شارل الياس شرتوني: مارسيل خليفة وعقد اليسار الفاشي

191

مارسيل خليفة وعقد اليسار الفاشي
شارل الياس شرتوني/08 تموز/2019

لست متعلقا بالطقوس والرتب السياسية المتداولة في بلادنا، أولا لان طبعي ليس طقوسيا وغير متقيد باي عرف خارج عن عمل التمحيص النقدي والتفكر الشخصي، وثانياً لأخذي البعد عن الابتذال وتزوير الشعائر والزيف الذي يلف الرموز السياسية والدينية والوطنية فيها.

ردة فعلي على موقف مارسيل خليفه، الذي رفض اداء النشيد الوطني اللبناني-لاعتبارات تعود الى اعتراضه على اداء الطبقة السياسية، واحتجاجا على إقصائه من بلدته في بدايات الحرب في لبنان- ، تعود الى مدلولات الموقف لا الى شكلياته٠

هذا الموقف يعود الى احقاد وعقد شخصية اكثر منها الى اعتبارات موضوعية أيا كانت؛ هذا الرجل يعتمر بالمقابل الكوفية الفلسطينية ويتقمص مدلولاتها ويعتمدها تعبيرا عن هويته الحقيقية، على نحو لا التباس فيه.

ضف الى ذلك ان الدفاعات النرسيسية البدائية، والمكابرة المعنوية لشخص لديه صورة مضخمة عن ذاته، ولموسيقي وظف الهويات ألتي اصطنعها على قياس مصالحه التجارية والسياسية من اجل الإثراء الرخيص، تكمن كلها وراء رفضه النشيد الوطني، الذي يتماهى في لاوعيه مع متلازمة كره الذات ( Self Hatred Syndrome ) ،ولعبة تقمص الهويات البديلة والتأكيد القاصر على الذاتيات المستنسخة.

ضف الى ذلك ان هذا المحازب الأعمى، كما هو حال كل اصحاب الهويات الانفعالية المصطنعة (Reactive Identities )، لم يقم بمراجعة نقدية واحدة للنظام الشيوعي الذي اندثر منذ ٣٠ سنة، لا على مستوى مقولاته الفارغة ولا مؤدياته الكارثية، واحتفظ بالريتوريك الأيديولوجية الميتة، حماية لتماسك هوياته المتراصفة وتشبثا باوالياتها الدفاعية، فالهوية الشيوعية المفبركة من عوامل مرضية متنوعة المصادر، تبقى حاوية للعقد والأحقاد اللاوعية، ومصدرا تحفيزيا للعدوانية المرضية التي يختزنها هذا الشخص تجاه مجتمعه الأولي، وهو امر لا يتفرد فيه وينسحب على حالات اخرى، في مجتمع جبلي صغير حيث تتشكل الذات بالتوازي والتصادم المباشر بين أطرافه ومحدداتهم.

اما إشارته الى تهجيره من قريته، وموضوعات أغانيه، وكوفيته الفلسطينية، فهي توريات الحقد اللاعقلاني الدفين ودفاعاته النفسية الشرسة تجاه اي مقاربة پسيكاناليتية للتبصر في مصادرها والتعاطي معها ومعالجتها.

ثمة خوف من مواجهة الذات خاصة بعد الاثراء وأساليب تكوينه، ودخول عامل جديد، هو عامل الأمان المادي كاوالية معلمية ودفاعية جديدة ضد الاضطرابات النرسيسية ( Narcissistic Slights ) لشخصية غير قادرة على تجاوزها.

هذا ما يبرر عدم اجرائه اي نقد لاداء التحالف اليسار الفاشي والمنظمات العسكرية الفلسطينية، وسياسات التدمير المنهجي للكيان الوطني والدولاتي اللبناني ونتائجها الكارثية على غير مستوى. قياديون أساسيون كجورج حاوي ومحسن ابراهيم، وجورج البطل وسواهم، قاموا بعمليات نقد جريئة وصادقة (جورج حاوي قال لي في العام ١٩٩٩، يا شارل انا لن اغفر لنفسي انني قاتلت المسيحيين، ومحسن إبراهيم انتقد الخيار الاستراتيجي الذي اعتمد… ).

اما مارسيل خليفه فلا يزال عند أحقاده الطفولية، فلا يترك مناسبة الا ويعبر عن سخطه النرسيسي وكرهه لذاته، وتخبطات هوياته المتنازعة.

لا شأن لنا في اضطراباته النفسية والسلوكية، وعدم القدرة على التمييز الاخلاقي والمعرفي، ولكن لا مجال للسكوت عن تعرضه لرمزية النشيد الوطني ومدلولاته. فيا مارسيل خليفة، انت كاره للبنان ورمزيته، فلتكن لك الجرأة الأدبية ان تتخلى عن انتمائك الوطني له، فلبنان لن يفتقدك ولا حاجة له لا امثالك.

* التقينا في معهد العلوم الاجتماعية ،الفرع الثاني -الرابية، لمناقشة مشاريع قوانين انتخابية . فاجأني بقدومه مسرعا باتجاهي من اول قاعة المحاضرات الى أخرها، حيث كنت أتناقش مع بعض الزملاء، ليقول لي بعفوية وصدق مذهلين- مع العلم انه لا معرفة مسبقة بيننا – ” يا شارل انا لن اغفر لنفسي لأني قاتلت المسيحيين “، ردة فعلي كانت الصمت والتهيب امام الصدق والعفوية… رحم الله الجرأة الأدبية والنزاهة.