د.وليد فارس/كمين سياسي وعسكري صُنع في الدوحة لأفغانستان

59

كمين سياسي وعسكري صُنع في الدوحة لـ”أفغانستان”
د.وليد فارس/انديبندت عربية/20 آب/2019

كان على واشنطن عقد اجتماع مع “التحالف” وإندونيسيا ودول إسلامية كبرى للتوصُّل إلى خطة استراتيجية تعزل طالبان

يُجرى نقاشٌ حادٌ بالعاصمة الأميركية منذ عدة أشهر حول قرارٍ استراتيجيّ كبيرٍ، تعتزم الإدارة اتخاذه، يتعلق بالوجود العسكري الأميركي بأفغانستان.

وكانت الإدارة أرسلت مندوباً خاصاً للشروع في مفاوضات مع حركة طالبان بالدوحة بمساعدة السلطات القطريَّة، وحسب المعلومات المتوافرة فإن السفير زلماي خليل زاد توصَّل بعد أشهر من المفاوضات مع ممثل حركة طالبان إلى “مسودة مشروع تحمل عنوان السلام في أفغانستان”.

وترتكز على النقاط التالية: تلتزم واشنطن بسحب كل قواتها وقوات حلفائها (الناتو) من أفغانستان، وبالمقابل تتعهد حركة طالبان بالالتزام بوقف إطلاق النار مع كل الأطراف الأفغانية، والمشاركة في حكومة جديدة بعد قيامها بتسليم مناطق نفوذها العسكري إلى السلطات، وعلى هذا الأساس تتحدث مسودة المشروع عن موافقة طالبان على عدم التعاون مع “القاعدة” و”داعش” في المستقبل، والانخراط في المؤسسات الحكوميَّة، غير أن النصَّ لم يكن واضحاً من ناحية التزام الحركة بالسياسة التعددية، ومبدأ المشاركة في الانتخابات الديموقراطية.

في أميركا يلقى المشروع تجاوباً لدى قطاعات واسعة من السياسيين والإعلاميين الأميركيين، سواء كانوا في المعارضة، وعلى وجه الخصوص الجناح اليساري، والجناح المحافظ بالحزب الجمهوري.

ويعمل اليسارُ المتشددُ في الحزب الديموقراطي بقوة لسحب القوات الأميركية من أفغانستان كجزء من سحبها من الخارج، أمَّا قطاعات اليمين فتؤمن بالانعزالية أي الارتداد إلى الداخل الأميركي وعدم التدخل العسكري بأي مكان في العالم إلا إذا تعرّض الأمن القومي الأميركي مباشرة لخطر ما.

ويرتكز المؤيدون للخروج الأميركي في الحزب الجمهوري على تصريحات كان أعلنها الرئيس دونالد ترمب خلال حملته في 2016 تناولت ضرورة عودة القوات الأميركية إلى البلاد، ومن بين هؤلاء يبرز اسم عضو مجلس الشيوخ راند بول المؤيد ترمب، والمناهض وجود أميركا عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط.

ويلتقي التيار الانعزالي اليميني مع التيار اليساري، الذي يرأسه سناتور فيرمونت، والمرشح الديموقراطي للرئاسة بيرني ساندرز، ومعه أعضاء في مجلس النواب كرشيدة طليب وإلهان عمر وإلكساندرا أوكاسيو كورتيز.

ترمب من جهته يقع تحت الضغط، ويطلب من قادته العسكريين التأكد أن المشروع الذي عمل عليه السفير خليل زاد لا يشكل خطراً على الولايات المتحدة، فبعض مستشاريه أقنعوه أن تبنيه هذا المشروع سيُسهم في الحصول على دعم قاعدة الحزب الجمهوري، وجزء لا بأس به من قاعدة الحزب الديموقراطي في الانتخابات.

وبما لا شكَّ فيه هناك أكثرية أميركية سئمت من الحروب والخسائر البشرية، وهذه الأكثرية ربما توافق على أي مشروع منطقي للانسحاب، لكنها تعتبر في الوقت نفسه أن انسحاباً من دون وجود ضمانات واضحة تنصّ على عدم استيلاء طالبان على السلطة بالقوة العسكريَّة، وبعدها تهديد أمن أميركا، وهذه المطالب يُعبر عنها أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب وأقطاب عسكريون، منهم قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان ومدير الاستخبارات المركزية السابق، الجنرال ديفيد بتريوس.

الفريق الذي ينتقد مشروع السفير زلماي خليل زاد يعلل رفضه مشروعه أنه لا يمكن الوثوق بطالبان بسبب خلفياتها العقائدية، والمخاوف من استيلائها على السلطة بالقوة، مستفيدةً من الانسحاب الأميركي، ويوافق عددٌ كبيرٌ من المحللين على هذه النظريَّة، كما أن الفريق الذي يبحث عن ضمانات صريحة، يعتبر أن “مسودة الاتفاق” في الدوحة أُنجزت تحت إشراف الإخوان المسلمين والحكومة القطريَّة من أجل تأمين الانسحاب الأميركي لإفساح المجال أمام قوة سياسيَّة وعسكريَّة من الإسلاميين للسيطرة على السلطة بعد إطاحة الحكومة.

أؤيد هذه النظرة التشاؤميَّة، أولاً بسبب الجهة التي دفعت باتجاه إنضاج هذه المسودة، وأيضاً بسبب نيات حركة طالبان، ووضعت بعض المقاييس أمام النقاش في واشنطن أهمها:

– إذا كانت هناك ضرورة للتفاوض مع طالبان، فعليها التخلي عن الجهاد العسكري وقبولها في أنظمة الحكم المدنيَّة، والمشاركة في الانتخابات الديموقراطيَّة، وما دون ذلك تبقى حركة مسلحةً غير مقبول بها.
– رفضها الحازم التعاون مع القاعدة وداعش.
– الإعلان عن هذه المبادئ بشكل واضح أمام الرأي العام الأفغاني والعالمي.

طالبان لم تقدم أي أدلة ملموسة على قيامها بأي إصلاحات عقائدية أو على الأقل نموذج مشابه للبيروسترويكا السوفييتية، وهي لا تزال ميليشيا جهادية تؤيد الإرهاب، ولها امتدادٌ في الحركات الإسلامية بالمنطقة، ومنها “الإخوان المسلمين”، كما أن الأمر الأكثر حذراً يتمثل في التعاون بين طالبان أفغانستان وطالبان باكستان، فإذا وصلت الحركة إلى السلطة في كابول فستعد العدة لدعم شقيقتها شمال غربي باكستان لإسقاط الحكومات المعتدلة في إسلام أباد، والاستيلاء على الأسلحة الاستراتيجية للجيش الباكستاني.

وبالتالي يبقى السؤال: ما البديل؟
على الحكومة الأميركية الاستمرار في دعمها الحكومة الأفغانيَّة، رغم فشل الأخيرة في مواجهة طالبان على الأرض، والانفتاح على قوى المجتمع المدني التي تمثل طيفاً واسعاً من الشباب والطلاب والنساء، والقبائل التي تعد قوةً كبرى، وبإمكانها التحوّل إلى حاجز أمام طالبان.

وعوضاً عن تسليم ملف طالبان إلى قطر والإخوان، كان على واشنطن عقد اجتماع مع دول التحالف وإندونيسيا ودول إسلامية كبرى للتوصُّل إلى خطة استراتيجية تعزل طالبان، وتعزز سيطرة الشعب الأفغاني المسلم، وأيضاً إشراك الهند صاحبة التأثير الإقليمي، الأمر الذي يسهل أيضاً التفاوض بين الهند وباكستان حول أفغانستان.

وباختصار، إن مسودة مشروع الدوحة كمينٌ سياسيٌّ عسكريٌّ كبيرٌ ربما يقود إلى أوضاع كارثية بأفغانستان، ولذلك على الإدارة والكونغرس ودول التحالف العربي البحث عن حل لإنهاء الحرب في أفغانستان، لكن ليس على حساب الأمن والحرية.