عبدو شامي/المستقبل والقوات بعيدًا عن المجاملات

1051

المستقبل والقوات بعيدًا عن المجاملات
عبدو شامي
13 تشرين الثاني/14

في حديثه الى جريدة “الجمهورية” المنشور بتاريخ 11/11/2014 اعتبر الدكتور سمير جعجع أن “الرئيس الحريري أثبت أنه لا يزال الزعيم السني الأول في لبنان والمنطقة(…)”. وعن العلاقة بين القوات والمستقبل أضاف الحكيم: “علاقتنا سرمدية لا بل أقول أكثر من ذلك، نحن نعتبر أن تحالف القوات والمستقبل أساس في الحفاظ على الكيان اللبناني”.

بكل احترام ومحبة، وبدون انتقاص من لياقة الحكيم الذي عوّدنا على اللباقة العالية في الكلام حتى في ردّه على الخصوم، لا نستطيع أن نضع حديثه أعلاه في غير سياق المجاملات والغزل المتبادل مع “المستقبل”، وهو بالنسبة إلينا أشبه بما يحصل بين الزوجَين حين يصف أحدهما الآخر بما ليس فيه على سبيل الغزل، كأن يقول الزوج لزوجته القبيحة أو حتى الجميلة: “أنتِ أجمل نساء الكون” فيما هو يدرك يقينًا أنها ليست كذلك أو أقلَّه ليست الأجمل؛ وإذا كان من مجاملة مطلوبة أو حتى مِن كذبة مستحبة يصح وصفها بالبيضاء فهي هذه لما لها من أثر بالغ في التودّد وتلطيف الأجواء والتعبير عن المحبّة والرغبة في دوام العشرة. هذا في الوجدانيات، أما في السياسة فلِوضعِنا حديث الحكيم في سياق المجاملات تحليل مدعّم بوقائع وأدلة.

فالبنسبة للشق الأول من الكلام، إذا سلّمنا بأن الرئيس “سعد الحريري” هو الزعيم السني الأول في لبنان -وهو كذلك فعلاً- وإن كانت شعبيته في بيئته السنيّة في تناقص مستمر نظرًا لسوء تعامله بل وتغافله عن كثير من معاناة أهله وقضاياهم الملحّة، فمما لا شك فيه أن الحريري ليس الزعيم السني الأول في المنطقة، نعم قد يكون قارب هذا الموقع في فترة ما عندما كان على مواقفه المشرّفة تجاه بيئته والثورة السورية وتحديدًا يوم كان رافضًا دخول الحكومة قبل انسحاب الحزب الإرهابي من سوريا، بيد أن شعبيته في لبنان وسوريا هبطت بعد تخلّيه عن وعوده وانقلابه على مواقفه بتغطيته الحزب في حكومة ائتلافية بل وقبوله لعب دور الصحوات باعتراف وزير داخليته “المشنوق”. وبحسب معطياتنا فإن زعامة الحريري مهتزة في عرينه “طريق الجديدة” فكيف الحال بزعامته على صعيد المنطقة، وهنا لا نتحدث عن اهتزازها لدى القلّة القليلة التي جنحت نحو التطرّف بسبب تنازلات الحريري الانبطاحية، إنما نتحدث عن اهتزازها لدى الأكثرية السنية المعتدلة أساسًا قبل ولادة تيار الحريري وتسويقه لاعتداله المزعوم… أكثر من ذلك لسنا نبالغ إذا قلنا إن شعبية الدكتور “جعجع” تقارب شعبية الحريري في البيئة السنية أو حتى تفوقها.

أما بالنسبة للشق الثاني من غزل الحكيم، فالحكيم يعلم أن لا تحالفات أبدية في السياسة كما لا سرمدي إلا الله تعالى؛ لا ننكر أن “تحالف” القوات والمستقبل له دور مهم في الحفاظ على وحدة الكيان اللبناني غير أنه ليس الأساس فيها إذ الضمانة تبقى متجسّدة بالوحدة الإسلامية السنية-المسيحية التي تتجاوز القوات والمستقبل وإن كان محازبوهما من أبناء الطائفتَين غير أن معظم الشعب اللبناني غير متحزّب مع ذلك هو وطني بامتياز ومتمسك بتعاليم الإسلام والمسيحية في آداب التعامل وقيَم التسامح والاحترام والمحبة اتفق القوات والمستقبل أم اختلفا. ثم هل هما متحالفان فعلاً؟

بصراحة لا نستطيع وصف علاقة القوات والمستقبل بالـ”تحالف” بل هي صداقة ومحبة لا تصل الى حد الحلف السياسي، وإلا فمن شأن الحلفاء أن يكونوا على موقف واحد لا سيما في الأمور المفصلية والمصيرية وأن يديروا معركتهم على هذا الأساس؛ بالتأكيد لا نبحث عن تطابق يصل الى حد التَوأمة وإلا لكانت المستقبل قوات أو القوات مستقبل (بعيد الشر)، إنما نتحدث عن موقف موحّد على الأقل لدى الاستحقاقات المهمة وهذا ما افتقدناه في نحو عشر استحقاقات بالغة الأهمية اختلف فيها الطرفان حتى بات أحدهما موالاة والآخر معارضة! ففي حين رفض الحكيم وتحفَّظ وعارض بحكمة وشجاعة ومنطق، وافق الحريري وانحنى ومشى وذلك سواء في التحالف الرباعي واتفاق الدوحة وحكومة ما يسمى “وحدة وطنية” بعد انتخابات 2009 وبإعادة انتخاب “بري” رئيسًا للمجلس ثم بالـ س-س وما ترتب عليها من اعتراف بوجود شهود زور والاعتذار من سوريا، ثم جلسات حوار الدجل والتقية، وقانون انتخاب مبتدع عام2013، ومشاركة الحزب الإرهابي في حكومة لا يتضمن بيانها الوزاري انسحابه من سوريا ولا إعلان بعبدا. كل ذلك جاء نتيجة طبيعية لخضوع الحريري للإملاءات السعودية مقابل امتلاك القوات حرية قرارها.

مما تقدّم وعَوْد على بدء، طالما أن عَين أحد الزوجَين زائغة الى الخارج وأُذنه صاغية إلى هناك ستبقى الخلافات مستمرة ما يجعلنا لا نرى مستقبلاً لحياتهما الزوجية اللهم إلا إذا اختار المضحّي منهما أن يبقى صابرًا عاضًا على جرحه ليس من أجل الآخر إنما من أجل الأولاد، ولعل هذا ما عناه الحكيم بوصفه “التحالف” بأنه “أساس في وحدة الكيان اللبناني”. مع ذلك للصبر حدود ويا لطول صبركِ يا قوات!