د. مصطفى علوش: عن براقش وأهلها

67

عن براقش وأهلها
د. مصطفى علوش/الجمهورية/الثلاثاء 16 تموز 2019

«وقيمة المرء ما قد كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء»(الإمام علي)

تقول الرواية إنّ «براقش» كانت كلبة مثالية، تزود عن القطعان، وتضبط الإبل، وتعلن الخطر منبّهة أبناء العشيرة فتحميهم من تبعات العدوان. كان ذلك إلى أن جاء يوم وأتى العدوان أكبر بكثير من قدرة العشيرة على صدّه، فقرّر الحكماءُ اللجوءَ إلى إحدى المغاور، وترك العدوّ الغاشم ليبعث في المضارب، فيما تبقى أرواح أبناء العشيرة سالمة. بعد أن يئس المعتدون من العثور على أيّ فرد من أفراد العشيرة، وهمّوا بالرحيل، تبحت براقش كعادتها لإنذار أصحابها بوجود الأعداء، فكان الإنذار للمعتدين الذين اهتدوا إلى مخبأ العشيرة فقتلوا براقش مع أهلها. ومن هنا القول: جنت على أهلها براقش، وأحياناً يقال إنها جنت على نفسها!

لم يكن الذنب ذنب براقش، فلا حول لها ولا قوة لأنها فاقدة الإرادة العاقلة، ولم يكن مطلوباً منها تقدير الظروف التي تدعو للنباح أو عدمه، فهي دُرّبت على مهمتها فحسب. لكنّ الذنب، كما تبعاته، وقعت على أهل براقش الذين لم يستبقوا الأمر بمنعها من النباح، أو بإبعادها من موقع العشيرة إلى حين يزول الخطر الداهم.

لكن ما أردت الحديث عنه لا علاقة له ببراقش، فالقصة تتعلق بتبعات وجود «حزب الله» في بلدنا، وحسب قوله للذود عن العشيرة! ليس واضحاً حتى هذه اللحظة، إلّا للراسخين في العلم، عن أيّ عشيرة يذودون. فحسب البيان التأسيسي، عشيرة الحزب هي «أمة حزب الله الذي نصر الله طليعتها في إيران»، يعني عندما وصل الإمام الخميني إلى السلطة أعلن انتصار تلك الطليعة. على هذا الأساس، فالمؤكد هو أنّ مَن لا يعتبر نفسَه من أمة «حزب الله» هو من غير عشيرة.

وحتى ولو افترضنا أنّ العشيرة هي الشيعة حصراً، في لبنان أو خارج لبنان، فإنّ المسألة ليست بديهية، خصوصاً عندما يجاهر قسم مهم من هؤلاء بعدم انتسابهم إلى أمة «حزب الله». ويكفي أن نتذكر كم من الضحايا الشيعة سقطوا يوم فرض «حزب الله» رأي أمته على الشيعة في ثمانينات القرن الماضي. وأعني بذلك الصراع الدموي الطويل مع حركة «أمل».

ولكن لا يهم، فما أقوله هو للذكرى فقط، وليس لفتح جرح كان قد تحوّل إلى مجرد ندبة قديمة، بقيت تذكّر أهل وأبناء ضحايا تلك الحقبة بهشاشة الإدّعاء بالذود عن العشيرة.

أو الأصح، ليعي الجميع أنّ عشيرة «حزب الله» هي حصراً جماعة الحرس الثوري، وزعيم العشيرة حصراً هو الإمام خامنئي، وجدّ العشيرة هو الإمام الخميني. لذلك، فكل ما يحدث اليوم، في لبنان وسوريا والعراق واليمن وكل ما يقوم به «حزب الله» من أعمال عسكرية لا يهدف بالأساس لخدمة أيٍّ من العشائر المحلية في تلك البلدان، وذلك بصرف النظر عن طوائفها ومذاهبها.

لذلك، من الخطأ، بل من المعيب، الحديث عن مسؤولية لبنان واللبنانيين حيال العقوبات الجديدة على أفراد من «حزب الله»، مع أنّ بعضهم برلمانيون انتخبهم جمهورهم بإسم حزبهم.

فهؤلاء بالذات، لم تطلهم العقوبات لكونهم أعضاء في البرلمان اللبناني، بل لخصومة عنيفة وتاريخية اختارتها إيران، ليس فقط مع الشيطان الأكبر الأميركي، بل مع كل الدول والمكوّنات السياسية والمذهبية والإقتصادية والإجتماعية في الشرق الأوسط.

وهذ المكوّنات، لم تختر، ولم تقبل، إلّا بجزء منها، أن تكون فخذاً من أفخاذ أمة «حزب الله»، ولم تجد مصلحة في التحالف معها ولا في التبعية لها، بل على العكس، فقد وجدت نفسها في حال دفاع عن النفس من عداوة فرضتها أمة «حزب الله» عليها بناءً على فرضية تصدير الثورة.

لا أريد أن أدّعي في هذا المقال بأنّ تلك الكيانات المتهالكة على كل المستويات الأخلاقية والإجتماعية والسياسية كانت بأفضل حال لولا أمة «حزب الله»، فكلها أجساد هزيلة وركيكة وضعيفة المناعة، وهذا بالذات ما سمح لمنظومة سخيفة نابعة من الأساطير لتتحكّم بها وتدمّرها بسهولة.

لكن ما أريد التأكيد عليه هو أنّ افتراض أنّ كرامة لبنان انتهكتها أميركا بالعقوبات الأميركية على نائبين من «حزب الله» مردودٌ بالكامل، ويعني فقط مَن أطلقه. فأنا كلبناني، ومعي الكثيرون من أبناء عشيرتي اللبنانيين من طوائف شتى، أعتبر أنّ انتهاك كرامتي سببه وجود ميليشيات مسلّحة تابعة لعشيرة أعجمية، أفرادها من أبناء البلد وهبوا أرواحهم وأرواح أبنائهم ومستقبل بلدهم لخدمة أسطورة.

أميركا دولة قادرة، وقد يكون لنا ألف سبب وسبب للخصام معها، وقد تتقاطع أسباب الخصام معها مع بعض أسباب أمة «حزب الله»، وقد تتقاطع مصالح أمة «حزب الله» أحياناً مع مصالح الشيطان الأكبر على حسابنا، كما حصل في تواريخ سابقة، وقد يتكرّر في أزمنة لاحقة.

لكنّ قضية العقوبات، وإن تداخلت بشكل قسري مع مصالح اللبنانيين، لا علاقة لها بالإجماع الوطني. لذلك يمكن لبعض السياسيين أن يحتجّوا أو يصرّحوا أو يستهجنوا، لكن بالمحصلة فالأمر يعني براقش التي اختارت عشيرتها، ليس إلّا.