إياد أبو شقرا: خطوة طهران التالية قمع مستعمراتها الجديدة/سلمان الدوسري: آخر علاج العراق كي إيران/د. جبريل العبيدي: ساحات بغداد: إيران بره بره

72

خطوة طهران التالية… قمع مستعمراتها الجديدة
إياد أبو شقرا/الشرق الأوسط/10 تشرين الثاني/2019

آخر علاج العراق كي إيران
سلمان الدوسري/الشرق الأوسط/10 تشرين الثاني/2019

ساحات بغداد: «إيران بره بره»
د. جبريل العبيدي/الشرق الأوسط/10 تشرين الثاني/2019

***
خطوة طهران التالية… قمع مستعمراتها الجديدة
إياد أبو شقرا/الشرق الأوسط/10 تشرين الثاني/2019
لا أدري مدى دقة أو صدق ذلك التقرير الذي تداولته بعض الصحف اللبنانية، قبل بضع سنوات، عمّا «نقله» وزير دفاع نظام دمشق فهد جاسم الفريج من القيادة الإيرانية عن أن طهران استثمرت في سوريا لتاريخه أكثر من 20 مليار دولار أميركي.
يومذاك، وفق التقرير، طالبت طهران، مقابل استثماراتها و«تضحياتها» البشرية والسياسية والعسكرية، بأراضٍ تمتد على مساحات شاسعة من شمال سوريا إلى جنوبها. ومن ثم، على أثر نقل الفريج الرسالة لرئيسه، يقال إن التدخّل الروسي بدأ يأخذ شكلاً مختلفاً وأكثر مباشرة، من دون أن يشكِّل مواجهة صريحة مع الحليف التكتيكي إيران. وظهر ذلك، عبر الوجود العسكري المتكامل الروسي في شمال غربي سوريا، بما فيها جبال العلويين وادي النضارة (أو النصارى). ولاحقاً، سجّل حضور روسي في الجنوب السوري يتمثل في «الفرقة الخامسة». وكما جاء تدخل موسكو في الشمال الغربي موحياً بحماية الأقليتين العلوية والمسيحية اللتين لا تستسيغان العيش في ظل «الولي الفقيه»، فإن «الفرقة الخامسة» وفّرت لأقلية ثالثة هي الموحدون الدروز فرصة ضئيلة لحماية وجودهم من التمدّد الإيراني المتمثل أساساً في ميليشيا «حزب الله»، التي تصول وتجول في منطقة حوران، وتعمل على بناء «ممر طهران – بيروت».
مناسبة هذا الكلام، هو تطوّر الأحداث المتلاحقة في كل من العراق ولبنان، والاقتراب أكثر من التقسيم الواقعي لسوريا.
ومن واقع ما يحدث، يتأكد أن القيادة الإيرانية – التي تعتمد اعتماداً كلياً على سطوة «الحرس الثوري» داخل إيران نفسها – لا يمكن أن تفرّط في ما حققته من هيمنة داخل العالم العربي منذ 1979.
يستحيل أن تضحّي طهران بعشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها وتنفقها على التوسّع وتثبيت الاحتلالات، وبالمنجزات «الثأرية» التاريخية التي تشكل جوهر الفكر السياسي والمذهبي للحكم الإيراني… ولو كان الثمن أنهار دم… بما فيها دم الشيعة العرب، بعدما تفنّنت بتهجير السنّة العرب، من دون أن تحافظ على بقاء المسيحيين.
إن التحدّي لهيمنة إيران على العراق، من كربلاء إلى الناصرية، والنجف إلى العمارة، والحلّة إلى البصرة، وكلها ذات غالبية شيعية،… ليس بالأمر البسيط، ولا يعقل أن يسكت عنه لا قاسم سليماني، ولا أتباعه الذين زرعهم قادة وزعماء يسبّحون بحمده في عراق اليوم!
ولا يختلف الأمر كثيراً في جنوب لبنان وشمال شرقه، حيث انتفض أبناء النبطية وصور وكفر رمان كما تظاهر أبناء بعلبك… وحيث غدت إطلالات الأمين العام لـ«حزب الله» وتهديداته المبطنة أشبه بالمسلسلات التلفزيونية العادية.
بالأمس، مع استمرار الحراك العراقي والتصدّي له بالرصاص الحي، اتخذت القوات الأمنية قراراً تصعيدياً بحصر المظاهرات في ساحة التحرير على جانب الرصافة من بغداد. وهذا، عملياً، يعني خنقها وتحويلها من انتفاضة إلى «فولكلور» لعدسات وسائل الإعلام. والبديهي سياسياً، أن هناك إصراراً من السلطة السياسية وأذرعها الأمنية المرتبطة قياداتها الطائفية بطهران على الفصل بين الشقّ المطلبي والشقّ السياسي، وكأن الفساد المالي والسياسي منفصل عن واقع الهيمنة الذي يحول دون المساءلة، ومن ثم، دون المعاقبة.
ما يصدق في العراق يصدق في لبنان. إذ لا يمكن في دولة طبيعية وحقيقية تديرها حكومات خاضعة لمراقبة برلمان خاضع بدوره لمحاسبة الشعب، تفاقم ظاهرة النهب بالملايين والمليارات… ولكن هذا بالضبط ما يحصل.
في العراق وفي لبنان تُمسك بالحياة السياسية والأمنية، وتهيمن على أجهزة الإدارة العامة والقضاء «الحالة الإيرانية» ممثلة في أحزاب «الحشد الشعبي» و«حزب الله». ومن ثم، لا فساد خارج هذه «الحالة» والمستفيد منها والمتعاون معها والمحتمي بها.
أما الفوارق الأبرز حتى اللحظة بين الوضعين العراقي واللبناني، فهي:
1 – أن القمع اتخذ طابعاً دموياً في العراق، في حين ما زال اللبنانيون – مرحلياً – بمأمن من «حرب إلغاء» يشنها «حزب الله» الجانب المسلح الوحيد خارج بنية الدولة.
2 – أن الوضع الاقتصادي المنهار في لبنان ما زال يغلّب الجانب المطلبي البحت على العمق الاحتلالي، ولئن كانت غالبية العقلاء من اللبنانيين تدرك العلاقة العضوية بين الاحتلال والفساد، فإنها لا تريد حالياً استفزاز فائض القوة عند «حزب الله»… واستدراجه لقمع دموي، مضاره أكبر من فوائده.
3 – في حين أن القرار السياسي الحكومي في العراق شيعي يمثل، علناً، الفعاليات السياسية والميليشياوية التابعة لإيران، فإن الوجه الدستوري في لبنان تعدّدي، بوجود رئيس مسيحي، ورئيس حكومة سنّي تسمح – وسمحت – له بيئته الطائفية بالاستقالة في تحدٍ غير مباشر للتهديدات الإيرانية المنقولة عبر «حزب الله»!
4 – لبنان متاخم لإسرائيل، وهذا أمر يستوجب ترتيبات وحسابات إيرانية خاصة.
مع هذا، قد تقرّر طهران الحسم العسكري مهما كلف الأمر.
قد ترى أن الظرف مؤاتٍ الآن، بالتوازي مع سير سوريا نحو التقسيم الواقعي – ولو بصيغة فيدرالية – وتقاسم النفوذ على أرضها، وأخطاء الحسابات التركية، واستمرار أزمة الحكم في إسرائيل بكل مناكفاتها وهروبها نحو التطرف. وأيضاً، أمام خلفية مشهد دولي ضبابي خطير يسوده الضياع الأميركي والتسلل الروسي والارتباك على امتداد أوروبا.
في حسابات طهران، أن العالم الذي نجحت في الرهان على انقسام مواقفه في موضوع اتفاقها النووي، سيكون عاجزاً عن التفاهم على أي استراتيجية لمنع حسمها ضد مناوئيها، ولا سيما، إذا وفّرت الذرائع التي يود المجتمع الدولي تصديقها.
مع هذا، يجب القول بشيء من التفاؤل إن «المشروع الإيراني» الذي عمل على «شيطنة» السنّة و«دعشنتهم» والترويج لأكذوبة مساهمة طهران في «الحرب على الإرهاب» (السنّي، طبعاً) و«حماية الأقليات» منه – بتواطؤ من عدة جهات – تلقى ضربة موجعة من قلب البيئة الشيعية.
لقد أسقطه الشيعة قبل غيرهم، بل، ومن كربلاء نفسها… بكل رمزيتها. قد يقول رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ما يشاء، وينظّر ما يشاء، من أجل المحافظة على وضع شاذٍ، وقد يواصل الأمين العام لـ«حزب الله» رهانه على فرض مشيئته بتهديد اللبنانيين بالحرب، ودفعه رئيس جمهورية حليفاً إلى تعطيل أي حل سياسي حقيقي… قد يحصل هذا وذاك، لكن لا ضمانة بعد اليوم بأن تنجح طهران في قمع «مستعمراتها» الجديدة!

آخر علاج العراق كي إيران
سلمان الدوسري/الشرق الأوسط/10 تشرين الثاني/2019
شكلت الحياة السياسية في العراق منذ تأسيسه في 1921 حالة مختلفة عن طبيعة الحكم في أي دولة عربية أخرى، فمن النظام الملكي الذي دشن عهده مع تأسيس البلاد، إلى النظام الجمهوري في عهد عبد الكريم قاسم، ثم وصول حزب البعث إلى السلطة في 1968 واستمراره حتى الغزو الأميركي عام 2003 وتغيير النظام السياسي، الذي سجل لحظة فارقة لدى الشعب العراقي الذي كان يأمل في حياة كريمة أفضل مما كان يعيشها خلال حكم النظام السابق، حيث بلغ العراقيون أخيراً النموذج الذي رأوه مناسباً للحكم في بلادهم، حتى إن كان شكلاً من أشكال الديمقراطية التوافقية التي تركز على التقسيمات الطائفية والقومية كأولوية، وبغض النظر عن رضى العراقيين لشكل نظامهم الحاكم من عدمه، وحتى لو رفع المتظاهرون في العراق مطالب إسقاط النظام، بل ولو افترضنا جدلاً سقوط النظام بأكمله، فلن يكون الحل أبداً في ذلك، فالمشكلة ليست في النظام القائم مهما بدت مساوئه، وإنما في التغلغل الإيراني الذي لن يعدم الحيلة لإعادة تصدير ثورته وممارسة تدخلاته مهما كان مستقبل النظام الذي يحكم العراق. يمكن القول إن الإيرانيين حققوا المكاسب مرتين من سقوط نظام صدام حسين؛ فهم من جهة تخلصوا من منافس وعدو تاريخي لهم، ومن جهة أخرى استفادوا من القوى العراقية التي تسيطر على مفاصل الدولة وتغلغلها في الحكم وغدوا هم الرقم الصعب بينهم، ولذلك وكما حدث بالضبط في مظاهرات لبنان، اعتبرت إيران بأنها المستهدفة الأولى من المظاهرات التي تعم المناطق العراقية، أليس علي شمخاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني من قال إن متظاهري العراق هؤلاء هم الدواعش؟! ألم يصرح رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، بأن الأعداء يحيكون مؤامرات في لبنان والعراق لركوب موجة الاحتجاجات، وهنا لنتذكر بأنه قبل نحو عام، هاجم المتظاهرون القنصلية الإيرانية في البصرة جنوب البلاد بالشعار الشهير «إيران برّه بره»، فلا يخفى على أحد أن النفوذ الإيراني انتشر في جميع الطبقات السياسية، حتى أن الشركات الإيرانية الكبرى التابعة لـ«الحرس الثوري» أصبحت جزءاً من النسيج الاقتصادي العراقي ومقدمة مصالحها على المصالح الوطنية العراقية، حيث تنمو التبادلات التجارية بين البلدين اللذين تجمعهما حدود مشتركة تبلغ 1400 كيلومتر، علما بأن العراق أكبر سوق لصادرات إيران غير النفطية، أليس ذلك كافياً بأن يظل بعبع الفساد حاضراً من البوابة الإيرانية إلى أبد الآبدين. العراق منذ 2003 تغير فيه كل شيء؛ أحزاب تذهب وتأتي وحكومات تتعاقب وانتخابات تحضر ومطالبات بإنهاء الفساد، سوى أمر واحد كان عنصراً أساسياً وثابتاً، وهو التغلغل الإيراني الذي ثبت أنه الوحيد الذي يفترض أن يتغير في المعادلة، فمهما انقلب العراقيون على أوضاعهم البائسة، ومهما تغيرت الحكومة وأتت حكومة جديدة، كلها علاجات مسكّنة لا طائل منها. العلاج الحقيقي يكمن في كي التدخلات الإيرانية وقطع دابرها، وبغير ذلك ستزيد الخسائر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين العراقيين، وستقمع المظاهرات تلو المظاهرات.
فعلاً كما قالت زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي إن نفوذ نظام الملالي أخطر من القنبلة الذرية مئات المرات.

ساحات بغداد: «إيران بره بره»
د. جبريل العبيدي/الشرق الأوسط/10 تشرين الثاني/2019
ساحات العراق تنزف دماً، ويسقط فيها العشرات بين جريح وقتيل، بينما يواصل المتظاهرون الهتاف «نريد وطناً وإيران بره بره»، في مظاهرات شاركت فيها جميع شرائح الشعب العراقي، ولم يتغيب عنها حتى مرضى السرطان، الذين ارتدوا كمامات وأقنعة ضد الغازات، من مدخراتهم البسيطة، بعد أن عجزت الحكومات العراقية عن علاجهم. «ثورة تشرين»، الاسم الذي أطلقه المتظاهرون على احتجاجات العراق، التي اندلعت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في بغداد وباقي عموم العراق، بسبب الفساد الحكومي، حيث يحتل العراق المرتبة الـ12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بينما يعاني في الوقت نفسه من البطالة وتردي الأوضاع المعيشية. مظاهرات العراق، التي أسفرت عن سقوط أكثر من 12 ألف جريح، وأكثر من 300 قتيل، جعلت منظمات دولية تعبر عن حالة القلق من استخدام القوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين، حيث وجهت الاتهامات لقوات مكافحة الشغب بإطلاق الرصاص الحي ضد المتظاهرين، واتهامات أخرى للميليشيات المرتبطة بإيران، مثل ميليشيا «سرايا الخراساني»، التي تسميتها تفضح التبعية للفارسي، فالخراساني واحد من أحفاد آخر الأكاسرة يزدجرد الثالث، وهم بذلك ينبئون بعودة الحكم لأحفاده الفرس، فهي ميليشيا عراقية مسلحة لها شعار «الحرس الثوري» الإيراني نفسه.
سقوط مزيد من القتلى زاد من مشاعر الغضب في صفوف المتظاهرين، فهؤلاء سقطوا أثناء مصادمات بين قوات الأمن العراقية ومحتجين سلميين عزل، وذلك على الرغم من مطالبة المرجع الشيعي، علي السيستاني، بـ«تجنب العنف»، واحترام مطالب المتظاهرين، ورغم النفي المتكرر من قبل قوات الأمن العراقية، إلا أن وقوع عدد بهذا الحجم يجعل المسؤولية تقع على الحكومة وقواتها الأمنية، فمسؤولية حماية المتظاهرين وأماكن التظاهر تقع على الحكومة، مهما اختلقت من أعذار ومبررات.
هذه المظاهرات في بغداد خصوصاً، والعراق عامة، التي شهدت إحراق مقرات حزبية، خصوصاً تلك المرتبطة بالولاء لإيران، وإحراق واجهة القنصلية الإيرانية في كربلاء، ورفع العلم العراقي فوق أسوارها… هذه المظاهرات تؤكد مدى الغضب الشعبي من التدخل الإيراني السافر في الشأن العراقي، ما يعكس حالة غليان شعبي كان مكبوتاً، ولا أظن أحداً يستطيع التحكم به، ولو أوغل في الدماء، فالأزمة أكبر من المحاولات الخجولة لاحتوائها ضمن صفقة تبقي حكومة عبد المهدي، الذي يتهمه المتظاهرون بالتبعية لإيران، التي سعت من خلال الدفع بجنرال حربها قاسم سليماني، الذي جاء العراق في سفرة تهدف لإنقاذ الحكومة.
أيضاً محاولات رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، دعوة ممثلين عن المظاهرات للحضور إلى مقر مجلس النواب، والسماع إلى مطالبهم، باءت بالفشل بعد رفضها من غالبية المتظاهرين.
معالجة الحكومة كانت مرتكزة على شماعة «المندسين»، الأمر الذي لم يعد مقنعاً للمتظاهرين الغاضبين، من استخدام الحكومة للقوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين. التخوف من كرة الثلج ولهب النار في العراق زعزع أركان دول لها أذرع عابثة في المشهد العراقي، ولعل تصريحات إردوغان التي قال فيها: «دعوني أكن صريحاً، لدينا تكهنات بشأن من يقف وراء هذه الاضطرابات، كما أننا نظن أنه من الممكن أن تمتد هذه إلى إيران». تؤكد حالة التخوف هذه من حركة الشعب، الذي عبر عنه إردوغان بطريقته، الهاجس الذي يخشاه النظام الإيراني، وهو المتورط والعابث في اضطرابات لبنان واليمن، وهو ما سيحرك من ثم الشارع الإيراني ضده، فالشعب الإيراني المكمم بقوات «الباسيج» و«الحرس الثوري»، يرفض تدخل بلاده وإنفاقها من أمواله على صناعة الفوضى والاضطرابات في دول الجوار، وما تجاوز حتى الجوار. مظاهرات العراق المطالبة بوطن عراقي خالص وخالٍ من إيران وأتباعها، حافظت على حياديتها، ورفضت ونبذت الشعارات الطائفية، رغم محاولات الميليشيات المرتبطة بالفساد وإيران، اختراق صفوفهم.