مكرم رباح/”الأخوين مرسال وجورج غانم”.. الإعلام لتلميع السلطة وتخويف الناس

272

“الأخوين مرسال وجورج غانم”.. الإعلام لتلميع السلطة وتخويف الناس

مكرم رباح/المدن/10 تشرين الثاني/2019

عرف لبنان العديد من الأخوة والأخوات الذين عملوا في عالم الفن والغناء والتمثيل، منهم الأخوين جان وأندريه سعادة، اللذين سطع نجمهما في أواسط القرن المنصرم، في عالم المصارعة الحرة ومن ثم التمثيل ليصبحوا أيقونة لجيل واسع، انبهر بقدراتهما الرياضية والترفيهية، في إطار أخلاقي بعيد عن التزلف والخداع، اللذين وُصمت بهما تلك الرياضة. فكان أندريه يصرخ لشقيقه “جسِّر يا جان” حيث يبادر الأخير إلى تنفيذ حركته الشهيرة “التجسير” ويسلّم أخيه ليحل محله في الحلبة.

حذاقة وتفخيخ
وفي يومنا هذا، يحل مكان الأخوين سعادة جيل جديد من المرفِّهين، وعلى رأسهم الأخوين “الإعلاميين” جورج ومارسيل غانم، اللذين حوَّلا مهنة الصحافة إلى مصارعة حرة من نوع آخر، جعلت من منصاتهما حلبات لتمكين الطبقة السياسية وأصحاب الملايين من تلميع صورهم وتكذيب فضائحهم المالية.

في إطلالته الإعلامية الأسبوعية وضمن برنامج أخيه مارسيل، قدّم جورج مداخلة مطولة عن الثورة اللبنانية الجارية، وعن الأزمة السياسية التي رافقت استقالة سعد الحريري. استعراض جورج غانم التحليلي، والذي استمر أربع عشرة دقيقة، قَدم بشكل حذق إنما مشبوه، الأحداث القائمة، مفخخاً بنظريات نَعَت الثورة ورسمت نهايتها “الطبيعية” بالحرب الأهلية، رغم ما وصفه بالمطالب المحقة لأكثرية الشعب اللبناني. صراحة، مداخلة جورج غانم لم تستفزني، بقدر ما أكدت لي أن هذا الإعلامي “المرموق” ينتمي إلى شعراء البلاط، الذين فوتوا فرصة طلب الغفران من ثوار لبنان، وفرصة الانضمام إلى الشارع. والأمر الذي أثار حفيظتي هو استغلال جورج للتاريخ وعرضه للأحداث والوقائع وتأطيرها بطريقة لا تخدم أحداً سوى السلطة السياسية، في رسالة سامة كُلّف غانم على ما يبدو برميها في نهر الثورة الدافق.

مشكلة “منهجية”
كمؤرخ وأستاذ جامعي متخصص في تاريخ لبنان الحديث – ولاسيما الحرب الأهلية اللبنانية- استمعت إلى تأريخ غانم للفترة التي سبقت الحرب الأهلية اللبنانية، والتي حسب زعمه بدأت تحت غطاء مطلبي، ما لبث أن تسيس ليُدخل لبنان في دوامة العنف والفوضى. ركز غانم أيضاً على أن المؤامرة الدولية وُجدت في إطار الحرب الباردة والصراع العربي الإسرائيلي، مقارناً إدارة الرئيس الأميركي جيرالد فورد بإدارة ترمب الحالية، ومؤكداً أن لبنان وكما قُدّم لسوريا سنة 76 سيُقدم لإيران و حزب الله، وأن الشعب اللبناني بطريقة أو بأخرى سيضطر إلى تقبل هذا الواقع.

المشكلة ليست في نية جورج غانم رثاء الثورة وحسب، بل في منهجيته وفلسفته لعلم التاريخ. عزيزي جورج، إن حركة التاريخ على عكس مسرحيتك الأخيرة ليست بدائرية (cyclical) بل مستقيمة. وحركة البشر هي دائماً إلى الأمام، علماً أن الشعور بأن التاريخ يعيد نفسه هو فقط بسبب وجود البشر، المتغير الوحيد المشترك بين الأحداث التاريخية.

ليس مفاجئاً موقف غانم أو منهجيته، وهو الذي امتهن صناعة الأفلام الوثائقية التي غالبا ما تكون بمثابة قصائد مدح للممول أو الشخصية التي يحبها هذا الأخير أو حتى يكرهها. ففي آخر عمل لجورج غانم عن المصرفي اللبناني-الفلسطيني يوسف بيدس وفضيحة بنك انترا، قام غانم بسرقة كتاب الدكتور كمال ديب، وحوّره لينظف صفحة الطبقة السياسية التي تآمرت على بيدس، وأفلست إحدى أهم المؤسسات المالية اللبنانية على مر التاريخ.

التهويل على الشعب اللبناني
المؤامرة على الشعب اللبناني تبدأ وتنتهي عند الطبقة السياسية الفاسدة، التي تستعمل المنظومة الإعلامية اللبنانية لتهوّل على الشعب اللبناني، الذي نشأ على “بهلوانيات” شخصيات إعلامية هدفها الأول والأخير جمع المال والساعات واللوحات.

الشعب اللبناني والشباب الذين يملؤون الساحات لا يكترثون بريشارد نيكسون أو جوزيف سيسكو أو حتى السفير الأميركي في الأردن سنة 1976 ولا حتى بالرئيسين ماكرون وترمب، بل هم يكترثون فقط بمستقبل أفضل لهم ولأولادهم. ومحاولات تخويفهم بالحرب الأهلية والعنف لن تردعهم عن المطالبة بحقهم في الحياة.

الثورة اللبنانية ليست فقط نتيجة أزمة سياسية أو مالية، بل هي وليدة سقوط أخلاقي لطبقة سياسية وبعضٍ من الإعلاميين الذين لا يزالون يعتقدون أن خُدعهم، التي تعود إلى القرون الوسطى ما زالت تفلح في وقتنا هذا. التاريخ اللبناني يُكتب الآن في شوارع ومدن لبنان وبلدان الانتشار بدموع المنتفضين، الذين شفَوا من أمراض العالم القديم وأفكار الطغاة ولو بقالب حضاري، وليس على شاشات التلفاز عبر أبواق أشخاص من فصيلة الأخوين غانم.

المواجهة مع الطبقة الحاكمة وإعلامه مستمرة، وطريق إنقاذ لبنان من نفسه طويل وشاق. لكنه يستحق العناء. وإلى ذلك الحين أقول لـ”هيرودوتس” التاريخ اللبناني “جسّر يا جورج”.. فالشعب اللبناني بات أكثر وعياً وإدراكاً من ذي قبل.

****

مقالة للياس بجاني ذات صلة بمحتواها للمقالة في أعلى
برنامج مرسال غانم “صار الوقت”  يسوّق لصنمية ودكتاتورية وأدوار أصحاب شركات الأحزاب في لبنان
الياس بجاني/07 تشرين الثاني/2019/اضغط هنا لقراءة المقالة