رائد جرجس/عينٌ على الشيعة… قيامة لبنان الجديد ستكون صعبة بدون جميع مكوناته وخصوصًا الشيعة

85

عينٌ على الشيعة… قيامة لبنان الجديد ستكون صعبة بدون جميع مكوناته وخصوصًا الشيعة

رائد جرجس/النهار/08 تشرين الثاني 2019 

تطرقت تحليلات كثيرة إلى التظاهرات في لبنان وأسبابها، وبالرغم من اختلافها، لا أحد يستطيع إنكار انتشارها على كافة الأراضي اللبنانية وضمّها لمختلف المشارب الدينية والطبقات الاجتماعية.

وكان التحرك الملفت ولأول مرة داخل المناطق ذات الأكثرية الشيعية مثل النبطية وصور وبعلبك وغيرها من المناطق.

هنالك من يقول إن الشيعة غير منفصلين عن الواقع اللبناني ويعانون ما يعانيه كافة اللبنانيين من البطالة وانخفاض الدخل والفساد وغيرها من الموبقات التي تتسبب بانهيار أي مجتمع وكيف بالأحرى المجتمع اللبناني الذي يعاني منذ عقود. فقد “وصل الموس” إلى ذقن الجميع.

لست بصدد تقويم هذه النظرية الرائجة أو تحليل سبب وقوف جمهورٍ من الشيعة بوجه جمهورٍ آخر من إخوتهم في الضيعة أو المدينة نفسها.

ما يلفتني هو تماسك المجتمع الشيعي المسيّس ولو ظاهريًا بحيث كان من الصعب استشفاف أي موقف مغاير لموقف الثنائي السياسي، الممثل الأبرز للشيعة، فيبدو وكأن لا شارع غير شارعهما.

يمكن أن يكون داخل هذا الشارع المتراص شارعٌ رافضٌ للوضع القائم يضم أناسًا من الشارع المسيس ومن “المحايدين”، فيبدو وكأن شارعًا ثالثًا بدأ بالظهور مطعّماً بمناصرين لأمل وحزب الله ويضم كذلك محايدين.

لماذا أركز على الشارع الشيعي دون غيره؟

أولاً بسبب أهمية المكوّن الشيعي في الحياة السياسية في لبنان.

ثانيًا لأن كل المذاهب في لبنان كانت لديها ردة فعل مؤثرة في ظروف صعبة وحساسة، لكن هذه الظروف كانت كلها مرتبطة بشكل مباشر بحدث أمني كبير مثل الحروب أو الاغتيالات السياسية.

فيأتي حلٌ ما على حساب مذهب أو طائفة بسبب حدثٍ يفرض نفسه وغالبًا ما يكون نتيجة حرب أو اغتيال شخصية مهمة تسبب صدمة Trauma بمعناها النفسي وبمعناها السياسي أو العسكري، فتنتج تغييرًا في الواقع السياسي.

فالمسيحيون عمومًا والموارنة خصوصًا عاشوا صدمتين كبيرتين، الأولى عند اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل، فتخبط الشارع المسيحي بحروب داخلية وفقد قائدا كان يعوّل عليه الكثير للتغيير.

والصدمة الثانية كانت خسارتهم الحرب وموقعهم المؤثر بعدها.

وكذلك الدروز، مع اغتيال الزعيم كمال جنبلاط أولاً وعند الانسحاب السوري ثانيًا ما اضطرهم إلى إعادة التموضع في الحالتين، وإلى لعب دورٍ مؤثر مع حلفائهم وخصومهم.

أما اغتيال الرئيس رفيق الحريري فشكل صدمة كبرى عند السنة لا تزال ارتداداتها ظاهرة حتى اليوم، وكانت إحدى نتائجها إعادة تموضع الشارع السني بغالبيته ضد النظام السوري وتخبط داخلي مستمر بمواجهة حزب الله، تارة بالمهادنة وتارة بالهجوم الشرس حسب الظروف السياسية.

أما اليوم، فيبدو الظرف مختلفًا، فلا حرب يشنها جيش محتل أو صراع بين حزبين أو شخصين على السلطة داخل الطائفة، بل السبب هو اجتماعي – سياسي – معيشي يطال أسس العيش والبقاء والصمود.

إن ما يجمع الشيعة في ما بينهم ومع اللبنانيين المتظاهرين أو “المنتفضين” ضد الطبقة السياسية الفاسدة والفساد المستشري والفشل في كافة مرافق الدولة أقوى بكثير من “فورة” أو نكسة ناتجة عن صدمة من الممكن أن تخمد مع مرور الزمن.

سيتمكن هذا “الحراك” من التغيير عاجلاً أم آجلاً وسيجذب معه الشيعة، إن لم يكونوا من رواده، فكلما أسرعوا بالانضمام إليه سيعجّلون في بلوغ أهدافه، وكلما تباطؤوا سيؤخرون التغيير المنتظر.

لذا يجب ألا يشعر الشيعي أن الحراك موجه ضد أحزابه أو شخصياته حصرًا، في وقت يتوجس البعض من مؤامرة ما، فيعود لمنطق “رص الصفوف” والدفاع الشرس رفضًا للحراك مهما كانت شعاراته محقة.

قيامة لبنان الجديد ستكون صعبة بدون جميع مكوناته وخصوصًا الشيعة.