عبد العزيز التويجري/الشيطان الأكبر الحليف الأكبر

463

الشيطان الأكبر الحليف الأكبر
عبد العزيز التويجري

الحياة/14 تشرين الثاني/14

الرسائل السرية بين الرئيس الأميركي أوباما والمرشد الإيراني خامنئي، والمحادثات العلنية والسرية بين أميركا وإيران حول برنامجها النووي، وأمور أخرى تهم استراتيجية أميركا في المنطقة، كل ذلك دليل أكيد على أن الشيطان الأكبر قد تحول إلى الحليف الأكبر، وأن الشعارات الرنانة مثل «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل» التي صدعت رؤوسنا ردحاً من الزمن، ليست سوى خداع مضلل للعقول. فها هو الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، يصول ويجول في العراق تحت أنظار القوات الأميركية وبمباركتها، إن لم نقل بدعمها. والحوثيون يتوسع نفوذهم ويمتد أخطبوطهم في محافظات اليمن، وهم يرددون تلك الشعارات المضللة تحت حماية طائرات «درون» الأميركية التي تقصف مقاتلي القبائل اليمنية وأنصار الشريعة المعارضين للتمدد الحوثي الإيراني في بلادهم، وطائرات نظام الأسد تواصل قتل الشعب السوري بالبراميل المتفجرة والصواريخ المدمرة، بينما طائرات التحالف الذي تقوده أميركا، منشغلة بقصف مقاتلي «داعش»، وبقتل مئات الأبرياء وتهجير الآلاف خلال ذلك القصف المدمر ممن لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري في مناطقهم، تاركةً التنظيمات الإرهابية الأخرى، مثل عصائب الحق ولواء أبي الفضل العباس وميليشيات «حزب الله» اللبناني – الإيراني، ترتكب أبشع الجرائم الطائفية.

أي حرب على الإرهاب هذه؟ ومن يصدق أن أميركا تحارب الإرهاب وهي تشارك في صنعه بصورة أو أخرى؟ لأن الذي يستهدف طرفاً من الإرهابيين ويغض الطرف عن أطراف أخرى منهم، هو بلا أدنى شك، شريك في صنع الإرهاب. فالإرهاب واحد مهما تنوعت أشكاله وفئاته، ومواجهة فئة منه من دون أخرى، يزيد من تعاطف كثيرين مع الفئة المستهدفة كما هو حاصل الآن في العراق وسورية، حيث يتزايد عدد المنضمّين إلى «داعش» من دول كثيرة عربية وإسلامية وغربية، وتعلن فئات وتنظيمات في دول عربية وإسلامية أخرى، انضمامها إلى «داعش» وإعلان مبايعتها لخليفة هذه الدولة المسخ.

أما إيران فقد نجحت في مراوغتها وسياستها المخادعة، ووصلت إلى مرحلة متقدمة في برنامجها النووي تجعلها في موقف قوي أمام محاوريها الغربيين، بحيث تفرض إرادتها في لعب دور محوري في المنطقة بعد أن نجحت في الهيمنة على صنع القرار في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن. ولذلك نرى أميركا تذعن للأمر الواقع، وتتعامل معه ببراغماتية وانتهازية كبيرتين. والخاسر في هذه اللعبة الاستراتيجية هي الدول العربية والإسلامية التي كانت ترى في أميركا صديقاً وحليفاً موثوقاً.

لقد تكرر اليوم غدر أميركا بحلفائها الحاليين كما فعلت مع شاه إيران وماركوس الفيليبين وغيرهما من الحكام الذين وضعوا بيضهم في سلة العم سام فباعه وباعهم بثمن بخس. وها هي الآن تضع يدها في يد من كان يسميها الشيطان الأكبر، في تحالف مشبوه موجّه أساساً ضد العرب والمسلمين السنّة بوجه خاص، في إطار مخطط استعماري جديد لتقسيم المنطقة، وإضعاف دولها، وإغراق شعوبها في حروب طائفية وصراعات مدمرة.

لقد أثبت الرئيس الأميركي أوباما بسياساته الملتبسة وبمواقفه المترددة والغامضة، أنه يعمل وفق استراتيجية ماكرة تجاه المنطقة برمتها، بما في ذلك الموقف من غطرسة إسرائيل وعدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني، وعدم الحسم في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. فهل بقي من يثق بأميركا ووعودها وعهودها؟ وهل بقي من يصدق إيران وعملاءها في لبنان وسورية والعراق واليمن وشعاراتهم الداعية على أميركا وإسرائيل بالموت، والناعقة بالممانعة والصمود والمقاومة؟ إن بقي أحد يصدق هذه الخرافات فعلى العقول السلام.

ثمّ كيف جاء «داعش»، ومن يورد له السلاح، ويمده بالمال، ويحشد له الأنصار من الشرق والغرب ويرسلهم إلى العراق وســــورية عبر الأراضي التركية؟. لقد ظهر إدوارد ســـنودن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية، في الصورة ليقول إن «داعش» إنتاج مشترك بين الاستخبارات الأميركية واستخـــــبارات دولة أوروبية والاستخبارات الإسرائيلية الموساد، وإن الأجهزة الثلاثة تعاونت معاً في إنشاء منظمة إرهابية جديدة تستقطب المتطرفين من أنحاء العالم في مكان واحد في الشرق الأوسط، تطبيقاً لاستراتيجية أطلقوا عليها «عش الدبابير».

وحتى إذا شككنا في هذه المعلومة التي جاءت في وثائق منسوبة لسنودن، فإن الوقائع على الأرض تثبت بما لا يرقى إليه الشك، أن ثمة تعاوناً مكثفاً بين أطراف أجنبية وبين تنظيم «داعش» الذي أدهش العالم وحيّر الإنسانية في ظل هيمنة أميركا على الإقليم وانتشار أجهزتها الاستخبارية على نطاق واسع ومعرفتها لما يجري في المنطقة بكل تفاصيله. كما تؤكد الأحداث الجارية أن «داعش» لم يتأثر حتى الآن بالضربات الجوية التي تشنها عليه طائرات التحالف، ولم يغير من استراتيجيته، ولم يفقد قدرته على البقاء والتوسع في العراق وسورية. أليس هذا الوضع يقوم دليلاً آخر على أن تنظيم «داعش» صناعة أجنبية مشبوهة؟ ولماذا لم يتحرك «داعش» في اتجاه إسرائيل التي تعيث فساداً في المسجد الأقصى وتدنسه، وتمعن في قتل المواطنين الفلسطينيين وإذلالهم، وتتمادى في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ ثم لماذا لا يهاجم تنظيم «داعش» المصالح الإيرانية، ولا تصل قواته إلى الحدود العراقية – الإيرانية، ولا تقاتل الكتائب الشيعية التابعة لإيران؟

إن هذا الوضع المحيّر والتحوّل المريب في العلاقات الأميركية – الإيرانية، يؤكدان للمراقب أن الخطر المحدق بنا حقيقة ثابتة، وأن إيران التي جعلت من «الشيطان الأكبر» حليفها الأكبر، ضالعة في التآمر مع أميركا وإسرائيل على العرب ومصالحهم ومستقبل أجيالهم.