الشيخ ياسر عودة للمدن: نعيش في ديكتاتورية سياسية ودينية/تعطيل العقول يتماشى تلقائياً مع “الجهل المقدّس أو الغباء المقدس، ويقود إلى الظلمات، وكأننا نعيش في ديكتاتورية سياسية ودينية حيث أنّ الإقطاع الديني أسوأ من الاقطاع السياسي لكونه يحكم باسم الله

180

الشيخ ياسر عودة لـ”المدن: نعيش في ديكتاتورية سياسية ودينية

نادر فوز/المدن/28 تشرين الثاني/2019

الدخول إلى ضاحية بيروت الجنوبية قبل غزوتي الرينغ والأشرفية واعتداءات صور والنبطية وبعلبك، ليس كما بعدها.

صوتها بات “شيعة شيعة”.
أو على الأقل هذا ما يريد أسياد الضاحية الإيحاء به وتكريسه، بما في هذه الصرخة من مذهبية وحرب وفراغ سياسي على حدّ سواء.

في الدخول إليها، خوف من فحص دمّ معنوي وجيني للانتماء إلى خطاب السلطة ودعم المقاومة وحماية الفاسدين.

في هذه المربعات الأمنية، الفقراء على حالهم والشباب في بطالتهم عن العمل نفسها واليوميات المعدومة تتكرّر.

وكذلك نَفَس الثنائي الشيعي الطاغي لافتات وصوراً وشعارات.

لكن فيها أيضاً، لقاء مع الشيخ ياسر عودة، “الشيعي الأحمر” أو الثائر على الموجود الطاغي، المنتفض على عصر الظلمات الدينية.

ياسر عودة، شيخ معمّم يحكي لغة الناس ويعبّر عن قرفهم. هادئ بشكل عام، لكن محتَدّ ومستفَزّ عند الحاجة. يحبّ الصراحة ولا يعرف لغة غير الوضوح. لا يطمح إلى منصب سياسي ولا يحمل مشروعاً سياسياً يبغى الربح منه. ينفّذ معتقداته فقط.

في ساحة الثورة
نزل ياسر عودة إلى ساحة الانتفاضة في يومها الأول، 17 تشرين الأول، وتفاجأ بكم المنتفضين الذين تعرّفوا إليه وحضروا للتحية. منهم من سأله “أنا ملحد وأحبك، هل تعرف ملحداً يحب شيخاً”؟ أجابه بابتسامة “نعم، أعرفك أنت”.

وفي يوم آخر، في مليونية بيروت 28 تشرين الأول الماضي أيضاً، حضر. وضع نفسه بشكل تلقائي ومباشر مع مطالب الناس الذي دعمها منذ سنوات، منذ “طلعت ريحتكم”، وقبلها وبعدها.

حضر ليكون منسجماً مع قناعاته، مع الناس. تماماً كما هي حاله في تنقّلاته وحياته اليومية، بين حيّ السلم حيث مسجد الإمام السجّاد إلى حارة حريك، حيث مقر مؤسسة السيد محمد حسين فضل الله، ومنزله الكائن في الوسط في منطقة المريجة.

يرتاح عودة لكونه قريباً للناس، “أحمد الله أني لا أعيش في الحارة أو بئر العبد أو المناطق الأكثر يسراً من حيّي، لأني لم أكن لأشعر بجوع الجائع ولا الفقير وفقره”.

فما يراه يومياً في ذلك الحي “لا يراه من هم من طبقة أخرى، أرى الناس كيف يعيشون وكيف يستجدون، كيف تُكسر موازنة منازلهم من أجل جرة غاز أو غيرها”.

منذ 21 عاماً، هو على هذه الحال، في حين أنّ الأحزاب والإكليروس “لا يرون هذه التفاصيل، بالعكس، إذا وصل الفقير على بابهم يطرده الحراس”.

عصر الظلمات
ومن هذه اليوميات أيضاً، معركة متواصلة مع الفساد، في السلطة السياسية والدينية.

في “عصر تعطيل العقل”، كما يقول ياسر عودة. من يستعمل عقله يستعمله بينه وبين نفسه، ولا يجرؤ على الكلام. وتعطيل العقول يتماشى تلقائياً مع “الجهل المقدّس أو الغباء المقدس، ويقود إلى الظلمات، وكأننا نعيش في ديكتاتورية سياسية ودينية حيث أنّ الإقطاع الديني أسوأ من الاقطاع السياسي لكونه يحكم باسم الله”.

هذا الإقطاع “يركب الموجة ويسيطر على الخطاب ورجال الدين باتوا يعدّون الحساب للقوى الموجودة على الأرض والمرجعيات الدينية الأخرى المهيمنة”.

لذا السيطرة تامة والإفلات من تلك المنظومة المزدوجة فائق الصعوبة.

إذ يجتمع الخطاب الديني مع المال والسيطرة الميدانية والسياسية.

ربما من هذه الظلمة خرجت مواكب الدراجات النارية وعاثت فساداً بين المعتصمين المنتفضين في بيروت والجنوب والبقاع. في حين توجّهت أخرى إلى محاور الحرب الأهلية الكلاسيكية، فنكء الجراح لعبة السلطة وأحزابها.

شيعة شيعة
تركت صرخات “شيعة شيعة” عند هجوم أنصار حزب الله وحركة أمل على المنتفضين في بيروت، شعوراً بغيضاً لدى الشيخ عودة: “شعرت أنهم يشوّهون المذهب الشيعي، ويشوّهون صورة المجتمع الشيعي، لأنّ أمير المسلمين عليه السلام يقول: شيعتنا من عمل بأخلاقنا وإلا فليسوا من شيعتنا”.

والسؤال الطبيعي: هل هذه أخلاقنا؟ ويتابع: “تستعملون اسم التشيّع واسم الحسين؟ أفهم ذلك على الرينغ، لكن بعلبك وصور والنبطية ماذا؟ هؤلاء شيعة مثلكم مثلهم”.

يعتبر أنّ صورة الطائفة “اهتزّت بفعل من نزل للاعتداء على من يطالب بحقه”. فكيف يمكن “من عاش الحسين أن يقف بوجه حركة الناس وضد مطالبها من أجل حماية الفاسدين”؟

ثنائي الطائفة
يستغرب عودة، كيف أنّ ثنائية حزب الله وحركة أمل لم تحاول ركب الانتفاضة على اعتبار أنّ “أي سفارة أو حزب ملعبها هذه الحِراكات وتحاول السيطرة عليها”. فـ”جماعتنا لم يستثمروا مع العلم أنهم الأقوى من جهة السلاح ومن جهة البشر”.

لم يجد جواباً عن هذا التساؤل حتى الساعة. قد يكون كل ما في الأمر أنّ هذه الأحزاب وغيرها تخاف على ناسها من الانصهار مع المنتفضين والخروج من الجلباب الطائفي والمذهبي والسياسي بفعل أحقية المطالب.

وطبيعة الديكتاتوريات لا تمنح الناس تنازلاً وإلا انهزمت وقضم الجمهور حقوقهم واحداً تلو الآخر. لكن الشيخ لا يجيب، “لم أفهم عليهم بعد”.

الأحزاب “المرياع”
يعرض عودة قصة “المرياع”. التيس الذي يتمّ خصيه ويربّى بعيداً عن أمه ومع الحمار. يكبر ليصبح تابعاً للحمار، فيمشي خلفه ويقود القطيع الذي رأى فيه قدوةً بسبب حجمه. المرياع قائد، لكنه في النهاية يمشي وراء الحمار. هذا واقع الأحزاب اللبنانية بحسب عودة. هذه نكته وبساطة توصيفاته وواقعيتها.

المرياع هي الأحزاب، والحمار هي السفارات: “مع الأسف هكذا أصبحت أحزابنا، طوائفنا كريمة لكن أحزابنا لا تنتمي إلى لبنان بل مخلصة للخارج ومستعدة لتدمير البلد من أجل الخارج” يقول عودة.

أحزاب وقيادات، من كل الفرق والألوان، تنفذ الأجندات الأجنبية المختلفة “وغير مستعدة لتكون لبنانية لعشرة أيام فقط”. هذه الأحزاب “شر بشر، ولا خير لديها إلا لنفسها وللخارج”.

“حقي رصاصة”
صراحة عودة وواقعيته يدفعانه إلى القول: أعلم أن حقي رصاصة. لكن لن أقف عند هذا الأمر فكم من عام سأعيش بعد؟ لكن لن يسيطر أحد على عقلي وموقفي. قال ذلك مراراً. فهذه الصراحة وهذه الواقعية تؤلمان الخصوم.

سبق وتم الاعتداء عليه وتهديده بالقتل، إضافة إلى حملات التخوين والأبلسة المستمرة منذ أكثر من عقد.

شعر بالخوف بادئ الأمر، تحديداً بعد وفاة السيد فضل الله: “لأني شعرت أني ألعب وحيداً في حين كل القيادات السياسية والروحية منسجمة مع نفسها في مكان آخر”.

لكن خوفه الأكبر هو على أفراد عائلته. هؤلاء تعرّضوا للكثير من المضايقات، زوجته وأبناؤه الأربع (شابان وصبيتان). والهدف من كل هذه المضايقات إبعاده عن الناس، إسكاته، وقطع إطلالاته الإعلامية عن إذاعة “البشائر” وقناة “الإيمان”.

أسقطوه عن الهواء، لكنهم لم يقطعوه عنه. وتواصله مع الناس مستمر، بشكل يومي ولو أنه يقرّ أنه اضطر إلى التخفيف من حركته في الشارع.

دُعي عودة لزيارة المنتفضين في طرابلس وصيدا، أحبّ لو يلبيها “لكن بعض الأصدقاء نصحوني بالعدول لأنه في تلك الساحات يمكن لمن يريد التخلّص مني أن ينفّذ مراده بسهولة”.

وعلى الرغم من كل هذا التضييق، عودة باقٍ في الضاحية. هذه منطقته وهؤلاء ناسه، وهذه قضيته أساساً. أين يمكن له أن يذهب أساساً؟ لن يعود إلى برعشيت، قريته العاملية المختلطة طائفياً.

الأمل المشروط

قد تبدو قراءته للأحداث الجارية على وقع الانتفاضة الشعبية محبطة، على اعتبار أنّ “الأحزاب تحركت على الأرض لإعادة الناس إلى المربّع الأولى إلى الحظائر والحرب”.

الناس في الشارع “لهم الله”، وكسر الحزبية أمر صعب.

 لكن الأمل الفعلي هو باستمرار الانتفاضة كما بدأت “بالمطالب نفسها والسلمية، وكسر الحواجز الطائفية والقيود الحزبية، أن يستمرّ اللبنانيون في شعورهم بحاجتهم لبعضهم، في حاجتهم للعيش مع بعضهم”.

أما لشباب الأحزاب، الذي يقمع التحرّكات، فعليهم أن يعرفوا أنه ” إذا جاع الشعب، فالكل جائع. وإذا مرض فالكل سيمرض، المطالب واحدة لكل أبناء الشعب”.

ومن موقعه الديني أيضاً، يقول: “لا الزعيم سيدوم ولا الدولة ستعطيكم حقوقهم إذا كان الولاء أعمى، ولا الطائفة ستحميكم. من يقدس الزعماء، يقولون لهم جوعوا يكونون مستعدين، موتوا يكونون مستعدين، هؤلاء سيحاسبون يوم القيامة أكثر من الزعيم.

قال عليّ عليه السلام: لا تبع آخرتك بدنيا غيرك. هؤلاء الشبان سيحاسبون حساب الزعيم وحساب ظلم الزعيم”.