الكولونيل شربل بركات: هل يسقط الناخب الاسرائيلي “صفقة القرن”؟

107

هل يسقط الناخب الاسرائيلي “صفقة القرن”؟
الكولونيل شربل بركات/31 أيار/2019

دخل تأليف الحكومة الاسرائيلية مرحلة دقيقة أجبرت حزب الليكود على طرح حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات جديدة في ايلول المقبل. ويتسائل البعض ماذا وراء هذا التغيير وقد كان تشكيل الحكومة سيعطي رئيس الوزراء السيد نتانياهو فرصة جديدة لقيادة البلاد للمرة الخامسة ما لم يفعله حتى بن غوريون أول رئيس وزراء لدولة اسرائيل.

العقلية السائدة في الدول الديمقراطية وبعكس الشعوب التي لا تعرف الديمقراطية هي عقلية حساسة تجاه القائد الناجح، فالمجتمعات الديمقراطية لا يمكنها تحمّل الشخص الناجح لأكثر من عشر نوات متتالية، بالعادة، وهو ما تنبهت له الدساتير في كثير من هذه الدول فمنعت اعادة الانتخاب في المنصب الأعلى في الحكم؛ ففي الولايات المتحدة مثلا المدة الأقصى للرئيس هي ولايتين من اربع سنوات ما مجموعه ثماني سنوات، وفي لبنان ست سنوات لمرة واحدة، أما في فرنسا فالمدة الأقصى هي دورتين من سبع سنوات اي اربع عشرة سنة، وما رايناه في كندا ولو لم يكن هناك تحديد بأن المدة الأقصى التي يتحمّلها الشعب هي حوالي العشر سنوات ما يؤمن تداول السلطة بين الاحزاب ويعطي الفرصة لتحمّل المسؤولية وعدم الشعور بالغبن، ربما.

في اسرائيل وعندما نجح السيد بيغن بتوقيع سلام مع مصر في 1978 ومن ثم، وبعد حرب “سلامة الجليل” التي أتت بحليفها بشير الجميل رئيسا للبنان، كاد بيغن أن يحقق حلم اسرائيل بأن تعيش بسلام بين الجار الشمالي والجار الجنوبي ما سوف يجعل الملك الأردني يلتحق بالركب لتنتهي الحروب وينفتح الشرق الأوسط أمام طموح الاسرائيليين الذين تضيق بهم “أرض الميعاد”.

في بلادنا مثل يقول “البغضة بالقرايب والحسد بالجيران” وهذا ما يحصل في المجتمعات الديمقراطية فقد خاف اليسار في اسرائيل وهو من بنى الدولة في 1948 وكان بن غوريون فرض على بيغن بالقوة حل “تنظيم الهاغانا” وتوحيد البندقية تحت سلطة الحكومة، هذا اليسار خاف أن يستفرد الليكود بدور صانع السلام فلم يقبل بأن تستمر العلاقات الجيدة مع لبنان وتصل إلى السلام في 1982 كما كان حصل مع مصر سابقا، فقامت المظاهرات (200 ألف نزلوا إلى شوارع تل أبيب) وقام شمعون بيريس، الذي كان ورابين قد بدأ العلاقة مع المسيحيين في لبنان سنة 1976، بطرح نظرية جديدة قوامها بان جيراننا الأقرب في الشمال ليسوا المسيحيين بل الشيعة ونحن يجب أن نمد يدنا لهؤلاء الجيران.

وبدأت النظريات التي تتبنى تغيير الحلفاء بالظهور ومنها نظرية “يهود باراك” بالانسحاب السريع حتى الحدود الدولية (ما سينفذه كرئيس حكومة سنة 2000)، إلى أن نشأ “حزب الله” الذي أطاح بكل الحلفاء وأعاد اسرائيل إلى سياسة الغيتو بالرغم من أن البعض يدّعي غير ذلك.

وكان نجاح اليسار فيما بعد بالانتخابات ومحاولة تحقيق السلام مع الفلسطينيين، هذه المرة، طرح الثنائي بيريس – رابين وقد توصلا إلى “أوسلو” ومن ثم “كمب ديفيد”، وكاد رابين أن يصبح بطل السلام مع الفلسطينيين لولا قيام أحد المتطرفين اليمينيين بقتله وهو يخطب في ساحة تل أبيب ولو لم توقف هذه العملية مسيرة السلام التي سيوقفها عرفات فيما بعد بما سمي “ثورة الحجارة” بالرغم من أنه كان قد أعطي كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل سنة 1967 من مصر والأردن ليشكل دولته العتيدة.

اليوم، ومع الرئيس ترامب وما يشاع حول “صفقة العصر”، وبسبب حنكته السياسية وعلاقاته المميزة في الولايات المتحدة ودول العالم، يعتبر السيد نتانياهو أحد اركان الحل في الشرق الأوسط، فهو يكاد يكون موثوقا حتى في دول عربية كثيرة كما مع روسيا والولايات المتحدة.

وقد كان طرحه لمنع ايران من الوصول إلى السلاح النووي أحد أهم الأمور التي جعلته يقترب من قادة الدول الخليجية التي تخاف من سيطرة الجار الفارسي الهاجم لينقض على الشرق الأوسط بعد انسحاب اللاعبين الكبار منه.

الناخب الاسرائيلي اليوم ينظر إلى موضوع قيادة دولته من منظاره الشخصي وقد تكون الرؤية المحدودة والنظرية التي تكلمنا عنها أعلاه هما ما يحرك الشارع. وإذا لم يفلح السيد نتانياهو بالحصول على أكثرية في ايلول قد تخسر اسرائيل أحد عناصر القوة والحوار.

وقد تتأثر استمرارية الثقة بالقيادة الجديدة ما يقلل من الحظوظ للتوصل إلى تفاهم حول مستقبل العلاقات بين دول تتعاون اليوم لحل الموضوع الفلسطيني الذي يمنع من انهاء الصراع العربي – الاسرائيلي وتثبيت السلام ما سيخلق فرص عمل واستقرار لكافة سكان الشرق الأوسط الذين سئموا الحروب ويئسوا من المشاريع الهدامة.

فهل تأجيل تأليف الحكومة الاسرائيلية اليوم والذهاب إلى انتخابات في ايلول المقبل ستكون سببا في وقف طرح الحل الذي يتبناه الرئيس ترامب؟ وهل أننا وبعد أن كادت عناصر التخريب تنهزم بسبب سياسة الحزم التي اعتمدها هذا الرئيس سنستفيق على تراخي في الطروحات ما سيعطي إيران و”محور مقاومتها” فرصة جديدة للقيام بهجمات ارهابية كالتي جرت في بيروت ضد المارينز في 1983 ومن ثم تنهار الهالة العسكرية ليتفشى الارهاب من جديد؟

وماذا ستكون ردة الفعل في اسرائيل هل يتفاجأ المواطنون الذين اعتقدوا أن الحرب انتهت وعاد لهم ترف الخصومات الداخلية والتنافس على المقاعد القيادية، بموجة جديدة من الهجمات الصاروخية “الدقيقة”، هذه المرة، والتي يتوعّد عدوهم بأنها ستشل الحركة في طول البلاد وعرضها؟

أيران التي تسعى إلى خفض مستوى التحدي اليوم لكسب الوقت متأملة باستمرار نظام الملالي حتى الخريف المقبل حيث سيتركز اهتمام الرئيس ترامب وادارته على حملة الانتخابات الرئاسية وحينها تعود إلى سياساتها المعهودة وبرامجها التوسعية في المنطقة. فهل سيكون الناخب الاسرائيلي هو الحليف الغير المعلن الذي سيسقط “صفقة القرن”؟