وليد حسين/المدن: مجلس مندوبي الجامعة اللبنانية ينتصر على الأحزاب: الإضراب مستمر

73

مجلس مندوبي الجامعة اللبنانية ينتصر على الأحزاب: الإضراب مستمر
وليد حسين/المدن/22 حزيران/2019

بوجه ممتقع بالسواد أعلن رئيس مجلس المندوبين في رابطة أساتذة الجامعة اللبنانية علي رحّال (حركة أمل) نتيجة التصويت في المجلس، الذي أتى لصالح الاستمرار بالإضراب بأكثرية 94 صوتاً من أصل 165 مندوب يشكّلون عضوية المجلس. فرغم حماوة المعركة ومحاولة تجييش المندوبين من قبل الأحزاب للتصويت على وقف الإضراب، لم يحصد الأخير إلّا 46 صوتاً في الجلسة الحاسمة للمندوبين حول مصير الإضراب، التي جرت السبت 22 حزيران. علماً أن عدد الأصوات الفعلية التي أتت لصالح نقض قرار وقف الإضراب كانت 96 صوتاً، لكن تمّ إلغاء صوتين بسبب خروج إشارة التصويت عن المربع المخصص لها قليلاً.

عبّر هذا التصويت لصالح استمرار الإضراب عن مدى استياء الأساتذة الحزبيين من أحزابهم. وأعاد الثقة بالعمل النقابي الذي ضربته الأحزاب منذ انتهاء الحرب الأهلية، وشكّل انتصاراً غير مسبوق للحركة النقابية، كما قال بعض الأساتذة لـ”المدن”، إذ لم تنجح الوعود التي أغدقت على الأساتذة الحزبيين عشية جلسة التصويت بجعلهم يصوّتون ضد حقوقهم الخاصّة.

لا شرعية
رفع الأساتذة “غطاء الشرعية” عن قرار الهيئة التنفيذية بوقف الإضراب، في سابقة تاريخيّة في الجامعة يوضع فيها الأساتذة أمام مثل هذا الاستفتاء: الخضوع للإملاءات الحزبيّة ووقف الإضراب، أو الوقوف إلى جانب مطالبهم الخاصّة، قبل تلك المتعلقة بميزانية الجامعة. ورغم “عشاء الترغيب”، الذي أتى عشية التصويت، والذي كان طبقه الأساسي وعود من وزير المالية علي حسن خليل بحذف كلمة “تدريجياً” من الموازنة في ما يتعلّق باقتطاع 15 بالمئة من صندوق التعاضد للأساتذة، لم يتمكّن تحالف السلطة من إقناع المندوبين بالتصويت لصالح وقف الإضراب.

ووفق الأساتذة الذين تجمّعوا أمام مبنى الرابطة منذ الصباح، لحثّ زملائهم المندوبين على التصويت”لصالح عائلاتهم ولقمة عيش أبنائهم”، فإنّ وعود وزير المال في العشاء، الذي ضمّ إليه رئيس الجامعة فؤاد أيوب وبعض أعضاء الهيئة التنفيذيّة في الرابطة، وبعض أعضاء صندوق التعاضد، مرفوضة ومشكوك فيها. ليس لأنها أتت في “لقاء خاص”، لا يعوّل عليه، بل لكون المسألة لم تعد تقتصر على عدم اقتطاع الـ15 بالمئة لهذا العام، وإلغاء كلمة التدرّج بالاقتطاع في السنوات المقبلة، لتوحيد صناديق تعاضد القطاع العام. وقال بعضهم: صحيح أنّ اقتطاع الـ15 بالمئة مسألة عاديّة ومقبولة كونها تطال جميع الموظفين في القطاع العام، لكن السياسيات الحكومية المتّبعة لا تنهي معاناة الجامعة اللبنانية. فالسلطة تعمل على ضرب الجامعة تدريجياً منذ سنوات طويلة. وقد استسهلوا سدّ عجز الدولة عبر الاقتطاع من ميزانية الجامعة عوضاً عن رفعها من خلال إقفال مزاريب الهدر والفساد، كما قالوا.

رفض نتائج التصويت
في خطوة اعتبرها الأساتذة معبّرة عن عدم وجود ثقافة الديمقراطية في “الرابطة”، أكّد نائب رئيس الرابطة حسين عبيد (حركة أمل) في حديث لـ”المدن”، قبيل انعقاد الجلسة، أنه حتى لو صوّت المجلس لصالح الاستمرار بالإضراب سيستكملون الدروس يوم الإثنين لمصلحة الطلاب وإنهاء العام الدراسي. واعتبر إنّ من يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين “فرطوا” الرابطة والجامعة بممارساتهم وعليهم تحمّل المسؤولية. فما قاموا به لا يمتّ للديمقراطية بشيء، قاصداً فرض الأساتذة المستقلين رأيهم على الهيئة التنفيذية عبر اللجوء إلى مجلس المندوبين.

لم يتأخر الرد على عبيد طويلاً. فبعد أن علت صرخة انتصار المندوبين، بعد فرز الأصوات، شدّد رئيس الرابطة يوسف ضاهر لـ”المدن” على أنّ كلام عبيد غير مقبول. وقال: “على الجميع الاحتكام للأسس الديمقراطية. فالأساتذة قالوا عبر مندوبيهم كلمتهم وعلى الجميع الالتزام بالإضراب. ودعا في كلمته أمام المندوبين جميع الأساتذة إلى عدم التدريس يوم الإثنين واعداً بتكثيف التحرّكات في الأسبوع المقبل.

أزمة جديدة
قد يفتح تصويت المجلس لصالح الاستمرار في الإضراب أزمة جديدة في رابطة الأساتذة. فالأخيرة بشكلها الحالي بعد التدخلات الحزبيّة لم تكن قادرة على الاستمرار. وقد شدّد أكثر من عضو في الهيئة التنفيذية لـ”المدن”، بمن فيهم بعض الحزبيّين، على ضرورة إنصات الأعضاء الحزبيّين لصوت الشارع. فالأساتذة قالوا كلمتهم ورفضوا القرارات الفوقية، وعلى الهيئة التنفيذية أخذ المسألة بالاعتبار.

ووفق مصادر”المدن” باتت الهيئة التنفيذية أمام خيارين، إما قبول رأي الأساتذة المعبّر عنه ديمقراطياً في جلسة المندوبين، أو التعنّت ورفض الاستفتاء والذهاب إلى التدريس يوم الإثنين. لكن هذا الخيار الأخير سيعني عملياً ضرب الرابطة والعمل النقابي، كون انسجام الأعضاء الحزبيين مع إملاءات أحزابهم لخرق الإضراب يقتضي تقديمهم استقالاتهم من الهيئة التنفيذية.

لا للوحدة الشكليّة
في ظل الأجواء المتشنّجة التي عاشتها الجامعة الأسبوع الفائت، بعد صدور قرار الهيئة التنفيذية بوقف الإضراب، وبعد صدور مذكّرات رئيس الجامعة للإبلاغ عن الأساتذة المضربين، أتى الأساتذة والطلاب للاعتصام أمام مبنى الرابطة بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس المندوبين المصيريّة. وبينما وضع بعض الأساتذة والطلاب شرائط لاصقة كمّت أفواههم للتعبير عن رفضهم للترهيب الذي حصل، راح البعض الآخر يناشد المندوبين المتجمّعين على شرفة قاعة الرابطة لتحكيم ضميرهم في التصويت: “تذكروا أولادكم وأنتم تدلون بأصواتكم”، قال بعض الأساتذة. إلى هذه النداءات ذهب الطلاب إلى رفع لافتات مثل “يا مندوب قوم فز، بدنا منك وقفة عز”، تعبّر عن المأزق الحالي للجامعة بعد اشتداد الهجمة الحزبية لوقف الإضراب. لكن تصويت أغلبيّة المندوبين لصالح الاستمرار في الإضراب ترك أثراً بالغاً في صفوفهم. ولم تنغّص فرحة انتصارهم الشائعات عن رفض بعض الأعضاء الحزبيّين في الهيئة التنفيذيّة لهذا التصويت. وتعليقاً على هذه الأجواء المشحونة وإمكانية خرق الإضراب يوم الإثنين، كان صوت الأساتذة والطلاب واضحاً: لا معنى لأي وحدة شكليّة في الرابطة، إذ ولّى زمن النقابة الحزبية التي تريد إخضاع الأساتذة وكمّ أفواههم.

فهل تحتكم “الأقلية” لصوت “الأغلبية”، ويستمر الإضراب، أم تدخل الرابطة في أزمة وتتوالى الاستقالات الحزبية هذه المرّة؟ بعد يومين ستعقد “الهيئة” اجتماعها لتقييم الوضع، وإنّ يوم الإثنين لناظره قريب، كما قالوا.