د. توفيق هندي: ربح الشعب معركة لا نريده أن يخسر الحرب

114

 ربح الشعب معركة لا نريده أن يخسر الحرب

د. توفيق هندي/اللواء/05 تشرين الثاني/2019

أنتجت إنتفاضة 17 تشرين الأول ما يلي من الإيجبيات:

1- أنهت ظاهرة الزعماء- الآلهة المعصومين عن الخطأ وإن بقي من يقدسهم ويستميت من أجل ديمومتهم من الغدديين-العبيد المتواجدين في الدائرة الصغيرة حولهم.

2- أفقدت حزب الله حليفه القوي، أعني التيار العوني، حيث أصبح ضعيفاً نسبياً ولم يعد يمكنه تمثيل قطاع كبير من المسيحيين، مما يسمح لنا بالقول أن المسيحيين ليسوا حلفاء حزب الله. كما لم يعد لمرشحه لرئاسة الجمهورية، جبران باسيل، القدرة على النجاح في الإنتخابات الرئاسية.

3- أجبرت السلطة على التراجع عن الضرائب وإقرار إصلاحات، ولو أنها ليست بمقدار الطموحات، كما أجبرت الحكومة على الإستقالة وكسرت كلمة نصر الله بهذا الخصوص.

4- لأول مرة تجرأ بعض الشيعة على إنتقاد علنا حزب الله وأمينه العام نصر الله. فكسروا هيبته.

5- وضعت الإنتفاضة مكونات السلطة جميعها في قفص الإتهام بالفساد وسرقة المال العام وأربكتهم وسوف يظلون فصاعدا تحت رقابة الشارع، مما سوف يصّعب عليهم المضي بالفساد وسرقة المال العام.

ولكن إلى جانب هذه الإيجابيات، ثمة سلبيات ظهرت يتوجب تصحيحها:

1- السقوف العالية: إسقاط النظام، إعادة إنتاج السلطة، تشكيل حكومة إختصاصيين من خارج مكونات السلطة.

هذه السقوف عالية وطرحها كأهداف يمكن تحقيقها الآن يشكل خطأ جسيما ويؤدي إلى حالة إحباط للشعب في ما إذا لم تتحقق. وهي لن تتحقق لأن الظروف الداخلية والخارجية، الموضوعية والذاتية غير مهيئة ولأن نتاج هذه الإندفاعة الشعبية سوف تعكس في التحليل الأخير موازين القوى الحقيقية.

ولتوضيح الفكرة لا بد من مقارنة ظروف ال 2005 بظروف الـ2019 : إن إخراج الجيش السوري من لبنان عام 2005 أتى نتيجة تضافر العامل الداخلي مع العامل الخارجي. داخليا، تصاعدت الحركة السيادية خلال عدة سنوات من خلال تيار القوات والتيار العوني وقرنة شهوان مظللة بموقف بكركي (البطريرك صفير). إنضم إليهم جنبلاط والحريري وشكلوا قيادة موحدة. ولولا الـ1559 وبوش وشيراك، لما تمكن اللبنانيون من تحرير وطنهم من الإحتلال السوري.

أما اليوم، فالحراك هو عفوي لا قيادة له مع وجود بعض القوى (وليس جميعها) التي تريد ركوب الموجة وإستغلاله. لذا، ثمة خطر كبير من خطف الحراك من بعض الإنتهازيين.

أما الأقوى في الداخل فهو حزب الله وفي الإقليم إيران في ظل أميركا- ترامب التي تخلت عن حلفائها كافة في الإقليم وفي ظل أوروبا مترهلة وغير قادرة وعرب مشلولين. والحقيقة أن حزب الله هو رب عمل الجوقة التي «تشاركه» السلطة، وبالتالي المشكلة الحقيقية هي معه ومع الطبقة الفاسدة الملحقة به. برأينا المتواضع، ثمة تخوف جدي من تضييع الفرصة واليقظة الشعبية إذا لم نحسن التصرف، أي التصرف بالعقل وليس بالقلب.

أما المطالبة اليوم بحكومة من الإختصاصيين من خارج الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة كهدف تكتي غير ممكن التحقيق. لماذا؟ لأن «من يعين يأمر» (qui nomme ordonne). فالآلية الدستورية سوف تنتج حكما» حكومة تشبه الحكومة القائمة مع بعض التغييرات التجميلية لأن حزب الله يسيطر على 74 نائبا وهو على غير أستعداد للقبول بحكومة لا تكون تحت سطوته في ظل ظروف يعتبر أنها تستهدف وجوده ووجود «محور المقاومة» الذي تتزعمه إيران. وأما الشارع فلا يمكنه أن يمنع ذلك: فهو أداة رقابة شعبية تقمع بالقوة إذا لزم الأمر. أما إذا إتبعت آلية «ثورية» للوصول إلى هذا الهدف، فهي تتطلب موقفا حاسما من الجيش لن يصدر في الظروف الراهنة ويشكل إنتحارا للبنان.

2- فقدان البوصلة وتعدد الشعارات والأهداف والنقاشات في العراء خارج أي أطر وتحت أعين مخابرات الأطراف الخصمة والمنتحلة صفة الصداقة. فهذا الجمع ممكن إختراقه ودفع سيره في إتجاهات خطرة أو غير خطرة تخدم أهداف هذا الطرف أو ذاك في السلطة أو خارجها.

طبيعة الإنتفاضة: هي حركة مطلبية-إجتماعية بالأساس ممزوجة بغضب شعبي ومرارة حادة ضد رعونة القابضين على السلطة.

ما العمل؟

1- يتوجب البقاء بالساحات إذا لزم الأمر ولكن دون قطع الطرقات لعدم إلحاق الضرر بالحركة الإقتصادية وبمصالح اللبنانيين الذين قد يتذمرون من الإنتفاضة إذا طالت، ولعدم إعطاء الحجة للسلطة أو الميليشيات للإنقضاض على المتظاهرين، علماً أن قطع الطرقات قد يلحق ضرراً إقتصادياً ومالياً متعاظماً يكون ضحيته الطبقة الفقيرة والمتوسطة. أما الأغنياء الكبار والطبقة السياسية الحاكمة، فلن يتضرروا.

2- يجب المجاهرة بأن الإنتفاضة ربحت معركة ولكنها مصرة على ربح الحرب.

3- يجب الإقتناع أن لا مجال إطلاقاً في ظل الظروف الداخلية والخارجية القائمة أن تنتصر الإنتفاضة بالضربة القاضية. الإنتصار يأتي بالتدريج بالنقاط وعلى مراحل وتبعاً لتغير الظروف والموازين.

4- يجب وضع السلطة تحت الرقابة الشعبية المشددة وربط النزاع معها على هدف أساسي هو «إسترجاع المال المنهوب ومحاكمة المرتكبين». يجب وضع الآليات لهذا الهدف والضغط عليها لتنفيذه. هذا يشكل سيفاً مسلطاً على رقبة كل أطراف السلطة بما فيهم حزب الله.

5- أما كسب الحرب، فيتطلب تشكيل قيادة موحدة وظروف إقليمية ودولية مساعدة، كون المشكلة في لبنان ليست داخلية فحسب إنما لها وجه خارجي طاغ يتمحور حول الصراع لتحويل لبنان إلى مقاطعة للجمهورية الإسلامية في إيران عبر إمساك حزب الله بزمام السلطة في لبنان.