بول سالم/سياسة أوباما الخارجية بعد انتخابات الكونغرس

324

سياسة أوباما الخارجية بعد انتخابات الكونغرس

بول سالم/الحياة/14 تشرين الثاني/14

تعرض الرئيس الأميركي باراك أوباما وحزبه الديموقراطي لهزيمة انتخابية كبيرة في انتخابات التجديد النصفي لاعضاء الكونغرس الأسبوع الماضي. فقد استعاد الحزب الجمهوري السيطرة على مجلس الشيوخ للمرة الأولى منذ عام 2007، وزادت غالبيته في مجلس النواب، كما فاز بمجموعة واسعة من المقاعد في الانتخابات المحلية وعلى مستوى الولايات. وعلى رغم أن معظم التصويت دار حول القضايا الداخلية فقد لعبت السياسة الخارجية دوراً مهماً.

وحقق المرشحون الجمهوريون تقدماً من خلال الاصرار على أن أوباما أضعف الولايات المتحدة في العلاقات الدولية. ويشيرون إلى تراجعه عن الخط الأحمر الذي رسمه للأسد بشأن الأسلحة الكيماوية في سورية في عام 2013، واستغراقه وقتاً طويلاً ليدرك تهديد تنظيم «داعش»، ونهجه المتسامح تجاه إيران، وضعفه في مواجهة التدخل الروسي في أوكرانيا.

على رغم أن دستور الولايات المتحدة يجعل صنع القرار الخاص بالسياسة الخارجية يتركز إلى حد كبير في يد الرئيس، إلا أن أوباما لا يزال يحتاج الى الكونغرس ليأذن للعمليات العسكرية الكبرى ويمولها، ويقرّ العقوبات الدولية الاساسية او يرفعها، ويصادق على المعاهدات الدولية.

إن سيطرة الجمهوريين على مجلسي الشيوخ والنواب ستدفع أوباما إلى أن يكون أكثر تشدداً في شأن عدد من القضايا. من المتوقع أن يدفع قادة الجمهوريين مثل ميتش ماكونيل وجون ماكين وغيرهم باتجاه القضايا التالية:

– وقف التخفيضات التلقائية لموازنة الجيش التي تم تشريعها في السنوات السابقة، وإعادة التركيز على بناء القدرات العسكرية للولايات المتحدة.

– فرض المزيد من العقوبات على روسيا، وزيادة المساعدات إلى أوكرانيا، وإرسال وحدات تدريب عسكرية أميركية لتتمركز في كييف وبولندا وجمهوريات البلطيق.

– وضع الصيغة النهائية لاتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ مع الحلفاء الآسيويين للمساعدة في احتواء الصين.

– إلغاء الموعد النهائي لانسحاب القوات الاميركية من افغانستان عام 2016 ووضع خطة لوجود عسكري أميركي محدود ولكن طويل الامد في كابول.

– زيادة كثافة الضربات الجوية ضد تنظيم الدولة الاسلامية – «داعش».

– زيادة عديد القوات الاميركية في العراق (وربما سورية لاحقاً) من 1500 في الوقت الحالي إلى حوالي 15.000 للدعم والتدريب في مجال مكافحة «داعش».

– تكثيف الدعم للمتمردين السوريين غير المتطرفين.

– ضرب أهداف تابعة لنظام الأسد ضمن العمليات الجوية في سورية، وبخاصة التي تمنع النظام من استخدام القوة الجوية والبراميل المتفجرة ضد المدنيين وقوات المعارضة المعتدلة.

– الإصرار على التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني كأساس لـ صفقة (5+1)، وإلا زيادة العقوبات على إيران.

– وضع حد للتقارب مع إيران الذي لم يثمر شيئاً برأي الجمهوريين وساهم في نفور حلفاء واشنطن التقليديين في الشرق الأوسط.

وبطبيعة الحال، فإن أوباما لا تزال لديه السلطة في السياسة الخارجية ولكن عليه أن يأخذ آراء الكونغرس في الاعتبار إذا كان يأمل في استعادة زخم رئاسته وحزبه. من الناحية العملية تتطلب حربه ضد «داعش» تفويضاً جديداً من الكونغرس، حيث أن التفويض القديم الذي منح لجورج دبليو بوش بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) لم يعد سارياً. وسيحتاج أيضاً إلى موافقة الكونغرس على رفع العقوبات عن ايران إذا كان هناك اتفاق نووي معها، وهو أمر لا يرغب الكونغرس الجديد في القيام به.

جاء أوباما إلى السلطة مندداً بسياسات سلفه الحربية وادعى أنه من خلال الدبلوماسية المباشرة مع القادة والشعوب، يمكنه نزع فتيل الصراعات مع الأعداء وبناء شبكة جديدة من العلاقات القائمة على الشراكة والمصالح المشتركة. وعد أن يفعل هذا مع روسيا والصين وإيران والعالم الإسلامي، وفي الصراع العربي – الإسرائيلي. أصر على رؤية واقع العلاقات الدولية كمجموعة من حالات سوء الفهم، بدلاً من ساحة للتنافس الفعلي بين مصالح ومراكز قوى متضاربة. لقد فشل هذا النهج في كل هذه المحاور، الا ان محادثاته مع ايران هي المبادرة الأخيرة الباقية من رؤيته الأساسية.

جاء الخبر عن رسالة رابعة أرسلها أوباما على ما يبدو الى الزعيم الايراني خامنئي بعد الانتخابات، ولكن تم اغتنام ذلك من قبل الجمهوريين واعتبروها دليلاً على ضعف أوباما وسوء فهم للسياسة الدولية. يبدو أن الرسالة حثت خامنئي على تشجيع الاتفاق حول صفقة نووية بحلول الموعد النهائي في 24 هذا الشهر، ولوحت بآفاق التعاون الأميركي – الإيراني في الحرب ضد «داعش» وحول استقرار الوضع في العراق وسورية. لكن الغالب أن الرسالة فُسرت في طهران على أنها علامة ضعف اميركي، وبالتالي فمن المرجح أن تشجع إيران على أن تكون أكثر تشدداً في مفاوضاتها. لكن الرسالة تسيء أيضاً فهم الاوضاع الاقليمية، إذ إن سياسات ايران وحلفائها في بغداد ودمشق و «ضاحية» بيروت الجنوبية هي التي نفّرت وتعاملت بوحشية مع أهل السنّة في بلاد الشام، وخلقت الظروف الملائمة لبروز تنظيم «الدولة». فالحرب ضد هذا التنظيم تتطلب ادماجاً سياسياً للسنّة في صناعة القرار في العراق وسورية، وتعاوناً وثيقاً مع حلفاء أميركا في المنطقة، وليس التعاون مع إيران التي كانت هي الداء.

وعلى أية حال، فإن نتائج الانتخابات النصفية تزيد من حظوظ فشل المفاوضات مع إيران. اذ ترى إيران أن الإدارة الأميركية في موقف ضعيف والارجح أنها ستتمسك بمواقفها أو حتى تصعدها. في حين أن أوباما في وضع أصعب لقبوله اتفاقاً «وسطياً» لأنه ما لم ينتزع تنازلات مهمة من إيران، فإن الكونغرس لن يرفع العقوبات عنها. اما إذا فشلت المحادثات، فإن البيت الأبيض سيكون في موقف أكثر صعوبة لاقتراح تمديد الاتفاق الموقت وإجراء مزيد من المحادثات. فبمجرد الفشل، سيدعو الكونغرس إلى وضع حد لهذه المحادثات، وانهاء التقارب، وتصعيد العقوبات. وسيمضي أيضاً بالضغط لاتخاذ مزيد من الإجراءات ضد حلفاء إيران في المنطقة، وبخاصة نظام الأسد.

واذا خسر اوباما رهانه على المحادثات مع إيران، فإنه قد لا يجد بداً من التحول إلى موقف أكثر تشدداً. فقد كان الرئيس جيمي كارتر هو الآخر من دعاة المسالمة في العلاقات الدولية الا انه اتجه الى التشدد في السنة الأخيرة من ولايته في عام 1980 بعد احتجاز الرهائن الأميركيين في طهران والغزو السوفياتي لأفغانستان. وأوباما ايضاً اختبر فوائد التحول إلى التشدد في صيف هذا العام عندما عكس سياسته الأصلية بالانسحاب الكامل من العراق وأمر سلاح الجو الأميركي بالعودة إلى المنطقة لتنفيذ ضربات جوية ضد «داعش» في العراق وسورية.

على رغم أن كل الانظار لا تزال متجهة نحو المفاوضات النووية، الا انه اذا فشلت هذه المساعي في نهاية هذا الشهر، فإن البيت الأبيض سيقع تحت ضغوط مكثفة لإجراء مراجعة شاملة لسياسته في الشرق الاوسط. وفي حين أن أوباما قد يرغب في مواصلة نهجه «الدبلوماسي»، فإن نتائج الانتخابات النصفية تدفع به إلى مزيد من التحرك تجاه التشدد. ومن المرجح أن يشمل ذلك الدفع بالمزيد من القوات الأميركية على الأرض في العراق (وربما في مرحلة لاحقة، سورية)، وتكثيف الحرب على تنظيم «الدولة»، واحتمال وضع بعض مواقع النظام السوري على قائمة الاستهداف من قبل الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها.