أحمد عبد العزيز الجارالله: كل مساحيق طهران الظريفية لن تغطي بشاعة نظام الملالي/عبد الرحمن الراشد: كيف نتعامل مع مقترح إيران بعدم الاعتداء؟

45

كيف نتعامل مع مقترح إيران بعدم الاعتداء؟
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/29 أيار/2019

كل مساحيق طهران الظريفية لن تغطي بشاعة نظام الملالي
أحمد عبد العزيز الجارالله/السياسة/30 أيار/2019
بدا الفرق واضحاً في السلوك الإيراني بين عهد الرئيس باراك أوباما المتهاون، وإدارة دونالد ترامب الحازمة، فإذا كان نظام الملالي استفاد من التراخي الذي تعاطى به أوباما، وسهَّل توقيع الاتفاق النووي سيئ الذكر، ما أنعش النشاط التخريبي الإيراني في الشرق الأوسط، وسرع مشروع الصواريخ البالستية، فإن خروج واشنطن من الاتفاق وزيادة حدة العقوبات الاقتصادية في الأشهر الأخيرة أدت إلى تغيير سلوك طهران وبحثها عن مخرج من أزمتها الخانقة.
خلال سنوات حكم أوباما انتعش الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم، وراحت الدول الراعية له، مثل تركيا وغيرها، تتوسع في فتح جبهاته، إلى حد مرعب، غير أن كل هذا تغيَّر اليوم مع السياسة الاقتصادية والعسكرية الحازمة لإدارة الرئيس ترامب.
على هذا الأساس يمكن النظر إلى الأحداث الحالية، وخصوصاً في ما يتعلق بما تعرضه طهران على بعض العواصم الخليجية من علاقات متوازنة واستعداد لتوقيع اتفاقية عدم اعتداء معها، غير أن ما تعلنه ديبلوماسية ظريف يخالفه كلام العسكر، ما يوحي أن السلوك الملالوي باقٍ على حاله، وهذا يؤكد أن مساحيق التجميل الظريفية لن تغطي الوجه الحقيقي البشع للنظام بقيادة الحرس الثوري، الذي لا ينفك عن توجيه التهديدات للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بل يقرن ذلك بالفعل من خلال الاعتداءات الإرهابية التي نفذتها جماعاته ضد أربع سفن مقابل سواحل الإمارات، وأثبتت التحقيقات مسؤولية إيران عنها.
هذا السلوك الإيراني المزدوج لا يبعث على الثقة ولا يطمئن أياً من العواصم الخليجية، لأن هذه المنظومة موحدة ومتكاملة، ولذلك على قادة النظام إدراك أن العلاقة بين دول “مجلس التعاون” تقوم على وحدة المسار والمصير، ولا يمكن التفريق بين هذه وتلك، وحين يصور نائب قائد الحرس الثوري أن السعودية خارج المعادلة، فهو بذلك يؤكد المخاوف من أن ما جاء به نائب وزير الخارجية ليس أكثر من ذر للرماد في العيون.
ثمة الكثير من الضمانات التي تحتاجها دول “مجلس التعاون” أولها تحييد وكلاء الحرس الثوري وأذنابه وعصاباته في الإقليم، وهو الأمر الذي رفضه مرشد الجمهورية مع بداية الأزمة الحالية، لذا فإن عرض طهران هذا النوع من الاتفاقات هو ضرب من الخيال.
قبل أي أمر آخر، هل يمكن أن يجيب الإيرانيون عن السؤال المهم: من المعتدي؟ دول “مجلس التعاون” التي منذ أربعة عقود تمد يد الصداقة والسلام، أم من ترزع خلايا التجسس والتخريب وتدعم العصابات الإرهابية والميليشيات المذهبية؟
إضافة إلى كل ما تقدم لنا في ما جرى في السويد وهولندا وألمانيا وفرنسا، وغيرها من الدول، عبرة من ذلك، حيث عمدت الاستخبارات الإيرانية إلى ارتكاب جرائم ضد الأمن الداخلي لتلك الدول، وهو خير مثال على عدم الركون إلى كل ما يروِّج له قادة الملالي الذين لم يعد لديهم سوى الإذعان للضغوط والعودة إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون” استناداً إلى قائمة الشروط الواضحة والصريحة التي حددتها واشنطن عبر وزير خارجيتها في سبيل التوصل إلى سلة واحدة من الاتفاقات التي تبدأ من حل الميليشيات الطائفية وكشف خلايا التجسس والتخريب النائمة في المنطقة، وصولاً إلى وقف مشروع الصواريخ البالستية وسد الثغرات في الاتفاق النووي.
أما غير ذلك، وتبجح الرئيس الإيراني أن لا عودة إلى طاولة المفاوضات إلا بعد رفع العقوبات، فذلك حلم ليلة صيف لن يتحقق أبداً في ظل العدوانية الإيرانية المتمادية.

كيف نتعامل مع مقترح إيران بعدم الاعتداء؟
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/29 أيار/2019
وزيرا الخارجية والدفاع الإيرانيان كررا القول علانية داعيين إلى اتفاقية عدم اعتداء بين إيران من جهة، والسعودية والإمارات من جهة. وقد اعتبره البعض تطوراً لافتاً من طهران، وأنه يعبر عن فرصة ثمينة لنزع التوتر الخطير، وإنهاء حالة النزاع المستديمة منذ عقود. وهو بالفعل كذلك لو كان العرض صادقاً.
لكنه يذكرنا بما حدث عام 1989، عندما بادر الرئيس العراقي حينها صدام حسين مقترحا على الملك فهد رحمه الله أن يوقع اتفاقية عدم اعتداء مع السعودية. يروي الملك فهد، أنه ذهل لأنه لم يكن هناك مبرر ولا مقدمات سبقته، وكان العراق للتو قد انتهى من حربه مع إيران. وبالفعل وقع الجانبان الاتفاق ليكتشف الملك فهد بعد غزو صدام الكويت، في العام التالي، أن الاتفاقية كانت محاولة من صدام لتحييد موقف السعودية.
أولاً، لو كانت إيران جادة في رغبتها في سلام مع جارتيها، لكانت قدمت عرضاً واضحاً عبر القنوات والوسطاء الدبلوماسيين وليس عبر الوسائل الإعلامية؛ إلا أن تصريح وزير الخارجية، جواد ظريف، وتلاه وزير الدفاع، مصطفى نجار، الموجه للإعلام، يوحيان بأن ذلك ليس سوى محاولة لشق صف الرأي العام في المنطقة، وإقناع العرب بأن إيران تريد السلام، وأن الجانب الأميركي هو من يريد الحرب.
والاعتداء هنا بمفهومه العام، أن تشن إيران حرباً أو هجمات على السعودية والإمارات والعكس. لكن المشكلة مع إيران أنها ليست دولة وجيشاً بالمفهوم التقليدي، بل هي منظومة سلطة مؤدلجة بميليشيات لها منتشرة في المنطقة. فإيران في حال اعتداء مستمر على لبنان مثلاً، أسست حزباً بميليشيا مسلحة يهيمن على البلاد ويقرر سياساته العليا. الحوثيون، ميليشيا يمنية، أيضاً تسمى أنصار الله، ميليشيا مسلحة من إيران، وكذلك ميليشيات العراق. كيف يمكن توقيع اتفاق عدم اعتداء مع حكومة طهران تملك أذرعاً مسلحة ولا تعتبرها ملزمة بالاتفاق، إضافة إلى أنه حتى لو قبلت فإنه لا توجد آلية، أو ضامن لمثل هذا الاتفاق بين جانبين يفتقدان الثقة ببعضهما. الضمانات التي ترافق مثل هذه الاتفاقات، لا تقوم على الثقة ولا تساوي الحبر الموقع به، إنما يتم تتبع خطوات تنزع احتمالات الاعتداء، مثل تقليص الجيوش، وإنهاء التسلح الهجومي، واعتماد آلية مراقبة، وإخلاء المناطق البرية والبحرية الفاصلة من القوات، والتخلي عن التحريض، والتوقف نهائياً عن دعم أي جماعات معادية للطرفين ونحوه. وللسعودية تجارب في التصالح مع إيران كانت مخيبة في كل المرات الماضية. فقد سبق أن هندست اتفاقاً ينهي حال الخلاف، ووقعه كل من الأمير نايف بن عبد العزيز، رحمه الله، وزير الداخلية، وحسن روحاني، الرئيس الإيراني الحالي نفسه، الذي كان آنذاك رئيس المخابرات. وبموجبه أعيدت العلاقات، وفتحت السفارات، وفعلت القنصليات، وتم تبادل البعثات التجارية، وسمح لطيران البلدين بالعمل في الأجواء بينهما ونقل الركاب. ولم تمض فترة طويلة على الود حتى اكتشف السعوديون خديعة الحرس الثوري، وكان يهيئ خلايا محلية معادية، ويستخدم الخطوط الجوية الإيرانية للتهريب، فقطعت العلاقة وساءت أكثر مما كانت عليه قبل الاتفاق. السعودية والإمارات وبقية دول الخليج، ربما باستثناء قطر، جميعها راغبة بإنهاء الأزمة والتوتر اللذين داما أربعين عاماً، لكن نظام طهران لم تتبدل فلسفته ولا نشاطاته منذ إعلان آية الله الخميني في مطلع الثورة عزمه على تغيير الأنظمة في الخليج وبقية دول المنطقة، تحت اسم دعم الثورات. السياسة هي نفسها، والرجال هم أنفسهم، لم تتغير إيران. هي وكوريا الشمالية آخر بلدين ثوريين في العالم، وحتى كوريا الشمالية تحديها العالم لا يتعدى حدودها بخلاف إيران المنتشرة قواتها وثوارها في أنحاء المنطقة. وبالتالي لا يمكن أن نصدق تصريحات صحافية من مسؤولين يقترحان معاهدة اعتداء ونعتبرها تطوراً إيجابياً. فلا يستغرق الأمر، لو كانوا جادين، من المرشد خامنئي والرئيس روحاني والجنرال سليماني أن يعلنوا نهاية ارتباطهم بالحوثي في اليمن، ووقف تسليحهم «حزب الله» في لبنان، هل هذا ممكن؟ أستبعد ذلك.