وسام سعادة/سلامة الغذاء.. المبادرة الجريئة والتثبيت الصعب

271

سلامة الغذاء.. المبادرة الجريئة والتثبيت الصعب
وسام سعادة/المستقبل/12.11.14

عناصر عدّة تحضر مع الاهتمام الشعبيّ الذي حظي به المؤتمر الصحافي لوزير الصحة وائل أبو فاعور بالأمس والذي جرد فيه قائمة من المطاعم والمتاجر الأطعمة فيها غير مطابقة للمواصفات الصحية.  من هذه العناصر ما جاء مصادقاً لشكوى مزمنة عند الناس، من أن الأمور سائبة في هذا البلد لجهة التقيّد بالقانون ومعايير الصحة والنظافة في ما يتعلّق بسلامة الغذاء، ومنها في المقابل ما جاء مفاجئاً، أو لنقل، مثيراً، لناحية أسماء المصالح التي عدّدها الوزير، ولم تكن أول ما يخطر على البال ساعة يجري الكلام عن مشكلة انعدام الشروط الصحية. وما بين المتوقع وغير المتوقّع، ثمة عنصر أساسي، وهو أنّ هذا الموضوع، سلامة الغذاء، له – ولسواه من الموضوعات التي تتعلّق بسلامة وأمان وعافية المواطنين – موقع في صلب النقاش السياسي، وليس على هامش السياسة أو كتعويض على توقفها في هذا البلد.

وهنا ينبغي الاستدراك: هناك طريقة في متابعة هذا النوع من الموضوعات يكون المقصد أو المؤدّى فيها تحويلها الى موضوعات للجذب والاستهلاك حين تتعطّل الحياة السياسية في البلد، أو بانتظار أحداث «دراماتيكية»، خصوصاً تلك الوافدة من البوابة الأمنية. وهناك في المقابل، طريقة، أو يفترض أن تكون كذلك، لإثارة هذه الموضوعات بشكل تسييسيّ لها، بالمعنى الذي يربط السياسات بإنتاج شروط عيش المواطنين ودورهم كمواطنين في تصويب هذه الشروط وإخضاعها لمصالحهم الحيوية، ودور كل فئة في تقريب هذه الشروط لحيثيتها هي.

سلامة الغذاء ينبغي أن لا تبقى مسألة على هامش السياسة، أو في لحظة صفاء أمني بانتظار الحدث الدراماتيكي القادم. كذلك الأمر ينبغي أن لا تبقى قضية يستنفر لها الرأي العام، بمبادرة جريئة من وزير كفوء، ثم تبتلعها القضايا والمشاغل الأخرى، الى أن تُبعث بعد عقود.

فمن يتذكر سابقاً يوم استنفر الرأي العام لدعم هيئة حماية المستهلك قبل سنوات عديدة؟ ومن يتذكر القرارات في مجالات أخرى، بمنع الكلام على الهاتف الخلوي أثناء القيادة؟ أو بحزام الأمان ومنع السرعة؟ أو بمنع التدخين في المطاعم؟ المشترك في كل هذه المبادرات «الضبطية»، أنّها حرّكت المياه الراكدة، أو السائبة، بالفعل، لأيام وأسابيع وشهور، ثم، حكمت التركيبة الكلية للدولة وجهازها، والتركيبة الاجتماعية المطابقة والمعطّلة لحراك المواطنين الحيوي والملموس، بأن «تغور» هذه المبادرات الضبطية، وتتحول الى مادة يمضغها رواد مجتمع المشهد اللبناني، متحمّسين في البداية، ثم غير مكترثين، ولاهين عن المسألة بحدث ينشّط انفعالاتهم، ويحرّرهم من تكليفات سابقة ظهر أنها بلا طائل. هذه ليست مسألة «إرادوية» تتوقف على النوايا، فالتحدي أن تتجسّد النوايا في سياسات مزمنة، تؤسس لاستمرارية ضبطية في الموضوعات التي تتعلّق بسلامة المواطن الطرقية أو الصحية أو الدوائية أو الغذائية. وبالتوازي، وإن كان يلزم في كل هذه الموضوعات ضبط التوصيفات العلمية بشكل متقن، إلا أن تمييع التسيّب الحاصل تحت عنوان المزاوجة بين «صحة المواطن» وبين «الأرزاق» يلعب دوراً أساسياً في جعل كل مبادرة ضبطية لشأن ما تأخذ حيزاً من الموافقة الشعبية ثم تتبدّد. الأولوية ينبغي تحديدها بشكل لا لبس فيه، وهي سلامة الناس على كافة الصعد. لكن تكريس هذه الأولوية متعذّر من دون مناقشة حقيقية لموقع الدولة من الإعراب الاجتماعي.