رياض طوق/يوم أعلن السيّد الحرب على الفقراء

103

يوم أعلن السيّد الحرب على الفقراء
رياض طوق/ليبانون ديبايت/السبت 02 تشرين الثاني 2019

أوصى المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في إيران السيد علي خامنئي “الحريصين على العراق ولبنان أن يعالجوا أعمال الشغب وانعدام الأمن الذي تسببه في بلادهم أميركا والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية وبعض الدول الغربية بأموال بعض الدول الرجعية”.
هذه التغريدة على تويتر للمرشد الأعلى كانت كفيلة بحسم موقع وموقف حزب لله من الانتفاضة الشعبية في لبنان. فحسابات حقل المطالب الشعبية لا تتطابق مع حسابات بيدر حزب الله. فهذا الحزب العابر للحدود الذي لطالما قال انه يقف الى جانب الشعوب المظلومة في البحرين واليمن والعراق وسوريا وفلسطين ها هو يعلن وبكل وضوح وصراحة وقوفه في وجه لبنانيين مظلومين قرروا رفع الظلم المتمادي بحقّهم.
فهو أصرّ منذ 17 تشرين أن يشيطن الحراك، تارةً عبر وصفه بالمشبوه وطوراً عبر اتهامه بأنه نتاج سفارات وأيادٍ خفية تتآمر على الوطن. قمع الثورة في مناطق نفوذه وحاول خنق صوتها في صور والنبطية، والضاحية وبعلبك.
لم يقنع نصرالله جمهوره هذه المرّة، بل فرض عليه ما يناسب الحزب في هذه المرحلة. لم يقل لهم بأنه سيمنع انهيار الليرة، وبأنه سيحافظ على سعر الصرف. لم يتعهّد بانه سيوقف تدمير مرج بسري وبانه سيجد حلّاً للنفايات المكدّسة فوق صدورهم. لم يقطع أيدي مختلسي الاملاك البحرية ولم يتدخل لضبط التهرّب الجمركي في المطار والمرفأ والحدود البرية. لم يعدهم بأنهم لن يدفعوا بعد اليوم فاتورتين للماء والكهرباء. جلّ ما قاله ان هذه الثورة هي مشبوهة ويجب وأدها في مهدها.
حسناً، شهر سلاحه وأرسل سرايا المقاومة لتقتصّ من متظاهرين مسالمين لا يمتلكون من حطام هذه الدنيا سوى هواتف خلوية توثّق لحظات تاريخية من ثورة شعبية وطنية نابعة من عمق الطبقات الشعبية.
اليوم، عيّب على المتظاهرين الشتائم والعبارات التي يتلفظون بها ولكنه لم يعر أي اهتمام لمشهد ضرب النساء في ساحتي رياض الصلح والشهداء. لم يتلفّظ ولا حتى بعبارة شجب أو استنكار للاعتداء على شابات وشباب لبنانيين ينادون بإنقاذ وطنهم من الضياع. لقد ألقى محاضرة دامت عشر دقائق على الهواء، أدان فيها المتظاهرين وحمّل الاعلام مسؤولية ما يجري.
قد ينتصر حزب الله في قمع الثورة في مناطق نفوذه، وقد يحاول في لبنان كلّه نظراً الى سيطرته على كل مفاصل الدولة، لكنه خسر اجتماعياً ووطنياً. فهو سيجد من يطيعه من باب الترهيب او الترغيب ولكنه لن يجد من سيقتنع بحربه على هذه الثورة.
هذه ثورة الجياع لا تضمّ جيفري فيلتمان ولا سفارة سعودية تغدق مكارمها عليها ولا تطبّق قرارات صادرة عن مجلس الأمن. لا بل لا توجد مجموعة في كل هذا التيار الجارف تضمّ أكثر من عشرين شخصاً، ولذلك لم تجد السلطة من تتفاوض معه ولن تجد.
فهل السلطة مستعدة لمفاوضة سائق سيارة الأجرة والطالب الجامعي وأستاذ المدرسة والجندي المتقاعد والمزارع الذي كسد موسمه؟ فكلّ من حاول التفاوض باسم الفقراء والمساكين سقط في الشارع، وسيسقط كل من يحذو حذوه.
السيّد يريد اسكات الفقراء الذين لا يمتلكون الا الشتيمة للتعبير عن غضبهم ونقمتهم، فهؤلاء يريدون تأمين مأكلهم ومشربهم. ولا يستسيغون الكلام الخشبي ولا يعنيهم التكرار المملّ لشعارات فارغة. حتى ان المعركة مع حزب الله لم يكن لها الصدارة في انتفاضتهم.
فهؤلاء الذين انفجروا يوم 17 تشرين الأول في لحظة غضب جماعي لم يكن في بالهم لا حزب الله ولا سلاحه ولا سراياه ولا آلاف الصواريخ ولا منظومته الأمنية. فهم رافضون للإذلال المزمن الذي يتعرضون له من قبل سلطة سياسية فاسدة متحالفة مع برجوازية رأسمالية جشعة لا تشبع. في 17 تشرين لم يكن في بال أحد على امتداد الجغرافيا اللبنانية ثلاثية جيش وشعب ومقاومة، أو شبكة اتصالات المقاومة. في 17 تشرين لم يكن أحد يتذكر أن قرار الحرب والسلم في يد حزب الله حتّى انهم قد تناسوا بأنه على هذه الأرض هناك ما يسمّى بمحور الممناعة.
لا ينكر أحد أن حزب الله هو الأقوى، فهو ليس بحاجة لإقناعنا بذلك، ولم يكن على السيد تكرار ذلك في تهديد مبطن. وهذا يبدو عرضاً مفرطاً للعضلات وغير مقنع. فقد صرح بأنه في لحظة الانهيار المالي للدولة فان المقاومة ستدفع الرواتب، ولكنه تمنّع عن ذكر ان الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان ستطال بيئته واللبنانيين أيضاً.
فحصار الأسرة الدولية للمصارف وللدولة اللبنانية التي تبدو في عزلة شديدة أحد أهمّ أسبابه هو حزب الله نفسه، كما ان الجمهورية الاسلامية الايرانية الراعية له والداعم الأساسي لسياسته وآلته الحربية تتخبّط في أزمات مالية حادّة.
وحتى ولو دفعت المقاومة رواتبها، ماذا سيفعل نصرالله بعشرات الآلاف من الطائفة الشيعية الذين يتقاضون رواتبهم من الدولة اللبنانية؟ ماذا سيفعل بمناصري الرئيس نبيه بري الموزعين على مختلف الوظائف والمواقع؟ هل ستدفع المقاومة رواتبهم أيضاً؟
والتلويح بالانهيار النقدي يطال الجيش حتماً سيقضي على جهوزيته وقدراته القتالية، وكما يبدو من القراءة بين السطور، فإن الجيش بات هدفاً واضحاً للسلطة السياسية، ليس لسبب الا لرفضه الانصياع لرغباتها بفضّ الحراك الشعبي بالقوة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب هتافات الجماهير المؤيدة له بصفته المؤسسة الدولتية الوحيدة التي لم تنغمس في فساد المنظومة ولم تنخرط في لعبة السلطة في مواجهة مواطنيها لا سيما الفقراء منهم.
يوم أمس، قال أمين عام حزب الله ما لم يقله رئيس الجمهورية في كلمته التي توجه فيها إلى اللبنانيين بمناسبة مرور ثلاث سنوات على اعتلائه سدة الرئاسة. اذ قدّم ما يشبه جردة حساب لعهده من دون التطرق الى الأزمة الحالية او كيفية معالجتها. وبدا وكأن هذه المهمة يتولاها السيد نصرالله وكانه الناطق باسم السلطة والمقرّر عنها منفرداً.
فالمكاسب التي حققها نصرالله في السنوات الماضية والتي أتت برئيس للجمهورية يمارس السياسة دون تخطي السقف الذي يرسمه الحزب مروراً بإنتاج قانون انتخابي حقق اكثرية برلمانية تدور في فلكه وصولاً الى حكومة يضبط ايقاعها وزراء الحزب على طاولة مجلس الوزراء جعلته اكثر تمسكاً بالتسوية القائمة واكثر حرصاً على هذه المكاسب ولا يريد أن يفقد احدها.
وإذا كانت الثورة قد تمكنت من اسقاط الحكومة، فهذا لا يعني بالنسبة للحزب بأنه عاجز عن انتاج حكومة شبيهة بها. وهذا ما قاله السيد نصرالله عندما شدد على ضرورة تشكيل حكومة سيادية، أي سياسية تلتزم خيارات حزب الله في علاقات لبنان بالمجتمع الدولي.
وهنا يجب التذكير بأن المتظاهرين قد لا يهتمون بالسياسة الخارجية للحكومة المنوي تشكيلها بقدر ما تهمهم اسماء المستوزرين الجدد وتاريخهم السياسي والاخلاقي وكفاءاتهم واستقلاليتهم والمسافات التي تفصلهم عن الاحزاب الحاكمة.
فالسيادية قد تعني توزير أقطاب من الأحزاب السياسية الحليفة للحزب. وهذا ينذر بعودة الوجوه المستفزة للثورة. فالحزب الذي سيتشارك مع قوى السلطة الدائرة في فلكه والمنفذة لسياساته لن يرضى بكسر أجنحته.
في المحصّلة، يبدو ان الحزب قد عقد العزم على المضي قدماً بحكومة مواجهة للثورة ونكون بذلك قد دخلنا في الجولة الثانية من التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات وقطع الطرقات لأن الثوار الذين أجبروا الحكومة على الاستقالة لن يساوموا على نضالهم وتعبهم ولن يقبلوا بسرقة إنجازاتهم وبإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 17 تشرين الأول مع تغيير ببعض الديكورات.
فالإنهيار الإقتصادي لا يتحمّله شعب 17 تشرين وإنما مماطلة الطبقة السياسية وعناد راعيها في تأبيد الوضع القائم.