مهى عون/داعش وإيران لتحفيز التقاتل السني – السني

328

داعش” وإيران لتحفيز التقاتل السني – السني

مهى عون/السياسة/17 تشرين الثاني/14

 نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” على موقعها منذ فترة وجيزة, أن الرئيس الاميركي باراك أوباما بعث رسالة سرية إلى المرشد الإيراني علي خامنئي شدد فيها على “المصالح المشتركة” في محاربة الدولة الإسلامية. وفيما قرر نشر 1500 عسكري إضافي في العراق لتدريب القوات العراقية وقوات إقليم شمال العراق, وتقديم إرشادات لها لمواجهة تنظيم “داعش”, عاد وطمأن المراجع الإيرانية من جديد على أن فتح المجال لمراكز تدريب في العراق لا يستهدف الجمهورية الإسلامية بأي شكل من الأشكال. هذا التصرف وما سبقه إنما يصب في تبيان مدى اهتمام الرئيس الأميركي وقلقه من المساس برضى وصداقة المرشد الأعلى في إيران. وثمة من يرد هذا القلق إلى حاجة الولايات المتحدة لحليف إقليمي في المرحلتين الحالية والمقبلة في معركة التحالف مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. فعلى ما يبدو سرعة تمدد وهيمنة قوى هذا التنظيم باتت تقلق الولايات المتحدة وقوى التحالف.

وهي تشن حرباً متواصلة عليه, ما زالت حتى الساعة لم تصل إلى مقاربة الموضوع الأهم, ولم تطرح السؤال الجوهري, ألا وهو حول هوية هذا التنظيم وطريقة نشوئه, ومن وراءه, ومن يموله ويدعمه بالمال والعتاد. والتساؤل يطرح نفسه حول تحاشي الولايات المتحدة مقاربة هكذا أسئلة شائكة. هل لأنها سوف تربكها وتربك حليفها الخفي في دعم هذا التنظيم؟ فالولايات المتحدة وحلفاؤها يدركون جيداً أن من المستحيل أن يصل التنظيم إلى هذه الدرجة من القوة الميدانية من غير الدعم اللوجستي والعسكري من دولة إقليمية ما. يبقى أن الذي بات يدل على هوية هذه الدولة, أو الدولة الداعمة له, هو ما بدأ يظهر تدريجياً من خلال تصرف “داعش” الميداني, حيث إن تحركه العسكري يدل على خلفيته السياسية التي تصب حتماً في سياق سياسة الدولة التي تدعمه. ونذكر في هذا السياق كيف أن بدايات التحرك الميداني لهذا التنظيم في العراق حمل العديد من القوى السنية من بقايا حزب البعث العراقي, كعزت الدوري ومجموعته وما بقي من الصحوات إلى الالتحاق به والانضمام إلى صفوفه على أساس وحدة الأهداف الآيلة للتخلص من هيمنة النظام العراقي التابع لولاية الفقيه في طهران… والذي تبين لاحقاً مدى التضليل والضياع التي وقعت فيه ألوية السنة هذه من ضباط الحزب البعث العراقي السابق عندما خدعوا بظنهم أن “الدواعش” سيقبلون بهم وبحزب البعث, حيث إن الذي بدأ يتضح تدريجياً هو أن “داعش” لم يأت إلى العراق ولا إلى سورية لتقديم الدعم للطائفة السنية التي ما زالت تكبت مشاعر الغبن والغضب, بل ربما دخل لتحقيق المزيد من الإجحاف بحقها. والجدير بالذكر هو أن “داعش” استفاد أيضاً من الالتباس الذي وقع فيه عزت الدوري, ومن معه من مخلفات النظام السابق, وذلك على صعيد الغالبية الشعبية السنية في الشارعين العراقي والسوري اللذين شكلا البيئة الحاضنة المواتية والمسهلة لعملية امتداده وانتشاره السريعين. والنموذج الصارخ والمقيت لصلف هذا التنظيم بحق أهل السنة كان ما رأيناه يحدث تباعاً في الموصل, حيث لم يراع التنظيم أفضلية لأهل السنة هناك, وما شهدناه بعدها في مشهدية انفلات وحشيته المجرمة في إعدامه المئات من عشيرة البونمر السنية بين مدينتي هيت وحديثة في الأنبار, في ظل التطنيش والتجاهل اللذين آثرت الحكومة العراقية التزامهما كل هذه الفترة رغم كل المناشدات الموجهة إليها من هذه العشائر من أجل التدخل لوقف المجازر.

وكأن المطلوب مركزياً على صعيد الحكومة العراقية, ومن القوى الحليفة في طهران والداعمة لها, هو ترك أهل السنة يواجهون مصيرهم الحالك حيال صلف “داعش”, من غير أي دعم أو مساعدة عسكرية. وكأن “داعش” ومن خلال تصرفاته هذه إنما يخدم أهداف ومصالح الجمهورية الإسلامية في تركيز اضطهاده أولاً على أهل السنة في العراق وسورية. ومن غير المستبعد أن تؤول الأحوال في حال تفاقمها لانتفاضة سنية بوجه التنظيم الذي لاقى حتى الساعة احتضاناً موالياً من قبل البيئة السنية في العراق وسورية, ما يحمل على الظن بأن ذلك يؤسس لحروب سنية- سنية من غير نهاية أو أفق. وهي حروب وتطاحنات قد تؤدي في النهاية إلى إضعاف البيئة السنية وإحباط دورها وقرارها وقدرتها على فرض موقف موحد في صناعة القرار السياسي. وفي هذا السياق, أكد قيادي بارز في ائتلاف “الوطنية” برئاسة نائب الرئيس العراقي إياد علاوي, أن هناك الكثير من المؤشرات والمعلومات والمعطيات التي تبرهن أن النظام الإيراني غير معني, لا من قريب ولا من بعيد, بالقضاء على تنظيم “داعش”, سواء في العراق أو سورية, بل على العكس, من غير المستبعد أن يكون هو وراءه كما كان بالنسبة إلى “القاعدة”, وهو تنظيم سني متطرف آخر. ناهيك عن أن إيران تدرك جيداً أن “داعش” لا يشكل خطراً عليها إلا في حال تم تهديد نظام الأسد بالانهيار. ولكن حتى في هذه الحال من المستبعد أن تتدخل طهران لنجدة النظام, أما وقد صدر الحكم بالإطاحة به من إدارة الرئيس الأميركي, وهو قرار يمكن استشفافه من تصاريحه الأخيرة ذات الصلة بموضوع النظام السوري وعدم أهلية الرئيس للاستمرار في سدة السلطة بعد كل عمليات الخراب والقتل والدمار التي أنزلها بشعبه. لذا قد لا يكون مستبعداً أن تكون طهران تهدف عن طريق استعمال ورقة “داعش” هذه, إلى اللعب على هذه التناقضات السنية بهدف إحداث الوهن على صعيد هذه الطائفة تمهيداً لاستبعاد سيطرتها على القرار السوري بعد سقوط النظام, أولاً: خدمة لإسرائيل, وثانياً: من أجل تأمين استمرار هيمنتها السياسية على المنطقة العربية, ففي إشغال أهل السنة بعضهم بعضاً تكسب عطف الناس وتظهر نفسها بلباس المخلص المرغوب به.

واللافت في هذا السياق هو غياب أي تساؤل حول عدم استهداف “داعش” أي تشكيل أو مدينة ذات طابع شيعي, حتى في سورية رأينا كيف أن “داعش” في معاركه الميدانية تحاشى الاصطدام مع ألوية النظام الإيراني من حرس ثوري و”حزب الله”, اللهم سوى في أفضلية السيطرة, وذلك في حالات نادرة, على احتلال بعض المواقع أو المدن. في النهاية, لا بد من التسليم بأن كل ما يحدث اليوم وما يمارسه “داعش” على الساحة العربية إنما يصب في مصلحة إيران, وذلك عن طريق تحويل العداء التقليدي المتأصل ضدها في نفوس غالبية الشعوب العربية السنية إلى عداء مركز ضد الأصولية السنية, والتي ظهرت بأبشع صورها عبر تصرفات “داعش”. وتكون إيران بذلك قد ضربت عصفورين بحجر واحد, ففي ظل مباركة ودعم دوليين وإسرائيليين, تكون قد استبعدت هيمنة الغالبية السنية في سورية والعراق, وذلك من طريق افتعال حروب أهلية في صفوف أهل السنة بين معتدل ومتطرف, وكسبت من ناحية أخرى الرأي العام العربي في ظهورها بمظهر الطرف المعتدل, وهو إن لم يكن عدائياً يظل أقل ضرراً وشراً من عداء “داعش” لأهل السنة عموماً, ولقادتهم خصوصاً, وهو الذي لم يتأخر عن توجيه التهديدات لعروش وملوك دول الخليج العربي وبطرق عدة. وهذا ما تراهن عليه طهران من أجل تمهيد الطرق لإحداث تقارب مستقبلي مع دول الاعتدال السني, كالسعودية ودول “مجلس التعاون” الخليجي عموماً, فتدخل النادي العربي إن لم يكن من موقع القوة المعادية فمن موقع الصديق الحضاري والمعتدل. كاتبة لبنانية