صلاح تقي الدين/حسان دياب رئيس حكومة الولي الفقيه في لبنان

168

حسان دياب رئيس حكومة الولي الفقيه في لبنان
صلاح تقي الدين/العرب/الأحد 22 كانون الأول/2019

مشهد الأمس السبت في المجلس النيابي اللبناني جاء مكملاً لمشهد كورنيش المزرعة في بيروت الذي اندفع فيه مؤيدو رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري، وحتى معارضوه، إلى الشارع في مواجهة مع الجيش والقوى الأمنية تعبيراً عمّا سموه سرقة للتمثيل السني وفرضاً من الثنائي الشيعي – المسيحي لرئيس حكومة غير ميثاقي.

تقاطرت الوفود النيابية لتبليغ الرئيس المكلف حسان دياب موقفها ورؤيتها لحكومته، بعضها قاطع المجلس مثل كتلة اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي، وبعضها جاء للتعبير عن رفضه لتلك الحكومة مثل الكتائب، والبعض الآخر كان شبيهاً بموقف الحريري ذاته الذي جاء ولم يأت، فبدت كتلة المستقبل حاضرة غائبة، ترفض المشاركة في حكومة دياب وفي الوقت نفسه تتمنى له التوفيق.

ولم يكد دياب يصل إلى منزله في محلة تلة الخياط في بيروت، عصر الخميس، عائداً من قصر بعبدا حيث تم تكليفه بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، حتى انفجر الشارع “السني” غضباً اعتراضاً على تسمية رئيس حكومة من قبل “حزب الله” والتيار العوني، ولعدم حصوله سوى على ترشيح خمسة نواب “سنّة” من أصل 27 نائباً يمثلون “الطائفة” في المجلس النيابي.

وفي الواقع، فإن الاتفاق الذي جرى بين “تكتل لبنان القوي” الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل، و”حزب الله” و”حركة أمل” التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري على تزكية دياب رئيسا مكلفا لتأليف الحكومة الجديدة بعد إعلان الرئيس سعد الحريري عزوفه عن المهمة، اعتبر استفزازاً للشارع السني وضربة “تحت الحزام” للحريري الذي كان قد طلب في مطلع الأسبوع الحالي من رئيس الجمهورية تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة بعدما تبيّن له أن غالبية “المسيحيين” في المجلس النيابي لن تسمّيه لترؤس الحكومة الجديدة، فجاءت تسمية دياب فاقدة لغالبية “سنية” ومع ذلك تمت الاستشارات وضربت “الميثاقية”.

مهمة دياب في مرحلة ما بعد التشكيل ستكون على ما يبدو أصعب من التشكيل ذاته، فحتى لو نجح في إعلان حكومته فإنها لن تكون بمنأى عن التفكك والانهيار السريع تحت وقع ضربات الشارع ومطالبه، من جهة، ومن جهة أخرى بتأثير اللون الواحد الذي ستكون عليه، مهما جرى تطعيمها بهذا الوجه أو ذاك.

إنجازات ملتبسة
حلفاء الحريري وعلى رأسهم جنبلاط وجعجع ينتقدونه بقسوة لمجاملته للخصوم ثم لعدم تسمية السفير نواف سلام، ما يعكس اضطراباً في العلاقة ما بين الحريري ومحيطه أدى إلى حلول دياب محله، بميثاقية مسيحية شيعية منفردةحلفاء الحريري وعلى رأسهم جنبلاط وجعجع ينتقدونه بقسوة لمجاملته للخصوم ثم لعدم تسمية السفير نواف سلام، ما يعكس اضطراباً في العلاقة ما بين الحريري ومحيطه أدى إلى حلول دياب محله، بميثاقية مسيحية شيعية منفردة.

دياب المولود بيروت في العام 1959 يحمل البكالوريوس في الاتصالات، والماجستير والدكتوراه في هندسة الكمبيوتر. انضم بعدها إلى التدريس الجامعي في بيروت، أستاذا لمادة الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات في كلية الهندسة والعمارة. وكان قد شغل منصب العميد المؤسس لكلية الهندسة والرئيس المؤسس في جامعة ظفار في عُمان. وعيّن في منصب نائب الرئيس للبرامج الخارجية الإقليمية في الجامعة الأميركية في بيروت.

تسلّم في العام 2011 حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي في الحكومة اللبنانية التي شكّلها الرئيس نجيب ميقاتي، وهي كانت المرة الأولى التي يطلّ فيها دياب على الشأن العام السياسي، وقد اختير حينها نظراً لمكانته العلمية، وأسندت إليه الحقيبة التي كان يفترض أن يحقق فيها “إنجازات” تتماشى مع مؤهلاته العلمية، غير أن ما حققه كان مجلداً ضخماً طبع على نفقة الوزارة ضمّنه مواقفه وخطاباته وصوره خلال المناسبات التي شارك فيها بالظهور حتى مع شخصيات لا علاقة لها بمنصبه.

والمفارقة التي تم تداولها وتوثيقها هي أن دياب طبع هذا المجلد بقيمة 70 مليون ليرة، لم تدفعها خزينة الدولة اللبنانية إلى المطبعة إلا بعد مجيء سلفه الوزير إلياس أبوصعب إلى الوزارة وتمني دياب عليه شخصياً تسديدها.

ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي شهادة لأحد الأشخاص زعم فيها طلب دياب منه وساطة لتوظيف ابنه، فيما انبرى آخرون إلى مشاركة تقرير تلفزيوني قديم عن تسمية وزير التربية السابق مدرسة باسم والدته، بل أيضا تجاوز ذلك إلى أعمال من نوع آخر، حيث كان يطلب الأكل يومياً من المعهد الفندقي بالدكوانة، الذي يقع تحت وصاية وزارة التربية، ويدفع فاتورة هاتفه بسلفة من حساب الوزارة، كم أنه زُوِّدَ بجهاز كومبيوتر ليعمل عليه فأخذه معه وما زال البحث جاريا عنه إلى الآن لأنه يخص وزارة التربية فقط.

الكثير من اللغط رافق تولّي دياب لحقيبة التربية، وكنت قد نشرت في صحيفة المستقبل اللبنانية في الـ6 من ديسمبر عام 2012 تحقيقاً حول أوضاع الوزارة آنذاك، أوردت فيه فصلا جديدا من فصول الفضائح المتلاحقة، بطله هذه المرة وزير التربية حسّان دياب والمستفيد منها النائب والوزير السابق عبدالرحيم مراد وعائلته، وتتعلق بالمحاولات الحثيثة التي بذلها دياب لتمرير مرسوم في مجلس الوزراء بالترخيص لشركة “ديبلوماكس” التي يملكها أبناء مراد وصهره سمير أبي ناصيف، بإنشاء الجامعة الدولية في بيروت على العقار رقم 1111 من منطقة المصيطبة العقارية، وطلب نقل تسمية فروعها إلى تسمية الجامعة الجديدة، وهو ما قررّه مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 4/12/2012 دون أن ينشر من ضمن المقررات الرسمية للجلسة التي وزعّت على وسائل الإعلام. الأمر الذي يعد مخالفة من بين مخالفات كثيرة لازمت مسيرة الوزارة في تلك الحقبة.

ويبدو أن الضغوط التي مورست على رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي أثمرت في تغاضي الأخير عن طلب تقدمت به جمعية وقف “النهضة الخيرية الإسلامية” التي احتضنت الفرع الأول للجامعة “اللبنانية الدولية” في البقاع فأذعن لرغبة فريق الممانعة ومهر مرسوم الموافقة على الترخيص بإنشاء جامعة “بيروت الدولية”.

ولأسباب كهذه، فإن كثيرين يعتبرون أن تجربة دياب كوزير خاضع لهيمنة باسيل والثنائي الشيعي ستنعكس على تجربته كرئيس للحكومة. باسيل الذي خرج مع نوابه من الاستشارات النيابية مع دياب ليقول إن هذه الحكومة لن تكون حكومة حزب الله، ليكون كمن يؤكد الأمر بنفيه، مكررا العناوين ذاتها، مع دعوته لتمثيل الحراك “من حصتنا” على حد قوله، في عودة إلى منطق المحاصصة.

خرق دستوري
دياب يواجه رفضاً شديداً من طائفته، تجسد في انفجار الشارع السني، حتى أن إمام المسجد الكبير وسط بيروت الشيخ محمود عكاوي وصف دياب في خطبة الجمعة بأنه “بلا غطاء سني”دياب يواجه رفضاً شديداً من طائفته، تجسد في انفجار الشارع السني، حتى أن إمام المسجد الكبير وسط بيروت الشيخ محمود عكاوي وصف دياب في خطبة الجمعة بأنه “بلا غطاء سني”

إلا أن مقاربة المسائل الشخصية في قضية تسمية دياب رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة، لن تسهّل مهمته المعقدّة أصلاً ولن تضيف إليها تعقيدات، فالرجل وفقاً للبروتوكول المتبع كان عليه أن يبادر إلى زيارة رؤساء الحكومات السابقين في عرف درج عليه أسلافه منذ الاستقلال. ومن هؤلاء الرئيس ميقاتي الذي كان له الفضل في توزير دياب، والذي قال في تصريح بعد اجتماعه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال الاستشارات النيابية الملزمة “أخيرا حصلت الاستشارات الملزمة التي كنا ننادي بحصولها أياما معدودة بعد الاستقالة، وخلال فترة الخمسين يوما لاحظنا كيف تطورت الأمور حيث أن كل يوم تأخير كلفته كبيرة على الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية لجميع اللبنانيين. في كتلة الوسط المستقل التي ستشارك في الاستشارات، بحثنا هذا الصباح في موضوع التسمية ووضعنا معايير لرئيس الوزراء المستعد والذي أبدى استعداده لتولّي هذه المهمة الصعبة. والمعايير هي قدرات هذا الشخص وحضوره وصفته التمثيلية، وبصراحة رغم احترامي الشخصي للمطروحين لم نجد أحدا لديه هذه المواصفات وبالتالي لم نسم أحدا واحتجبت عن التسمية”.

كان ميقاتي واضحاً في التعبير عن موقف رؤساء الحكومة السنّة السابقين حين قال “مع احترامي للأشخاص وصداقتي معهم ففي هذه الفترة نحتاج إلى شخص استثنائي وفريق عمل استثنائي. لا أريد أن أحبط آمال اللبنانيين ولكن عندي شك أن أيا من المطروحين يستطيع أن يتولى زمام الأمور في هذه المرحلة. نحن لا نتكلم عن الغطاء السني أو المسيحي، وأذكركم أن الرئيس الحريري طلب تأخير الاستشارات لأن القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر رفضوا تسميته، وبالتالي هذا الأمر يجب أن تكون رسالة أننا غير راضين عن التسمية التي هبطت بالمظلة”. وعقب الاستشارات النيابية، غادر ميقاتي لبنان وهو لن يستقبل دياب. لكن ممثليه في المجلس النيابي قالوا إنهم استفسروا من الرئيس المكلف دياب لماذا لم يتصل من جانبه بميقاتي، فتلقوا وعداً منه بأنه سيفعل.
بينما استقبل الحريري دياب في بيت الوسط وكان إيجابيا كما نقل عنه الأخير، أما الرئيس سليم الحص والرئيس فؤاد السنيورة ففعلا الأمر ذاته، ولكن السنيورة طالب “باستعراض كل المخاطر المطروحة على الساحة الداخلية من الناحية الاقتصادية والدستورية والأمنية”، محذراً من “محاذير الخرق الدستوري الذي حصل”. بينما طالب الرئيس تمام سلام بضرورة “التأسيس لفريق عمل جديد، ويجب الإسراع في التكليف لحل الأزمة الراهنة”. متهماً عملية التكليف بأنها “معلّبة”. وكان لافتاً اعتذار النائب والوزير السابق نهاد المشنوق عن الحضور إلى الاستشارات النيابية ولقاء دياب، انسجاما مع موقف رئيسة كتلة المستقبل النائب بهية الحريري التي قاطعت استشارات بعبدا واستشارات المجلس النيابي معاً.

تكنوقراط الطوائف
مهمة دياب “معقدّة أصلاً”مهمة دياب “معقدّة أصلاً”
علت أصوات تقرأ في عمق المياه السياسية اللبنانية في لبنان لتصف الحريري بالوحيد بعد أن تخلى عنه حلفاؤه وخصومه، لكن الواقع يقول إن الحريري هو من فرض تلك الوحدة على ذاته، عبر مسيرة سياسية اتسمت بالهشاشة في المواقف المبدئية، الأمر الذي لم يغفره له البعض، وعلى رأسهم صديقه وصديق والده جنبلاط الذي سارع إلى انتقاد الحريري وتيار المستقبل بقسوة بسبب عدم تسمية نواف سلام، ما يعكس اضطراباً في العلاقة ما بين جنبلاط والحريري لا يقل عن اضطراب علاقته مع سمير جعجع الذي يحمّله نواب اللقاء التشاوري مسؤولية عدم تسمية الحريري.

غير أن دياب، الذي يبدو أنه مصمم على متابعة المهمة “المستحيلة” التي أوكلت إليه، قال في حديث تلفزيوني على أنه “سيكون لدينا نقلة نوعية بكثير من الأمور، وسيكون في الحكومة عدد كبير من النساء ومن الاختصاصات المطلوبة لمعالجة الكثير من الأمور”، لافتاً إلى أنه كاختصاصي هدفه “أن تكون الحكومة حكومة اختصاصيين. ونحن سنشرك الجميع في الحكومة، أي بمعنى كل اللبنانيات واللبنانيين والأحزاب المفروض أن يساندوا هذا العمل للوصول إلى أفضل مجلس وزراء”.

صحيح أن دياب أشار إلى أنه “منذ لحظة وصولي إلى المنزل، أكدت لأمين عام مجلس الوزراء أن الأولوية هي لزيارة مفتي الجمهورية سماحة الشيخ عبداللطيف دريان، وهذا الأمر سيحصل اليوم”، إلا أن خطيب جمعة المسجد الكبير وسط بيروت الشيخ محمود عكاوي اعترض في خطبته على تكليف دياب الذي قال عنه إنه “ليس له غطاء سنّي”، وتساءل عن “دور دار الفتوى من هذا التشرذم في الطائفة السنية التي أصبحت مكشوفة لا ظهر يحميها”. وحتى تاريخ كتابة هذه السطور ما يزال موقف دار الفتوى هو أن الأجواء الحالية غير ملائمة الآن لاستقبال دياب.

ضيف لبنان بالتوازي كان ديفيد هيل مساعد وزير الخارجية الأميركي أطل من خلال زياراته المكوكية معبّراً عن موقف واشنطن الذي يقول إنها لا تتدخل في تكليف الحكومة اللبنانية أو تأليفها. طاف هيل على القيادات السياسية اللبنانية، وتناول غداء استثنائيا في منزل الوزير جبران باسيل في تغيّر نوعي لطبيعة العلاقة ما بين الأخير والأميركيين الذين يغلف موقفهم من حكومة دياب غموض ينسجم مع مواقفهم من النفوذ الإيراني، في لبنان والعراق وسوريا واليمن والمنطقة العربية عموما، ذاته على مستوى الأفعال لا الأقوال. وهاهي إيران عبر أذرعها تستكمل الهيمنة على لبنان من خلال تعيينها المباشر لرئيس حكومته.

الأيام القليلة المقبلة ستكون مفصلية، فإذا ارتضى الناس في الشارع الذي لم يغادروه منذ الـ17 من أكتوبر الماضي بمجيء شخصية “تكنوقراط” كما يطالبون، ونجح دياب في تشكيل حكومة اختصاصيين، متجاوزاً بذلك شروط حزب الله الذي يريد المشاركة “السياسية” في هذه الحكومة، وكان قادراً على لجم طموحات باسيل في الإمساك بكل مفاصل الدولة بما فيها الوزارية، وهو الذي يشترط تسمية كل الوزراء المسيحيين فيها، فإن أمام رئيس الحكومة المكلف فرصة للنجاح. أما إذا لم يتمكن من تجاوز كل المطبّات التي سيواجهها، فسيكون عليه الاعتذار وحينها ستعود الكرة إلى ملعب الحريري من جديد إن عاجلاً أو آجلاً.