فارس خشّان/دولة لبنان العميلة

104

دولة لبنان العميلة
فارس خشّان/الحرة/27 أيلول/2019

النص: “عندما تولى ترامب مهامه.. وجدنا دولة عميلة لإيران، تعرف أيضا باسم لبنان”.

القائل: وزير الخارجية الأميركية مايكل بومبيو.

المناسبة: خطاب ألقاه في نيويورك في ندوة بعنوان”العدوان الإيراني: العالم يستيقظ”، بتاريخ 25 أيلول/ سبتمبر 2019.

واقع لبنان
يواجه لبنان كارثة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، ويحاول، مستعينا بأصدقائه في العالم، أن يخفف من حدّتها، على أمل أن يتمكّن يوما من تجاوزها.

وعلى الرغم من محاولات المسؤولين اللبنانيين، في خطاباتهم المعلنة فصل البعد السياسي عن البعدين الاقتصادي والمالي، في سعيهم إلى احتواء الأزمة الخطرة للغاية، الا أن المجتمع الدولي، يعمل دائما بعكس ما يريدون، من خلال التشديد المكرر المعاد، على الواقع السيادي اللبناني المأزوم.

وفي سياق هذا التشديد، يأتي أخطر توصيف للبنان، على لسان وزير الخارجية الأميركي، إذ لم يسبق ان حُكم على لبنان بأنه “دولة عميلة” لدولة أخرى، ذلك أنه، حتى في خضم الصراع بين النظام السوري من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى، من أجل استعادة السيادة، فإن أعلى سقف وصل إليه توصيف لبنان كان في اعتباره “دولة ملحقة”.

والفارق هائل بين “دولة ملحقة” و”دولة عميلة”، على اعتبار أن “الدولة الملحقة” هي دولة مغلوب على أمرها، ومستضعفة، وتخضع لوطأة الوصاية وتمارس عليها سلوكيات الاحتلال، في حين أن “الدولة العميلة” هي دولة تتصرف إراديا ويمكنها، إن توافرت القناعة والرغبة والوطنية لديها، أن تضع حدّا لهذا السلوك المدان.

ويأتي هذا التوصيف الخطر للبنان، في وقت كان لافتا عدم حصول أي لقاء لبناني-أميركي في نيويورك، على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة، على الرغم من أن لبنان تمثل بوفد ضخم ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون، ومحاولات، عضو الوفد الأبرز، وزير الخارجية جبران باسيل “تدوير الزوايا” في التعاطي الإعلامي مع المسائل السيادية الشائكة التي اعترضت لبنان، في الآونة الأخيرة.

والخطر في ذلك، أنّ عدم التواصل هذا لا يعود إلى انعدام الاكتراث الأميركي بلبنان، بل لأنه حصل، في ظل انتقال لبنان إلى قائمة الأولويات الأميركية، الأمر الذي يمكنه أن يجسّد جدية توصيف رئيس الدبلوماسية الأميركية للبنان بعبارة “الدولة العميلة” من جهة أولى، وانعدام أمل واشنطن بالرئيس اللبناني وفريقه في تغيير الاصطفاف الكامل إلى جانب “حزب الله”، من جهة ثانية.

أمام هذا المعطى الأميركي الجديد، حيث تخلّت الخارجية الأميركية عن العبارات الدبلوماسية، ما هو أفق المساعي اللبنانية لإخراج لبنان من مأزقه الكبير؟

إذا استند استشراف المستقبل إلى المنطق، فان واشنطن وحلفاءها يستحيل أن يساهموا بعملية جدية لإنقاذ “دولة عميلة”، فمن يحكم عليك بالعمالة يعمل على معاقبتك ومحاصرتك وإسقاطك، وليس على إمدادك بعوامل القوة لتمعن في “عمالتك”.

ولكن، تظهر الوقائع، أن الإدارة الأميركية، حتى عشية إطلاق بومبيو لموقفه التصعيدي هذا تتعاطى مع لبنانين اثنين، لبنان الأول “عميل” والثاني “مغلوب على أمره”، وتطمح في مساعدة “المغلوب على أمرهم”، أقلّه، من أجل أن يصمدوا في وجه “العملاء”.

وفي لبنان “المغلوب على أمره” تندرج الأحزاب والتيارات السياسية التي شكلت فيما مضى “قوى ١٤ آذار” التي كانت مناهضة للنظام السوري و”حزب الله” بأجندته الإيرانية.

ومن خلال هذه القوى اللبنانية التي يتقدمها رئيس الحكومة سعد الحريري، تحاول واشنطن وحلفاؤها سحب لبنان من “العمالة” إلى حيث يمكن لهذه القوى ان تأخذه، أي إلى “النأي بالنفس”.

وقدمت واشنطن وباريس والرياض وحلفاؤها وعودا إنقاذية للبنان، على قاعدة النأي بالنفس.

وهذا يعني تزويد “الفريق المغلوب على أمره” بقدرات لإطلاق آلية سياسية لبنانية من أجل إقناع المترددين بالسير قدما نحو إعادة التموضع الواجبة.

ولكن “حزب الله” الذي يعمل لإبقاء لبنان ضمن “المحور الإيراني” سارع إلى إبراز أنيابه، فوجه “تهمة وقائية” إلى كل من يمكن أن يفكر بإعادة التموضع، بالعمالة، على قاعدة “إما أن تكون معنا وإما أن تكون عميلا”.

وإذا كانت التهمة الأميركية بالعمالة تخيف اللبنانيين، ماليا واقتصاديا، فإن التهمة التي يوجهها “حزب الله” تخيف اللبنانيين وجوديا، في ظل قناعة رسختها” المحكمة الخاصة بلبنان” أن الجميع يقف عاجزا أمام الحزب، حتى لو اتهم رسميا باغتيال ومحاولة اغتيال كبار الشخصيات السياسية اللبنانية.

ونتيجة لذلك، فإنّ من صنع “عمالة” لبنان، سيثابر على صناعته، ومن استسلم له، كمغلوب على أمره، سيثابر على ارتداء ثوب الضحية.

وهذا يعني أن رحلة إنقاذ لبنان ماليا واقتصاديا لن تكون سهلة، بل محفوفة بألف خطر وخطر.