علي الأمين/في ذكرى حرب تموز: كيف انتصر حزب الله وهُزم لبنان؟

167

في ذكرى حرب تموز: كيف انتصر حزب الله وهُزم لبنان؟
علي الأمين/العرب/14 آب/2019

بعد ثلاثة عشر عاما على انتصار حزب الله في حرب تموز، لا يزال لبنان يدفع ثمن هذا “الانتصار” من خلال المزيد من تهميش الدولة وتراجع الهوية الوطنية والدور العربي.

لا قيامة للدولة اللبنانية إلا بإسقاط دويلة حزب الله
يصادف اليوم 14 أغسطس ذكرى نهاية ما سمي حرب تموز 2006، تلك الحرب التي أدت إلى تدمير هائل في لبنان، على مختلف المستويات العمرانية والاقتصادية وأدت إلى نتائج كارثية على مستوى تدهور الدولة اللبنانية.

من الناحية العسكرية حقق حزب الله ولا أقول لبنان، بعض الإنجازات العسكرية التي تندرج في منع إسرائيل من تحقيق انتصار عسكري كامل على حزب الله، الذي نجح في الإضرار نسبيا بالجيش الإسرائيلي، وهذا يدرج فنيا أو عسكريا في سياق الإنجاز النسبي، ودائما في خانة الإنجاز الحزبي والمكسب الإيراني.

في نهاية تلك الحرب التدميرية، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وهو ينظر إلى مخلفات الحرب، إن “حزب الله انتصر”، وأضاف في التدليل على هذا الانتصار، وهو يعلق على صورة عملاقة وغير مسبوقة من حيث الحجم لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وُضعت في بيروت وعلى الطريق الذي يصل المطار الدولي بوسط بيروت، “صورة نصرالله أكبر من لبنان”.

ما قاله جنبلاط، في ذلك الحين، اختصر المشهد اللبناني بعد الحرب؛ انتصر حزب الله ونصرالله أما لبنان فقد هزم.

بعد هذه الأعوام لم تتغير الصورة، حزب الله ما زال منتصرا، أما لبنان فهو في مكان آخر وبالتأكيد ليس في خانة المنتصر. ما اعتبره حزب الله انتصارا هو أنه نجح بعد هذه الحرب في إنهاء أي إمكانية جدية، لنقل القرار الاستراتيجي لسلاحه إلى الدولة اللبنانية، وباتت الاستراتيجية الدفاعية التي تعني وضع قرار السلم والحرب في لبنان بيد السلطة الشرعية اللبنانية، حديثا لا قيمة له في حسابات حزب الله.

شكلت هذه الحرب فصلا نوعيا في فصول انكفاء الدولة اللبنانية وتضعضعها لصالح صعود منطق الميليشيا، التي عززت من الاصطفافات المذهبية والطائفية، والتي عززت بدورها من مبررات وجودها، من نفوذ سلاح حزب الله الذي يرتكز في أسس وجوده على بعدين، واحد يتصل بالداخل اللبناني ويستند إلى عصب شيعي يحميه ويحتمي به، وبعد خارجي هو أنه امتداد للقوة الإقليمية الإيرانية التي أسست حزب الله واستسلم الحزب إلى الولاء المطلق لها. فعلى الرغم من ادعائه أنه مقاومة لبنانية، إلا أنه بقي ثابتا في ولائه لإيران محتكرا هذا العنوان اللبناني له، رافضا أن يكون له أي شريك في قضية تعني لبنان واللبنانيين بالدرجة الأولى.

هذه الحرب التي شهد لبنان تداعياتها ولا يزال، رسخت الهزيمة الأخطر، والانتصار الأهم لإسرائيل بعد حزب الله وإيران، أي أن الهزيمة كانت لمشروع الدولة الذي زاد تضعضعا بفضل هذا “الانتصار”، وترسخت الانقسامات الداخلية بعدما أدرك اللبنانيون أن سلاح حزب الله بات أقوى من الدولة والمجتمع، وبات يخضع لحسابات إقليمية تتجاوز قدرة لبنان على مجاراتها أو استيعابها.

وفيما كان حزب الله يبدأ عملية السيطرة والاستحواذ على لبنان مستفيدا من انتصاره وهزيمة الدولة، كان المشروع المذهبي باعتباره يعبر عن الامتداد الإيراني جوهر القوة التي يستند إليها، ولم تكن إسرائيل مستاءة من هذا الصعود، طالما أنه تعبير عن انقسام المجتمع اللبناني، ولأنه كذلك فهو عنصر حماية موضوعي لأمنها الذي شهد منذ ذلك الحين استقرارا غير مسبوق على طول الحدود مع لبنان، وذلك كان يترافق مع تراجع وانكفاء عربي إقليمي، بدأ لبنان يدفع ثمنه لاحقا ولا يزال بشكل كبير اقتصاديا وماليا واجتماعيا.

وجاءت الثورة السورية لتكشف بوضوح لا لبس فيه، أن القوة الإيرانية على حدود إسرائيل ولاسيما حزب الله، هي قوة نفوذ إيراني بالدرجة الأولى، وأن وظيفة السلاح حماية هذا النفوذ، ولم تكن وظيفته تحرير القدس. لذلك كان الزخم العسكري الذي استخدمه حزب الله في سوريا، لا يمكن مقارنته بحجم ما قام به ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأ حزب الله، فحجم المعارك وعديدها التي خاضها على امتداد الأراضي السورية، وأعداد الضحايا الذين سقطوا من جنوده في مواجهة الثورة السورية يفوق عدد الذين سقطوا في معاركه ضد إسرائيل، وهذا لم يكن من دون آثار عميقة في بنية حزب الله ومنهجه السياسي والأيديولوجي، الذي باتت الهوية السياسية المذهبية العنصر المحدد لخياراته، التي جعلته أكثر انسجاما مع مشروع حلف الأقليات.

مع كل الانتصارات التي قال رئيس كتلة حزب الله البرلمانية النائب محمد رعد الاثنين الماضي أنها تحققت لمحور إيران في المنطقة العربية في العراق واليمن وسوريا ولبنان، فإن المفارقة أن انتصار إيران وحزب الله انتصار متلازم مع هزيمة الدولة وتفسخ المجتمع، ومع ترسيخ الكيان الإسرائيلي ليس في فلسطين فحسب، بل في نفوذه الذي بات ممتدا على طول المنطقة العربية وعرضها. فيما المجتمعات العربية في الدول المذكورة، لم تعان في تاريخها من هذا التشظي في الهوية الوطنية والقومية وحتى الهوية الإسلامية كما هي اليوم.

قبل يومين هزّ انفجار ضخم قاعدة “صقر” العسكريّة جنوبي العاصمة العراقيّة، بغداد، للمرّة الثالثة خلال أسابيع. وتبين بحسب ما سربت وسائل إعلام عدة ومنها إسرائيلية، “أنها ضربات قامت بها طائرات إسرائيلية”، ولكن المحور الإيراني لم يقم بأي رد على هذه الضربات كحال مئات الضربات التي طالت مواقعه في سوريا من قبل إسرائيل أيضا.

في المقابل أكد القيادي في حزب الله محمد رعد “أننا جاهزون لتلقينها درسا” ولكن الدرس الذي يتحدث عنه رعد، هو على الأرجح إعلان نهاية لبنان الذي بات عاريا من كل عناصر القوة، بحيث أن السلاح الذي يمتلكه حزب الله لا قيمة له وطنيا طالما أن قرارا أميركيا يصدر عن وزارة الخزانة الأميركية، كفيل بأن يسقط لبنان ماليا واقتصاديا، وطالما أن لبنان يستجدي المساعدات الأوروبية والأميركية والعربية.

قبل أيام كان كافيا أن تصدر السفارة الأميركية بيانا تحذيريا للحكومة اللبنانية بشأن استغلال سلطة القضاء لتصفية حسابات سياسية، لتسارع الحكومة وعلى رأسها حزب الله لإزالة العوائق أمام اجتماع مجلس الوزراء، ولتتوقف الحملة على وليد جنبلاط.

بعد ثلاثة عشر عاما على انتصار حزب الله في حرب تموز، لا يزال لبنان يدفع ثمن هذا “الانتصار” من خلال المزيد من تهميش الدولة وتراجع الهوية الوطنية والدور العربي، ويقدم النموذج للدولة الفاشلة وعلى قدرة الدويلة التي مثلها حزب الله على أن توفر الأرضية الملائمة لتمدد الدول الإقليمية ولاسيما إسرائيل.

وإن كان هذا الواقع قاسيا على اللبنانيين وعلى غيرهم من العرب، فإنه يؤكد حقيقة لا مفر منها في أي تفكير نهضوي وطني وقومي، هو أن لا قيامة لمجتمع إلا بالدولة، ولا قيامة للدولة إلا بإسقاط الدويلة، تلك التي تلبس قناع المقاومة حينا، وقناع الدين أحيانا، والمذهب أحيانا أخرى.