منير الربيع: حسان دياب حياكة إيرانية خالصة.. ضد العرب لا الأميركيين/الحكومة “الوهمية”.. خدعة السلطة لتمزيق وحدة اللبنانيين

87

الحكومة “الوهمية”.. خدعة السلطة لتمزيق وحدة اللبنانيين
منير الربيع/المدن/23 كانون الأول/2019

حسان دياب حياكة إيرانية خالصة.. ضد العرب لا الأميركيين
منير الربيع/المدن/24 كانون الأول/2019
منذ تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة، تجري عملية ضخ إعلامي أن الرجل جاء بنتيجة صفقة أميركية إيرانية، برعاية بعض الدول العربية. تارة يتم الحديث عن أن الرجل هو نتاج لمساع ومبادرة قامت بها سلطنة عمان، وتارة أخرى يتم الحديث عن أن دولة قطر كان لها علاقة في ذلك، إثر زيارة رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، إلى الدوحة للمشاركة في أحد المنتديات. وأنه عقد هناك لقاءات رتبت تسمية هذا الرجل.

الإصرار على إدراج اسم دولة عربية رعت وصول حسان دياب إلى رئاسة الحكومة، له هدف وحيد هو القول أن الرجل يحظى بغطاء عربي، ومدعوم عربياً. وهذا سيكون له نتائج إيجابية في التعامل مع لبنان مستقبلاً، خصوصاً في ضوء الحديث عن النية بتشكيل حكومة اختصاصيين، أغلبها من الوزراء المستقلين!

برعاية جميل السيّد
صحيح أنه لا يمكن في لبنان صوغ هكذا قرار (اختيار رئيس حكومة) من دون تقاطع ما بين القوى الدولية والإقليمية، لا سيما أن لبنان واحد من مسارح التجاذب الإيراني الأميركي، كما هو الحال بالنسبة إلى العراق.. إلا أن حقيقة ما يجري، أن ثمة عملية ابتزاز تقوم بها القوى اللبنانية، لوضع مسألة تشكيل الحكومة في بازار المفاوضات الدائرة في الإقليم والمنطقة.

وهي تبدأ من تفصيل يحظى باهتمام أميركي، لتطال جوانب أكثر اتساعاً. التفصيل المذكور هنا هو “العميل” عامر الفاخوري، الذي يحظى باهتمام أميركي استثنائي من دونالد ترامب مباشرة. وفيما لا يظهر أي اهتمام أميركي بموضوع تشكيل الحكومة اللبنانية بقدر ما يحظى الفاخوري من اهتمام، ارتأى حزب الله، والتيار الوطني الحرّ، اللعب في هذا الملعب الواسع لمقايضة الأميركيين بحكومة يشكلونها هم مقابل الفاخوري (!). تفاصيل ملف الفاخوري سنكشفها في سياق مقالة أخرى عن الضغوط التي مارسها الأميركيون على المسؤولين اللبنانيين بكل تلاوينهم أمنيين وسياسيين.

بالعودة إلى حسان دياب، فإن إسم الرجل كان يدور همساً بين مكونات 8 آذار. وأول من طرح إسمه هو النائب جميل السيد، الذي أقنع حزب الله والتيار الوطني الحر به. لكنه كان متروكاً جانباً لأن الحزب كان حريصاً على عودة الحريري، وكان يعمل حتى اللحظة الأخيرة لعودته. لكن بعد صدور بيان الحريري بالعزوف، بدأ الترتيب لتكليف حسان دياب. وهذا كان رهان باسيل أصلاً، الذي أراد استبعاد نفسه باستبعاد الحريري، عبر استخدام سلاح الحريري بالقول إنه يريد حكومة اختصاصيين. خطوة باسيل هذه كانت تهدف إلى تلميع صورته أمام الأميركيين عبر القول أنه مستعد للخروج من المشهد والموافقة على “حكومة التكنوقراط”، بعد وروده تحذيرات عديدة بأن العقوبات ستطاله. خروج باسيل هنا مقنّع. وهو كما عون يعرف أن حسان دياب إسم جاهز لتنفيذ كل ما يُطلب منه. فكل ما يريده الرجل هو لقب “دولة الرئيس”. ومعه فقط، يستعيد عون أمجاد رؤساء الجمهورية ما قبل الطائف.

تجربة ميقاتي
عندما زار باسيل الفاتيكان كان يبحث عن مساعدة فاتيكانية في موضوع تعويمه أميركياً. وهذا ما حاول فعله في قطر كذلك. حزب الله في المقابل يريد تشكيل حكومة، وغير قادر على تحمّل الوضع المتفلت من يديه. كما أنه غير قادر على الصبر أكثر إزاء قطع طريق الجنوب مراراً وتكراراً. وصلت المفاوضات مع الحريري إلى طريق مسدودة، بعد إحراقه لأسماء المرشحين، فيما حسان دياب طي الكتمان. وهو الذي كان يتردد على رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولم يقطع التواصل معه. والرجل لديه علاقات بسلطنة عمان منذ كان أستاذاً في جامعة ظفار، وأحسن العلاقة مع الإيرانيين منذ كان وزيراً للتربية، عندما وقع مذكرة للتعاون التعليمي بين لبنان وإيران!

منذ اليوم الذي وصل فيه إلى الوزارة، كان الرجل مهجوساً بتجربة نجيب ميقاتي، يريد أن يكون رئيساً للحكومة بالطريقة ذاتها التي جاء فيها رئيس وزرائه. استمر العمل على هذا الهدف من خلال تودده لحزب الله وحركة أمل، وفتح العلاقة مع عون. يوم حصل الانقلاب على الحريري في 2011، كانت المعركة الإيرانية واضحة، وهي السيطرة على القرار في لبنان، تماماً كما كان الوضع في العراق حينها، بالإنقلاب على إياد علاوي لصالح نوري المالكي، بناء على النزاع بين الإيرانيين والأميركيين، والتاريخ اليوم يعيد نفسه بتغيّر الأسماء فقط.

وما يثبت ذلك، هو إعلان مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي الذي رحب بتكليف دياب برئاسة الحكومة، قائلاً: “إن التظاهرات المتواصلة في لبنان بعد تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة الجديدة تتم بتحريض من قبل السعودية وإسرائيل”. هذا الكلام يبرر الضخ حول اشتراك دول خليجية بتكليف دياب، لنزع الصفة الإيرانية عنه، وإضفاء الصفة العربية عليه.

حكومة اللون الواحد
حسان دياب هو الرسالة الإيرانية الأكبر في لبنان تجاه الأميركيين. الرسالة تقول إن لبنان في يدنا، وهو الترجمة العملانية لموقف أطلقه سابقاً قاسم سليماني بالقول إن بلاده حققت انتصاراً بالحصول على أكثر من سبعين نائباً في البرلمان، تريد طهران أن تقول لواشنطن إن لبنان حصتنا وساحتنا. وذلك لإبعاد العرب عنه قدر الإمكان. تريد إيران أن يكون لبنان مجالاً للتفاوض بينهم وبين الأميركيين، وتغييب العرب عن أي تأثير فيه. تماماً كما هو حاصل في سوريا والعراق. تحت هذا العنوان الإيراني العريض، لعب جبران باسيل لإنضاج تخريجة تكليف دياب. وهي ليست إلا إستكمالاً لموقفه في استعداء العرب، يوم رفض إدانة ضربة أرامكو، وترجمة للغضب السعودي من الحريري يوم استقبل ولايتي في تشرين 2017 قبل أيام من استقالته من الرياض.

المشكلة مع حسان دياب ليست في شخصيته، إنما لارتضائه أن يكون عنصراً إيرانياً للابتعاد عن العرب. المشكلة التي يخلقها تكليفه تنعكس على القوى السياسية على اختلافاتها. فحزب الله وحركة أمل لا يريدان للحكومة أن تكون من لون واحد، بينما القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل يريدون إظهارها حكومة لون واحد، من خلال عدم المشاركة فيها. حزب الله يردّ على ذلك بالقول أنه حريص على مشاركة كل القوى، ويتهمها أنها تريد تعميق الأزمة أكثر. هنا العطب الأساسي الذي يصيب حكومة دياب العتيدة. وسيحرمها من أي إنجاز.

سواء كانت من لون واحد أم تضم الجميع. وبالتالي، تكون نسخة منقحة عن التجربة السابقة. ستسقط عاجلاً أم آجلاً في الشارع وتحت وقع الأزمة المالية والاقتصادية، والتي على ما يبدو أن لا بوادر لحلّها، خصوصاً أن لا مساعدات خارجية ستأتي. قد يغض الأميركيون الطرف عن هذه الحكومة. لكن الضغوط ستستمر، لأن موعد الصفقة لم يحن بعد. إيران تريد مفاوضة واشنطن على لبنان لا على دول الخليج. وحزب الله كذلك بالطبع. أما باسيل، فليس مفتوناً بالعرب ولا حريصاً عليهم. لذلك وقع الاختيار على حسان دياب الإيراني والأستاذ في الجامعة الأميركية.

الحكومة “الوهمية”.. خدعة السلطة لتمزيق وحدة اللبنانيين
منير الربيع/المدن/23 كانون الأول/2019
تفتقر قوى السلطة اللبنانية لأي مقومات الإبداع والابتكار في التعامل مع مجتمعها. طوال الشهرين الفائتين، أظهر المجتمع اللبناني تقدماً هائلاً على سلطة مكونة من قوى سياسية لا تزال تدور حول نفسها، وفي حلقتها المغلقة والمفرغة. الافتقار “الفكري” والإبداعي للسلطة اللبنانية، يوقع أفرقاءها على اختلافاتهم في شرور طروحاتهم وأساليبهم. فإما تأسرهم أو تظهر خواءهم وتناقضاتهم، أو أنهم حتى يدوسونها عندما تتضارب مع مصلحتهم. اللعبة الثابتة لدى هذه القوى هي التهديد بـ”الاستقرار” لإعادة اللبنانيين إلى حظائرهم الطائفية والمذهبية. وبحال لم يكن عنوان الاستقرار ملائماً لهم، يلجؤون فوراً إلى لعبة التجييش الطائفي والمذهبي، للقضاء على أي محاولة للتقدم.

السلطة تقطع الطرق!
إلى جانب عنوان “الحفاظ على الاستقرار” الأمني هنا، يتم تخيير اللبنانيين بين أمنهم الاجتماعي والسياسي، أو المعيشي والاقتصادي، في محاولة تاريخية متعمّدة للفصل بين الأمنين. وهذا بحدّ ذاته دليل على انعدام المنطق لصالح مخيّلات تتغذى على عوامل قلب الحقائق وتهشيم العقول. لعبت القوى السياسية لعبة منع قطع الطرق، وتأمين تسهيل إنتقال المواطنين، وذلك بهدف ضرب الانتفاضة وتحركاتها، وإقحام اللبنانيين في صراعات مع بعضهم البعض. لكن السلطة ذاتها تعود وتقع في شرّ مكيدتها، فتقوم هي بقطع الطرق أمام المواطنين، كما حصل أمس على حاجز المدفون من قطع للسير ومنع المرور باتجاه بيروت، فقط لمنع أعداد من المتظاهرين من التوجه إلى وسط العاصمة والمشاركة في التحركات الرافضة لتكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة.

اتهمت السلطة السياسية المتظاهرين بأن تحركاتهم تؤدي إلى تهديد السلّم الأهلي، بينما هي التي استخدمت مجموعاتها الموالية للاصطدام مع المتظاهرين، وفبركة أسباب تبرّر ممارسة العنف ضد المتظاهرين، على أسس مذهبية وطائفية لإعادة شرذمة هذه التحركات الجامعة والمتخطية لكل الحسابات الفتنوية التي غذتها القوى السياسية، وأحكمت من خلالها القبضة على المجتمع وشرائحه المختلفة. حالة الإنحدار وصلت إلى حدّ أن تعتدي السلطة على الدستور، ليس في المجالات السياسية والمصلحية فقط، بل في منع اللبنانيين من التنقل بين المناطق، ربطاً بلعبة خبيثة ما بعد طائفية ومذهبية، وهي إثارة العصبيات المناطقية من قبيل منع أهالي طرابلس من التظاهر في العاصمة بيروت!

“الميثاقية” عكس معناها
الدليل الوحيد على هذه الممارسات، هو أن هذه السلطة والقوى السياسية تحجر على نفسها بنفسها، تدير مفاوضاتها في الغرف المغلقة، تقطع الطرق على نفسها وعلى مواطنيها، وتبتعد كل البعد عن هواجس الناس، في إعادة تدوير تركيبات غير قابلة للهضم الاجتماعي. إنها لعبة محروقة، إن دلت على شيء، فعلى تغيير محتم سيحصل عاجلاً أم آجلاً، لأن هذه السلطة التي تدعي لنفسها تحقيق الإنجاز وتجاوز زخم التحركات، ستكتشف فراغ ما أقدمت عليه. والأكيد أن حكومة حسان دياب، في المعادلة المنطقية ستكون حكومة خارجة عن الواقع وغير قابلة للمرور شعبياً. أساساً، لأنها بعيدة عن مطالب الناس، وتالياً بسبب الخلافات السياسية التي دبّت بين مختلف القوى التي كانت متواطئة، ولا تزال تبحث عن فرص للتواطؤ والالتفاف على طموحات اللبنانيين. لكنها أيضاً تقع في خلافات “مصلحية” فيما بينها، كالخلاف على عنوان “الميثاقية” المخترع ذات مرة في خريف 2006، الذي أمسك به حزب الله والتيار الوطني الحرّ لتحقيق أهداف سياسية، وما لبثوا أن انقلبوا عليه في آلية تكليف حسان دياب.

لكنهم بلا شك يعتبرون أن ثمة موافقة ضمنية من الحريري على هذا الخيار، أو بالحد الأدنى عدم ممانعة، لتتحول لعبة الميثاقية، إلى أداة تستخدم للإجهاز على المسار الانتفاضي وشرذمة التحركات في حسابات مذهبية وطائفية. فبعد خروج “شيعة شيعة شيعة” تحت عنوان أن حزب الله مستهدف ويراد استبعاده من السلطة، جاءت الانتفاضة “السنية” رفضاً لتجاوز السنة واختيار من لا يمثلهم. هذه اللعبة على الرغم من إظهارها للاختلافات بين القوى السياسية، إلا أنها تمثّل حاجة عميقة لهم جميعاً لإعادة إنتاج وتعويم أنفسهم، شيعياً، مسيحياً، وسنياً، تضع حكومة “التكنوقراط” التي سيتم تقديمها بعد تسخيفها في مواجهة الناس، لتفشل بعد فترة على مختلف المستويات، فتكون هذه القوى أعادت تجميع قواها، لتعود مجدداً متحدة ومتوافقة على دفتر الحسابات والمصالح.. على حساب الناس ومطالبهم.

الشيطنة والخداع
جهدت قوى السلطة على إتهام المتظاهرين بالإرتهان للخارج، لكنهم هم الذي يبحثون عن تعويم أنفسهم دولياً، والدخول في مفاوضات وتقديم تنازلات سياسية واستراتيجية للبحث عن إعادة الإمساك بالسلطة ومقوماتها، وإنتاج نفسها بالحصول على الرضى الدولي، وليس الإسراع في الإدعاءات أن ما جرى من تسوية هو نتاج لتقاطع مصالح إقليمية ودولية، أو بوادر لمفاوضات إيرانية أميركية، إلا إسقاط الكامل لمنطق هذه المنظومة، في محاولات لشيطنة التحركات بينما هي التي تقترف أفعال الشيطنة، والتسابق للحصول على الرضى الأميركي. وربما هذا الكلام وحده يجب أن يكون كفيلاً في إنزال الناس إلى الساحات لرفض هذا النوع من التسويات المنسوج بتدخلات خارجية وتقاطع مصالح إقليمية.
يسارع دياب إلى تشكيل حكومته، وهي ستكون صورياً حكومة مصغرة ومشكلة من اختصاصيين.

لكن القرار السياسي فيها واضح أنه خارجها وفوقها، وبلا أي برنامج واضح للخروج من الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، وسط أوهام تتعايش على أن المساعدات المالية الخارجية ستأتي سريعاً فور تشكيلها. وذلك بهدف إشغال اللبنانيين وإلهائهم.. وخداعهم. ثمة حفلة تكاذب ومكابرة هائلة تقودها القوى السياسية للإنقلاب على الناس وخياراتهم. والهدف الأبعد، يبقى في إعادة إنتاج تركيبة جديدة خلال هذه الفترة الانتقالية بين القوى التي تدّعي خروجاً من المشهد الحكومي حالياً، والعودة لاحقاً بعد “مصالحات” إلى مقدمة المشهد.