حازم الأمين: كلنا عونيون

197

كلنا عونيون
حازم الأمين/الحرة/23 أيار/2019

استيقظ العونيون في لبنان. ما يجري اليوم يشبههم. قيمهم ومعدل ذكائهم وطموحاتهم ووزراؤهم ونوابهم، يتصدرون مشهد الحياة العامة. جبران باسيل يقتحم مكاتب جريدة الأخبار وينتصر، فيما الصحيفة تستغيث بعمه الرئيس ليحميها منه. موقع التيار ينشر خبرا عن أن سوريين يحاصرون ساحة ساسين، ليتبين أنهم يقصدون أن فرنا يبيع المناقيش هناك يستخدم عمالا سوريين. وجه بارز في التيار، هو طبيب ومقاتل سابق يطالب الدولة اللبنانية بقطع التيار الكهربائي عن المخيمات الفلسطينية.

والعونية تتمدد على ما يبدو لتحتل وجدانات خصومها، فتخاض حرب مسيحية هائلة على رئيس الاتحاد العمالي العام بسبب نكتة سمجة وبذيئة قالها، ولا يقتصر الأمر على رفض اعتذاره وعلى عزله من منصبه، فيخضع الرجل للتحقيق ويتم توقيفه. الأطراف المساهمة بالتحريض على الرجل كانوا بالدرجة الأولى خصوم العونيين، لكنهم استعانوا في حملتهم بمزاج وبوجدان العونية السياسية والاجتماعية.

لبنان العوني مستجيب بالكامل للشرط الإيراني
العونية تطوف علينا. “فيسبوك” اللبناني إما عوني أو “أنتي عوني”، والوزراء والنواب صاروا ممثلين للعونية أو لخصومها. وزيرة الداخلية ريا الحسن مثلا، وهي قريبة من رئيس الحكومة سعد الحريري، صارت تشبه العونيين لشدة تمثيلها خصومتهم. وزراء حركة أمل مستعدون دائما لسجال زملائهم في التيار، ووزراء القوات اللبنانية يتسابقون مع زملائهم وخصومهم في تحصيل “حقوق المسيحيين”.

لكن طوفان العونية يبقى برانيا، وغير جوهري إذا ما قيس بمستوى تأثيرهم بالعناوين السياسية الفعلية في لبنان. موقع لبنان في الزلزال الهائل الذي ينتظر المنطقة، وقدرته على مواجهة الأزمة الاقتصادية المنتظرة والوشيكة بفعل العقوبات الأميركية على إيران وعلى حزب الله، تكاد تكون منعدمة. فلبنان العوني مستجيب بالكامل للشرط الإيراني، وللموقع الذي اختارته طهران له. ولبنان العوني الذي يريد أن يقطع الكهرباء عن المخيمات الفلسطينية ليس في جعبته كلمة واحدة في مواجهة احتمالات توطين اللاجئين الفلسطينيين، وهذه احتمالات جدية هذه المرة، في ظل ما بدأ يتسرب عن “صفقة القرن”.

لبنان العوني المتدفق على وجوه اللبنانيين وعلى شوارعهم ويومياتهم وحكومتهم وأجهزتهم الأمنية والقضائية، منشغل بتأديب جريدة الأخبار وبمحاسبة رئيس الاتحاد العمالي على بذاءته، وبالدفاع عن ساحة ساسين في وجه عامل في فرن المناقيش هناك. والغريب أن العونية نجحت بتحويلنا كلنا إلى عونيين. فهي لم تعد انتماء، بل صارت مزاجا. كثيرون منا يعتقدون أنهم ليسوا عونيين، لا بل يعتقدون أنهم من خصومها، لكنهم ولكننا في حقيقة الأمر عونيون من دون أن ندري. سعد الحريري صار عونيا لشدة حذره من العونيين، وحركة أمل صارت عونية لشدة توترها منهم. القوات اللبنانية تسعى لمشابهتهم في سياق خصومتهم. وحده حزب الله يملك ترف البقاء خارجهم، ذاك أنهم وسيلته لكي نلهو بعيدا عن حقائق ثقيلة تسبب لنا فيها.

كلنا عونيون ووحده حزب الله غير عوني. ميشال عون عوني، أما حسن نصرالله فليس عونيا، إذ كيف يكون المرء أسير وهم من صنيعته. ولشعوره بالمناعة منها، دفع الحزب بالعونية إلى كل مكان. جعلها تنتصر على حليفه الأكبر نبيه بري، وعلى الصحيفة الأكثر قربا منه، ناهيك عن إفساحه المجال لإطاحتها بخصومه.

سعد الحريري صار عونيا لشدة حذره من العونيين، وحركة أمل صارت عونية لشدة توترها منهم.

وللعونية المعممة قيم صار التسابق على تبنيها ورعايتها جزء من مشهد التنافس بين الجماعات اللبنانية. بالأمس أقدمت بلدية بيروت مُعززة بوزارة الداخلية على طرد عدد من العمال السوريين والبنغال من أحد مباني شارع الحمرا. من أقدم على هذه الخطوة ليس عونيا بالاسم، إنما عوني بالعدوى وبالممارسة. بلدية بيروت لو لم تفعل ذلك لاتهمت بلبنانيتها. وهنا تماما يمكن رصد تسلل العونية إلى وجدانات خصومها. صاحب فرن المناقيش سيتريث في المرة القادمة إذا ما أراد أن يوظف سوريا، وجريدة الأخبار لن تنشر تسريبات تمس بوزير الخارجية طالما أنها تعلم أن حزب الله يقدم جبران باسيل عليها.

لكن ماذا بعد هذا الطوفان؟ ماذا بعد تفريغ الحياة العامة، وإعادة شحنها بهذا القدر من التفاهة؟ كيف سيواجه لبنان عناوين بحجم العقوبات الأميركية عليه؟ وكيف سيفاوض على موقعه في “صفقة القرن”؟ ليست العونية من سيتولى هذا النوع من المهام طبعا، وليسوا خصومها ممن صاروا نسخا مشوهة عنها. سنعود هنا إلى المفاوض الأصيل، فحينها ستكون مهمة تفريغ لبنان قد أنجزت تماما، وسيتقدم غير العونيين لإدارة موقع لبنان، وهؤلاء ليسوا سوى حزب الله.