يوسف بزي/الجنوب والإعلام اللبناني الممانع…اعلام البطولات الجوفاء، إعلام الانتفاخ بالأوهام، الذي لا يعير أدنى اعتبار لمشاعر المدنيين اللبنانيين الطبيعية والإنسانية، ولخوفهم من خسارة حياتهم وبيوتهم وأرزاقهم وخراب مستقبلهم

66

الجنوب والإعلام اللبناني (الممانع)
يوسف بزي/المدن/الثلاثاء 02 أيلول/2019

ضعوا “المنار” جانباً، بوصفها جهازاً دعائياً ضمن منظومة “حزب الله” العسكرية والأمنية والسياسية. لا عتب على “المنار” بتجاوز “الموضوعية” والالتزام بالدعاية الحربية على معناها التعبوي المتعصب والأعمى، والغارق بتمجيد القتل والقتال، وإسرافه المثير للغثيان في صور المعارك الحقيقية منها والتمثيلية.

لكن ما يهمنا هو هذه السذاجة التي باتت وباء متفشياً في وسائل الإعلام اللبناني، وهذه الضحالة في لغة التلفزيونات، وبلاهة مراسليها ومذيعيها وضيوفها ومحرريها..

الذين أطلّوا بعد ظهر يوم الأحد، أول أيلول، وما زالوا حتى الساعة، ولا يفعلون سوى إهانة ذكائنا والاستخفاف بمشاعر أهل الجنوب وسكان الضاحية خصوصاً، واللبنانيين عموماً.

استغباء المشاهدين والقراء والمستمعين بهذا الهذر المجاني، والانزلاق إلى الخبل السياسي الذي ينكر الواقع ويكابر على الحقائق ويكذب في أحوالنا، هو ما يدأب هذا الإعلام عليه.

ولا يريد أن يرى الحقيقة العارية الواضحة أمامه.

إعلام يلحق العار به ويصيبنا الخجل منه، إذ يستأنس بالتكاذب والادعاءات، استرضاءً لإملاءات “بروباغندا” من الصنف الذي اعتدناه منذ الستينات مع ذاك الإعلام النضالوي العروبي الفلسطيني واليساري: “وأوقعنا عدة إصابات في صفوف العدو وعادت المجموعة إلى قواعدها سالمة آمنة”. ويكون الحال بائساً وعملاً فاشلاً ويستجلب من ذاك العدو خراباً وموتاً وتهجيراً.

الإعلام اللبناني كان مهجوساً باللغو عن “هلع” و”رعب” و”خوف” سكان المستوطنات الإسرائيلية، وعن انعدام مظاهر الحياة والحركة في المناطق المتاخمة للحدود.

إعلام منتشٍ بترداد ببغائي معمم ومكرر عبر كل وسائله لخطاب أجوف عن “القلق” الذي أصاب الإسرائيليين، ويتعامى عمداً عن حال اللبنانيين جميعهم منذ مساء الأحد 25 آب وحتى آخر ليل الأحد الأول من أيلول.

أسبوع كامل من الكوابيس التي عاشوها في كل ساعة وهم يرون أشباح الحروب الماضية وبالأخص حرب 2006.

يخرس هذا الإعلام ويغمض عينيه عن وجل اللبنانيين، هازئاً من “الطبيعة البشرية” وغريزتها الأولى، فيعيّر المدنيين الإسرائيليين بتحضير أنفسهم للنزول إلى الملاجئ أو امتناعهم عن التجول قرب الحدود.

وكأن هذا نصر عظيم ودليل هزيمة نزلت بالعدو!

وبالمقابل، يتجاهل ما وقع في نفوس مئات ألوف الجنوبيين الذين لا ملاجئ لهم والذين تدافعوا إلى الطرقات المتجهة شمالاً، وقضى كثيرون منهم أكثر من خمس ساعات للوصول إلى بيروت، تخوفاً من اشتعال الحرب. من لا يعرف الخوف ولا يعترف ببداهته إما معتوه وإما مخيف.

إعلام البطولات الجوفاء، إعلام الانتفاخ بالأوهام، الذي لا يعير أدنى اعتبار لمشاعر المدنيين اللبنانيين الطبيعية والإنسانية، ولخوفهم من خسارة حياتهم وبيوتهم وأرزاقهم وخراب مستقبلهم..

ولا يعير لمصير البلد المتهالك أصلاً، بيئة واقتصاداً وسياسة وإدارة، أي انتباه أو اهتمام، فيروح يهلل ويعظّم لصواريخ حزب الله ويتناقل شائعات وأخباراً وصوراً غير صحيحة، ويوغل بتضخيم توافه الأمور، ويصمت تماماً عن ما هو حقيقي محرج وواقعي مؤلم.

لا يسائل معظم الإعلام اللبناني حزبَ الله عن ما يقترفه في سوريا وما يشترك فيه مع الحرس الثوري من أعمال في الدول الأخرى، بما لا علاقة للبنان به بل بما هو شر على لبنان وعلى شعوب عربية، من نوع ذبح السوريين كرمى عيون المجرم بشار الأسد.

لا يسائل هذا الإعلام تلك المليشيات المتطوعة في صراع إيران مع أميركا وإسرائيل ونصف الدول العربية، وما تجلبه من كوارث على لبنان ومستقبله، ويكتفي بالوقوف على “مارون الراس” يلغو ويثرثر من غير معنى، عن “الردع” و”توازن الرعب”.
ولا لحظة استطاع هذا الإعلام الارتقاء عن مستوى الدجال أفيخاي أدرعي. كأنه استطاع إصابتها بعدواه: احتقار ذكائنا.

مساء الأحد، جدد الإعلام اللبناني فضائحيته.

لا يقول ولا يرى ما أصاب لبنان، ليس في هذا الأسبوع، بل على مدى السنوات الماضية، وإلى أين أخذنا حزب الله، وكم بتنا بعيدين عن كوننا بلداً طبيعياً وشعباً عادياً.

لا يتجرأ أحد من على هذه الشاشات أن يبوح بحال لبنان المعزول عن عالمه العربي، المصاب بالمروق السياسي والدبلوماسي، المتذاكي على المجتمع الدولي على نحو مفضوح ومشين، والمتهرب من مسؤولياته تجاه القرارات الدولية والمتورط باقترافات “محور الممانعة” إلى حد الإدانة. ولا يفعل الإعلام اللبناني سوى تمويه كل هذا بالتجاهل أو الكذب أو التحريف والإلهاء.

كان أهل الجنوب على عكس الصورة التي اعتمدها الإعلام اللبناني، وكان سكان الضاحية على عكس ما تظاهر به هذا الإعلام.

وكان اللبنانيون جميعهم ممتقعي الوجوه ومنقبضي القلوب، إذ راحوا يتخيلون مجدداً قرى متهدمة وطرقات متقطعة وجسوراً مقصوفة وبنى تحتية مدمرة وبنايات الضاحية مستوية بالأرض، ومئات القتلى وآلاف الجرحى ومئات ألوف الهائمين على وجوههم.. ليضاف إلى “إفلاسنا” الاقتصادي بؤس لن نجد من ينتشلنا منه هذه المرة. كان هذا كابوسنا. وما نطق الإعلام بشيء من هذا.
تكشّف صفر حالنا في لحظة ظهور نتنياهو بابتسامة استفزازية واستعلائية معلناً توقف العمليات العسكرية.

ما فعله نتنياهو بعباراته القليلة هذه – ويا للمفارقة- أنه لم يبث الطمأنينة في نفوس مواطنيه (المرتعبين) وحسب..

بل بنفوس اللبنانيين، والجنوبيين خصوصاً، الذي لم يكتموا فرحتهم بما سمعوه من فم العدو لا من الأفواه المهذارة.