شارلز ليستر: هل تتدخل إسرائيل ضد إيران في العراق/إبراهيم حميدي: إسرائيل تلاحق إيران في العراق بموافقة أميركية، وفي سوريا بغطاء روسي وضرب مواقع لطهران قرب بغداد 3 مرات… ونتنياهو يلمح إلى مسؤولية بلاده

50

إسرائيل تلاحق إيران في العراق بموافقة أميركية وفي سوريا بغطاء روسي وضرب مواقع لطهران قرب بغداد 3 مرات… ونتنياهو يلمح إلى مسؤولية بلاده
إبراهيم حميدي/الشرق الأوسط/21 آب/2019

هل تتدخل إسرائيل ضد إيران في العراق؟
شارلز ليستر/الشرق الأوسط/21 آب/2019
في 12 أغسطس (آب) ، وقع انفجار في مستودع للذخيرة داخل قاعدة الصقر العسكرية جنوب بغداد، ما أدى إلى إطلاق المئات من قذائف الهاون والصواريخ في مختلف الاتجاهات بالمناطق الحضرية المأهولة بالسكان. قُتل شخص وأصيب 29 آخرون، حيث انتشرت الذخيرة والحطام على بعد 5 كيلومترات.
كانت القاعدة مقرا للشرطة العراقية وعلى الأقل لاثنتين من ميليشيات «قوات الحشد الشعبي» المدعومة من إيران، و«كتائب سيد الشهداء» و«خطيب جند الإمام». على الرغم من أن التقارير الأولية أشارت إلى أن الانفجار ربما يكون بسبب سوء تخزين الذخائر والطقس الحار في الصيف، فإن التقارير الحديثة وصور الأقمار الصناعية أشارت إلى أن غارة جوية دقيقة كانت السبب وراء ذلك وأنه من المحتمل أن تكون من جانب إسرائيل.
إن صح ذلك، ستكون هذه هي الضربة الجوية الإسرائيلية الثالثة المحتملة على أهداف عسكرية مرتبطة بإيران في العراق خلال شهرين بعدما ضربت انفجارات غامضة مواقع لتخزين الأسلحة في «معسكر أشرف» في 28 يوليو (تموز) وقاعدة أخرى تابعة للقوات العسكرية الإيرانية في «العامري» في 19 يوليو، حيث قتل إيرانيان اثنان. ربما وقعت ضربة رابعة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، عندما انفجر مستودع في كتائب «حزب الله» في طوز خورماتو. وقبل ذلك لم تتعامل إسرائيل عسكريا في العراق منذ عام 1981.
بعد ثلاثة أيام من انفجار 12 أغسطس في جنوب بغداد، أمرت الحكومة العراقية بإلغاء جميع الرحلات الجوية التي تعبر المجال الجوي العراقي، ما لم يأذن الجيش العراقي بذلك. حدد الأمر الأنشطة الجوية التي تشمل الاستطلاع أو استخدام الطائرات المقاتلة أو الطائرات من دون طيار أو طائرات مروحية. وزادت طبيعة هذا الرد من الشكوك في وقوع بعض الضربات الجوية.
وكما بينت تلك الأحداث، فإن إسرائيل دخلت بالفعل في جبهة جديدة تقوم بإجراءات ضد إيران في العراق. وقد علمت المخابرات الإسرائيلية منذ أكثر من عام أن إيران بدأت في نشر أنظمة صاروخية وصواريخ باليستية متطورة في الأراضي العراقية، بعضها يتمركز هناك بشكل دائم والبعض الآخر يجرى إرساله برا إلى سوريا ولبنان. حتى إن بعض التقارير، أشارت إلى أن إيران تدير مصانع صواريخ تعود إلى عهد صدام في الزعفرانية قرب بغداد، وفي جرف الصخر قرب كربلاء، وفي كردستان العراق بغرض تصنيع ذخائر جديدة من الصفر وتجميع صواريخ باليستية يجري تهريبها إلى بلد على هيئة مكونات تستخدم في صناعة الصواريخ لاحقا. كانت هذه ذاتها التسهيلات هي نفسها التي يقال إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد أثارها خلال اجتماع مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في مايو (أيار) 2019.
للوصول إلى العراق، كان من شبه المؤكد أن إسرائيل استخدمت طائراتها الحربية من طراز F – 35 «Adir»، التي توفر قدرات متقدمة غير مرئية ومدى يجتاز سوريا ويدخل المجال الجوي العراقي من دون أن يكتشف. ومن المثير للاهتمام أن قائد سلاح الجو الإسرائيلي، عميكام نوركين، اعترف لأول مرة في مايو 2019 بأن طائرات طراز «إف 35» الإسرائيلية كانت في ذلك الوقت تقوم بمهمتين قتاليتين فقط على جبهتين مختلفتين، إحداهما شملت رحلة جوية فوق العاصمة اللبنانية بيروت، وربما كانت المهمة الثانية هي «منشأة خطيب حزب الله» في «طوزخورماتو» العراق في نوفمبر 2018.
إن قرار إيران توسيع بنيتها التحتية للصواريخ والقذائف إلى ما بعد لبنان وسوريا يتناسب تماماً مع استراتيجية التعزيز الإقليمي الحالية والتي يبدو أنها تركز ليس فقط على تقوية انتشارها الواسع ومدى التأثير، ولكن أيضا على تعزيز حجم قدراتها العسكرية والوصول إليها.
في سوريا، كانت تلك الخطوة التالية أكثر تحديا؛ نظرا لحرية العمل التي تتمتع بها إسرائيل هناك، لكن الديناميكيات كانت أكثر مواتاة في لبنان والعراق، حيث يعني عدم وجود آليات لوقف النزاع وتصعيد الوضع أي مخاطر لعمل عسكري إسرائيلي كبير. إن تأجيج التوترات الكارثية في دوامة من الصراع لا يمكن السيطرة عليه هو السيناريو الذي تريد إسرائيل تجنبه.
وإدراكا منها للقيود المفروضة على عمل إسرائيل في العراق، يبدو أن إيران اختبرت حريتها في العمل خلال التوترات المتصاعدة هذا الصيف. فقد شنت إيران اعتداءات خارجية بطائرات من دون طيار في مايو من قاعدة كتائب «حزب الله» في منطقة جرف الصخر، في حين جرى إطلاق سلسلة من الصواريخ على مقاولي الدفاع الأميركيين في العراق وعلى حقول النفط في البصرة في يونيو (حزيران) من داخل العراق.
يمثل هذا الموقف تحديا كبيرا للحكومة العراقية التي تعتمد بدرجة كبيرة على إيران في القضايا الأمنية والاقتصادية، بينما تواجه ضغوطا دولية شديدة لكبح جماح قوات الدفاع الشعبية وتقييد وصول إيران إلى الجيش وغيره من الأسلحة التابعة لسلطة الدولة.
تزعم بعض التقارير الإسرائيلية الأخيرة أن سلسلة من الاجتماعات السرية قد عقدت بين المسؤولين الإسرائيليين والعراقيين، التي من المفترض أن تركز على القضايا المتعلقة بإيران. كان من المفترض أن تكتمل محاولة بغداد سحب قوات الدفاع الشعبية تحت وصاية الجيش بحلول 31 يوليو، لكن يبدو أنه قد جرى تأجيلها بشكل غير مفاجئ منذ رحلة رئيس الوزراء الأخيرة إلى طهران في أواخر يوليو.
إن التوسع النوعي لإيران في العراق يضع الولايات المتحدة في موقف حرج؛ إذ على الرغم من أن إدارة ترمب تقدم نفسها خصما قويا للتوسع الإيراني في الشرق الأوسط، فإن واشنطن ليست لها مصلحة في إضعاف أو عزل أو حتى مهاجمة الحكومة العراقية لأن القيام بذلك من شأنه أن يعزز من وضع إيران؛ لذلك من المحتمل أن تواصل إيران تعزيز موقعها في العراق وتعزيز قدرتها تدريجيا على ممارسة القوة العسكرية بصورة تقليدية وغير تقليدية، من داخل العراق تجاه إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»

إسرائيل «تلاحق» إيران في العراق بموافقة أميركية وفي سوريا بـ«غطاء روسي» وضرب مواقع لطهران قرب بغداد 3 مرات… ونتنياهو يلمح إلى مسؤولية بلاده
لندن: إبراهيم حميدي/الشرق الأوسط/21 آب/2019
تأكد قيام إسرائيل 3 مرات خلال الأسابيع الماضية بقصف مخازن سلاح وصواريخ إيرانية في العراق، بفضل وجود تفاهم أميركي – روسي، قضى بـ«أولوية ضمان أمن إسرائيل وملاحقة إيران في العراق وسوريا على حد سواء»، بحسب مصادر دبلوماسية غربية، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن التفاهم قضى بألا تعلن تل أبيب رسمياً عن غاراتها، لإعطاء المجال لضبط التوتر الإقليمي.
وأعلن في بغداد أمس، عن اندلاع حرائق بعد «تفجير غامض» طال مخازن أسلحة تابعة لـ«الحشد الشعبي» في محيط قاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين.
وتعود رغبة تل أبيب باستهداف مواقع ومخازن صواريخ باليستية تابعة لطهران في العراق إلى منتصف العام الماضي، بالتزامن مع عشرات الغارات ضد قواعد إيرانية في سوريا. وكانت أول إشارة إلى ذلك في يونيو (حزيران) 2018، عندما استهدفت إسرائيل موقعاً لإيران شرق سوريا قرب حدود العراق، بحسب المصادر.
وتبلغت دول غربية في العام الماضي «قراراً سياسياً إسرائيلياً بـتوسيع ملاحقة إيران من سوريا إلى العراق»، لكن كانت هناك 3 عقبات؛ الأولى، قلق واشنطن من انعكاس ذلك على الوجود الأميركي في العراق، والحرب ضد «داعش» ومستقبل المشهد السياسي العراقي. الثاني، التوتر بين موسكو وتل أبيب بعد إسقاط مضادات سورية لطائرة روسية خلال قصف إسرائيل على غرب سوريا في سبتمبر (أيلول) الماضي. الثالثة، الإمكانية العسكرية وارتباط ذلك بجهوزية طائرات «إف 35».
ومع منتصف العام الحالي، بدأت عملية توفر ظروف تنفيذ القرار السياسي. وأعلن قائد القوات الجوية الإسرائيلية، عميكام نوركين، في مايو (أيار) الماضي، أن إسرائيل أول من يستخدم طائرات «إف 35» الأميركية في عمليات قتالية بعد بلد المنشأ، ذلك بعد أسابيع من الضربات الجوية التي نفذتها طائرات إسرائيلية على عدة مواقع داخل سوريا، قيل إنها إيرانية. وقال: «مقاتلات (إف 35) الإسرائيلية تطير في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ونحن أول من يستخدمها في القتال».
تزامن ذلك مع قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة منتظرة إلى روسيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، لإزالة التوتر، على خلفية إسقاط الطائرة الروسية فوق البحر المتوسط والتأسيس لإعادة التنسيق العسكري في سوريا، عبر تشغيل الخط الساخن بين تل أبيب وقاعدة حميميم والحصول على ضمانات روسية بعدم تشغيل منظومة صواريخ «إس 300» المتطورة التي وصلت إلى سوريا، بعد إسقاط الطائرة الروسية، لتنضم إلى «إس 300» القديمة و«إس 400».
لكن الخطوة الأبرز، كانت موافقة بوتين على عقد اجتماع ثلاثي في القدس الغربية لرؤساء مجالس الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، ونظيريه الروسي نيكولاي باتروشيف، والإسرائيلي مئير بن شبات، في نهاية يونيو. وقالت المصادر الدبلوماسية الغربية إن الاجتماع كان «رمزياً وترجمة لنتائج قمتي الرئيسين فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترمب، بإعطاء الأولوية لأمن إسرائيل في سوريا والعراق، مع استمرار الوجود الروسي، واحتمال الانسحاب الأميركي من المنطقة». وأضافت أن واشنطن وفّرت «الضوء الأخضر» لذلك، ضمن سياسة الضغط الأقصى على إيران، من دون الإضرار بالوجود في العراق حالياً، إضافة إلى احتمال وجود تنسيق عملياتي أميركي – إسرائيلي بسبب الوجود الأميركي في العراق.
في ضوء ذلك، انتقل الاستهداف الإسرائيلي إلى مستوى جديد في سوريا، ليشمل العراق أيضاً.
وفي 19 يوليو (تموز) الماضي، كان أول قصف إسرائيلي في العراق «بعد ضرب المفاعل النووي في بداية ثمانينات القرن الماضي»، حيث استهدف «اللواء 52» من «الحشد الشعبي» في معسكر يقع خارج بلدة أمرلي، بمحافظة صلاح الدين، شمال شرقي العراق. وفي 28 يوليو، جرى شنّ الغارة الثانية، واستهدفت معسكر أشرف في محافظة ديالى. وأسفرت الغارة عن تدمير قاذفات الصواريخ التي وصلت لتوّها من إيران، وإمدادات الصواريخ الباليستية.
ومعسكر أشرف هو مقر قيادة «لواء بدر»، ويبعد 80 كيلومتراً عن حدود إيران، فيه مستودع تخزين تحت سطح الأرض متعدد الأفرع لاستيعاب القطع الكبيرة من المعدات، بما في ذلك الصواريخ والدبابات وبطاريات المدفعية الثقيلة، بحسب المصادر.
وبين غارتي 19 و28 يوليو على العراق، قصفت إسرائيل للمرة الثالثة تلة الحارة الاستراتيجية في ريف درعا، قرب الجولان السوري المحتل. وقال مسؤول غربي رفيع المستوى: «إيران حوّلت تلة الحارة إلى قاعدة منذ 13 سنة. وكانت التلة ضمن الأهداف التي سعت إليها فصائل المعارضة قبل سنوات، قبل أن تستعيدها قوات الحكومة السورية، ضمن تفاهمات دولية – إقليمية، شملت خروج ميليشيات إيران غير السورية والمعارضة السورية وإعادة تفعيل اتفاق فكّ الاشتباك في الجولان والقوات الدولية (أندوف) برعاية روسية».
وفي 12 أغسطس (آب)، حصلت انفجارات غامضة في مستودع ذخيرة في معسكر الصقر، التابع لـ«الحشد العراقي» في جنوب بغداد. وتردد أنه عثر على حطام دلّ إلى أنه هجوم بالصواريخ من طائرات درون، فيما أشارت مصادر إلى احتمال حصول القصف من «إف 35».
من جهته، منح رئيس الوزراء عبد المهدي التحقيقات الجارية مهلة لعرض نتائج التحقيق. وفي 16 أغسطس، أصدر عبد المهدي أمراً غير مسبوق بعدم السماح بمرور أي طائرات عبر الأجواء العراقية من دون تصريح شخصي منه، بصفته قائداً للقوات العراقية. وكان أمهل تنظيمات شهراً لإخلاء معسكراتها ومخزونات ذخائرها من المدن الرئيسية. وقال: «بذلك تعتبر جميع التصاريح الخاصة الممنوحة بدخول أجواء العراق إلى كيانات عراقية أو غير عراقية، ملغاة، بما في ذلك طائرات الاستطلاع المسلحة والطائرات المقاتلة والطائرات المروحية والدرون بجميع أنواعها». وزاد: «أي طائرة تفتقد هذا التصريح ستعتبر معادية، وسيجري استهدافها من جانب الدفاعات الجوية العراقية على الفور».
من جهتها، ردّت قيادة القوات الأميركية بالقول: «نحن ضيوف داخل حدود العراق ذات السيادة. والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة التزم على الفور بجميع التعليمات التي تلقاها من جانب شركائنا العراقيين، في إطار تنفيذهم الأمر الصادر عن رئيس الوزراء».
ولم يكن سهلاً تنفيذ القرار العراقي بالحظر الجوي، بسبب غياب توفر منظومة صواريخ متطورة قادرة على اكتشاف «إف 35»، إضافة إلى أن الغارات التركية على مواقع «حزب العمال الكردستاني» شمال العراق استمرت بعد ذلك.
من جهتها، حافظت إسرائيل على الصمت باستثناء تسريبات صحافية وتقارير في موقع «ديبكا» الاستخباراتي. لكن نتنياهو خرج أمس عن تقليد «نهج الصمت» إزاء القصف الإسرائيلي، إذ لمّح أمس أن بلاده كانت وراء الغارات الجوية الأخيرة التي استهدفت مواقع إيرانية في العراق. وقال مساء الاثنين، في تصريحات نقلتها «تايمز أوف إسرائيل» الإلكترونية، إن «الدولة اليهودية ستواصل العمل عسكرياً كلما وحيثما كانت هناك حاجة للقيام بذلك».
وعن الهجمات الأخيرة على المنشآت العسكرية في العراق، قال نتنياهو في مؤتمر صحافي في كييف: «إن إيران ليست لديها حصانة في أي مكان». وأضاف: «سنتصرف ضدهم (الإيرانيين)، أينما كان ذلك ضرورياً، ونحن نتصرف حالياً بالفعل». جاء ذلك قبل الانتخابات التي سيخوضها للتنافس على منصب رئيس الوزراء في سبتمبر (أيلول) المقبل. وهو كان أعلن تبني الغارات ضد مواقع إيران في سوريا قبل الانتخابات السابقة.
وإذا كان التفاهم الأميركي – الروسي لضمان أمن إسرائيل بات يشمل العراق وسوريا، تبقى تساؤلات؛ إلى متى يبقى التنسيق قائماً بين تل أبيب وموسكو ضد إيران في سوريا، باعتبار أن نتنياهو حصل على دعم بوتين، لكن وزير الدفاع سيرغي شويغو لا يزال «غاضباً» من إسقاط طائرة روسية في البحر المتوسط؟ وإلى متى يبقى التوازن بين استهداف إيران في العراق، وبين «الضوء الأخضر» من واشنطن، رغم انتشار القوات الأميركية في العراق؟.