محمد سلام/هل تتحقق العدالة الدولية في لبنان؟

347

هل تتحقق العدالة الدولية في لبنان؟

محمد سلام/صفحة كلام سلام

أوقفت سلطات الهجرة الأميركية في منطقة ديربورن-ديترويت بائع المثلجات (البوظة) اللبناني محمود بزي بتهمة تزوير مضمون طلب حصوله على الجنسية الأميركية، إذ تبين نتيجة التحقيقات أنه مطلوب من قبل إرلندا بتهمة خطف ثلاثة من جنودها العاملين ضمن قوة اليونيفل في جنوب لبنان قبل 34 عاماً وقتل إثنين منهم. فهل سيرحّل إلى لبنان، لأنه يحمل الجنسية اللبنانية، ولأن لبنان هو موقع الجريمة المتهم بها؟  وهل محاكمة بزي متاحة في لبنان؟  السؤال ما زال مبكراً لأن قرار الترحيل لم يصدر بعد عن دائرة الهجرة الأميركية، ولكن الترحيل حتمي، فلا أميركا تقبل أن تنمح جنسيتها لمتهم بالقتل، ولا تستطيع إرلندا التراجع عن المطالبة بمحاكمة متهم بقتل جنودها، ولا تستطيع الأمم المتحدة التغاضي عن محاكمة متهم بقتل جنود يخدمون تحت علمها في قوة حفظ سلام.

 فهل ستتجه القضية إلى “الحضن اللبناني” وماذا سيكون مصيرها؟  الإجابة عن السؤال تبدأ ملامحها بالظهور من لحظة وصول محمود بزي إلى مطار رفيق الحريري الدولي، إذا رُحّلَ … إلى لبنان.

ولكن قبل لحظة العدالة المنتظرة منذ 34 عاماً، لا بد من السؤال: من هو محمود بزّي وماذا فعل؟ لا أثر في ملفات القضاء اللبناني لما إتهم به محمود بزّي. الدولة اللبنانية وسلطاتها كلها لم تكن موجوة في الشريط الحدودي الجنوبي يومها. لا يوجد تقرير من مخفر درك أو من شرطة قضائية أو أدلة جنائية أو طبيب شرعي أو أي شيء من هذا القبيل. بحثت في الدفاتر العتيقة لمراسل صحافي فوجدت:

التاريخ: 18 نيسان العام 1980.

 الموقع: مقر قيادة الكتيبة الإرلندية-يونيفل، بلدة تبنين-جنوب لبنان.

الحدث تسلسلا:

-غادرت ثلاث آليات عسكرية مقر القيادة بقيادة ثلاثة جنود إرلنديين. القافلة أقلت ضابطاً أميركياً من لجنة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة، والزميلين الصحافيين المراسل الأميركي  ستيف هندي والمصور … وكلاهما من مكتب وكالة أسوشيد برس الأميركية للأنباء في بيروت، وكانا في مهمة صحافية في الشريط الحدودي.

– بعد قرابة الساعة وصلت سيارة مدنية إلى مقر القيادة تقل الصحافي ستيف هندي، وضابط الهدنة الأميركي وجندياً إرلندياً مصاباً بطلقات نارية في بطنه وساقه، وهو ينزف.

-الجندي الإرلندي المصاب إسمه جون أوماهوني. تم نقله بمروحية إلى المستشفى الميداني التابع لليونيفل  في الناقورة.

– ما زال مصير المصور … والجنديين الإرلنديين مجهولاً.

– أبلغ هندي أن شخصاً لبنانيا مسلحاً يقود مجموعة من المسلحين اللبنانيين التابعين لميليشيا جيش لبنان الجنوبي التابعة لإسرائيل بقيادة الرائد سعد حداد هاجم القافلة وخطف الجنود وأطلق النار على الجندي أوماهوني وهو يصيح “أنا محمود بزّي، قتلتم أخي في إشتباك، سأقتلكم.”

– بعد قرابة الساعة عاد المصور … إلى مقر قيادة الكتيبة الإرلندية في تبنين … وهو يقود شاحنة اليونيفل وأفاد أن محمود بزّي تركه بعدما أخذ كاميراته وإحتجز الجنديين الإرلنديين في مدرسة مهجورة، جزء منها مدمّر نتيجة قصف سابق. فقاد الشاحنة وعاد.

– تم تحديد إسم المدرسة على أنها مدرسة بلدة بيت ياحون، قرب تبنين.

-تم الإتصال بالسيد تيمور غوكسيل، الناطق بإسم اليونيفل، لمحاولة إستعادة كاميرات المصور … أو تنظيم محضر من اليونيفل يفيد بسرقتها لإخلاء ذمة الزميل لدى الوكالة.

-بعد ساعتين أفادنا غوكسيل أنه تم العثور على جثني الجنديين الإرلنديين ديريك سمالهورن وتوماس باريت.

إنتهت مدونات الدفتر العتيق.

*نتحفظ عن ذكر إسم المصور لأنه ما زال يقيم في لبنان، حرصاً على حياته.

معطيات إضافية:

-هاجر محمود بزي وعائلته إلى الولايات المتحدة أواخر العام 1993، وأقام في منطقة ديربورن-ديترويت، وعمل سائقاً لشاحنة تبيع المثلجات. وتقدم بطلب للحصول على الجنسية الأميركية.

 -لم يُعرف ما إذا كان محمود بزّي قد سافر إلى أميركا عبر إسرائيل، كما غالبية عناصر ميليشيا سعد حداد وبعده أنطوان لحد، أم عبر بيروت … وأين حصل على تأشيرة الهجرة إلى أميركا، من سفارة واشنطن في إسرائيل أم من سفارة واشنطن في لبنان …؟

 -أثناء التحقيق في مضمون طلب الحصول على الجنسية تبين لدائرة الهجرة الأميركية أن محمود متهم من قبل إرلندا بقتل جندييها وإطلاق النار على الثالث وإصابته بعد خطفهم.

 -شفي الجندي الإرلندي أوماهوني من جراحه وشهد لدى السلطات الأميركية بأن محمود بزي هو من خطف الجنود الثلاثة وأطلق عليه النار.

 -شهد المراسل ستيف هندي، وهو أميركي من أصل لبناني، بأن محمود بزي هو الذي خطف وأطلق النار على أوماهوني.

خلاصة إستنتاجية:

– هل ستسلّم أميركا محمود بزي للإنتربول الذي يرئسة وزير الدفاع اللبناني الأسبق الياس المر لإعادته إلى لبنان وتسليمه لمديرية الأمن العام في مطار رفيق الحريري الدولي الذي يفترض أن يسلمه للمديرية العامة للأمن العام لتوقيفه وإحالته إلى القضاء؟

 – ولكن، هل توجد دعوى قضاية مرفوعة ضد محمود بزي في لبنان كي يوقفه الأمن العام على أساسها، ويحيله إلى القضاء؟

 – هل ستسارع إرلندا إلى الإدعاء على محمود بزي أمام القضاء اللبناني؟

 -هل سيقبل القضاء اللبناني الدعوى الإرلندية، إذا رفعت، أم أنه سيعتبر أن القضية سقطت “بمرور الزمن”؟

 -السؤال الأساسي هو: هل سيرحّل محمود بزّي إلى لبنان أم إلى بلد آخر، ومحكمة أخرى، تسمح لها ظروفها النظر في جريمة موصوفة ضد قوات حفظ السلام؟؟؟؟

خلاصة نهائية:

-المهم أن تتحقق العدالة ويتم إنزال العقاب بأي مجرم.

-ليس المهم أين تتحقق العدالة. المهم أن تتحقق.

-طبعاً من المهم لنا كلبنانيين أن تتحقق العدالة على أرضنا…

-هذا حق أم حلم؟

-طالما أن لبنان غير قادر على محاكمة من اتهم بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فهل من يعتقد بأن لبنان مهتم أصلاً بمقاضاة متهم بقتل جنديين إرلنديين؟

(صفحة كلام سلام)