علي الأمين/المحاصصة في السلطة اللبنانية تفضح الاستسلام لحزب الله

68

المحاصصة في السلطة اللبنانية تفضح الاستسلام لحزب الله
علي الأمين/العرب/06 حزيران/2019

خطاب نصرالله الأخير لا تكمن مخاطره في تجاوزه لحدود السيادة، ولا في إظهار حقيقة أن لبنان ورقة إيرانية، بل الخطر الفعلي هو في كشفه هزال الدولة اللبنانية أمام سطوة الحزب.

الانهماك في صراعات هامشية
فيما كان الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، يعطي الضوء الأخضر للرئاسات اللبنانية للانخراط في مفاوضات مع إسرائيل، من أجل تحديد وترسيم الحدود البرية والبحرية بين الدولتين، أطلق في خطابه الأخير في يوم القدس عدة مواقف تفضي إلى أن الذراع الأقوى لإيران في المنطقة العربية، لن تقف مكتوفة في حال تعرضت إيران لضربة عسكرية أو حرب. واعتبر في موقف وُصفَ بأنه يزيد من احتمالات الحرب بين حزب الله وإسرائيل، أن حزب الله على أتمّ الاستعداد للبدء ببناء مصانع للصواريخ الدقيقة، فيما لو استمرت الولايات المتحدة بطرح مسألة وجود مصانع لهذه الصواريخ في لبنان مع المسؤولين اللبنانيين. صحيح أن نصرالله قبل إطلاق هذه الجملة، قال إن حزب الله ليست لديه مصانع لهذا السلاح في لبنان، لكنه كان يوجه رسالة مضمرة إلى من يعنيهم الأمر في الداخل والخارج، أن إيران هي من يقرر في القضايا السيادية في لبنان، وباعتباره ممثل مرشدها في لبنان فهو من يحدد إعلان الحرب من دون أن يراعي ولو في الشكل أن مثل هذه القضية الخطيرة تقع على عاتق الدولة اللبنانية وحدها دون غيرها.

هذا الخطاب الذي اتسم بنبرة تصعيدية بخلاف المواقف السابقة تجاه إسرائيل وواشنطن، لم يلق أي رد من القيادات الإسرائيلية، ولم يتوقف عنده أي مسؤول أميركي، رغم ما انطوى عليه من نبرة عالية تجاه الطرفين، فلا إسرائيل أعلنت أنها بصدد التراجع عن قرار التفاوض مع لبنان، ولا واشنطن أصدرت أيّ موقف يتصل بأي تهديد بتعديل دورها كوسيط بين البلدين.

وبعد مرور 24 ساعة على هذا الموقف، جرى إطلاق بضعة قذائف هاون على جبل الشيخ من الجهة السورية وهي منطقة خالية من السكان تقع في الجولان المحتل، أي أن إطلاق هذه القذائف لم يكن المقصود منه أي ضرر بشري أو مادي، بقدر ما هو جسّ نبض للموقف الإسرائيلي الذي بقي صامتا حيال مواقف نصرالله الأخيرة، ولكن ذلك لم يمنع إسرائيل من القيام برد عنيف على مواقع سورية وإيرانية في ريف دمشق الجنوبي فجر الأحد، أدى إلى سقوط عشرة ضحايا بين جريح وقتيل بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ما يثير الانتباه هو الصمت الإسرائيلي تجاه مواقف نصرالله الأخيرة، لاسيما أن إسرائيل وتحديدا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كان أول من أثار مسألة وجود صواريخ دقيقة ومصانع لها في لبنان من على منبر الأمم المتحدة نهاية العام الماضي، وهذا الصمت ربما يشكل إحدى الأوراق التي يجمعها نتنياهو لتشكل ذريعة لخوض الحرب على لبنان في لحظة هو يختارها.

فمسألة الصواريخ الدقيقة على أهميتها كمصدر تهديد لإسرائيل، إلا أنها تشكل في المقابل مصدر تهديد للبنان، وهذا التهديد الأخير لا ينبع من خطورته العسكرية فحسب، بل من كون وجود هذا السلاح بيد حزب الله لا بيد الدولة اللبنانية. أي أن لبنان ليس صاحب القرار في استخدامه أو عدم استخدامه، وإن كان اللبنانيون هم من يتحملون تبعات وقوع أي حرب بين حزب الله وإسرائيل.

وما يثير الريبة أكثر في هذا السياق أن المسؤولين اللبنانيين، وخاصة القوى التي طالما واجهت حزب الله من زاوية أنه يغامر في السيادة اللبنانية، ويصادر قرار الحرب والسلم في الدولة، بقيت صامتة ومن دون أي رد فعل على مواقف نصرالله، فإذا كان رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي من حلفاء نصرالله وليس من عادتهم الاعتراض على مواقفه، فإن الملفت هو صمت رئيس الحكومة ورئيس حزب القوات اللبنانية، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

فرغم ما حمله خطاب نصرالله من تجاوز لصلاحيات المؤسسات الدستورية وللحكومة من تهديدات أطلقها في أكثر من اتجاه، فإن الصمت الرسمي والسياسي من القيادات المذكورة، يدفع إلى التساؤل عن حقيقة موقفها مما قاله نصرالله، وهو في أحسن الأحوال صمت في غير محله إلا إذا كان المقصود منه تثبيت المقولة التي يرددها البعض، أن لبنان أصبح بالكامل في القبضة الإيرانية.

استسلام ما كان يسمى “القوى السيادية” أو ما كان يعرف باسم قوى 14 آذار لاسيما تلك المنضوية في الحكومة أو القاطرة التي يقودها حزب الله، يزيد من المخاطر على الدولة اللبنانية. فلبنان طالما كان من خلال وجود معارضة لسلطة هذا الحزب يجد له من يستمع إلى موقفه العاجز عن لجم حزب الله، فيما اليوم وإزاء الصمت المطبق حيال ما تضمنه كلام نصرالله من تجاوز لدور الدولة ومسؤولياتها على الصعيد الاستراتيجي، سيثبت المقولة التي ترددها القيادات الإسرائيلية عن أن لبنان كله تحت سلطة حزب الله، وأن أي حرب مقبلة لن تميز فيها إسرائيل بين حزب الله والدولة اللبنانية.

المفارقة في لبنان ورغم ما تقدم من مخاطر تحيط به في مرحلة الاستنفار الأميركي-الإيراني، وفي ظل المواقف التي أطلقها نصرالله، هي انهماك الأحزاب اللبنانية في صراعات هامشية تتصل بملفات داخلية، وصراع على السلطة لكن ضمن الدائرة التي رسمها حزب الله لها.

فانهماك حزب القوات اللبنانية بلجم صعود نفوذ التيار الوطني الحر في السلطة وسيطرته على الحصص داخل الحصة المسيحية، يتقدم لدى القوات على كلّ ما عداه، لا بل صار مطلب تحييد حزب الله عن الصراع المسيحي هو جلّ ما يعني القوات اللبنانية كما تظهر الوقائع، فقائدها الدكتور سمير جعجع يبدو متنبها بل متربصا بحركة الوزير جبران باسيل إلى الحدّ الذي بات ما يقوم به حزب الله رغم خطورته أمرا لا يثير لديه أي ردّ فعل كما كان الحال في سنوات ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة.

وكذلك رئيس الحكومة سعد الحريري الذي بات تيار المستقبل الذي يتزعمه مهتما بالمحافظة على بعض المواقع في الدولة، أكثر من اهتمامه بالمخاطر التي تسببها السياسات الإيرانية على الدولة نفسها. وليد جنبلاط حاول التململ كعادته في مواجهة قبضة حزب الله، ولكنه حين أدرك أنه مستفرد من دون عون ولا نصير، فضل السكوت.

خطاب نصرالله الأخير لا تكمن مخاطره في تجاوزه لحدود السيادة، ولا في إظهار حقيقة أن لبنان ورقة إيرانية، بل الخطر الفعلي هو في كشفه هزال الدولة اللبنانية أمام سطوة الحزب، بل أكثر من ذلك، إنه ليس في مكونات الحكومة من هو مستعد ليقول لحزب الله لقد تجاوزت حدّ السلطة ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام مغامرة تدمير ما تبقى من لبنان، سواء في حرب تخوضها، أو في سلام موهوم تديره.