من صحف عربية ولبنانية 23 مقالة وتحليل وتعليق لكتاب عرب ولبنانيين تلقئ الأضواء على الأنتفاضة اللبنانية الشعبية الرافضة للإحتلال الإيراني وأدواته السياسية والرسمية والحزبية من ابواق وطرواديين وملجميين وفاسدين

482

من صحف عربية ولبنانية 23 مقالة وتحليل وتعليق لكتاب عرب ولبنانيين تلقئ الأضواء على الأنتفاضة اللبنانية الشعبية الرافضة للإحتلال الإيراني وأدواته السياسية والرسمية والحزبية من ابواق وطرواديين وملجميين وفاسدين

25 و26 تشرين الأول/2019

لبنان: تحطيم الأوهام والأصنام!
راجح الخوري/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019

لبنان من سويسرا إلى قندهار!
محمد الرميحي/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019

صوت واحد بلهجات كثيرة
سمير عطا الله/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019

حزب الله يطلق مسار “الشيطنة” بوجه الانتفاضة اللبنانية
طوني بولس/اندبندنت عربية/26 تشرين الأول/2019

مسار الانتفاضة الشعبية في لبنان… “المؤتمر التأسيسي” الآخر ولا إنقاذ وطنياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً إلا بنجاح الحراك
رفيق خوري/اندبندنت عربية/26 تشرين الأول/2019′

العراق ولبنان: بين الوطنية والتشيع الإيراني
سعد بن طفلة العجمي وزير الإعلام السابق في الكويت /اندبندنت عربية/26 تشرين الأول/2019

البيت العوني يتصدع والشارع المسيحي يلفظ باسيل
منير الربيع/المدن/السبت26/10/2019

وزن الثورة الشعبية وحكومة “الإنقلاب الديموقراطي”
رفيق خوري/نداء الوطن/26 تشرين الأول 2019

جلّ الديب… صمود الثوّار حمى الثورة من الإنهيار
ألان سركيس/نداء الوطن/26 تشرين الأول 2019

أمثولات من سيدة الانتفاضات
فـــؤاد مطـــر/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019

ظاهرة العنف المتجذرة لدى «الإخوان»
د. جبريل العبيدي/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019

لبنان: لحظة الانتفاضة
د. خطار أبودياب/العرب/26 تشرين الأول/2019

اللحظة الشيعية الكبرى.. “العودة إلى حضن الوطن”
محمد قواص/العرب/26 تشرين الأول/2019

لبنان وتشكل الجماعة السياسية العابرة للطوائف
سلام السعدي/العرب/26 تشرين الأول/2019

قبل أن يجرفكم التاريخ
علي حماده/النهار/25 تشرين الأول/2019

استقيلوا استقيلوا لم نعد نريدكم في حياتنا
عقل العويط/النهار/25 تشرين الأول/2019

عون للبنانيين… أنا صار لازم ودعكم
أحمد عبد العزيز الجارالله/السياسة/25 تشرين الأول/2019

يا سعد لا تقتل رفيق الحريري مرة أخرى
أحمد الجارالله/السياسة/25 تشرين الأول/2019

قاسم سليماني وسوء فهم المسألة اللبنانية
أمير طاهري/الشرق الأوسط/25 تشرين الأول/2019

أسباب التضييق على لبنان
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/25 تشرين الأول/2019

مقام اللحظة الكبرى
سمير عطا الله/الشرق الأوسط/25 تشرين الأول/2019

مهلاً.. التغيير شامل!
د.جنان شعبان/المدن/25 تشرين الأول/2019

الموجة الثورية الثانية تصيب لبنان
حسام عيتاني/الشرق الأوسط/25 تشرين الأول/2019

=================
لبنان: تحطيم الأوهام والأصنام!
راجح الخوري/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019
قال لي دبلوماسي غربي بعد أن استمع إلى كلمة الرئيس ميشال عون، التي جاءت رداً على مطالب المتظاهرين في كل لبنان، الذين قالت «رويترز» إنهم يعلنون أهم ثورة في التاريخ: «لبنان بات في مواجهة سيناريوهات حاسمة، إنني عندما أنظر إلى الشباب اللبنانيين يقومون صباحاً بتنظيف ساحات الاعتصام، أرى أنهم يكنسون كثيراً من الأوهام المحطمة والحسابات المحطمة ومعالجات الحطام».
كان هذا أفضل توصيف للوضع المتفجر في لبنان، بعدما خرج أكثر من مليوني مواطن إلى الشوارع والساحات وتظاهروا لمدة 10 أيام، وفي أكثر من 20 بلداً حول العالم، مطالبين بتغيير جذري ينهي الفساد ويحاكم الطقم السياسي الغارق في السرقات والنهب، والذي أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس!
10 أيام ليخرج رئيس الجمهورية بمروحة من الوعود، سبق للناس أن استمعوا إليها ولم ينفذ شيء منها، بعدما كان الرئيس سعد الحريري سبقه الثلاثاء ووقف في القصر الجمهوري ليقرأ ورقة إصلاحية من 25 بنداً، رفضها المتظاهرون، لأنها جاءت مجرد وعود متكررة، وليس هناك من يضمن تنفيذها، لأن السياسيين الذين كانوا وراء الفساد وأوصلوا البلاد إلى ما هي عليه، هم الذين سيناط بهم إصلاح ما أفسدوه!
وكالة «بلومبرغ» سارعت إلى وصف خطة الحريري، بأنها تأجيل ليوم الحساب، وأن لبنان يتجه إلى جدولة الديْن بعد 3 سنوات، بينما حذّرت مؤسسة «موديز» للتصنيف من أن الثقة بقدرة الحكومة اللبنانية على خدمة ديونها قد تتقوض بدرجة أكبر بسبب خطة الحكومة لإجبار البنوك على القبول بفائدة أقل على ديْنها.
كل هذا يعني أن خطة الحريري ووعود عون، جُوبِهتا بالرفض الحاد، سواء من المتظاهرين الذي يهتفون «ثورة ثورة… كلن يعني كلن»، بمعنى المطالبة برحيل كل الطقم السياسي في البلاد، وهو أمر ليس من السهل الوصول إليه خوفاً من فراغ طويل، يضاف إلى انهيار اقتصادي يقرع الأبواب، وأيضاً من مؤسسات التصنيف الدولية، ما يوسّع دائرة المخاوف من أن تكون مقررات «مؤتمر سيدر» قد سقطت بعد التطورات الدراماتيكية في بيروت! قياساً بمطالب الشعب والمتظاهرين، يفترض أن يذهب لبنان إلى التجربة الماليزية مثلاً، ففي 10 مايو (أيار) من عام 2019 تولى مهاتير محمد رئاسة الوزراء، وبعد يومين في 12 مايو أقفل المطارات والحدود وألقى القبض على سلفه نجيب إبراهيم، وعلى 9 وزراء، و144 رجل أعمال، وعلى 50 قاضياً، و200 شرطي، وأعاد إلى الخزينة الماليزية 50 مليار دولار في 5 أيام.
لكننا في لبنان الذي قالت «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال»، يوم الخميس الماضي، إن وزارة الخزانة الأميركية استطاعت القيام بإحصاء على المصارف والمؤسسات والشركات التابعة للسياسيين وأتباعهم في لبنان وخارجه، واكتشفت أن الأموال المسروقة والمودعة في الداخل والخارج بين عامي 1982 و2019 بلغت 800 مليار دولار، طبعاً ليس في وسع «السلطة الفاحشة» أن تقوم باسترداد هذه المبالغ الخيالية، لأن الأيدي التي سرقت، هي تقريباً في معظمها الأيدي التي يفترض أن تحاسب، وهو ما يعيدنا مرة جديدة إلى قول إدوارد غابريال من «تاسك فورس» الذي كان قد أنهى قبل أشهر زيارته إلى بيروت ولقاءاته مع المسؤولين بالقول: «لا يمكنكم تنظيف البيت بالممسحة الوسخة».
الشعب اللبناني الذي أعلن الثورة يطالب عملياً بتغيير هذه الممسحة، لكن هناك محاذير دقيقة تمنع الوقوع في الفراغ، ولهذا فإن كلمة واحدة في خطاب الرئيس عون أوحت بإمكان فتح الباب على حلٍ، ولو مرحلياً، عندما أشار إلى فكرة تعديل حكومي، وهو الأمر الذي تدور حوله نقاشات سياسية متصاعدة، وخصوصاً بعد استقالة وزراء «القوات اللبنانية» الأربعة، وتلويح الحزب التقدمي الاشتراكي أيضاً باستقالة وزرائه؛ حيث كان النائب السابق وليد جنبلاط قد اعتبر أن الإصلاحات التي اعتمدت هي مخدرات واهية، وأن بيع القطاع العام جريمة، مخاطباً رئيس الحكومة بالقول: «إلى متى يا شيخ سعد ستبقى على هذا التفاهم، الذي دمر العهد، ويكلفنا من رصيدنا كل يوم، أوليس من الأفضل تعديل الحكومة وإخراج رموز الاستبداد والفساد منها؟»، في إشارة واضحة أولاً إلى التسوية السياسية التي جاءت بعون رئيساً للجمهورية، وثانياً في تهديف واضح إلى صهره الوزير جبران باسيل، الذي يعتبر من رموز التحدي والاستفزاز في لبنان.
ليس من الواضح إلى أين تتجه الأمور، وخصوصاً بعد رفض المتظاهرين وعود عون والحريري، والاستمرار في إعلان الثورة، والدعوة إلى تشكيل حكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين، تتولى التمهيد لإعادة تشكيل السلطة، لكن بالعودة إلى ما أفرزته المظاهرات العارمة المستمرة في لبنان، يمكن فعلاً الحديث عن مجموعة من الأوهام وعناصر التخويف التي سقطت، ووصفها السفير الغربي كحطام يجري كنسه في الساحات…
أولاً؛ سقطت كل أوهام الحديث عن إمكان حصول انقسامات طائفية ومذهبية، طالما راهن عليها البعض ونفخ في جمرها البعض الآخر، إسقاطاً لمطالب الشعب بالتغيير، ذلك أنه في الساحات والمغتربات التي جمعت أكثر من 3 ملايين متظاهر لم يرتفع فيها إلا العلم اللبناني، ووقف المسلم إلى جانب المسيحي والدرزي، وكان النشيد الوطني جامعاً الكل، حتى طرابلس العاصمة الثانية التي قيل عنها يوماً إنها قندهار لبنان، كانت عروس الثورة بامتياز، وجمعت كل الطوائف والمذاهب في ساحة يعمها الفرح!
ثانياً؛ وهو الأهم أن المظاهرات عمت المدن والبلدات التي تعتبر معقلاً لـ«حزب الله» مثل النبطية وصور وبعلبك وبنت جبيل، وبدت هذه المظاهرات رغم محاولات قمعها بالقوة يوم الأربعاء الماضي، رداً مباشراً وغاضباً على كلام حسن نصر الله، الذي كان قد قال إن الحكومة لن تسقط، وإن العهد لن يسقط، طبعاً على خلفية التحالف بين الحزب ورئيس الجمهورية. ومع استمرار المظاهرات في المناطق الشيعية، بدا الأمر موجهاً ضد نصر الله وتهديده بالنزول إلى الشارع لتخويف الناس، وهو ما يحطم حقبة من الخوف، دفعت مجلة «فورين بوليسي» يوم الأربعاء إلى القول إن النفوذ الإيراني يتهاوى من العراق حيث تقوم المظاهرات علناً ضد الهيمنة الإيرانية، إلى لبنان حيث ترتفع صرخات الرفض والغضب في وجه «حزب الله»، الذي يحاول القول إنه يحارب الفساد، في حين توجّه إليه تهم في عقر داره بالفساد.
ثالثاً؛ سقط الرهان على وضع الجيش في مواجهة الثورة لقمع الناس، وبدا حديث قائد الجيش جوزيف عون يوم الثلاثاء الماضي، عندما تحدث عن العلاقة التفاعلية والحيوية بين الجيش والشعب، وكأنه في العمق يطرح ثنائية وطنية في مواجهة ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، التي يتمسك بها «حزب الله»، وكان مشهد الجنود الذين أرسلوا لفتح الطرق، وهم يذرفون الدموع إلى جانب المتظاهرين أعمق تعبير عن هذا التحوّل المهم.
رابعاً؛ ليس قليلاً أن ترتفع أصوات المرجعيات الروحية على مستوى معظم الطوائف مؤيدة الانتفاضة العارمة، ليقول البطريرك بشارة الراعي من بكركي علناً إن السلطة أمعنت في الفساد والانحراف، في حين قال المتروبوليت إلياس عودة إن الفراغ الذي يهددون به أفضل بكثير من الوضع الحالي، وأعلن المفتي عبد اللطيف دريان أن الناس عانت كثيراً من الفساد في السلطة، بينما قال شيخ العقل نعيم حسن إنه ليس من حق أحد أن يستهين بمطالب الشعب، وبهذا الغضب من فساد السلطة.
خامساً؛ يوم الثلاثاء أبلغ سفراء مجموعة الدعم الدولية الرئيس الحريري، أن على السلطة اللبنانية أن تستمع جيداً وعميقاً لمطالب المتظاهرين الشرعية، وإذا كانت الانتخابات المبكرة من مطالبهم، فإن صوتهم وحده الذي سيقرر.
8 أيام في انتظار كلمة من رئيس الجمهورية، الذي أطلّ ليكرر مروحة معروفة من وعود الإصلاح بعد اللائحة التي قرأها الحريري، لكن ذلك لا يصنع حلاً، لهذا ليست السلطة وحدها في الزاوية تواجه الغضب الشعبي العارم، بل أيضاً «حزب الله» الذي يواجه رفضاً داخل بيته وفي معاقله بما يعرّي التحالف مع عون.
نعم، الحطام السياسي والحزبي يملأ ساحات الانتفاضة اللبنانية العميقة، وليس من مخرج سوى استقالة الحكومة أو تعديلها جذرياً أو الذهاب إلى الفوضى والانهيار!

لبنان من سويسرا إلى قندهار!
محمد الرميحي/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019
ثورة «الواتساب» اللبنانية قد تسجل في التاريخ أنها ثورة على الطوائف، وهي لم تفاجئ إلا من يريد أن يدفن رأسه في الرمل، لبنان كان من المتوقع أن ينفجر. أما الذي لم يكن معروفاً لدى المراقبين، فهو متى؟ وهو الآن يفعل عملاً سياسياً جماهيرياً غير مسبوق في الساحات العربية، وقد يفاجئ البعض أن جزءاً كبيراً من هذا الشعب العربي ليس حزيناً على ما سماه حسن نصر الله «حُسين زماننا» في طهران! بل هم حزانى على نقص الخبز في أفرانهم، والدواء في صيدلياتهم، والدولار في بنوكهم، وفرص الأعمال في اقتصادهم، وأكثر من ذلك اختراق مؤسسات الدولة.. هذا الحزن جعل «ملايين» من هذا الشعب الصغير يذهب إلى الساحات، ليلة تلو أخرى، في الجنوب والشمال والشرق والغرب، مطالبين باسترداد وطنهم اللبناني الذي سرق.
اللافت في الحراك اللبناني أنه لم يعد حراكاً من قبل «شارع ضد شارع» كما كان في كثير من الأزمات السابقة، بل إن ثورة «الواتساب» جذبت كثيرين، حتى من بيئة «الثنائي» الشيعي، التي كانت مغيبة، وبعضهم جهر بما كان يخفي زمناً خوفاً أو رجاء، لأن الألم لم يعد يطاق، و«الشعارات» لا تقلل من الجوع والفساد. المعيب أن مجلس الوزراء اللبناني مساء الاثنين الماضي، وهو يضم بعض العقول النيرة، وقد أعلن عن لائحة الإصلاحات الطويلة، قد صاد كثيراً من الطرائد، إلا أن الطريدة الكبرى أو «الفيل الأبيض» الذي كان يجب أن يشير إليه لم يستطع ذكره، حتى نقده، وقد كان الفيل الضخم في مكان الاجتماع، بل كان جالساً على الطاولة، وهو وجود «دولة مكتوفة الأيدي ودويلة مسلحة طليقة اليد»! ذلك صلب الوجع الوطني اللبناني. الشعب اللبناني المنتفض قد أشار إلى ذلك الفيل بالقول: «كُلن… يعني… كُلن»! في حسرة عميقة على ذلك التحالف الانتهازي مع «الفيل»، حقيقة مطلقة أن ذلك الفيل لا تستطيع دولة، كبرت أو صغرت، تشتت أهلها أو اتحدوا، أن يعيشوا في ظله، دولة وسلاحين!!
كل معضلات لبنان السياسية والاقتصادية والمعيشية هي في معادلة «السلاح والفساد» التي تكونت على مرّ السنين، وتفاقم حضورها في العهد الأخير؛ حيث استقوى ممثلوه على الناس، وضربوا بعرض الحائط مشاعرهم الإنسانية، بعد أن هددوا عيشهم، هذه المعادلة نخرت في الجسم اللبناني على مر سنين، فأصبح للدويلة نظامها الاتصالي، وجيشها الميليشياوي، ونظامها القضائي، واقتصادها الأسود في التهريب والابتزاز، حتى أصبحت الدولة اللبنانية هيكلاً لا لحم حوله، وجسداً لا روح فيه.
السبب الرئيسي لتدهور الوضع الاقتصادي في لبنان هو وجود سلاح «حزب الله» وتسلطه على الدولة، وكلما وصل السياسيون إلى تلك الحقيقة، قربت إفاقة لبنان من سكرة الموت إلى مشارف الحياة، وكلما ابتعدوا عنها، قرب لبنان إلى الانتقال إلى الدولة الفاشلة، ومهما حاول البعض أن يغطي تلك الحقيقة، فإنها قد ظهرت للّبناني العادي في الساحات المختلفة، وتمثلت في شعاراته. بالعقل، تفاقم الأوضاع المعيشية في لبنان سببها الرئيسي هو «افتقاد الأمن»، الذي سببه بلا منازع وجود سلاح في يد مجموعة غير مسؤولة، ما أخاف رؤوس الأموال، وهجّر السياح، وشكّك الدول، حتى أبناء البلد أنفسهم في سلطة القانون، فلبنان بلد ليس صناعياً وليس زراعياً بالمعنى العام للمفهوم، هو بلد خدمي، معظم اقتصاده قائم على القطاع الخاص، ومعظم دخله إما من السياحة وإما ما تفرع منها من خدمات في قطاع العقار وملحقاته الأخرى، وإما من تحويلات المغتربين اللبنانيين من الخارج والمساعدات الدولية، ومع الفساد وغياب الدولة تردد كثير من الدول في تقديم المعونة.
عمود الاقتصاد اللبناني قطاع المصارف، وعلى الرغم من كل الأزمات السابقة، فقد استطاع قطاع المصارف أن يسند الاقتصاد اللبناني عن طريق مساندة سعر الليرة، ومنعها من الانهيار، ذاك الأمر بدأ في الاهتزاز مؤخراً، ففارق سعر الليرة الرسمي سعرها في السوق الموازية، فقربت ودائع الناس الذين عملوا كل حياتهم في جمعها على التآكل، ومع الاستهداف الأخير لهذا القطاع في ورقة الإصلاح يتم القضاء على عمود الارتكاز، فقد توجه السياسيون اللبنانيون للوم البقرة الحلوب (قطاع المصارف) على تحجيم دور المتسبب في الأزمة (الفيل الأبيض).
افتقاد الأمن في لبنان هو حجر الزاوية للأزمة العميقة، لأن أهل السياحة وأهل الاستثمار وأصحاب التحويلات لم يعودوا يأمنون على أمنهم الشخصي أو رؤوس أموالهم، ومخادعة السياسيين بأن يكون لبنان في حضنهم «هانوي وسنغافورة» في الوقت نفسه، مخادعة لم تكن إلا محض خيال. زد على ذلك أن سلاح طائفة خارج رحم الدولة، لم يكن من أجل هدف وطني، بل هدف عابر للوطني إلى الإقليمي، بل الدولي، ثم تحول إلى «بندقية للإيجار»، وليس سراً على أي لبناني، كبر أو صغر، معرفة أن هناك ترديداً يومياً علنياً لشعار يقول: «نحن لا يهمنا لبنان، يهمنا حُسين زماننا»! هذا الشعار في بيئته، عندما ضاقت سبل العيش، لم يعد يقنع، فالشعار بدأ يهتز، كما عبّرت عنه إحدى الصحف الناطقة باسم الحزب، حيث قالت: «… في قلب الكتلة الغاضبة، احتل مكانه مكون مهم، يضم المنحدرين من مناطق نفوذ الثنائية الشيعية.. تلك الشريحة بدأت الأكثر حضوراً وغضباً…». تلك شهادة شجاعة، من أجل الإشارة إلى أن «الفيل الأبيض» في بيت الخزف اللبناني يعطل الاقتصاد، ويفقر العباد، ويعادي العالم، وأصبح مشكوكاً فيه، حتى في بيئته.
من يقرأ أرقام وبيانات التحويلات من الخارج إلى لبنان، وأرقام السياح، على مر السنوات القليلة الماضية سوف يرى أن تلك الأرقام تتراجع بشدة، وهي عمود الاقتصاد اللبناني، كما هي تمره ولبنه، لأن بقية القطاعات إما مستندة وإما متداخلة في تكوينها.
العالم كله يقول للحكومة اللبنانية إن وجود ذلك السلاح يأخذ الدولة والمجتمع إلى مكان هو أقرب إلى «الأسر» ويغامر بحياة كل اللبنانيين، وليس بعضهم فقط، إن أضفنا إلى ذلك أن هذه المجموعة المسلحة والعقائدية ترسل محازيبها إلى كل مكان في العالم فيه صراع، إلى اليمن، وإلى سوريا، وإلى مناطق بعيدة، وكأنها مفوضة باستباحة دماء اللبنانيين الفقراء لتحرير العالم! فقط لأن القيادة التي هي في طهران قد أمرتها بذلك. الحراك اللبناني الحالي هو أمام تحويل لبنان إلى سويسرا مرة أخرى، وهي غنية بمواردها، في ظل شفافية وإدارة رشيدة، أو تحويله إلى قندهار، الكرة في ملعب الجمهور اللبناني ومدى صلابته!
في حال نجاح اللبنانيين في العبور من دولة المحاصصة والسلاح والفساد والطوائف إلى دولة مدنية حديثة، فإن ذلك سوف يُسمع بسرعة في دول محاصصة أخرى، خاصة العراق وسوريا، أما في حال الفشل، فسوف يكون فشلاً مؤقتاً إلى الجولة الثانية، لأنه لم يعد هناك مكان للشعوذة، فما أوله خرافة… آخره غضب!

صوت واحد بلهجات كثيرة
سمير عطا الله/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019
يُخيّل إلى الناس وهي مأخوذة بدهشة اللحظة أنها أمام عرض مباشر كثير الأشخاص، رواية بوجوه كثيرة من دون بطل. مشهد واحد تحت سماء جميلة. صوت واحد بلهجات عدة. إذا كنت تعرف لبنان جيداً، فسوف تعرف من أي مكان هو هذا المتظاهر. جنوبي بكسر مخارج الكلام، أو شمالي بضمها ثلاث ضمات. العين الطرابلسية هو «عو». والطريق الجنوبية هي «تريق». والقاف الجبلية وحدها قاف كما في الأبجدية وليست «أ» كما في سائر لبنان. وزحلة لها أبجدية لفظية خاصة. ومع أنها على بعد دقائق من بعلبك، فالأحرف تنفخ هنا نفخاً مثل خدود العافية، وتخفف تخفيفاً في مدينة القلعة كأنك «تبري» قلم رصاص حتى يصبح إبرة. وما بين صيدا وصور شاطئ واحد وتاريخ منذ التاريخ، ولهجتان؛ الأولى بمد الكلام حتى آخر النَفَس، والثانية على عجل.
كلتاهما مدينتا بساتين وبرتقال. ومثلهما هذا البلد الصغير الذي خرج بالملايين يرفع صوتاً واحداً بعشرات اللهجات. من قرية إلى القرية التي إلّى جنبها، تختلف الأحرف الأنفية من الأحرف المجردة. ومن حي البسطة إلى حي رأس النبع المجاور، يحلق أبو العبد شاربيه ويخلع طربوشه ويستبدل قمبازه (الثوب العثماني المطرز) لكي يرتدي الطقم الأفرنجي مثل خواجات الأشرفية، الواقعة في قاطع الطريق. وفي كسروان وجبيل أنت في حاجة إلى مترجم وخبير أصوات. فإذا سألك أحدهم «وينك رايح» تكون قد وصلت المكان الذي تقصده قبل أن يكمل السؤال. والألفباء لا تبدأ بحرف الألف، بل بحرف الشين. كل كلمة تطعَّم بشينها. إيش، وإيش، ليش. وروى رزيارد كابوشنسكي أنه عندما كان طفلاً أُرسِل إلى مدرسة روسية. ذهل عندما بدأ المدرس الألفباء بحرف السين. فلما سأل، قيل له إن كل شيء هنا يبدأ بحرف السين. الألف يمكنها الانتظار. تغني فيروز للبنان: «كيف ما كنت بحبك. بجنونك بحبك». وها هم في الطرقات يرفعون علم محبته. في طرابلس، التي لم ترفع هذا العلم إلاّ في الدوائر الرسمية، تسبق كل لبنان كل صباح إلى رفع الأعلام اللبنانية. أول مدينة تصل إلى الساحة، وآخر مدينة تذهب إلى النوم. نائبها ووريث آل كرامي خرج من كتلته السياسية لأنها رفضت دعم الانتفاضة. وفي ساحة البرج، وقف الجمال اللبناني محجباً وسافراً يعلن انتماءه إلى وطن واحد، وسياسة عامة واحدة. هل أنا متفائل؟ أنا فخور، لكنني لست متفائلاً. أنا فرح لهؤلاء الشباب الذين قدموا للعالم صورة لبنان كما هو. لكن التغيير أمر آخر. لن ينتج أي تغيير عن هذه الطبقة السياسية. لا شيء. المزيد من الإنكار… والمزيد من الكسر.

حزب الله يطلق مسار “الشيطنة” بوجه الانتفاضة اللبنانية
طوني بولس/اندبندنت عربية/26 تشرين الأول/2019
مصادر لـ”اندبندنت عربية”: من قال إن أكله وسلاحه وماله من إيران هو آخر إنسان يحق له الحديث عن ارتباط بالخارج
“شيطنة الثورة”، الحل الأخير الذي توصل إليه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فبعد سقوط كل الأوراق التي تملكها السلطة اللبنانية التي يقودها الحزب، أخرج نصر الله من جعبته ورقة “العمالة” للخارج والمؤامرة الكونية وغيرها من الاتهامات الهادفة إلى تشويه صورة الانتفاضة الشعبية التي عبرت كل المناطق والطوائف اللبنانية، بالتالي تشريع الأبواب الرسمية والمليشياوية لاستهداف المتظاهرين تحت عنوان “زعزعة الاستقرار” وتنفيذ أجندات أجنبية.
المؤامرة الكونية
وطرح نصر الله نظرية المؤامرة متهماً بطريقة غير مباشرة أحزاب القوات اللبنانية، الكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي بالوقوف وراء الانتفاضة وتمويل الساحات التي يتجمهر فيها الآلاف يومياً للمطالبة بقضايا اقتصادية اجتماعية. واعتبر مصدر سياسي لبناني أن “الهدف الخبيث لنصر الله من وراء التصويب على دور تلك الأحزاب هو تسيس الاحتجاجات بهدف إضعافها وإعطاء الضوء الأخضر لمناصريه للانقضاض على المتظاهرين في المناطق الشيعية”.
المؤشر الأبرز إلى نيّة فضّ التظاهرات بالقوة تدريجاً، كان اختراق مجموعات حزبية مناصرة لحزب الله صفوف المتظاهرين في ساحة رياض الصلح ببيروت، وهجوم حزب الله المسلح على المتظاهرين في بلدة الفاكهة البقاعية، حيث تعتبر المصادر “قرار حزب الله بتصفية الانتفاضة الشعبية اتُخذ، بالتزامن مع تشويه صورة التظاهرات وإظهارها كتابعة للقوى الحزبية المناهضة لمحور “الممانعة”.
خطر القوات اللبنانية
وأشار المصدر إلى أن تركيز حزب الله والتيار الوطني الحر على دور حزب القوات اللبنانية يأتي انطلاقاً من الهاجس الذي تشكله “القوات اللبنانية” على خصومها بخاصة في المناطق المسيحية حيث المنافسة الشعبية مع تيار الرئيس ميشال عون، في ظل التنامي الملحوظ لشعبية رئيس “القوات” سمير جعجع نتيجة الأداء الذي انتهجه ذلك الحزب منذ مشاركته الأولى في الحكومة وصولاً إلى استقالة وزرائه، مضيفاً “ما يقلق حزب الله من القوات اللبنانية هو التنظيم الواضح في صفوفها خلافاً لمعظم الأحزاب اللبنانية القائمة على الشخصنة، إضافة إلى موقف القوات الإستراتيجي من سلاح حزب الله ورفضها المساومة على سيادة لبنان”.
اللباس الوطني
ومن هذا المنطلق يشدد المصدر ذاته، على أن التظاهرات في المناطق المسيحية والشعارات المناهضة لحليفه جبران باسيل تضعف التيار الوطني الحر مقابل “القوات”، المتوقع أن تكتسح المقاعد النيابية في أول استحقاق نيابي بغض النظر عن القانون الانتخابي المعتمد، لافتاً إلى أنه بالنسبة إلى حزب الله فإن سقوط التيار الوطني الحر يعني سقوط الغطاء المسيحي الذي يستغله محور المقاومة للتلطي خلفه لإخفاء المشروع الطائفي والأيديولوجي الذي يسعى إلى ترسيخه.
الانتقام من الانتفاضة
وعن التمويل “المشبوه” للتظاهرات الذي تحدث عنه نصر الله، جزمت مصادر في الحراك الشعبي عدم تلقيها “أي دعم مالي خارجي”، مؤكدة أن “شباب الحراك في كل منطقة يتلقون مساعدات لوجستية من أنصار وأصدقاء للحراك الشعبي وهي جداً خجولة وأن اعتمادها هو على حماسة المواطنين واقتناعهم بفساد الطبقة الحاكمة”، معتبرةً أن “أي عملية إصلاح حقيقية في لبنان اليوم ستصطدم بحزب الله الذي يخنق لبنان، وسيحتاج الإفلات من هيمنته إلى مجهود خارق، وبخاصة أن لبنان غارق في الفساد والديون”.
وانتقدت المصادر نصر الله بشكل لاذع، حيث قالت إن “آخر إنسان في الجمهورية اللبنانية يحق له الحديث عن ارتباط بالخارج وتلقي أموال من الخارج وهو الذي قال إن أكله وشربه وسلاحه وماله هو من إيران”، مشيرةً إلى “أن نصر الله يريد الانتقام من الانتفاضة التي تهدد مصالح إيران في لبنان وهذا أكبر دليل على تنفيذه أجندات خارجية”، مضيفة أن “حزب الله “هالَته هذه المشهدية الرائعة الوطنية الموحدة وصُدم بعدم خوف الشيعة في الجنوب تماماً كما حصل في العراق وقد يلجأ إلى أساليب معينة لكن كلنا ثقة بالجيش اللبناني وبأجهزتنا الأمنية”.

مسار الانتفاضة الشعبية في لبنان… “المؤتمر التأسيسي” الآخر ولا إنقاذ وطنياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً إلا بنجاح الحراك
رفيق خوري/اندبندنت عربية/26 تشرين الأول/2019
كان الرئيس اللبناني الراحل شارل حلو يقول “لا أعرف ما يحدث غداً، لكنني أعرف ما يحدث بعد غد”. وهذا ما ينطبق على القراءة المتأنية في الانتفاضة الشعبية الحالية. الانتفاضة التي فاجأت بنوعيتها وشموليتها حتى الحالمين بين اللبنانيين، وصدمت الحاكمين المراهنين على حماية العصبيات الطائفية والمذهبية لهم مهما فعلوا بالبلد وغرقوا في الأزمات وأغرقوه في الصغائر وارتكبوا الكبائر. فلا أحد يعرف ماذا يحدث غداً على المدى القصير، سواء استمر المسؤولون في المكابرة أو تعلموا شيئاً من دروس انتفاضة الغاضبين منهم جميعاً، وهذا يبدو صعباً. إذ ترى المؤرخة الأميركية بربارة توخمان “إن المسؤولين لا يتعلمون شيئاً أبعد من الاقتناعات التي يجلبونها معهم، وهي الرأسمال الوحيد الذي يستهلكونه من المنصب”.
وسواء استقالت حكومة الرئيس سعد الحريري، كما يطالب المحتجون، أو قادت التطورات إلى مطالب أبعد من الانتخابات النيابية المبكرة لجهة الجمهورية والنظام. ففي السلطة حالياً من يقلدون موسوليني القائل “أعداء كثر… شرف أكثر”، من دون أن يتذكروا كيف انتهى الدوتشي معلقاً من رجليه بأيدي الشعب، وبعضه كان يصفق له.
لكن ما يحدث بعد غدٍ، على المدى المتوسط أو الطويل صار من التوقعات لدى من يقرأون التاريخ، وعلى طريق الوقائع لدى من لديهم رؤية مستقبلية. فما فعلته الانتفاضة العابرة للطوائف والمذاهب ليس مجرّد “تمرّد” الشباب على أمراء الطوائف بمقدار ما هو بداية مسار كان مغلقاً نحو الدولة المدنية.
وما أكّدته برفض “الرشوة الإصلاحية” التي لوّح بها مجلس الوزراء هو ربط الإنقاذ المالي والاقتصادي الحقيقي بالتغيير السياسي الجذري. والمسار طويل، ولا تراجع عنه مهما حدث. حتى محاولات السلطة لإخراج الناس من الساحات والشوارع بكل الوسائل الممكنة، فإنه لن يحلّ مشكلة السلطة. ولن يوقف المسار الديمقراطي. إذ صار نزول الناس إلى الشارع. في كل المناطق ومن كل الطوائف والمذاهب ولأيام وأشهر، قابلاً للتكرار كلما احتاج الأمر. ومع الوقت يبتكر المحتجون وسائل التنسيق. ويراكمون الخبرة ويطورون خطة العمل لتحقيق خريطة طريق تصبح مرسومة لا خطوة في المجهول.
وقبل سنوات، جرى كثير من الأخذ والرد على دعوة إلى “مؤتمر تأسيسي” لإعادة تكوين النظام لا فقط السلطة. كانت الدعوة، كما قيل، تعبيراً عما يفكّر فيه حزب الله وحلفاؤه. والفكرة التي كثر نفى التفكير فيها. هي أن نظام الطائف صار ضيقاً على الطائفة الشيعية وعلى قوة “حزب الله” الذي دحر الاحتلال الإسرائيلي للجنوب. والوقت حان للانتقال من المناصفة في تقاسم السلطة بين المسلمين والمسيحيين، إلى “المثالثة”، ثلث للشيعة وثلث للسنة، وثلث للمسيحيين الذين صاروا ثلث عدد اللبنانيين. لكن تحقيق هذه الفكرة كان محل خلاف كبير، ويحتاج إلى حرب أهلية جديدة بعد الحرب التي قادت إلى اتفاق الطائف. كذلك الأمر بالنسبة إلى فكرة أخرى في ذهن فريق مسيحي هي تعديل الطائف في اتجاه استعادة بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية الماروني. والرد على الفكرتين كان الإصرار على التمسك بالطائف وتطبيقه وتطويره.
والواقع أن تطبيق الطائف انتقائياً بما يخدم أهداف الراعي السوري، وبعد ثلث قرن على اتفاق الطائف، فإن ما حدث هو السير في الاتجاه المعاكس لما رسمه الاتفاق. وبدل إكمال مسار الطائف من المخرج الأمامي الذي هو تجاوز الطائفية لإلغاء الطائفية السياسية لقيام الدولة المدنية، جرى اختيار المخرج الخلفي والانتقال من الطائفية إلى المذهبية. وما ساعد على ذلك الأجواء في المنطقة التي يتأثر بها لبنان سلباً وإيجاباً. والثورة الشعبية هي، إلى حد ما “المؤتمر التأسيسي الآخر”. لماذا؟ للعودة بقوة الشعب إلى المسار الذي رسمه الطائف وانحرف عنه أمراء الطوائف. مسار تجاوز الطائفية لإلغاء الطائفية السياسية وبناء الدولة المدنية.
ولا يبدل في الأمر أن نحتاج إلى وقت طويل لتحقيق ذلك. فالمهم البداية الصحيحة التي تقود إلى النهاية الصحيحة للمسار.
ونحن الآن ننضم إلى الموجة العربية والعالمية من الانتفاضات الشعبية. فالطابع الغالب للتغيير في القرن الـ 20 كان الثورات المسلحة، بصرف النظر عن الإيديولوجيا التي تحركها. وهي صارت خارج الفعل بعد نهاية الحرب الباردة وادعاءات “نهاية التاريخ”. والساعة دقت في القرن الـ 21 للثورات الشعبية السلمية. وكانت منها الانتفاضات ما سمي “الربيع العربي”. ما بقي منها سلمياً نجح كما في تونس والسودان ومصر. وما لحقته لعنة “العسكرة” فشل وقاد إلى حروب دمرت العمران والإنسان وتدخل القوى الخارجية كما في ليبيا وسوريا واليمن.
ولن تنجح محاولات حرف الانتفاضة الشعبية في لبنان من السلمية والشمولية والتوجه المدني، فلا إنقاذ وطنياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً للبنان إلا بنجاح الانتفاضة في التغيير على مراحل. واللعبة انتهت وإن تصور الذين لا يرون من الدنيا سوى الجشع إلى المال والسلطة أنهم قادرون على الاستمرار في اللعب والتلاعب.

العراق ولبنان: بين الوطنية والتشيع الإيراني
سعد بن طفلة العجمي وزير الإعلام السابق في الكويت /اندبندنت عربية/26 تشرين الأول/2019
صادرت الشيعة السياسية بالكويت والمنطقة التشيع التلقائي لدى الشيعة العرب لصالح مشروع إيران السياسي
أسترجع بهذا المقال سلسلة مقالات للكاتب والباحث الكويتي خليل علي حيدر، فقد كتب خليل حيدر قبل سنوات مقالات على فترات متقطعة عنونها كالآتي:
بين السعودية وإيران
شيعة الكويت ومغامرات السياسة الإيرانية
شيعة الكويت ومأساة حلب
يخلص الكاتب في هذه المقالات إلى أن الشيعة السياسية بالكويت وبالمنطقة عموما قد صادرت التشيع التلقائي لدى الشيعة العرب لصالح مشروع إيران للتشيع السياسي، ومفاده باختصار هو الولاء للولي الفقيه وهو ما لا تخفيه أحزاب الشيعة السياسية بالعراق ولبنان واليمن والكويت والبحرين، بل إن زعيم حزب الله اللبناني صرح علنا وجهارا نهارا إلى أن كل تمويل وتموين ودعم حزبه يأتي مباشرة من إيران، ويكتب خليل حيدر باختصار حول الشيعة بالخليج الآتي:
“قلة من الشيعة تدرك ان السعودية في الواقع أهم بكثير في هذا المجال من ايران، وأن السعودية والدول الخليجية هي التي تضمن للشيعة هذا التسامح المذهبي وهذا المستوى المعيشي الرفيع.. لا مغامرات السياسة الايرانية.. ان مستوى معيشة الشيعة ومصالحهم واستقرار حياتهم، وحتى أسعار عقاراتهم وتجارتهم، وكل ما هو جدير بالاهتمام والدفاع، مرتبطة وبقوة باستمرار قوة دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، مهما كانت التفاصيل بعد ذلك.”
والواقع أن ما ينطبق على شيعة الخليج هو ما بدا ينطبق جليا بانتفاضتي العراق ولبنان هذه الأيام، فالعراق ولبنان تديرهما أحزاب الشيعة السياسية التي تعلن الولاء لطهران، فارتبط تحكمهما بهاتين الدولتين المنكوبتين بالفساد والمزابل المتراكمة وغياب الخدمات الضرورية لحياة الإنسان، وهما من الدول التي تتمتع بخيرات هائلة لو أحسن استغلالها لتحولت (وبالذات العراق) لجنان خضراء من النعيم والخدمات والنظافة.
ما جرى ويجري بالعراق ولبنان اليوم، هو بظاهره ثورة ضد الفساد والتخلف وغياب الخدمات، ولكنه بجوهره ثورة ضد الهيمنة الإيرانية على هاتين الدولتين من خلال تحكمها بهما بإحزابها السياسية المسلحة.
الثورة في العراق اندلعت ببغداد، لكنها استعرت جنوبا حيث الغالبية “الشيعية”، وبالتالي هي ثورة شيعية عراقية وطنية ضد التشيع الإيراني، ومطالب الثوار هي مطالب وطنية تصطدم بالضرورة مع المشروع الإيراني الذي جلب الخراب والفساد لهذه الدول، فقد أدرك المحتجون والثائرون أن إيران ينطبق عليها القول الشعبي “ما عزّيت نفسي، أعزّيك”، أي لن يعطيك الحافي نعلا يقيك من الرمضاء الحارقة، ما جرى ويجري بالعراق ولبنان اليوم هو إعلان فشل تلك التركيبة “الطروادية” لإيران داخل البلدان التي تتدخل بشئونها وتنشيءُ أحزابا “طروادية” لها عاثت بلبنان والعراق فسادا وقهرا.
قمعت -وإن مؤقتا- الأحزاب التابعة لإيران بالعراق ثورة الشباب هناك بدموية ووحشية معهودة بالمشهد العراقي الحديث- مع الأسف الشديد، فقتلت أكثر من مائة وخمسين وآلاف الجرحى وعشرات المفقودين والمعتقلين، ولكن نظير تلك الأحزاب بلبنان (حزب الله وأمل) يقف فاغرا فاه حول تماسك وصلابة الشباب اللبناني الذي لم تنخر الطائفية السياسية في عظامة الوطنية، ويمط الطائفيون شفاههم عجبا من هذا الشباب الذي تجاوز النفس الطائفي البغيض مطالبا بالإصلاح وملقيا باللوم على جميع مكونات السياسة اللبنانية دون استثناء مرددين “كِلُّن يعني كلن”. أتوقع أن بكنانة حزب الله وقوى الفساد بلبنان سهاما لم يرموها بعد، لكن الخلاصة أن ثورة العراق التي خمدت بدموية بشعة وإن مؤقتا، رفعت شعار “إيران برا برا”، وثورة لبنان تنشد كنس القوى السياسية كلها، بمن في ذلك الأقوى بينها وهو حزب الله الذي يتحكم بالمشهد غير آبهين بتهديدات زعيمه حسن نصر الله بخطابه الأخير.
ثورتا لبنان والعراق بدايات لنهاية المشروع الإيراني بهاتين الدولتين، وما كتبه خليل حيدر قبل أعوام للشيعة العرب من نصح بضرورة التمسك بوطنيتهم في وجه التبعية لإيران، بدت تصدق بالمطالب الوطنية المشروعة بلبنان والعراق وتعزز عوربة هذه المطالب في وجه مصالح إيران لصالح شعبي هاتين الدولتين.

البيت العوني يتصدع والشارع المسيحي يلفظ باسيل
منير الربيع/المدن/السبت26/10/2019
تسللت قوة الانتفاضة اللبنانية الراهنة إلى داخل البيت العوني الرئاسي، أو الأحرى إلى داخل عائلة الرئيس. فمعادلة “جبران باسيل أو نحرق البلد”، كشفتها تحركات الناس وصرخاتهم التي تعالت وتوحدت من الشمال إلى الجنوب، اعتراضاً على الوزير العوني الملك. فلا حكومة من دونه، ولا تعديل وزاري يستبعده.
لعيونك باسيل
هو الثابت ورجل العهد القوي. تماماً كما قال رئيس الجمهورية ميشال عون ذات مرّة: “لعيون صهر الجنرال ستين عمرها ما تتشكل حكومة”. وهذه المعادلة لا تزال تتحكم بعلاقة عون وباسيل.
حجم الاعتراض الوطني على باسيل كان له وقعه “المسيحي” المدوي، والعائلي العوني أيضاً. فأثناء كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون، كانت ابنتاه ميراي وكلودين، تعيدان تغريد جملة سياسية أساسية قالها عون: إعادة النظر في الواقع الحكومي. حماسة ابنتي الرئيس المفرطة والسريعة لهذه الجملة، وتأييدهما، والدفع في اتجاه تطبيقها، ناجم عن إشكال أصبح معروفاً بين باسيل وفريقه المحيط بالرئيس من جهة، وفريق آخر محيط بعون تقوده ابنتاه ميراي وكلودين.
قائد الثورة المضادة
قصدُ ابنتي الجنرال، بإعادة تغريد هذه الجملة، هو الاستعجال لإخراج باسيل من المعادلة. فهو الذي قطع الطريق سابقاً على اختيار ميراي لوزير يمثلها في الحكومة، وقطع الطريق على توزير النائب شامل روكز، ولم يترك مناسبة إلا وحاصره فيها. حان وقت ردّ منافسي باسيل عليه داخل “العائلة”. فبعلاقته بالحريري، وبقربه مع الرئيس، وثقة حزب الله المطلقة به، هو الذي يأخذ على عاتقه قيادة الثورة المضادة اليوم في الشارع. وهذا بعدما وصل حزب الله إلى رفع لاءاته، ليس في وجه إسقاط الحكومة والعهد فقط، بل في وجه استبعاد باسيل منها. وهذا ينطوي على أبعاد سيكون لها مفاعيل سياسية مستقبلاً، قد تتطور إلى وعد حزب اللهي بدعم جبران باسيل لرئاسة الجمهورية، لحسابات استراتيجية، تُبقي التحالف بين الطرفين عميقاً.
في المقابل، كانت ابنتا الرئيس تحاولان مخاطبة رغبة الشارع، في ردّ مباشر على باسيل الذي ظهرت وقائع استفزازه البيئات اللبنانية كلها، والقوى السياسية المختلفة. فهو لم يترك جهة إلا ودخل في إشكال معها. مؤمناً أن ذلك يقوي زعامته في الشارع المسيحي.
الشارع المسيحي والباسيلية
لكن هذا الشارع انفجر بوجه باسيل. وانفجاره هذا انعكاس لانفجار سياسي داخل التيار والعائلة العونية. وهو ليس الأول من نوعه، لكنه الأكثر ظهوراً، وأحدث ندوباً في العلاقة بين فريق الرئيس، وحتى في تكتله النيابي، والداعم له أو المحسوب عليه.
في الوجدان العوني، وبعيداً عن الخطاب الذي يتقنه باسيل في تحفيز جمهوره وشد عصبه، فإن أكثر ما يمثله الرجل هو الفعل النقيض لما نمت عليه الحالة العونية، الوليدة من رحم الجيش والولاء له، وحاكت المسيحيين وطبقتهم الوسطى. هذا كله خسره باسيل منذ وصول عون إلى الرئاسة. فالعلاقة بالمؤسسة العسكرية وقيادتها سيئة، وصلت إلى حدّ التدخل بعمل قائد الجيش ومحاولة تغيير مدير المخابرات. وهذا يرتد خسارة على باسيل في رئاسته التيار العوني، وفي صلته بأبرز رموز الوجدان العوني: الجيش. الخسارة الثانية، هي في التناقض بين مواقف عون ضد الطبقة السياسية والسياسات الاقتصادية ومصالح الأثرياء، في مقابل إرساء باسيل نموذج الأوليغارشية داخل التيار، وفي علاقاته السياسية. فهو الذي ترأس التيار بالتزكية بلا أي انتخابات، وتدخل عون لسحب المرشحين في وجهه. فتفاقمت النقمة في صفوف نواب لا يزالون في تكتله، فيما استقطب هو رجال الأعمال وأصحاب الأموال إلى قيادة التيار ومفاصله، وإلى المجلس النيابي والوزارة.
تصدّع البيت العوني
نموذج باسيل هذا الذي دفعه إلى اتخاذ إجراءات تأديبية بحق كوادر التيار المناضلين منذ الثمانينيات، وسّع من الحلقة الاعتراضية عليه. هذه هي الحالة الحاضرة بقوة اليوم في الساحات وفي الانتفاضة، وعلى رأسها قياديين سابقين في التيار، كأنطوان نصر الله ونعيم عون الذي بعث برسالة إلى رئيس الجمهورية حول حماية موقعه وتاريخه، في إشارة ضمنية إلى ضرورة إبعاد باسيل.
تصحيحيو التيار من المتأثرين والمؤثرين بالانتفاضة الحاصلة، وخصوصاً في الساحة المسيحية.. يستعيدون الوجدان العوني القديم. وهذا يوّسع الندوب داخل القصر الذي يتحكم باسيل بمعظم مفاصله. فمنذ اندلاع الاحتجاجات يقيم باسيل في القصر الجمهوري ولا يغادره، فيما غادرته قبل مدة وعادت إليه مستشارة الرئيس ميراي عون، بسبب تعاظم خلافاتها مع باسيل. وانتقل الخلاف إلى العلن. وآخر تجلياته، إعلان النائب شامل روكز استقالته من تكتل لبنان القوي، وخروجه بموقف واضح في تأييده التحركات، معتبراً أن كلام الناس يعبّر عن طروحات عون التاريخية والأساسية. وهو دعا إلى استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة. موقف النائب الآخر في التكتل العوني نعمت أفرام، يأتي مكملّاً للخلافات القائمة داخل التكتل، والتي عبر عنها أيضاً النائب ميشال معوض. صحيح أن أفرام ومعوض لا ينتميان إلى التيار العوني، لكن موقفهما دليل على “مصلحية التيار”، لا مبدأيته في وجدان العونيين.
استقالة روكز وأفرام، وهما نائبان في كسروان معقل التيار، تأتي استجابة أو تعبيراً عن الجو المسيحي الحقيقي، الذي أصبح بعيداً جداً عن طروحات باسيل. وهذا سيكون له انعكاساته في هذه الدائرة في الإنتخابات المقبلة. وروكز الذي يمثل جزءاً من وجدان التيار، يعمل وينسق مع قياديين آخرين، لعدم سلخ التيار عن حقيقته. وهذا الحراك الحقيقي الصامت منذ مدّة، بدأ صوته يعلو ويرتفع، على الرغم من حالة التجاهل والتعتيم الإعلامية الكبرى، على ما يجري في صلب هذه التحركات وخلفياتها. وما يجري صوغه من أفكار وتوجهات في هذا الحراك، أبرزته وسائل الإعلام: خروج النائبين من التكتل، من دون البحث عن الدوافع والتداعيات. وهذا ربما ما يحتاج إلى الظهور والإبراز حالياً: الحالة الاعتراضية داخل البيئة العونية.

وزن الثورة الشعبية وحكومة “الإنقلاب الديموقراطي”
رفيق خوري/نداء الوطن/26 تشرين الأول 2019
لا مخرج من المأزق السياسي والمالي والإقتصادي، إن لم تكن الخطوة الأولى تغيير الحكومة. ولا فائدة من التغيير الذي له الأولوية في الساحات، إن لم يأتِ عبر ما يسمى “التفكير من خارج الصندوق”: تأليف حكومة إستثنائية بعملية سريعة تتجاوز حساباتها أوزان القوى السياسية التي حدّدتها الانتخابات النيابية الى حساب الوزن الكبير للثورة الشعبية العابرة للطوائف والمذاهب والمتخطية لنتائج الانتخابات من خلال التصويت بالأقدام في الشارع. والظاهر أن الأولوية مختلفة لدى أهل السلطة، وإن تحدث رئيس الجمهورية عن” إعادة النظر في الواقع الحكومي” ورحّب رئيس الحكومة بالأمر.
ذلك ان الرئيس ميشال عون أعاد التذكير بالمشاريع الإصلاحية التي أراد تحقيقها، لكن “العراقيل كثيرة”. والرئيس سعد الحريري أفاض في الحديث عن “معرقلي” خطواته الإصلاحية. وهما معاً، من دون تسمية المعرقلين، اعتبرا أن نزول الشعب الى الشارع ساعد كلاً منهما على ضمان التأييد لمشروعه الإصلاحي. وقبلهما أعلن السيد حسن نصرالله انه ضدّ استقالة الحكومة، وأوحى أن المتظاهرين في الشارع لن يستطيعوا تغيير الستاتيكو. ثمّ ردّ على الذين يطالبونه بنزول “حزب الله” الى الشارع بأن هذا “قرار كبير” لأن نزولنا “سيغير كل المعادلات”.
والسؤال البسيط هو: ما هي الترجمة العملية للإيحاء أن نحو مليوني مواطن من كل الطوائف في الشارع لا يستطيعون “تغيير الحكومة” في حين أن نزول حزب من مذهب واحد يغيّر كل المعادلات؟ والجواب الأبسط قدّمه ماوتسي تونغ من زمان : “السلطة تنبع من فوهة البندقية”. وهذا بالطبع منطق الثورات، لا قاعدة العمل في الأنظمة الديموقراطية.
وليس تهويل التركيبة السياسية بالفراغ وتقاليد تأليف الحكومات الذي صار يستغرق شهوراً حجة للإبقاء على حكومة فاشلة. فالمشكلة هي الخلافات المرتبطة بالحصص والجشع الى المال والسلطة. ولو جرى التخلي، لمرة واحدة، عن هذا الجشع، لأمكن تأليف حكومة إستثنائية مصغّرة خلال أيام. فهل هذه مهّمة مستحيلة؟ وهل صار حدوث إنقلاب ديموقراطي ضدّ انقلاب ضمني على الديموقراطية، هو الوصفة لإنهيار لبنان كما يهددنا أبطال الإنهيار الحقيقي؟
ما يوضع في خانة الإصلاحات يصح فيه قول الجنرال ماكارثر “إن تاريخ الفشل في الحرب يمكن إختصاره بكلمتين: متأخر جداً”.
وما صار مشكلة لأصحابه المتغطرسين هو تقليد الإمبراطور الروماني كاليغولا القائل: “دعهم يكرهوننا ما داموا خائفين منا” فالناس كسرت حاجز الخوف. والسلطة مرتبكة وخائفة.

جلّ الديب… صمود الثوّار حمى الثورة من الإنهيار
ألان سركيس/نداء الوطن/26 تشرين الأول 2019
تُثبت ساحة جلّ الديب يوماً بعد يوم أنها من أقوى الساحات المطلبية في لبنان وبأنها أكملت أيقونة بقية ساحات المناطق المنتفضة، ولم تخف لا من تهديدات أحزاب السلطة ولا من محاولات “حزب الله” القضاء على الحراك عبر استعمال العنف في ساحة رياض الصلح.
لا يمكن فصل حراك جلّ الديب عن بقية المناطق، إذ إن كل لبنان في حالة ثورة وغضب على الواقع المتردّي، وهذا الغضب يتجلّى في سوء إدارة السلطة وهدر المال العام وإستشراء الفساد.
وأكبر تعبير عن معاناة أهالي المتن الشمالي هو تأخير تنفيذ جسر جلّ الديب الذي يُعتبر من أهم إنجازات السلطة والتي أضاعت سنوات من أجل التخطيط والتنفيذ، في حين أن مصر الخارجة من ثورات متتالية استطاعت شقّ قناة السويس الجديدة العام 2015 بأقلّ من سنة.
ويختصر مشهد غرق السيارات على أوتوستراد الضبية عند أول هطول للأمطار صورة الدولة الفاسدة المتهالكة والتي تنزعج من قطع المواطنين للطرق للمطالبة بتأمين أبسط الحقوق، بينما إهمال المسؤولين قطّع أوصال الوطن وحوّله إلى وطن ينتمي إلى دول العالم العاشر وليس الثالث. وأمام كل هذا الواقع المعيشي والحياتي المتردّي، يؤكّد ثوّار جلّ الديب أنهم باقون في الساحات حتى تحقيق المطالب، فلا خوف من القمع ولا حتى من الامطار التي تهطل بغزارة، فقضاء المتن كان العين التي قاومت مخرز الإحتلال السوري وصمد ولم يخف من شيء، لا من بطش سلطة الإحتلال وأزلامها، ولا من كل أساليب استعمال أدوات القمع.
داخل خيم نُصبت وداخل السيارات، يبيت الشباب ليلتهم بعد انتهاء التظاهرات الحاشدة، ويعتبرون أن الحذر واجب، “فالسلطة تريد أن تنقضّ علينا، ولا نعرف أي ساعة قد تفعل ذلك، لذلك علينا أن نبقى حذرين ويقظين”.
يقف المحتجون على الأوتوستراد وإلى جانبهم الجيش اللبناني، ويبدون كل الإحترام والتقدير له، “فهو يسهر على حمايتنا، ونحن نتظاهر من أجل تحقيق مطالبه ومطالبنا على حدّ سواء، نحن يحقّ لنا التظاهر والتعبير عن مطالبنا بينما هم لا يستطيعون القيام بذلك”.
ويُعتبر المتن أكبر قضاء مسيحي في لبنان، ويشكّل أكبر تجمّع للمسيحيين خصوصاً أنه يستقطب عدداً كبيراً من مسيحيّي الشمال والجنوب والبقاع ومناطق أخرى وذلك لقربه من العاصمة بيروت، وهذا القضاء أعطى “التيار الوطني الحرّ” 7 نواب من أصل 8 في انتخابات 2005، و6 نواب في انتخابات 2009، و3 نواب في انتخابات 2018 إضافةً إلى نائب “الطاشناق”، وكان يُعتبر أحد أهم معاقل العونيين قبل أن ينتفض الشارع عليهم.
وفي السياق، يقول بعض المتظاهرين أنهم يحاولون تشويه صورة التظاهرة بالقول إن أناساً غرباء عن القضاء يتظاهرون فيه، لكننا نقول لهم إن كل لبناني يحقّ له التظاهر إلى جانبنا، فمن يسكن هنا هو من سكّان المنطقة ويحمل الهوية اللبنانية، نحن نهدم الحواجز وهم يريدون رفعها أكثر، لكن فاتهم أن كل الساحات توحّدت، ونحن سنشارك حتماً في تظاهرات طرابلس والزوق والنبطية وبيروت وصيدا، وهم سيشاركوننا ساحتنا، فهذه السلطة تحاول الفرز والتصنيف بين مسيحي من المتن ومسيحي من الأطراف، وبين مسلم ومسيحي، فكيف ستحكم البلاد بهذه العقلية؟
ويرفض القيّمون على التظاهرات مقولة إن “القوات اللبنانية” و”الكتائب” أو أي أحزاب وحركات أخرى هي من حرّكتهم، فمن حرّك الشعب هو تصرّفات السلطة، وقد بدأت الإحتجاجات في جل الديب قبل قرار “القوات” الإستقالة من الحكومة، وبالتالي فإن محاولة إلباس الحراك لباساً حزبياً لن ينجح مع أحد، ومن يقول إن هناك متظاهرين من حزبَي “القوات” و”الكتائب” نقول له إن على جميع اللبنانيين التجرّد من الإنتماءات الحزبية والنزول الى الشارع، فنحن لا نستطيع تجريد أحد حتى لو كان حزبياً من انتمائه ومن وجعه حتى.
ووسط التأكيد على البقاء في الشارع، شكّلت جل الديب نقطة مفصليّة، فلو سقطت يوم الأربعاء الماضي بعد محاولة فتح الأوتوستراد، من ثم فتح أوتوستراد الزوق لكان تمّ القضاء على الثورة، فهذه الثورة لم تكتمل صورتها إلاّ بعد مشاركة كل الساحات.
ويُعتبر القضاء على التظاهرات في المناطق المسيحيّة قضاء على الحراك، فقوة هذا الحراك أن المناطق المسيحية والشيعية والسنية والدرزية إنتفضت مع بعضها البعض حيث شكّلت مشهداً متكاملاً لا يستطيع أحد “التنمير” عليه أو القول إنها ثورة ناقصة.
ويسخر المشاركون في الثورة من مقولة إن ما يحصل حرب مسيحية – مسيحية أو تصفية حسابات بين “القوات” و”التيار الوطني الحرّ”، فـ”التيار” يحاول إظهار نفسه بأنه مستهدف بينما الحقيقة أن هناك وجعاً حقيقياً لدى الناس، و”التيار” الذي يستلم السلطة لا يزال يكابر ويعتبر أن من يتظاهرون لا “يقدّمون أو يؤخّرون” بينما الحقيقة أنهم الموج الحقيقي الجارف الذي سيجرف كل فاسد أو كل ساكت عن الفساد.

أمثولات من سيدة الانتفاضات
فـــؤاد مطـــر/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019
ليس أمراً جديداً على لبنان إذا هو انتفض. ففي تاريخه التليد قبل الاستقلال في أزمان عثمانية وفرنسية، وبعد الاستقلال في أكثر من ولاية رئاسية، انتفاضات لكل منها دواعيها وهتافاتها ومطالب المشاركين فيها. وليس مستغرباً هذا المشهد الاحتجاجي المبهر منذ أيام في عدة مدن لبنانية، وبالذات بيروت عاصمة اللبنانيين، وكذلك العاصمة الثانية للعرب من دون استثناء، كونها التي طالما احتاج عرب كثيرون إلى التنفس من خلالها، كما احتاج انقلابيون وثوريون إلى الارتماء في رحابها.
ولقد اعتاد العرب على اللبنانيين أن يبتكروا في المناسبات مسيرات ومظاهرات يقومون بها لنصرة الأشقاء العرب، عندما تلم بهذا الشقيق أو ذاك محنة وطنية. وفي الذاكرة مسيرات من أجل ثورة الجزائر، ومسيرات من أجل نصرة مقاومة مصر للعدوان الثلاثي عام 1956. ودائماً تكون المسيرات لمصلحة هذه القضية أو ذاك الشعب المعتدى عليه في دولة شقيقة. كما في الذاكرة مبادرات، كتلك التي كانت تتكرر في بيروت زمن استضافة المقاومة الفلسطينية، وكيف أنه عندما يتم الإعلان عن تشييع شهيد فلسطيني، ويمر موكب الجنازة في شارع مشترَك مسلم – مسيحي، فإن تكبيراً يصدر عبر مكبرات الصوت في المسجد، وأجراس كنيسة تعبِّر بدقاتها عن المشاركة في الحزن، وهذا يحدث تلقائياً ومن دون أن تطلب سلطة رسمية ذلك.
ما يراد قوله إن المسيرات والمظاهرات التي طالما شهدتها بيروت أم الشرائع (ماضياً) أسبغت عليها صفة جديدة، هي «أم النجدات المعنوية» لبعض الأشقاء العرب، عندما تلم بهم نائبة، وتكون تلك النجدات صوتاً بقوة الدوي، طالما أفاد مقاومة ثوار الجزائر للاستعمار الفرنسي، ومقاومة عبد الناصر للعدوان الإسرائيلي – الفرنسي – البريطاني، وتصدي ياسر عرفات كي تبقى القضية الفلسطينية حاضرة في البال.
هذه المرة بالذات، ونتيجة لإحساس اللبنانيين بأن عليهم أن ينظروا في أمرهم بعدما بات الوطن ملعبَ أمزجة غرباء ومشروعاتهم، وبات أمر انتهاك الأصول والثوابت والتوريث والاكتناز والارتهان حالة تهدد الخصوصية اللبنانية، جاءت الانتفاضة التي لا بد منها، تعبيراً عما في النفوس من خيبة أمل من الممسكين بمقاليد الأمور. وجاءت تخلو من أي شوائب. وطنية بامتياز. عفوية لا يصغي المشاركون فيها لغير أصوات أوجاع ناشئة عن عسر الأوضاع المعيشية، والاحتياجات المجتمعية المستشرية. واستطاعت بعد أسبوع من الصمود والثبات على الحس الوطني، أن تكون هي لبنان المعارض مقابل لبنان الحاكم. واستطاعت انتزاع بعض ما تتمنى على أهل الحُكم تقديمه.
ثمة أمثولات كثيرة أفرزتها الانتفاضة، وهذه يمكن اعتبارها مكاسب. الأمثولة الأهم استعادة الإيمان بلبنان وطناً وليس ساحة، وعَلَمه يرفرف ويعلو على سائر الأعلام. أما أبرز بقية الأمثولات فهي:
التأكيد على المقولة الحريرية أباً، بأن لا أحد أهم من الوطن، وبالتالي فإن بعض الحالمين والساعين إلى تثبيت أن أهميتهم وما يمثِّلون تتقدم على لبنان الوطن والخصوصية اللبنانية، سيعيدون النظر في تطلعاتهم تلك.
مع أن للسلاح قوته في فرض الأمر الواقع أحياناً، فإن الانتفاضة بثباتها وشموليتها أكدت أن الأصوات الاحتجاجية التي انطلقت من حناجر الموجوعين في الساحات، هي بقوة ذلك السلاح، لجهة أنه لا بد من إعادة النظر في أمور كثيرة، وفي معادلة تحتاج إلى تدوير في المضامين.
بعد الانتفاضة المتعددة الأجنحة شمالاً وجنوباً وجبلاً وسهلاً، بات على الذين طالما كانوا يمارسون سياسة فرض تعظيم الذات والأمر الواقع والإلغاء، التواضع كثيراً، عملاً بقول الإمام علي (رضي الله عنه): «ضع فخرك، واحطُط كِبرك، واذكر قبرك، فإن عليه ممرك».
لقد عطَّلت لغة الكلام علاقة لبنان بالأشقاء، وهذا إثم ما بعده إثم ارتكبه المرتكبون. وبعد الانتفاضة لن تكون هنالك أصوات تعلو على صوت مصلحة الوطن، في أن يكون عند حُسْن ظن الغير به والتعامل معه، بما يحقق استقراره وطمأنينة شعبه.
فيما مضى، كانت المساندات الخليجية والدولية توضع في حسابات الدولة، ومن دون أي رقابة على الإنفاق، ثم يتبين أن الذين شغلوا مناصب متقدمة في الدولة والحكومة والإدارة، تعاملوا مع هذه المساعدات وكأنما هم شركاء للدولة فيها، وبذلك اغتنى هؤلاء ولم تصلح حال الناس، وتعثرت الميزانية. وعندما تستأنف الدول الداعمة، وبالذات دول النخوة الخليجية، دعماتها، فإن رقابة مشددة على النجدات المالية ستقي لبنان الدولة والشعب من مخاطر إنضاب البعض لهذه الخيرات.
موضوع محاسبة الذين تَمَلْيَروا في غفلة من الزمن، كان القضية الأساسية في الانتفاضة، وليس هنالك أي حديث حول موضوع سياسي أو عن الصراع العربي – الإسرائيلي والقضية الفلسطينية؛ لكنه حديث من دون تسميات، الأمر الذي أفقد الدعوة إلى المحاسبة أي قرائن، باستثناء معلومات متداولة على وسائل التواصل، وهذه عموماً ليست وثائق.
بعد الآن ستنحسر مظاهر الأبهة والحفلات التي يقيمها بعض المكتنزين، وكذلك بعض ذوي الشأن الوظيفي في الدولة، وتتسم بالبذخ والظهور بمظهر الأغنياء توريثاً أو أغنياء الأزمات وعوائد الصراع على لبنان. ومثل هذا الانحسار ما كان ليحدُث (احتمالاً) لولا الانتفاضة.
بعد اختراق نوعي في مناطق مصنفة ولائياً لـ«حزب الله» و«حركة أمل»، أظن أن الحركتين ستعيدان إعادة تقييم للموقف من جانب زعامة كل منهما.
في تغييب (احتجاباً وإضعافاً) للصحافة اللبنانية التي كانت مرآة مسيرات ومظاهرات وانتفاضات الزمن الذي مضى، حلت ثلاث فضائيات لبنانية محل تلك الصحف، وكان لها دور فاعل في إنجاح الانتفاضة التي اتسمت برقي لا مثيل له، قياساً بالانتفاضة الفرنسية. بل إن هذه الفضائيات أجرت ما يشبه الاستفتاء، وعلى الهواء، ولا يحتاج إلى تدقيق في النتائج، كما استفتاءات بعض الرئاسات العربية المحدَّدة نتاجها بمجرد البدء فيها.
ويبقى أن نجاح سيدة الانتفاضات بعد شقيقاتها المصرية والتونسية والسورية والسودانية والعراقية بعد الفلسطينية، هو في متابعة متأنية وضاغطة لمشروع الإصلاحات التي عرضها على الهواء رئيس الحكومة سعد الدين رفيق الحريري، على أمل إتباعها بتعديل حكومي جذري، يعزز مبدأ سياسة النأي بالنفس، ثم بحكومة تكنوقراط يتقاسمها – كما حصل في السودان – مدنيون وعسكريون، باعتبار أن العسكري تكنوقراطي بطبيعة عمله، وتقاليد المؤسسة العسكرية أساسها الانضباط. وبعد ذلك يتحقق ما يصبو إليه اللبنانيون، وهو انتخابات جديدة يكون الاختيار فيها لمن يريد خيراً للبلاد وطمأنينة للعباد. وبذلك تكون انتفاضة بيروت وأخواتها في سائر المناطق، هي سيدة انتفاضات الزمن العربي الراهن.

ظاهرة العنف المتجذرة لدى «الإخوان»
د. جبريل العبيدي/الشرق الأوسط/26 تشرين الأول/2019
«ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين» جملة رددها وكتبها كبيرهم حسن البنا في بيان التبرئة لتخفيف حدة الضغط على «الإخوان»، وللهروب من دماء كثيرة؛ بدءاً من اغتيال القاضي الخازندار ومذبحة «كوبري عباس» واغتيال النقراشي باشا، رئيس وزراء مصر الذي اغتالته أيدي جماعة «الإخوان المسلمين». كما كانت هذه الجملة عنواناً لرسالة حسن البنا لتهدئة القصر ودفع التهمة عن جماعة «الإخوان» التي كانت وراء اغتيال النقراشي، لتثبت زيف مزاعم البنا. القاتل الرئيسي عبد المجيد أحمد حسن اعترف بأن النقراشي أصدر قراراً بحل جماعة «الإخوان»، كما تبين من التحقيقات، وليس لاتهام النقراشي بالخيانة في تسليح الجيش في فلسطين، كما تزعم جماعة الإخوان، لتبرير مقتل النقراشي الذي أصدر قراراً بحل جماعة الإخوان قُتل بمجرد أن لمّح حسن البنا لجماعته بالقول: «أليس هناك مَن يخلّصنا منه»، الأمر الذي عدّه عبد الرحمن السندي مؤسس ورئيس الجهاز والتنظيم السري بمثابة الموافقة على عملية الاغتيال التي تنكّر لها حسن البنا ولكنه قُتل بسببها، فكان رأس البنّا برأس رئيس الوزراء النقراشي، أيْ «رَجُل برَجُل، والبادئ أظلم». تنظيم جماعة الإخوان يحمل شعارُه السيوف والمسدسات، ولا يتم قَسَم الولاء والبيعة للأعضاء الجدد إلا على المسدس والسيف، ولذلك تعد ظاهرة اللجوء إلى العنف ليست جديدة عليه، فهي ظاهرة متجددة ومتجذرة في التنظيم، بل تكاد هي السمة الأغلب، فالتنظيم الذي اعتاد التَّقوت معنوياً على شماعة وأكذوبة المظلومية والاضطهاد وملاحقة الحكومات والاستخبارات لعناصره، كان يمارس العنفَ بشتى أنواعه، فقد مارس الاغتيال والتصفية لخصومه وحتى للتخلص من عناصره الذين أصبحوا حملاً ثقيلاً أو منافسين لزعامات نافذة في التنظيم.
التنظيم عرف العنف حتى قبل المرحلة القطبية، التي تتسم بالأعنف بعد أن شرعن سيد قطب العنف المتوحش، حيث قسَّم المجتمعات إلى مجتمعات جاهلية، مبيحاً بذلك الدماء التي حرّم الله، عبْر تفسيراته الضالة والخاطئة التي ألبس بعضها التأويل وطوَّعها لفهمه الخاطئ، بعد أن تشبّع بأفكار الصحافي أبو العلا المودودي صاحب فكر تكفير المجتمعات بحكم الجاهلية.
جماعة الإخوان التي تنهج منهج الماسونية في التراتبية والسرّية و«الأستاذية».. تنظيم ضال دينياً ومفلس سياسياً بإجماع علماء أهل السنة والجماعة، فالتحزب الديني ليس من الإسلام ولا من أصوله، بل هو خروج عنه ومحاولة بناء كيان ثيوقراطي بمفهوم الجماعة لا بصحيح الدين، وليس لهم مشروع دولة ناضج، باستثناء المفهوم المطلق عند حسن البنا في رسائله، والذي لا يخرج عن عباءة الجماعة المفلسة. مشاهد العنف كثيرة ومتكررة، فها هو محمد البلتاجي، القيادي في جماعة الإخوان، الذي قال: «إن ما يحدث في سيناء (العمليات الإرهابية) لن يتوقف إلا بعودة الرئيس محمد مرسي للحكم».
وشاهد ودليل آخر شهد به شاهد من أهلها، هو القيادي في الجماعة ونيس مبروك الفسي عضو جماعة الإخوان الفرع الليبي، الذي قال في حديث متلفز وموثق لا يستطيع إنكاره، كعادة جماعته، بعد تحرير الجيش الليبي آخر جيب لـ«داعش» و«الإخوان» في بنغازي: «أعلم ناساً بايعت على الموت، وستكون قنابل موقوتة في أي لحظة». وبتحليل كلامِه نجد أنه بدأه بأنه «يعلم»، أي أنه مطّلع ويعرفهم، وبالتالي هو شريك في الجرم ولو بالتستر. محاولات الجماعة الضالة بالهروب إلى الأمام وإلصاق التُّهم بالتنظيم الخاص أو السرّي بأنه نشأ من دون علم التنظيم أو بالتجاوز أو بالانشقاق أو بالخروج عن طاعة المرشد، كلام زائف واستخفاف بالعقول، فما وجود التنظيم الخاص أو السرّي إلا بعلم المرشد ومكتب الإرشاد، وهو يعد الذراع الضاربة للتنظيم، أو دُرّة الردع كما كان يسميها سيد قطب صاحب منهج التكفير بتهمة الجاهلية والرِّدة للمجتمعات والتي كان لا يخفيها في كتبه «معالم في الطريق»، وتفسيره المنحرف للقرآن تحت مسمى «في ظلال القرآن». تنظيم جماعة الإخوان ضال منحرف عن أصول الدين، فلا هو جاء بصحيح الإسلام واتّبعه ولا هو تمسك بمبادئ السياسة وبقي حزباً سياسياً، وبذلك فقد التنظيم الضال الهوية، وبقي يتأرجح بين العنف والفجور في الخصومة.

لبنان: لحظة الانتفاضة
د. خطار أبودياب/العرب/26 تشرين الأول/2019
ينتفض لبنان في لحظة تاريخية مفصلية في مواجهة شبح الانهيار الاقتصادي والمالي وفشل الطبقة السياسية في بناء دولة قادرة وعادلة. يتميز “حراك تشرين” أو “انتفاضة أكتوبر” بحيويته المذهلة وسلميته وعبوره للطوائف والمناطق والطبقات والأجيال وتوحيده للبنانيين بالرغم من اختلافاتهم. لكن حركة المواطنة ستواجه اختباراً دقيقاً إزاء مساعي تحويرها وإجهاضها أو إخمادها وذلك من قبل منظومة سياسية – اقتصادية تحتكر النظام الطائفي وتخشى على امتيازاتها. والأدهى موقف حزب الله السلبي من الحراك، لأن استعادة الدولة تقتضي الإشارة إلى كلفة سلاحه في الداخل والخارج والتي ساهمت في تفاقم الوضع الاقتصادي. لن يكون مسار البحث عن وطن من دون متاعب وآلام ولكن لأول مرة في تاريخ لبنان منذ الاستقلال في العام 1943، هناك منعطف تحول فعلي في مواجهة أزمة بنيوية متجذرة. وبالرغم من مساعي إخماد الحراك، ربما تكون جذوة الأمل في “تشرين” خميرة لربيع في لبنان عاجلاً أم آجلاً.
أطلق البعض على هذا الحراك لقب “ثورة الواتسآب” لأن الاحتجاجات بدأت بالفعل بعد فرض الحكومة رسوماً على المكالمات عبر هذا التطبيق من وسائل التواصل الاجتماعي. لكن النزول إلى الشارع أتى على خلفية تدهور الحالة الاقتصادية والقدرة الشرائية واختفاء الدولار من الأسواق. وفي العمق ينبع هذا الحراك من قلب المعاناة ومن رفض منطق المحاصصة في الفساد ونهب المال العام. والجديد في الحراك الذي دعت إليه بعض حركات المجتمع المدني، أنه من دون تأطير وقيادة مع كسوف لأدوار القوى السياسية التقليدية. ومن خلاصات الأيام الماضية أن لبنان القديم، لبنان التسويات منذ 1943 بطور الانتهاء مع اقتصاده الليبرالي الفوضوي وطاقمه الطائفي والسياسي.
لم نسمع هذه المرة خطب اللغة الخشبية التقليدية، ومن الملاحظ أنه لم يجرؤ أي شخص سياسي منخرط في المؤسسات على الاختلاط بالحشد الذي رفع شعار “كلّن يعني كلّن” للتأكيد على طلب التغيير الجذري.
في غمرة الغضب والصرخة والهدير الممتد من أقصى البقاع إلى صور والنبطية وصيدا في الجنوب ومن طرابلس إلى بيروت ومن جل الديب وضبية إلى جبيل وعالية، يلفت النظر ظاهرتان وهما: بروز الحشد باعتباره الفاعل السياسي الرئيسي، وظهور المفاجأة الكبرى من خلال انبثاق ظاهرة الفرد كموضوع مستقل، نشهده لأول مرة في قلب المدينة متحرراً من ثقل المجموعة والعشيرة وفي هذا خطوة كبيرة لجعل المواطن في قلب عقد اجتماعي جديد بديلاً عن الكائن الطائفي المرتهن لمجموعته والمقيد بسقف المحاصصة والتقاسم الفوقي.
في عام 2005، هرعت الحشود اللبنانية إلى قلب بيروت لتطالب “بالحرية والسيادة والاستقلال” بعد اغتيال الراحل رفيق الحريري، لكن حركتها فشلت في بناء دولة الاستقلال الثاني لعدة عوامل بسبب تركيبتها التمثيلية وقيادتها والثورة المضادة التي أجهضتها.
في عام 2019، تجري نفس الحركة الشعبية في كل مدينة وكل بلدة لبنانية. حيث نسمع نفس الشكوى من الأوضاع الاجتماعية البائسة ومن ممارسات الطبقة المتحكمة.
قبل الانتخابات النيابية في العام 2018، كان مؤتمر سيدر في باريس محاولة لتعويم وضع الاقتصاد اللبناني مع اشتراط البدء بإصلاحات فعلية في قطاعات معينة مسببة للعجز. لكن بعد تضييع الكثير من الوقت لتأليف الحكومة العتيدة لم يتغير أي شيء عملياً وبقي التعطيل سيد الموقف وترسخ المأزق في عدم القدرة على تنفيذ أي مشروع والوفاء بتعهدات أمام المجتمع الدولي والداعمين. وما زاد من حدة الوضع الموقع الكبير لحزب الله ضمن الحكومة والدولة التي لا تسيطر على قرار الحرب والسلم، ومع تحول حزب الله إلى قوة إقليمية مؤثرة تربط لبنان بمحور إقليمي معين، أتت العقوبات الأميركية عليه لتزيد من تفاقم الحالة الاقتصادية وأخذ القطاع المصرفي يتلقى الضربات. وأدى ذلك بالإضافة إلى سياسة مالية مثيرة للجدل إلى خشية اللبناني ليس فقط على قدرة شرائية متآكلة، بل على لقمة العيش والمصير والأفق المسدود.
تكرّس الانسداد بسبب إعلاء الطبقة السياسية لمصالحها الخاصة والنفعية والفئوية فوق مصلحة البلد في كل المجالات وفي معالجة أزمات النفايات والتلوث والكهرباء والمياه. وفيما يحاولون فرض ضرائب على ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى ينعم الفاسدون بالحصانة السياسية والقضائية ويطال ذلك الأملاك البحرية ومعابر التهريب والهدر في الإنفاق والإدارة السيئة والقطاع العام من دون إنتاجية. كان النشيد الوطني اللبناني رمز التوحيد بين ساحات الاعتصام والحراك في صرخة من أجل التغيير والكرامة والحرية والعدالة. وبالطبع لن تستكين الأمور بالقمع والالتفاف أو التهديد والتحوير ولن يكون الحل بتبديل الكراسي، بل بتعديل فعلي وتدريجي للنهج والممارسة. من العراق إلى لبنان تبرز موجة جديدة من الحراك العربي الذي يستهدف إعادة بناء دول عادلة، ويربط البعض ذلك بأنه استهداف للنفوذ الإيراني في الإقليم. لكن يتوجب التمعن في مسار كل بلد على حدة وأهمية ضرب الفساد ومنع استمرار تلاشي الدول والأوطان.

اللحظة الشيعية الكبرى.. “العودة إلى حضن الوطن”
محمد قواص/العرب/26 تشرين الأول/2019
قبل سنوات كان السجال حادا بين القوى السياسية حول قانون الانتخابات الأنجع في لبنان. لم تكن الطبقة السياسية تبحث عن القانون الأفضل الذي بإمكانه أن يكون صادقا في تمثيل اللبنانيين، بل عن القانون الذي يعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها، أو الذي يتيح تضييق هامش خسائرها. حينها خرج الأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصرالله منتشيًا بأن لا مشكلة لحزبه مع أي قانون يتوافق الآخرون عليه. وفي ذلك أن نصرالله كان متأكدًا من التبعية التامة للطائفة الشيعية لـ”خيار المقاومة” في البلاد.
قبل ذلك بسنوات، وبعيد اغتيال الراحل رفيق الحريري، خرج مناصرون لحزب الله يقطعون الطرقات احتجاجا على برنامج تلفزيوني فكاهي لبناني قيل إن نكاته مسّت بشخص زعيم حزب الله. خرج مؤلف البرنامج، وهو القريب من التيار العوني المتحالف مع حزب الله، مستغربا ردة فعل جمهور الحزب، معتذرا عن أي سفاهات غير مقصودة يمكن أن تكون فُهمت خطأ. في تلك المناسبة خرج أحد نواب حزب الله معللا غضب الناس بأن ثقافة الشيعة في البلد تختلف عن ثقافة بقية المكونات اللبنانية، وبالتالي على الجميع مراعاة الأمر وتفهم المزاج المختلف للناس.
قبل أيام، السبت الماضي، خرج نصرالله متوعدا الحراك الشعبي اللبناني بحراك مضاد يقوده حزب الله. ذكّر الرجل أن جمهور الحزب إذا خرج فلن يخرج لبضعة أيام (متهكما على ما اعتقده عرضيا في حراك اللبنانيين)، بل لا عودة قبل تحقيق الأهداف. وفي ذلك تأكيد آخر أن شيعة لبنان تابعون للحزب وزعيمه في الذهاب وفي الإياب. يخرج الشيعة هذه الأيام ليمنحوا الحراك الحالي شرعية لبنانية شاملة لا لبس فيها ولا تشققات
في الأيام الأخيرة حصل ما فاجأ حزب الله. الشيعة ليسوا أتباعا. وهم وإن رضوا بالالتصاق بـ”المقاومة”، حين كانت مقاومة، وسكتوا عن خيارات هذه “المقاومة” في حربها في سوريا، وكتموا رد فعلهم في تمارين الحزب لجرّ البلد باتجاه الأجندة الإيرانية وإبعاد البلد عن بيئته العربية، فإنهم في الحراك الذي اندلع قبل أكثر من أسبوع، اجتازوا لحظة تاريخية تعيدهم “إلى حضن الوطن”، وفق التعبيرات التي تستخدمها، للمفارقة دمشق ودون أي مقارنة، في وصف العائدين إلى أحضانها. تقدم الشيعة في لبنان داخل الحراك اللبناني الشامل مناقضين بذلك نظرية حزب الله حول اختلاف ثقافة الشيعة عن ثقافة اللبنانيين. تقدم الشيعة هذه المرة ليس بصفتهم طائفة، وليس بصفتهم “جمهور مقاومة”، بل بصفتهم مواطنين لبنانيين يحملون الهوية اللبنانية ويمارسون لبنانيتهم كاملة، شأنهم في ذلك شأن بقية اللبنانيين الذين خرجوا إلى الشوارع معترضين ثائرين.
نعم فقد حزب الله حاضنته الطبيعية. وسيحتفظ الحزب ربما بحاضنة حزبية متصدعة. لم يعد الشيعة في لبنان مستهلكين لبضاعة “المقاومة” ومناكفة “الشيطان الأكبر” و”الذود عن المراقد في سوريا”، و”الدفاع عن المظلومية في اليمن”، ونصرة “المضطهدين” في البحرين والتبشير بالتشيع في المغرب والسودان… إلخ. أعاد الشيعة بعث المفردات اللبنانية في حراكهم، مهملين ما تراكم من قيم ومفردات وتوصيفات صدّرتها ثورة الجمهورية الإسلامية في إيران.
لم يكن الشيعة يوما جسدا منسجما واحدًا. كانت الطائفة متمردة في طبيعتها منخرطة في كل تيارات التمرد التي راجت في المنطقة منذ الاستقلالات. كان الشيعة في صلب التيارات الماركسية والأحزاب القومية، العروبية والسورية، كانوا جزءا من المقاومة الفلسطينية التي عرفوها في مناطقهم، وكانوا جزءا من تيارات قومية لبنانية لطالما دافعت عن فينيقية غابرة في هوية لبنان. شكّل الفضاء الشيعي متنفسًا لبقية الطوائف في لبنان الذي وجد لدى الشيعة براغماتية ووسطية وتسامحا واعتدالا حاضنا لبقية اللبنانيين.
كان ذلك قبل أن يظهر الإسلام السياسي الشيعي، وتتنامى أسواره بعد قيام ثورة الخميني في إيران. حدث أن ظهرت في مناطق الشيعة في بداية الثمانينات كائنات غريبة قيل يومها إنها تنتمي إلى الحرس الثوري. علم اللبنانيون بعد ذلك أن للحرس روافد لبنانية تخطف وتدمر وتهدد باسم الثورة في إيران، وأن وجوها وشخوصا شيعية لبنانية، باتت من خلال حزب الله، تسحب الشيعة إلى مكان آخر غير لبنان.
لم يكن شيعة لبنان يملكون خيارات بديلة. عملت سطوة النظام السوري في لبنان على فرض هيمنة المنطق المذهبي على ذلك الوطني العابر للطوائف. أطاحت الشيعية السياسية الحديثة بالمقاومة اللبنانية التي ظهرت بعد الاجتياح الإسرائيلي، بحيث يحرّم على غير الشيعة ممارسة حقهم وواجبهم في الدفاع عن بلدهم ورد الاحتلال عنه، ثم بعد “حرب الأخوة” في الثمانينات بين حزب الله وحركة أمل، حرّم على الشيعة أنفسهم غير المنتمين إلى حزب الله ذلك الحق وذلك الواجب. لم يصنع الشيعة في لبنان حزب الله، بل إن هذا الحزب هو الذي أمعن في صناعة هيكل أدخل الطائفة داخله. حوصرت الطائفة من خلال كماشة الثنائي الذي ترعى جناحا له دمشق وترعى جناحه الآخر طهران. صُهر الشيعة وفق قواعد الفقه والعقيدة والوطنية والخوف، استسلموا للأمر الواقع “الإلهي”، كما استسلم بقية الفرقاء اللبنانيين لأمر حزب الله راعيا ووصيا على الشيعة في لبنان.
تقدم الشيعة هذه المرة ليس بصفتهم طائفة، وليس بصفتهم “جمهور مقاومة”، بل بصفتهم مواطنين لبنانيين يحملون الهوية اللبنانية ويمارسون لبنانيتهم كاملة
لم يشهد لبنان في تاريخه خططا استهدفت الشيعة في لبنان. كانوا جزءا من طبيعة البلد ومنظومته السياسية في قوتها ووهنها. لم يعرف الشيعة شعور الخوف أو الضعف وهم من نسيج الشعب اللبناني في صراعاته مع السلطة أو في التماهي معها.
بيد أن حزب الله استطاع أن يقنع الشيعة بأن سقوط الحكم في طهران أو دمشق هو سقوط لهم، وأن الدفاع عن مناعة نظام الولي الفقيه وبقاء نظام دمشق هو أمر يحدد مصيرهم بين الوجود والعدم، وأن حماية الشيعة في العالم هي حماية لهم.
قاوم الشيعة ذلك المارد الذي يسطو على حضورهم ويصادر مستقبلهم. أُلصقت بالوجوه المعترضة تهمة العمالة والتبعية للخارج، منهم من بات في خطاب الحزب “شيعة السفارة”، في غمز من ولائهم لأجندة أميركية. بات الاعتراض السياسي على حزب سياسي يساوي العمالة التي لا رحمة في مواجهتها في “دولة حزب الله”. لا عجب أن يستسلم الشيعة لقدرهم في بلد استسلم فيه حتى خصوم الحزب اللبنانيين لهذا القدر. مشى الشيعة مع اللبنانيين في 14 مارس 2005 وكانوا جزءا مؤسسا من حراك “14 آذار” السياسي، قبل أن يتخلى هذا الحراك عن شيعته، يهملهم ويهمش حضورهم، لصالح تحالف مع الثنائية الشيعية بصفتها قدر الشيعة الأبدي. يقلب الشيعة هذه الصفحة هذه الأيام. خرج سنّة البلد بعد اغتيال رفيق الحريري يزحفون ولو متأخرين في انضمامهم لما كان يطالب به كثير من المسيحيين بخروج جيش الوصاية السورية من لبنان عام 2005. كان ذلك الزحف لحظة لبنانية نجحت في تعظيم خيار لبناني تاريخي لافت. يخرج الشيعة هذه الأيام ليمنحوا الحراك الحالي شرعية لبنانية شاملة لا لبس فيها ولا تشققات. يخرج الشيعة ليهزوا أركان دولة حزب الله برئيسها وحكومتها وبرلمانها.

لبنان وتشكل الجماعة السياسية العابرة للطوائف
سلام السعدي/العرب/26 تشرين الأول/2019
أجبرت التظاهرات الشعبية المستمرة للأسبوع الثاني الحكومة اللبنانية على اتخاذ إجراءات اقتصادية استثنائية طالما انتظرها اللبنانيون. إذ لم يكن من الممكن مجرد تصور، فضلاً عن تبنّي، ورقة جذرية للإصلاحات الاقتصادية، أعلن عنها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قبل وقت قصير على انتهاء مهلة الـ72 ساعة التي وضعها الحريري لنفسه. من خلال هذه الورقة، تكون الحكومة اللبنانية قد تحولت من إستراتيجية تغطية عجز الموازنة الحكومية من جيوب المواطنين اللبنانيين التي باتت فارغة إلى إستراتيجية التقشف الحاد في النفقات العامة وزيادة ضريبة الأرباح على المصارف من 17 بالمئة إلى 34 بالمئة لسنة واحدة.
ويمكن لتلك الإجراءات أن تحل الأزمة الأخيرة التي تسببت باندلاع الانتفاضة اللبنانية وهي استمرار فرض ضرائب ورسوم جديدة على اللبنانيين أثقلت كاهلهم ودفعتهم للانفجار.
ولكن أزمة لبنان الاقتصادية أكثر عمقاً وأشد حدةً، إذ يعاني أكثر من ثلاثين بالمئة من الشباب اللبناني من البطالة في ظل ضعف هيكلي اقتصادي لا يني يولّد الأزمات الاجتماعية وينذر بمزيد من الانفجارات الشعبية. كما أن التفاوت في الدخل بين الطبقات الاجتماعية بات هائلاً، إذ أن دخول خمسين بالمئة من اللبنانيين تساوي دخول 0.1 بالمئة منهم.
أزمة لبنان الحقيقية هي سياسية وليست اقتصادية وهو ما أدركته جموع المتظاهرين التي رفضت ورقة الإصلاحات، التي لم تكن حتى لتحلم بها قبل أسبوعين، واندفعت للمطالبة بتغيير جذري ينهي نظام المحاصصة الطائفية القائمة منذ ثلاثة عقود.
تدرك الجماهير الغاضبة التي خرجت في جميع المناطق استحالة تنفيذ بنود الورقة الاقتصادية في حال استمرت ذات الطبقة السياسية وذات النظام السياسي الذي تحول إلى مجرد أداة لتوزيع الغنائم بين أمراء الحرب السابقين.
مع ذلك، يبقى الحل والمخرج من الأزمة مبهماً للغاية. في الحقيقة، يواجه اللبنانيون المعضلة ذاتها التي واجهها نظراؤهم العراقيون في ظل نظام ديمقراطي، أو بصورة أدق “انتخابي”، قائم على التحاصص الطائفي. إذ لا يبدو طريق التغيير واضحاً في ظل عدم كفاية المطالب الديمقراطية وطرح مطلب “إسقاط النظام”. في لبنان كما في العراق، حتى لو نجح المتظاهرون في دفع الحكومة ورئيس الدولة للاستقالة، يمكن للنظام السياسي-الطائفي أن يعيد إنتاج نفسه عند حدوث أوّل انتخابات عامة.
بعد رفض اللبنانيين للورقة الاقتصادية، طالبت الجموع باستقالة الحكومة اللبنانية وهو ما يمكن أن يحدث بالفعل في حال استمرار التظاهرات واستمرار قطع الطرقات وابتكار وسائل جديدة، كالإضراب العام، للضغط على الطبقة السياسية. ما يزيد من أزمة تلك الطبقة هو عدم إمكانية توظيف القوات الأمنية والجيش بشكل واسع لقمع المتظاهرين كما حدث في العراق وذلك بسبب التوازنات السياسية والطائفية الدقيقة والتي لا يمكن وضعها أمام اختبار من هذا النوع.
ولكن استقالة الحكومة، وحتى الرئيس ميشال عون، لن يقدم حلا سحرياً ولن يقود بصورة أوتوماتيكية لنظام جديد قائم على المواطنة المتساوية متحرر من الحسابات الطائفية. لكي يتحقق ذلك، يجب أن تجري ترجمة المجتمع السياسي الذي تشكل لأول مرة في تاريخ لبنان الحديث في ساحات التظاهر إلى قوى سياسية تشبهه. لا يمكن لأي متابع للشأن اللبناني اليوم إلا أن يقف مشدوها أمام حجم اللحمة الوطنية ووعي الجماعة السياسية العابرة للطوائف والمناطق والتي تحتل الشارع في الوقت الحالي. هذه لحظة استثنائية في التاريخ اللبناني، بل وفي تاريخ بلاد الشام التي طالما جرى توظيف تنوعها الديني والطائفي والإثني في معارك طائفية، مباشرة وغير مباشرة، كانت تخدم الطبقات السياسية الحاكمة. ولكن اللحظة الثورية التي أنتجت هذا المتّحد الوطني ليست كافية للحفاظ عليه، بل يتطلب ذلك نشوء قوى سياسية وطنية ديمقراطية تدفع باتجاه بناء مؤسسات دولة وطنية وعقد اجتماعي جديد بين المواطنين. في تاريخ تطور الدول والمؤسسات والانتقال الديمقراطي، لعبت قوى قديمة، أو جزء منها، دورهاً في ذلك التحول وفي إيجاد الجماعة السياسية الوطنية التي تبنى عليها الدولة والأمة. إذ يمكن لأحداث شعبية استثنائية أن تغير بعض القوى السياسية التقليدية وتقلب موازين القوى تماما كما غيرت الجماهير ودفعتها للشارع.
ولكن، في لبنان، لا يمكن للقوى السياسية الحالية، ولا بأي حال، أن تلعب الدور المأمول في التحول الديمقراطي الحقيقي وإقرار العقد الاجتماعي وإيجاد دولة محايدة تعزز من ثقة المواطنين الجدد ببعضهم الآخر وذلك بعد أن كفوا عن كونهم مجرد أفراد في جماعة أهلية مغلقة. معظم القوى السياسية الحالية، وبشكل خاص حزب الله، هي قوى طائفية صريحة لا يمكن أن تشارك بمشروع وطني من هذا الحجم وإلا ستكف عن أن تكون نفسها. تعرف كل القوى السياسية القائمة أن مشاركتها في إصلاح سياسي- مؤسساتي من هذا القبيل لن يؤدي فقط إلى فقدان مكاسبها من دولة النهب والفساد القائمة، بل ولفقدان دورها الوظيفي والمتمثل بإعادة إنتاج النظام الطائفي. إن إقدامها على خطوة من هذا النوع سوف يقود إلى انتهاء مبرر وجودها.

قبل أن يجرفكم التاريخ
علي حماده/النهار/25 تشرين الأول/2019
يعلّمنا التاريخ درسا ثمينا، هو أن المسؤول عندما لا ينصت الى صوت الشعب، متجاهلا الغضب و إرادة التغيير الجذري ، فان هذا التاريخ يجرفه. الصورة واضحة، والرسالة أكثر وضوحا، فقد قال الشعب كلمته، فلا بد من الإنصات له واحترام إرادته العارمة. هكذا تبدو الصورة اليوم بعد أسبوع على اشتعال موجة الغضب، وتحولها الى ثورة عارمة في كل البلاد، وهكذا تبدو الصورة بعدما تجاهل المسؤولون ولاسيما في أعلى الهرم مشاعر الناس، وواجهوها بورقة تقنية باردة، ثم حاولو العودة الى ممارسة يومياتهم وكأن شيئا لم يحدث، فإذا بالناس يطالبون بما يتجاوز تلك الورقة الاقتصادية (بصرف النظر عن مضمونها) ويوقولون إن الثمن المطلوب ليس استفاقة متأخرة لملاقاة جزئية لمطالب الناس، وإنما المطولب ثمن سياسي حقيقي يكون بتغيير الحكومة. بمعنى آخر، لا بد من استقالة الحكومة وتشكيل أخرى تكنوقراطية مختلفة تكون مؤلفة من اختصاصيين نزيهين، والتحضير للذهاب الى تغيير شامل عبر انتخابات مبكرة بقانون انتخابي مختلف، يفتح الباب امام قيام مجلس نواب يدخله دم جديد، ويكون مقدمة لتغيير في أعلى الهرم، أي ان التغيير يجب ان يحصل على كل المستويات. فالازمة ليست ازمة حكومة فحسب، وانما أزمة عهد أيضا، يقترب من منتصف عمره، وقد هرم وتشتت، وبات في غربة تامة عن نبض الشارع.
لقد سقطت الحكومة في الشارع قبل أن تقدم استقالتها، وسقط العهد معها قبل أن يكمل سنته الثالثة، وسقطت معهما هيبة الحكومة والقيادات والزعامات التي كانت حتى الامس القريب تعيش في برج عاجي.
لقد كان على العهد وبطانته أن ينصتا الى صوت الشعب الهادر، وكان على الحكومة بدءا من رئيسها ان تعي ان ثمة زلزالا لا امل في مواجهته بأوراق ولا بخطب باردة، ولا حتى بإجراءات متأخرة ولدت على عجل، فالمسألة اكبر من ذلك بكثير، والاعتماد على ضمان “حزب الله” ومن معه لإجهاض ثورة بهذه القوة والامتداد لا يكفي، انما هي وصفة سحرية لانفجار شامل. من هنا نقول إن المطلوب اليوم صدمة إيجابية كبيرة تمنح الناس شعورا بأنهم يغيرون تاريخ وطنهم، ويغيرون وجوها باتت محروقة في الشارع. المطلوب كما قلنا منذ اليوم التالي لبدء الثورة استقالة الحكومة، على ان تكون منظمة ومسؤولة، تعقبها ولادة حكومة تكنوقراط مصغرة، لتبدأ مسيرة التغيير المطلوب.
إن تجاهل مزاج الشارع ستنجم عنه مضاعفات خطيرة، وسيؤدي الأمر الى ارتفاع سقف المطالب، وبعد أيام لن تعود استقالة الحكومة واستبدالها بأخرى ذات صدقية كافية لإخراج الناس من الشارع، ولا بد أن نكون أمام خيار نسف شامل لكل التركيبة في الشارع، بما يفتح الباب أمام احتمالات عقد “تسوية” ما في مكان ما لقلب الطاولة على الجميع، وبموافقة “حزب الله” الذي يمكنه في لحظة ما أن يتخلى عن حماية العهد، والحكومة ورئيسها، ويصعد الى سفينة يلبس ربانها البزة المرقطة! إن نصيحتنا للرئيس سعد الحريري بأن لا ينصت لاصوات تزين له انه يمكن الخروج من الازمة بلا ثمن سياسي ممكن، ولرئيس الجمهورية بأن يستفيق من سباته العميق، ومن استسلامه لحماقات الوزير جبران باسيل، وتملق بعض البطانة الكاذبة، ليخفف قدر الإمكان من وقع السقوط المريع الذي ما عاد بعيدا، وللسيد حسن نصرالله بأن يتصرف بعقلانية وبلبنانية صافية لأن الشارع الذي خرج في كل مكان ليس عدوا، ولا يواجه بالقوة والنار، وإنما بالاحتضان.
ان التاريخ لن يرحم اهل الحكم، تماما كما لم يرحم من سبقوكم.

استقيلوا استقيلوا لم نعد نريدكم في حياتنا
عقل العويط/النهار/25 تشرين الأول/2019
لم نعد نريدكم في أعمارنا، ولا في أفكارنا، ولا في خبزنا وزيتوننا.
لم نعد نريدكم في نهاراتنا وليالينا، ولا في مؤسّساتنا، ولا في بساتيننا، ولا في مدننا، ولا في قرانا، ولا في مقاهينا، ولا على أرصفتنا، ولا في شوارعنا، ولا في مجالس نوّابنا، ولا في سراياتنا الحكوميّة، ولا في قصورنا الجمهوريّة.
لم نعد نريدكم لا في بيوتنا، ولا على شاشاتنا، ولا حتّى في كوابيسنا.
إفهموا جيّدًا. لم نعد نريدكم، أيّها المسؤولون. فافعلوا ما تريدون أنْ تفعلوه، لكنْ اتركونا ندبّر عيشنا بشظف أرواحنا ورحابة عقولنا وأيدينا.
افعلوا ما تريدون أنْ تفعلوه، لكنْ إرحلوا عنّا.
إنّنا لا نحترمكم، أيّها السادة، لأنّكم لستم جديرين بالاحترام.
أسوأ ما يمكن أنْ يوصَف به امرؤٌ، أنْ يُقال له إنّك لستَ جديرًا بالاحترام. فكيف إذا كان هذا المرء مسؤولًا أو حاكمًا أو مؤتمَنًا على أمانة!
إنّنا لا نحترمكم، أيّها السادة، لأنّكم لا تستحقّون هذا الاحترام.
أبشعُ ما فيكم، هو هذا التكالب الأسطوريّ الماجن على البقاء في كراسي السلطة.
أرخصُ ما فيكم، أنّكم ارتكبتم المعاصي والرذائل، وأنّكم تعترفون بفضيحة الفشل الذريع، لكنّكم تتجرّأون – يا للصفاقة – على إطلاق الوعود وذرّ رماد الدجل في عيون الناس، لاستجداء البقاء في السلطة.
لا تتورّعون – يا للعار – عن الركوع رمزيًّا ومعنويًّا (وربّما فعليًّا) أمام الناس الأحرار، وعن بَوس أقدامهم افتراضيًّا (وربّما واقعيًّا)، من أجل أنْ يعطوكم فرصةً جديدةً للبقاء في مراكز السلطة والحكم، ومواصلة أعمال النهب المشينة التي ترتكبونها.
إنّنا لا نحترمكم، أيّها السادة، لأنّ همّكم الوحيد هو التشبّث بالكراسي والاستمرار في السلطة وارتكاب المعاصي.
… أمّا نحن فمَن نحن؟
نحن ناسٌ أنقياء، أطفالٌ، وشابّاتٌ وشبّانٌ، وعمّالٌ، وموظّفون، وشغّيلة، وأساتذة، وشعراء.
نحن فقط ناسٌ متواضعون، طيّبون، عاديّون، لا شهرة لنا سوى أنّنا أحرارٌ جائعون فقط، ومذلولون فقط، ولم نعد نريد أنْ نجوع، ولا أنْ نرضى بالإذلال.
مَن نحن؟!
نحن لا نحبّكم. ولا نريدكم. ونحن لا نحترمكم.
ونحن نطالبكم بالرحيل.
فارحلوا عنّا. واتركوا شعبنا يعيش.
واستقيلوا.
استقيلوا فورًا. والآن.
… مَن نحن لنطلب ما نطلب؟
نحن طرابلسيّون، عكّاريّون، زغرتاويّون، بشرّاويّون، كورانيّون، بترونيّون، جبيليّون، كسروانيّون، متنيّون، شوفيّون، صوريّون ونبطيّون جنوبيّون، وبعلبكيّون وهرمليّون وبريتاليّون بقاعيّون.
إنّنا لا نحبّكم، أيّها السادة. بل نحن لا نحترمكم، ولا نثق بكم.
نحن، مَن نحن؟
نحن هؤلاء، ونحن أطفالنا الذين لم يولدوا بعد.
… وأنتم مَن أنتم، لكي نطلب منكم ما نطلب؟!
أنتم هذا الظلام الأعظم الماثل في عمق هذه اللوحة المرفقة بالمقال.
أنتم هذه الظلمة الأبديّة التي تسرق منّا الحياة ومسرح الحياة.
… ونحن مَن نحن؟
نحن هذا الشعب المقيم في الحرّية، وجميعنا نقول لكم: لم نعد نريدكم في حياتنا.
استقيلوا استقيلوا.
يجب أن ترحلوا، أيّها الحكّام جميعًا.
الآن وفورًا.
يجب أن ترحلوا من حياتنا!

عون للبنانيين… أنا صار لازم ودعكم
أحمد عبد العزيز الجارالله/السياسة/25 تشرين الأول/2019
لم يختلف خطاب الرئيس اللبناني ميشال عون عما سبقه من رؤساء الدول العربية الذين انتفضت عليهم شعوبهم، من زين العابدين بن علي حتى آخرهم عمر البشير، وهو بذلك عبر عن انفصاله عن الواقع، غير مدرك أن البحر الشعبي الهائج لن يستكين إلا بتحقيق مطالبه كافة، وهي كما ردَّد المتظاهرون فور انتهاء الخطبة الرئاسية “ثور ثورة ثورة”، و”كلن يعني كلن”.
اللبنانيون لم ينزلوا إلى الشوارع، ويعطلوا أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم من أجل السياحة واللهو، إنما لمطالب يرونها محقة، وغير قابلة للمساومة، بعد نحو 30 عاماً على سلطة استباحت كل شيء من أجل منافع شخصية للمتحكمين بمفاصلها، فالناس التي نراها عبر شاشات التلفزة تطالب بتعليم مجاني، وطبابة، وفرص عمل، وعن جوع يستوطن مناطق عدة، وفاسدين أكلوا الأخضر واليابس، وليس عن تسوية سياسية، أو مقعد نيابي لحزب أو تيار.
الرئيس عون تحدث عن محاربة الفساد، لكنه تناسى أن تياره السياسي، وحلفاءه في الحكم تشير إليهم أصابع الناس أنهم فاسدون يغطيهم “حزب الله” من أجل الاستمرار بالإمساك بالقرار اللبناني، إقليمياً، غير أن ذلك وصل اليوم إلى نهايته أمام الثورة، فاللبنانيون لم يعودوا يقيمون وزنا لأي تعهدات أو خطب يدلي بها المسؤولون، خصوصا أنهم سمعوا من رئيسهم بعد أسبوع من الانتفاض، تكملة لما أدلى به قبله، حسن نصرالله، وجبران باسيل، وسعد الحريري، ولم يقدم اي جديد يدل على نية صادقة لمعالجة أزمة مصيرية تهدد لبنان، لم يدركها الرئيس أو الطاقم الحاكم.
ما قاله الرئيس الللبناني، إمس، لا ينتمي إلى اليوم، بل يبدو أنه لم يعرف بعد أن أكثر من نصف الشعب اللبناني في الشارع منذ ثمانية أيام، وما يمكن أن يقال عنه إنه ينتمي إلى زمن آخر، على شاكلة ما يتحدث به حليف تياره السياسي حسن نصرالله القابع في سراديب الضاحية عن انتصارات إلهية.
خطبة الرئيس اللبناني هي خطبة الوداع… وداع النظام السياسي الطائفي الحالي الذي فرق اللبنانيين، وكأنه يردد بصوته أغنية فيروز: “أنا صار لازم ودعكم”. إلا أن المؤسف حقا، إن تواجه هذه الثورة الحضارية للشعب اللبناني بهذا التعنت والانفصال عن الواقع، وهو ما يثير المخاوف من تعمد الطبقة السياسية الحاكمة حرف الانتفاضة الشعبية عن مسارها عبر محاولات إثارة الانقسامات، وتحويلها ثورة عنفية كمقدمة لتنفيذ وعيدهم بأن أي إخلال بالتوازنات الطائفية الموجودة في الحكم حاليا ستؤدي إلى حرب أهلية، لكن الرهان على الشعب اللبناني الذي أسقط فزاعة الطائفية، أن يواجههم بإفشال مسعاهم، كي تنجح ثورته في ولادة لبنان جديد يعبر عن تلك الحضارية التي لا نزال إلى اليوم نشاهدها في الساحات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن السّاحل إلى البقاع والجبل.

يا سعد لا تقتل رفيق الحريري مرة أخرى
أحمد الجارالله/السياسة/25 تشرين الأول/2019
ماذا ينتظر رئيس الحكومة اللبنانية الساقطة شعبياً، والمفلسة سياسياً، والمشبوهة وطنياً كي يعلن استقالته؟
كل وصفات “الإصلاح السحرية” التي أعلنها، بالتكافل والتضامن مع الطغمة الوزارية الحاكمة، من القصر الجمهوري، رفضها فوراً المنتفضون في الساحات، ولم يروا فيها سوى مسكنات وأبر تخدير، بل لاقوها بتوسيع مساحات احتجاجاتهم والإصرار على أن” الشعب يريد إسقاط النظام”، و”كلن يعني كلن”.
لم يبق على مائدة الحكم سوى الفتات، بعدما نهب المتسلطون الأخضر واليابس، وتركوا الشعب لمصيره المجهول، ومن سخريات القدر أن الكلام الذي قاله الحريري، قبل اقرار ما أسماه” الخطة الإصلاحية” وبعدها، هو الخطاب نفسه الذي قاله حلفاؤه بالحكم، وكأنهم الناطقون الرسميون باسم المتظاهرين.
لذلك إذا كان الحريري صادقا مع خط والده الشهيد، وأمينا على تلك المسؤولية التي أوكلت إليه من جمهوره، عليه الخروج من الحكم اليوم قبل الغد، كي يحافظ على ما تبقى لديه من رصيد سياسي وشعبي، أو على الأقل أن ينتهز الظرف الحالي ليتحرر من قيود التسوية التي عقدت قبل ثلاث سنوات بناء على إملاءات حسن نصرالله، وتحت سلطة الأمر الواقع المفروضة بالسلاح الفتنوي، فأنتجت سلطة هجينة لم تكن في أي وقت بمستوى طموح اللبنانيين الذين عبروا أكثر من مرة، وفي الشارع، عن رفضهم لها.
حين يعلن أحد الوزراء الحاليين “أن الفريق الرئاسي في الحكومة يمارس استبداده كما لو أن لا تظاهرات تعم لبنان، ويرفض أي إصلاحات حقيقية”، فإن هذا يفسر لماذا لم تستطع هذه السلطة إحداث أي تغيير، ويثبت عدم قدرتها على سماع صوت الناس مهما كان عالياً.
من الواضح أن المحتجين ليسوا في أزمة، ففي الأيام الستة الماضية لم تنفع كل أساليب التهويل والتهديد في ثنيهم عن موقفهم، فيما لم يسجل إلى اليوم أي حادث يمكن أن يشوه صورة الاحتجاجات التي ينظر إليها العالم بكل احترام لما ظهرت عليه من رقي، واعتبرها مراقبون دوليون سابقة في الثورات الشعبية، التي لم يستخدم فيها العنف للتغيير، انما السلمية المطلقة والفرح، بل تحويلها أشبه بكرنفال، فيما النظام يعاني من أزمة حقيقية، وهو لن يستطيع الصمود طويلا في مواجهة الشعب غير الخائف من القمع، لأنه على يقين أن الجيش والقوى الأمنية الشرعية إلى جانبه وليس في مواجهته.
استنادا إلى هذه الوقائع من الظلم لتاريخ تياره وإرث والده أن يغطي سعد الحريري تحكم “حزب الله” في مصير البلاد، لأن الأخير لا ينظر إلى لبنان على أنه وطن جامع لكل أبنائه، إنما يراه منصة لإيران تسوِّق منها مشروعها في المنطقة، ولذلك الفرصة سانحة للحريري، إذا كان يريد بلده خارج الهيمنة الإيرانية، أن ينحاز إلى الشعب ويكون معه كي يترجم اسم تياره إلى واقع، إذ كيف يكون “تيار المستقبل” في بلد إلى اليوم يبهر العالم بثورة من هذا النوع، ويبقى هو في مركب واحد مع قراصنة يعيشون في كهوف الماضي وزعران يرهبون الأوادم على شاكلة”حزب الله” وحركة “أمل”، وتيار جبران باسيل؟
العرب الحريصون على لبنان، والذين يعرفون رفيق الحريري الذي استشهد من أجل مبادئه، يدركون جيداً أن لا خلاص للبنان إلا من خلال العودة إلى منطق الدولة الواحدة، وأن ابنه يجب أن يكون استمرارا لنهجه السياسي، وعليه أن ينحاز إلى شعبه، وألا يكون أحد الشركاء في الإبقاء على بلده مزرعة إيرانية يتحكم بها بستاني صغير اسمه حسن نصرالله، لأنه عندها سيكون قد ساهم في قتل رفيق الحريري مرة أخرى.

قاسم سليماني وسوء فهم المسألة اللبنانية
أمير طاهري/الشرق الأوسط/25 تشرين الأول/2019
تمحورت تغطية وسائل الإعلام الخاضعة للحكومة في طهران لموجات الاحتجاجات في لبنان حول «إظهار التضامن مع القضية الفلسطينية». إذ تضافرت صور لعشرات الأشخاص الذين يحرقون الأعلام الإسرائيلية والأميركية في بيروت مع التعليقات والشعارات ذات الصبغة السريالية من شاكلة «مقاتلو المقاومة اللبنانية» الذين يدعون الجميع لـ«الجهاد ضد الصهاينة قاتلين الأطفال»، وضد «الشيطان الأميركي الأكبر».
الواضح أن الاحتجاجات كانت بمثابة تغطية متقنة للكون الموازي الذي أوجده الجنرال قاسم سليماني في لبنان على اعتبار أنه جسر عبور الآيديولوجيا الخمينية إلى منطقة الشرق الأوسط من إيران. لكن أولئك المطّلعين على أساليب الدعاية الإيرانية يعلمون أن ملالي طهران ينظرون إلى لبنان من زاوية أنه أكثر محاولاتهم نجاحاً لتصدير الثورة الإسلامية وبناء الإمبراطورية الإيرانية في الخارج، تستحق التجربة، من وجهة نظرهم كل بلايين الدولارات التي أُنفقت واستثمرت هناك ولا تزال.
غالباً تتباهى وسائل الإعلام الإيرانية حقاً على اعتبار أن لبنان البلد الوحيد الذي تسيطر فيه حكومة الجمهورية الإسلامية على أدوات السلطة كافة، من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والبرلمان إلى الأجهزة الأمنية المختلفة. والأهم من ذلك، كما يُعتقد، أبرمت سلطات طهران تحالفات عديدة مع عدد من الشخصيات والجماعات القوية داخل كل عائلة من العائلات الإثنية والعرقية والطائفية التي تشكل نسيج الشعب اللبناني.
هذا لا ينطبق على العراق، حيث يتعين على طهران التنافس وربما التصارع مع وجود الأحزاب والشخصيات والعائلات من العرب السنة والأكراد الأقوياء، وفي حين أنهم يعربون عن استعدادهم لاحتواء التدخلات الإيرانية السافرة في الشأن العراقي، فهم يعلنون وبصرامة رفضهم الشديد والتام للتبعية المطلقة لطهران.
كذلك في اليمن، وعلى الرغم من الاعتماد شبه المطلق على تدفقات الأموال والأسلحة الإيرانية للبقاء على قيد الحياة، فإن الحوثيين يحاولون عدم الانجرار رغماً عن إرادتهم إلى الاستراتيجية الخمينية الهادفة إلى بسط الهيمنة الإقليمية على ربوع المنطقة.
وأيضاً في سوريا، يتوجب على الملالي التعامل بحذر مع نظام بشار الأسد وما تبقى من شراذم أعوانه وأنصاره الذين يعدّون الوجود العسكري الإيراني في البلاد من الضرورات القاسية للغاية التي تضمن لهم الاستمرار والبقاء.
وأخيراً في قطاع غزة الفلسطيني، تدين إيران بنفوذها الواسع هناك إلى التدفقات المالية السخية المرسلة لصالح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهي الفرع الفلسطيني من جماعة «الإخوان المسلمين». وعلى الرغم من ذلك، يلقي التناطح الدائم ما بين الآيديولوجيا الخمينية والإخوانية بظلاله القاتمة، وربما الدائمة، على العلاقات بين الجانبين. أضف إلى ذلك نجد طهران مضطرة إلى التعامل مع وجود المنافسين الأقوياء في العراق من شاكلة الولايات المتحدة، وفي سوريا من شاكلة روسيا، والآن تركيا أيضاً.
وفي أول لقاء صحافي يعقده الجنرال سليماني، سلطت وسائل الإعلام الموالية للحكومة في إيران المزيد من الأضواء عليه. وصف لبنان بأنه من أبرز الأمثلة الساطعة على نجاحه في تصدير الثورة الإسلامية وبناء أذرع الإمبراطورية الإيرانية خارج البلاد، معرباً في الوقت نفسه عن فكرة الكون الموازي التي ابتعدت بالملالي كل الابتعاد عن الواقع وحقائقه.
وجاءت المقابلة ذات الـ6000 كلمة، التي اتخذت صفة سردية الحرب التي استمرت 33 يوماً بين الجيش الإسرائيلي ضد الفرع اللبناني من تنظيم «حزب الله» الإيراني، محاولةً تحقيق أهداف ثلاثة. أولاً، إبراز صورة قاسم سليماني الشخصية بالخبير الاستراتيجي المخضرم الذي يمكنه مواجهة الجيش الإسرائيلي والدفع بها إلى حافة الهاوية والدمار.
وقال الجنرال سليماني خلال المقابلة: «لو كان قُدر لحرب الثلاثة وثلاثين يوماً الاستمرار لكانت أسفرت من دون أدنى شك عن تفكك وانهيار النظام الصهيوني بأسره»، هكذا قال الرجل من دون أن يتلعثم أو يعبث بطرف لسانه.
وعلى الرغم من ذلك، فهناك سؤال وجيه: ما الذي دفع الجنرال الإيراني المخضرم إلى اتخاذ قرار وقف الحرب وبالتالي إنقاد الجيش الإسرائيلي ثم النظام الصهيوني من التفكك والانهيار؟
يزعم سليماني أن قرار وقف إطلاق النار لم يخرج من جعبته وإنما كان مهندس القرار هو الشيخ حمد رئيس الوزراء القطري، وقتذاك، بمعاونة من جون بولتون سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في تلك الأثناء. ولا يفسر لنا سليماني السبب الذي دفعه، ودفع المرشد الإيراني علي خامنئي، إلى الموافقة على الخطة التي أبدعها الشيخ القطري ووافق عليها الدبلوماسي الأميركي لإنقاذ الجيش الإسرائيلي من التفكك والانهيار على أيدي «حزب الله» اللبناني.
وكان الهدف الثاني لدى سليماني يتمثل في محاولة إثبات أن تلك الحرب أجبرت القيادة الإسرائيلية على التخلي عما يسميها الجنرال الإيراني «استراتيجية بن غوريون للحرب الوقائية»، التي كانت تعني تقليم أظافر وتشذيب أنياب البلدان العربية مرة كل عشر سنوات من خلال حرب عامة تهدف إلى تدمير جيوشهم قبل أن يفيقوا ويحاولوا جلد الدولة اليهودية.
بعبارة أخرى، إن كان قاسم سليماني محقاً فيما يزعم، لكان العرب حكاماً ومحكومين يعيشون الآن في وئام وسلام، لليقين بأن إسرائيل وجيشها لن يتمكنا من شن الحرب الوقائية ضدهم من جديد.
والمفارقة المثيرة للسخرية تكمن في أن الجيش الإسرائيلي شن خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية أكثر من 300 هجوم على أهداف عسكرية إيرانية داخل سوريا والعراق أسفرت عن سقوط المئات من القتلى فضلاً وتدمير معدات كثيرة، في حين التزم الجنرال قاسم سليماني وميليشياته من مرتزقة الحروب الصمت المطبق والابتعاد على المواجهات المفتوحة قدر الإمكان!
ومن بين أهداف الجنرال سليماني المعلنة، يبدو أن الثالث منها هو الأكثر أهمية على الإطلاق، إذ يرسم لنا سليماني، في تعبير غير مكترث، صورة لبنان بأنه قطعة من الأرض من دون حكومة خاصة تحكمها، وتبريره الوحيد أنها صارت رافداً من روافد الحكومة الإيرانية في طهران. وهو يتحدث عن زياراته المتكررة جيئةً وذهاباً من وإلى لبنان من دون أن يكلّف نفسه عناء الإشارة إلى الدعوات الرسمية، ناهيكم بحصوله على أي تأشيرة دخول إلى البلاد، من قِبل أي سلطة لبنانية تُذكر. ثم إنه لا يعبأ بأن يذكر مصدر تصاريح تدفقات الأسلحة الكثيرة، بما في ذلك الآلاف من الصواريخ، التي دخلت لبنان عبر العراق وسوريا. وليست هناك إشارة واحدة في حديثه إلى أي اتفاقية من جانب أي سلطة للتصريح لوحدة عسكرية أجنبية بتنفيذ العمليات العسكرية، أو شن الحرب، ضد أي دولة أخرى مجاورة انطلاقاً من الأراضي الخاضعة لسيادة الحكومة اللبنانية.
وبقدر تعلق الأمر بقيادة الحرب وإدارتها، يزعم قاسم سليماني أن اللجنة المؤلفة من ثلاثة أعضاء فقط، هو أولهم رفقة زعيم «حزب الله» حسن نصر الله مع عماد مغنية، قادرة على اتخاذ القرارات العسكرية المصيرية، وفي حالة عجز اللجنة الثلاثية المذكورة عن التعامل مع إحدى القضايا الكبرى أو الشائكة، فإن قاسم سليماني سرعان ما يهرع إلى طهران باحثاً عن حل. وفي إحدى المناسبات المماثلة، كان سليماني يقطع الطريق بطوله إلى مدينة مشهد بغية الحصول على الإرشادات، وربما التعليمات، من سيده علي خامنئي. ولا يتحدث مع أحد من الرئيس اللبناني، أو رئيس الوزراء، أو وزير الدفاع، أو قائد الجيش اللبناني، ناهيكم بذكر المواطن اللبناني العادي الذي لا يعلم لماذا اندلعت الحرب في المقام الأول ولصالح مَن؟
يعكس قاسم سليماني، ربما عن غير قصد منه، أن الحرب التي أشعلها «حزب الله» – على الرغم من المجازفة الرعناء بحياة المواطنين اللبنانيين كافة بصرف النظر تماماً عن خلافاتهم الطائفية الواضحة – كانت تستهدف بالأساس القضاء على «مؤامرة شيطانية خبيثة ضد المسلمين الشيعة» تهدف إلى اعتقال 30 ألفاً من شيعة لبنان على أيدي جنود الجيش الإسرائيلي، واحتجازهم في معسكر اعتقال ثم تسكين غير الشيعة في قراهم المحتلة بغية تغيير التوازن الديموغرافي على طول خط وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
وللإعراب الضمني عن جبن اللبنانيين من غير الشيعة، تحدث قاسم سليماني عن «إخواننا من السنة والمسيحيين المطمئنين في بلداتهم وقراهم يدخّنون النرجيلة ويحتسون الشاي» في الوقت الذي يواصل مقاتلو «حزب الله» من الشيعة الجهاد لقطع أوصال العدو الصهيوني الغاشم. ومع ذلك، وخشية أن يظن الناس البسطاء أنها مجرد حرب طائفية أخرى خدمةً لمآرب سياسية معروفة، قال قاسم سليماني في حديثه: «تحت كل الظروف، فإن (حزب الله) هو الحامي الرسمي والرئيسي للأمة اللبنانية بأسرها».
أعتقد أن قاسم سليماني قد جانبه الصواب في «شطب» لبنان باعتباره دولة قومية ذات سيادة مع محاولته الحثيثة لإعادة صياغة الواقع اللبناني كمجرد رأس جسر لعبور الآيديولوجيا الإيرانية إلى قلب الشرق الأوسط. ولأنني أعرف لبنان جيداً منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان، أستطيع أن أخبره بأن هناك حقيقة تسمى «النزعة اللبنانية الأصيلة» التي تتجاوز شراذم الانقسامات الطائفية والعرقية والسياسية الداخلية كافة. فإن الشعب اللبناني دائم التطلع إلى البحر الأبيض المتوسط وآفاق الإمكانات الهائلة والمثيرة التي يحظى بها العالم الحديث على سواحل الجانب الآخر ولا يعبأ من قريب أو بعيد بالانجرار إلى رجعية الهضبة الإيرانية القديمة تحت ظلال الملالي القاتمة وآيديولوجياتهم العتيقة. وعلى سبيل الذوق العام، فإن النزعة اللبنانية هي أقرب إلى الشاطئ المفتوح منها إلى المخبأ الضيق!

أسباب التضييق على لبنان
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/25 تشرين الأول/2019
الساحة اللبنانية كانت ولا تزال جزءاً من الملعب الإقليمي الكبير، تستخدمها قوى المنطقة. في الأخير أصبحت شبهَ محتكرة من قبل القوة الإيرانية، عبر وكيلها «حزب الله» والقوى الموالية للنظام السوري.
وهناك الولايات المتحدة التي رفعت من درجة نشاطها في لبنان منذ بداية فرض العقوبات على النظام الإيراني. فقد أدرك الأميركيون أن عليهم تضييق المعابر التي يتسلَّل منها نظام طهران، ولبنان أبرزها، وذلك للتهرُّب من العقوبات. ضاعفت واشنطن من التضييق على موارد «حزب الله» المالية، وتعقَّبته في أميركا اللاتينية وأفريقيا وأستراليا وكل ساحة كان ينشط فيها بالمتاجرة بالمخدرات، وتهريب السجائر، وحتى بيع الفياغرا المزيفة. الحقيقة أن النظام الإيراني تمادى في العشر سنوات الماضية في استخدام «حزب الله» اللبناني وجعلَه يقوم بمهامَّ تجاوزت حدود لبنان، وحوَّلته إلى كتيبة عسكرية تقاتل لصالحه في سوريا والعراق واليمن وغيرها. وجعل من لبنان مركزاً دعائياً وقانونياً وسياسياً ومالياً يخدم طهران. وحتى يفعل ذلك صار «حزب الله» يسيطر بشكل شبه كامل على مفاصل الدولة، بمطارها، وموانئها، ومعابرها الحدودية، وشبكاتها الهاتفية، وأمنها، ووزاراتها الخدمية. ولهذا وضع الأميركيون لبنانَ هدفاً لهم بالرصد والمعاقبة، وقد يزداد التضييق عليه. وما نراه من غضبة الشارع، جزئياً يعود نتيجة إصرار «حزب الله» على تحويل لبنان إلى خط مواجهة مع الغرب. العواقب سيئة وقد تكون أسوأ، وهنا على «حزب الله» أن يدرك أنه عندما يأخذ البلاد رهينةً لرغبات رئيسه المرشد الأعلى الإيراني فإنه يخاطر بمواجهة كل الشعب اللبناني بما في ذلك مواطنوه الشيعة الذين أصبحوا آخر ضحاياه، وكما شاهدنا فإن الأصوات التي انتفضت ضد «حزب الله» وانتقدته علانيةً في الشارع هي شيعية أيضاً، والمواجهات ضده وقعت في مناطق نفوذه في النبطية وبعلبك الهرمل وغيرهما.
لبنان بدون «حزب الله» المسلح، وبدون «حزب الله» التابع لإيران، مؤهل لأن يكون أكثرَ دول المنطقة ازدهاراً، أما لبنان، كما هو عليه اليوم، فقدره أن يصبحَ أكثر فقراً وسوءا. وصحيح أن «حزب الله» ليس اللاعبَ المحليَّ الوحيدَ وله شركاءُ وهم يتحمَّلون جزءاً من اللوم. الانتفاضة الحالية رفعت شعاراً يرفض كل القيادات التي تدير الحكم حالياً، تطالب بإصلاح النظام السياسي الفاشل، لأنه يمكِّن القوى السياسيةَ من تقاسم النفوذ والمصالح على حساب البلد وشعبه. قد لا يبدو مفهوماً لعامة اللبنانيين أنهم يدفعون ثمن تغوُّل «حزب الله» في المنطقة وتهديده مصالحَ الغرب، لكن هذه هي الحقيقة التي تسبَّبت جزئياً في تدهور الاقتصاد، ووضعت الحكومةَ بين مطرقة الغرب وسندان الحزب. وما لم يقلص «حزب الله» خدماته لإيران فإنه سيعاني، وسيجعل لبنانَ واللبنانيين يعانون معه أكثر من ذي قبل.

مقام اللحظة الكبرى
سمير عطا الله/الشرق الأوسط/25 تشرين الأول/2019
يخضع الجيش اللبناني لأوامر السلطة السياسية. وقد أرسلته السلطة إلى الشوارع لتفريق المتظاهرين فتعانق معهم. وبعض الجنود بكى وقد وجد نفسه في مواجهة أهله. وقالت سيدة محجبة متقدمة في السن لضابط شاب ضاحكة «يقبروني عيونك شو حلوين مثل عيون ابني». ورد عليها وهو يتراجع «إنتي مثل أمي». عرض استثنائي لا مثيل له: الشعب في الخارج والجيش يبتسم له ويبكي. والأحزاب ممنوعة من الظهور. والسياسيون يتساءلون مَن يمكن أن يبقى منهم ليكذب على الناس ويخدعهم ويعلك عليهم حياتهم. هذا ليس لبنان المستقل، بل لبنان الحر. لبنان لا يحركه أحد مثل الدمى. لبنان يرسل الأمهات صارخات: لا نريد أن يتركنا أبناؤنا إلى الهجرة من أجل أن يعوم أبناؤكم في مستنقعات الفساد. لم تحتَج السلطة إلى إحصاءات. الوطن برمّته يهتف ضدها برمّتها. لا يمكن تكذيب الشاشات ولا إنكار هذا المهرجان الذي لم يشهد لبنان مثيلاً له. كل يوم مضى على ارتباكها هو دهر في عمرها. لا حلول أخرى سوى التضحية برموز الفشل والفساد وعقم المشاعر. ولا فائدة من إرسال الجلاوزة لتعكير صفاء الانتفاضة وألم الناس. الفرق بين رجل الدولة ورجل السياسة، أن الأول يتخذ الخطوة الصحيحة، والثاني «يفشّخ». الناس أعلنت في صوت واحد نهاية «التفشيخ». الحكم في كثرة العمل لا في كثرة الرحلات. والحيوية الفارغة مثل الكسل الفارغ. قال مطران بيروت للأرثوذكس إلياس عودة عندما سُئل عن خطر الفراغ، إن «أي فراغ أفضل من الذي نحن فيه». قال أبراهام لنكولن، إن في إمكانك أن تخدع بعض الشعب لبعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الشعب كل الوقت.
على السلطة أن تتخذ خيارها: المحافظة على مكاسبها أم على لبنان. لا مكاسب لأحد إذا ضاع لبنان في حماقة المكابرة الجوفاء. يبث تلفزيون «التيار» الحاكم منذ أسبوع مشاهد الاعتصامات، فترى أن مجموع الناس لا يزيد على مائة. على أي قناة أخرى لا يقل عن مليون في ساعات المساء.
المكابرة والإنكار مضحكان في مثل هذه الحالات الدرامية. على السلطة السياسية أن تكون في مستوى الناس، خصوصاً وهم في أعلى لحظاتهم التاريخية والوطنية والقومية. ساعة الصدق العظيم لا يمكن أن يقابلها إلا ساعة وعي لمعانيها.

مهلاً.. التغيير شامل!
د.جنان شعبان/المدن/25 تشرين الأول/2019
17 أكتوبر، كان فجرًا للأمل والتفاؤل، ويوما تأسيسيًا لمستقبل لبناني واعد، يوم خرج فيه جيل شباب لبنان الواعد، من انتماءات القبيلة والطائفة والزعيم إلى رحاب ثقافة مدنية عصريّة، لا تعتبر السلطة غنيمة حرب، ولا الخدمة العامة أو الوظيفة هبة زعيم أو نافذ، تريد صيانة المال العام وأملاك الدولة وهيبتها، وعازمة على تغيير أصحاب القرار فيها والقابضين على زمامها. تريد تحرير الدولة من منتحلي صفة قيادتها وإدارة شؤونها، تهتف لإسقاط النظام لا لتدميره، بل لإعادة بنائه حديثًا رحبًا، يكفل كل شروط الدولة المدنية الحديثة. جيل استعاد الفضاء العام في كل ميادينه، فجدّد اللغة والخطاب والثقافة والقيم؛ وأعاد وصل مناطق ومدن لبنانية، فرقتها أحزاب الطوائف، وصبغتها بالكراهية خطابات أهل السلطة وفاسديها، ورسمت في الإعلام والسياسة جدرانًا من الحظر على رجال النظام ومثقفيهم وأبواقهم ودفعتهم إلى زاوية الصمت والحيرة، ونزعت من عيون حيتان المال ووجوههم كل علامات الإستعلاء ومظاهر وإشارات شخصياتهم السادية بالإصرار على استغلال الأزمات لمضاعفة الأرباح. إنّه فجر جديد تليه صباحات وأنوار، وإصرار على البناء والإستثمار فيها.
من أين نبدأ؟
من وعي الثوار المنتفضين بحراك مدني والتي بدأت تصفق له شعوب الأرض بتفاعلاته الحضارية؟ أو من وعي الثوار الذي أدى إلى إعادة توجيه البوصلة إلى سمو وفرادة لبنان كرسالة حضارية للعالم أجمعين؟ أو من وعيهم الذي فرض على الجميع ضرورة التحدّث بموضوعية ووفق قواعد المنطق والعلم انطلاقًا من القضيّة الوطنية الدستوريّة وصولا إلى إنجاز التغييرالحقيقي؟ التغيير الحقيقي الآت لا محال من خلال العقد الجماعي الذي فرضه الثوار بينهم وبين الآخربن المستفيدين من النظام الحالي ان صح التعبير. فلطالما تغنّى لبنان بوحدة شعبه وفرادته وتنوّع ديانات مواطنيه وتعدّد مذاهبهم، وتسميته بسويسرا الشرق، لما يتميز به من جمال الطبيعة وكرم وطيبة أبنائه، كلّهم بمختلف مشاربهم ومعتقداتهم إلى أن وقعت الواقعة وأريد لهذا البلد أن يكون ساحة قتال للخارج، فاستغلوا ما كلن ثراءً للبنان وجعلوه سمًا فتاكاً فتك بأهله سنوات عجاف.
لقد تمت قوننة الطائفية السياسية بصورة مؤقتة منذ النسخة الأولى من دستورنا اللبناني، بنص المادة 95 منه التي وردت على الشكل التالي: “بصورة مؤقتة، وعملًا بالمادة الأولى من صك الإنتداب، والتماسًا للعدل والوفاق، تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة من دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة”. ثمّ ما لبثت أن اكتسبت تلك الطائفية السياسية الجنسية اللبنانية، بعد التعديل الجزئي للدستور العام 1943، مرورًا بالتعديل الأخير له الذي تم وفاقًا لمندرجات وثيقة الطائف العام 1990. وإن كان التعديل الأخير قد تضمن في المادة 95 منه، إلغاء الطائفيّة السياسيّة على مراحل ووفق خطة تضعها هيئة وطنية تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. ولكن وللأسف الشديد، فقد تربع على عرش هذا البلد حكامٌ أتقنوا اللّعب على الوتر الطائفي من جديد وأبّدوا المؤقت لمصالحهم ومآربهم الشخصيّة، فجيشوا اللبنانيين وحزّبوهم ومزّقوهم حتى استتب لهم الأمر، فأكلوا من خيرات هذا البلد ونهبوا أمواله وأفقروا أهله وهجّروهم، وما يزالون.
لقد ورد اعتماد الطائفية في دستورنا الجديد ولكن بصورة مؤقتة، والسؤال البديهي اليوم، أما آن الأوان أن تنتهي صلاحية هذه الصورة المؤقتة والإستثنائيّة!؟
لقد أثبتت ثورة 17 تشرين الأول، حيث ثار جزء كبير من الشعب اللبناني في جميع أراضي الدولة اللبنانية كشعب واحد غير طائفي وغير مذهبي وغير مناطقي، ضد كلّ الفساد والفاسدين، وعبر رافضًا تقسيمه وتفريق شمله متمسكا بوحدته. فهل أتت هذه اللحظة المنتظرة، اللحظة الوطنية والفرصة التاريخية في لبنان التي يمكن أن تختصر كلّ التمهيدات المطلوبة من أجل إزالة العقبة الأساسية التي أخرت وتؤخر تطورنا وتزيل ما يحول دون وحدتنا الحقيقي؟ يبدو أن اللحظة أتت بعفوية حقيقية وفرضت ذاتها، منادية جميع المسؤولين الوطنيين الحقيقيين والمستفيدين من النظام الحالي إلى إلغاء الطائفيّة السياسية فورًا وليس تدريجيًا كونها قد ألغيت من نفوس الشعب الذي شارك في الحراك وصدحت بها حناجرهم وبعض الغير مشاركين، للبدء بديناميكية إلغائها من نصوص الدولة بغية تحقيق المواطنة الحقيقية وبغية أن تلغي المؤقت إلغاءًا نهائيًا.
لقد أثبت جزء كبير جداً من الشعب اللبناني أن الطائفيّة قد توارت من النفوس، وأعطى جميع المسؤولين اللبنانيين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم الإشارة المؤكدة لذلك، ناسفًا الحجج التي لطالما اعتمدها الكثيرون لعدم إلغاء الطائفيّة من النصوص -تدعمها حجج بعض رؤساء الطوائف الروحيين، لما لهم من حسابات مختلفة في هذا المجال- فقد أتى هذا الحراك لينسف هذه الحجج ولسان حاله يقول نريد أن نكون مواطنين ولاؤنا الوحيد لوطننا لبنان وليس لزعامات ورؤساء طوائف. أتى ليقول لجميعنا اليوم هذه فرصتنا قد تحقّقت ولطالما انتظرناها. فهل سيقر هذا المشروع التاريخي بتعديل النصوص وإلغاء التمثيل الطائفي السياسي؟ وهل آن الاوان لانتخاب مجلس نيابي على أساس قانون انتخابي نسبي غير طائفي، قانون يحترم حقوق اللبنانيين كلّ اللبنانيين بالتمثيل اللاطائفي في المجلس النيابي، مع حفظ حقوق الطوائف بمجلس الشيوخ كما نصّت المادة 22 من الدستور. ويحترم وجود كوتا لا تقل عن ٣٠ بالمئة من المقاعد للنساء بصورة مؤقتة وكتدبير تمييز إيجابي مؤقت لتفعيل المشاركة السياسية للمرأة. كل الإشارات تدل أن لبنان التقاطعات السياسية المحلية والإقليمية والدولية قد مات ليولد طائر الفينيق وينتفض من تحت الرماد مجددًا لإعادة لبنان إلى موقعه كرسالة حضارية عالمية.

الموجة الثورية الثانية تصيب لبنان
حسام عيتاني/الشرق الأوسط/25 تشرين الأول/2019
شهد لبنان في 2011 عدداً من المظاهرات التي رفعت شعار «إسقاط النظام الطائفي» وجرت بتأثير من الثورات العربية التي بدأت في تونس. لم تعمر المحاولة هذه طويلاً؛ إذ سرعان ما دبت الخلافات بين المنظمين والمتظاهرين حول معنى تحركهم والهدف السياسي من ورائه.
في 2015، اندلعت أزمة النفايات بعد إقفال المطمر الكبير الذي استُنفدت قدرته على الاستيعاب وبات بمثابة الكارثة البيئية للمناطق المجاورة له. تراكم النفايات في الشوارع وصراع الشركات المرتبطة بالقيادات السياسية على تقاسم «غنيمة» صفقة رفع النفايات، أطلق شرارة حراك واسع استمر شهراً ونيفاً، ثم خبا وهجه بعد اختراقه من القوى السياسية وإغراقه في جدالات عقيمة تتجاوز الأفق الذي حاول الوصول إليه في المقام الأول، وضحالة كفاءة المجموعات التي تصدت لقيادته.
فشل محاولتي تغيير النظام أو على الأقل تعديل سلوكه، في الشارع، خلّف إحباطاً عميقاً بين الناشطين في المجتمع المدني الذين اعتقد بعضهم لوهلة أنه قادر على تقديم بديل عن الطبقة السياسية الفاسدة. ترافق الإحباط هذا مع ارتفاع صاروخي في مستويات الفساد وصرف النفوذ والاعتداء على المال العام. وتحولت هذه الممارسات إلى ما يشبه الوباء بعد انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وتولي صهره، وزير الخارجية جبران باسيل، الإدارة اليومية للملفات الكبرى في الشؤون الداخلية والخارجية والاقتصادية، محجّماً كل مؤسسات الدولة وفارضاً عليها الاستجابة لتوجهاته التي بدت كقدر لا يُردّ استناداً إلى قرابته من رئيس الجمهورية من جهة وإلى حيازته رضا «حزب الله» الذي بات أكثر إصراراً بعد إعادة العقوبات الأميركية على إيران، على عدم ترك أي شيء للصدف أو خارج رقابته الدقيقة للحياة اللبنانية العامة.
لا شك في أن إخفاق الموجة الأولى من الثورات العربية، خصوصاً في سوريا، كرّس انطباعاً لدى الطبقة الحاكمة في لبنان، بل بين شرائح واسعة من المحللين والمعنيين في الشأن العام، أن لبنان بات في منأى عن أي تغيير تفرضه القواعد الاجتماعية والفئات المهمشة والمتضررة من تقاسم غنائم الدولة. وساد اعتقاد أن لبنان قد دخل العصر الإيراني من باب تحكم «حزب الله» بالمفاصل الرئيسة للدولة في الأمن والدفاع وإلحاقه بمنظومة التحايل على العقوبات الدولية المفروضة على نظام بشار الأسد؛ وهو ما حمّل الاقتصاد المبتلى أصلاً بالركود، أعباء لا قِبل له بها، ساهمت بين عوامل أخرى في جذب الاقتصاد اللبناني إلى هاوية لم يعرفها منذ نهاية الحرب الأهلية. الانفلات هذا من كل رقابة أو مساءلة واستباحة حقوق المواطنين، وإظهار الاحتقار لهم، والازدراء بمعاناتهم من خلال استعراض مظاهر الثراء الذي جمعه أصحابه من الرشى والتزوير، وبيع أملاك الدولة وتسخيرها لغاياتهم الخاصة، ولّد نقمة لدى أجيال من اللبنانيين لم تعرف سوى الوعود الفارغة والقضايا المصطنعة، والخطابة الجوفاء في ظل أزمات تسد إمكان تحقيق الطموحات الفردية للشباب كالحصول على عمل وتكوين أسرة، وخصوصاً الشعور بالانتماء إلى ما يتجاوز الهوية الطائفية الضيقة. في الوقت ذاته، كانت فكرة الفوات الكبير الذي يعيشه لبنان مقارنة مع دول مجاورة، عربية وغير عربية، تسيطر على آراء المواطنين المنخرطين في كل أنواع التواصل الاجتماعي والاطلاع الإعلامي وحركة الانتقال والسفر؛ ما جعل المقارنة بين تدهور حالهم وتقدم غيرهم حاضرة في كل الأحاديث.
ويصعب الجزم بما إذا كانت الموجة الثانية من الثورات العربية التي شملت الجزائر والسودان وأصاب بعض رذاذها العراق، قد سرّعت وتيرة المقارنات وفاقمت الإحساس بالهوان والذل على أيدي سياسيين لا يتورعون عن اللعب بالمشاعر الطائفية والسير على حافة الحرب الأهلية قبل أن يعقدوا اتفاقيات الشراكة بين بعضهم لتحسين حصصهم من نهب المال العام.
بيد أن اللبنانيين فاجأوا أنفسهم ليل 17 أكتوبر (تشرين الأول) بعد انتشار الخبر عن عزم الحكومة على فرض ضريبة على خدمة «واتساب» التي تشكل متنفساً للتواصل بين المواطنين وبديلاً عن رسوم الهاتف الخلوي الباهظة. شكّل التوجه لفرض الضريبة الجديدة تأكيداً على النهج الاعتباطي في الجباية التي تصيب الفئات الأفقر وعلى تمادي المجموعة الحاكمة في انفصالها عن واقع أكثرية اللبنانيين المصابة بالبطالة وضيق ذات اليد والمقتربة من الانهيار الاقتصادي الذي تتحمل مسؤوليته دولة فاشلة وطبقة سياسية فاسدة وشحيحة الأفكار والخيال والأخلاق.
وتقدم الحالات اللبنانية والجزائرية والسودانية والعراقية قرائن غنية بالدلالات على عمق التحولات التي تشهدها المجتمعات العربية والفئات الشابة منها الرافضة لأشكال الاستغلال والقمع والرياء التي دأبت عليها الحكومات منذ عقود مديدة بذرائع مواجهة العدو الصهيوني والظروف القاهرة والصراعات الداخلية، ناهيك عن شعارات تبين زيفها وخواؤها من كل معنى. لا يعني ذلك أن الطريق أمام اللبنانيين أصبحت فجأة معبدة بالورد، بل إن العكس هو الأقرب إلى الصواب. فالنظام وسدنته لن يوفروا أسلوباً أو طريقة للحيلولة دون تقديم تنازلات تحد من امتيازاتهم غير المشروعة إلا وسيستخدمونه لإرهاب المتظاهرين وإعادتهم إلى حظائر الطوائف المتناحرة. فالمعركة التي تنتظر المطالبين بالتغيير في لبنان قاسية، لكنها لا تخلو من فرص الربح.