان حينئذ كل الشكوك والخوف، ونحس بالعقل إننا بنو الأب السماوي وورثه مع المسيح”.

قال القديس مار اسحق،”الصلاة يسبقها خلوة، والتأمل يمكن التمرن عليه بالصلاة، ومن الاثنين نكتسب حب الله، لأن في كليهما أسباباً تدعو لحبه والحب ثمرة الصلاة.”

تأمُّل مع العمل
يشمل العمل الروحى الخدمة والتعليم والعمل الصالح والعطاء…الخ
وأهمية ذلك كقول المسيح،”من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السماوات.”(متى 06/10)

الانسان في الخدمة، لا يدعه يستغنى عن الهدوء للتأمل، ولا التأمل يمنع الانسان عن الخدمة.

كما أيضا التأمل العملي هو تطبيق عملى للوصايا الالهية، وهو يعطى خبرة روحية فى الخدمة ومصداقية فى التعليم للخادم.
قال القديس غريغوريوس الكبير، “حن نصعد الى مرتفعات التأمل على درجات حياة العمل والخدمة.”

وقال القديس اغسطينوس، “ن عظمة التأمل لا تمنح إلا للذين لهم حب لله.”

مجالات التأمل الروحي
قال القديس غريغوريوس،”على الإنسان الكامل أن يتتلمذ أولاً على اعتياد الفضائل وممارستها، وبعد ذلك يرتاد المرتقيات فيدخل الى راحة التأمل.”
قال القديس غريغوريوس،”حينما أتأمل عظمة السعادة التى يربحها الإنسان بالموت وتفاهة ما يخسر بفقدان الحياة، لا استطيع احتمال شوقي الى السماء، فأهتف نحو الله قائلا: “تى يا الهي تنتشلني من هذه “الوادي” وتسكنني وطني العزيز”

قال القديس اغسطينوس، “أملت فى الحياة فإن كل ما فيها يفنى ويزول فاشتقت إليك يا إلهى لأحيا إلى الأبد ولن أزول.”

قال القديس مار اسحق، “الهذيذ فى الكتب المقدسة ينير العقل ويعلم النفس الحديث مع الله.” وبالتأمل العملي اى بالسلوك والعمل بحسب الإنجيل والوصية يشهد لحضور الله.

قال القديس ابيفانيوس، “إن التأمل فى الكتب المقدسة حرز (كنز) عظيم، يحفظ الإنسان من الخطية، ويستميله الى عمل البر.”
قال القديس غريغوريوس الكبير، “عندما يتذوق العقل حلاوة التأمل يشتعل بالحب.” !

قال القديس يوحنا كاسيان الذي ولد ما بين 350 و360 م، وتأثر بالقديس يوحنا ذهبي الفم الذي سامه شماساً، قال، “بقدر ما يتقدم عقل الإنسان ويمتد نحو الصفاء والنقاوة فى التأمل كلما يظهر له دنسه وعدم نقاوته، عندها يرى ذاته فى مرآة الطهارة الحقة.”

وقال القديس غريغوريوس، ” كلما تقدم القديسون فى فضيلة التأمل احتقروا ذواتهم وعرفوا أنهم لا شيء.” قال ايضا، “من نعمة التأمل وجود صوت التمييز السماوي فى العقل”.

القديس أغسطينوس (354- 430 م)
بعد ان تغيرت حياته وتاب على يد القديس امبروسيوس وصار اسقفاً على هيبو بشمال افريقيا واعتزل الى حياة التأمل والكتابة والصلاة . أكتشف حياة التأمل واهميتها.. فأخرج لنا درراً من كنوز تأملاته. حتى فى كتاب اعترافاته وجَّهه الى الله متأملاً. وقد مزج تأملاته فى صلاته، فكانت صلوات راقية وتأملات رائعة، وهذه أجزاء من تأملاته:
الهى… ليتنى أعرفك كما أنت تعرفنى
يا قوة نفسى، أكشف لى عن ذاتك يا مُعزىني.!
أسرع لأتأمل فيك يا سرور قلبى.
الهمنى حبك، فأنت هو حياتى.!
أشرق علىّ ففيك يكمن فرحى الحقيقى.
فيك راحتى، فيك حياتى، فيك كمال مجدى ليتنى أجدك يا مُنية قلبى أنت تحتضن وجودي برعايتك.
التأمل فى صليب المسيح هو أقوى مصدر لإدراك حب الله لنا، ففى هذا الصليب كُسرت شوكة الموت، التى هى الخطية وفتح لنا الفردوس.
يارب علمنى أن أتأمل