د.مصطفى علوش: فرعون الديماغوجي

102

فرعون الديماغوجي
د.مصطفى علوش-جريدة الجمهورية السبت 08 حزيران

«الديماغوجي هو القائد الذي يبشّر بمبادئ، يعلم هو أنها باطلة لجموع يعلم أنها مغفّلة» (هنري منكين)
«أريك لودندورف»، كان من أبطال الحرب العالمية الأولى في ألمانيا، وكان من المتحمّسين للحزب النازي في أولى بداياته، ولكنه وبعد أن تعرّف الى هتلر من قرب، وحين علم بأنّ الرئيس الألماني «هندنبرغ» قد عيّن زعيم الحزب النازي مستشاراً لألمانيا قال للرئيس الألماني، رفيق سلاحه السابق ما يلي: «لقد سلّمتَ أرض ألمانيا المقدسة إلى واحد من أكبر الديماغوجيين في التاريخ. إني أرى ألمانيا تسقط في قعر سحيق على يد هذا الشرير. إنّ الأجيال القادمة سوف تلعنك في قبرك لهذا القرار».
الديماغوجية هي كلمة يونانية مركبة من «ديموس» أي الشعب و«غوجيه» أي العمل، وهي اختصار لمصطلح سياسي وهو «العمل لمصلحة الشعب».
وهي اليوم تُستعمل للدلالة على مجموعة من الأساليب والخطابات والمناورات، التي يلجأ إليها السياسيون لإغراء الشعب بوعود خادعة للوصول إلى الحكم.
يقوم الزعيم الديماغوجي عادة بتملق الطموحات والعواطف الشعبية بهدف الحصول على التأييد من الرأي العام، مستنداً إلى مصداقيته أو ما يُسمى بالكاريزما، وهومصطلح آخر يحتاج للبحث في مقال آخر.
غالباً ما يستعمل الديماغوجي الوعود البراقة وتشويه الحقائق مؤيّداً كلامه بشتى فنون المنطق والأحداث المجتزأة والبراهين العامة دون إثارة تفاصيل قد تنبّه السامع وتدفعه إلى التفكير والبحث في صحة الخطاب. ويستعمل عادةً كلاماً مبسّطاً مستنبضاً من الموروث الشعبي، في إطار خطابات حماسية حبلى بالشعارات الشعبوية. ومع أنّ الكذب هو من الوسائل المعتمدة في كثير من الأحيان، ولكنّ الديماغوجي الخبير، والمدرب قادر على تجنّب الوقوع في الكذب المفضوح، فيركز على مواضيع صحيحة في الظاهر، بحيث يبهر السامعين، ومعظمهم من الجاهلين بالمواضيع المطروحة، فيستنتجون عادة ما يقصده القائد.
ويتحوّل هذا الإستنتاج مع الوقت إلى شكل من الإيمان بغض النظر عن صحته.
وقد يلجأ «القائد» في كثير من الأحيان إلى نوبات من «الغضب المقدس» للزيادة في إبهار الجمهور، والتملّص من المواقف والأسئلة المحرِجة.
وسائل الديماغوجية
تنقسم الوسائل التي تُستعمل في الديماغوجية إلى قسمين:
-1 قسم في حدود المنطق ويشمل:
• مقارنة الكميات دون البحث في النوعية، كمقارنة التفاح بالبرتقال لمجرد أنها تُباع بالكيلو. أو بمقارنة واقع «المقاومة» بغض النظر عن الظروف التي نشأت فيها، أو الحديث عن استعادة الحقوق من الآخر.
• إستعمال أنصاف الحقائق من خلال وضع عناوين شديدة المصداقية لدى العامة، وإغفال التفاصيل التي يتابعها عادة المهتمّون وهم قلّة. كوضع مشروع عقائدي ومذهبي تحت شعار عام اسمه «المقاومة» مثلاً لتسويغ تأييد الميليشيات المسلّحة. أو طرح عنوان «التهميش» لتسويغ التقوقع المذهبي.
• إستعمال مراجع كاذبة كقول «إستشرنا أستاذاً جامعياً في قضية قانونية» دون ذكر إختصاص هذا الأستاذ الذي قد يكون مرجعاً في الكيمياء، أو عضواً عاملاً في حزب الزعيم. ويشمل ذلك رمي إحصاءات وهمية أو مجتزأة وأرقام مضخمة من دون تفصيل.
٢- قسم يتجاوز المنطق ويشمل:
• حصر الخيارات في إثنين متضادين، كالقول إما وطني أو عميل، إما مع سوريا أو مع إسرائيل، إما مع مشروع الممانعة أو مع الفوضى البنّاءة، إما معنا أو ضدنا، مع إغفال كل الخيارات المنطقية الأخرى خارج التصنيف الذي وضعه الزعيم.
• تصوير الطرف الآخر بأنه العدوّ المطلق، ووضع كل الصفات الشيطانية فيه، ونسب كل المشكلات إليه، كالقول إنّ كل مشكلات العرب هي من الصهيونية، أو مشكلات لبنان كلها من اللاجئين.
• تشويه صورة الخصم الشخصية والعامة واتّهامه بالفساد مثلاً، واتّهام الخصم بأنه هو مَن يشوّه صورة الزعيم. كاتّهام الآخرين بالطائفية وإثارة النعرات، في حين أنّ كل عزّ الزعيم قائم على إثارة التعصب والنعرات.