من أرشيفنا لعام 2001/كلمة الكولونيل شربل بركات أثناء زيارة غبطة البطريرك صفير لمدينة تورونتو الكندية عام 2001

115

في يوم رحيل بطريرك الاستقلال الثاني مار نصرالله بطرس صفير نستعيد من الذاكرة ما قلناه له أثناء زيارته لمدينة تورونتو الكندية في 2001

كلمة الكولونيل شربل بركات في حفل استقبال غبطة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الذي اقيم في كنيسة سيدة لبنان تورونتو – كندا بتاريخ 21- 3 – 2001

أيها الأب الجليل، أيها الحفل الكريم
أيها النور الطالع من تراب لبنان
أيها الحامل كل همومه
أيها العارف بدقة الأمور وخفاياها
أيها السالك دروب المسيح، المتألم لأوجاع الناس ومآسيهم

أهلا بك. في بلاد الصقيع هنا تجمّع الأهل يرحبون بنسمة الخير والمحبة التي جاءت تخفف من قساوة البعد وجفاء الأيام. لم تكن الهجرة تصرفا غريبا علينا، فشعبنا الذي جعل البحر منذ آلاف السنين، مركبا يوم كانت شعوب الأرض تهاب مجرد الاقتراب منه، والذي عمّر القارات مدنا وحضارات ونشر الحرف والمحبة والانفتاح، ليس غريبا عليه أن يغامر بنوه ويهاجروا في سبيل المزيد من الرفاه أو المعرفة. ولكن هجرتهم هذه المرة كانت توجّعا على الوطن وهربا من سلاخيه، وهو لا يزال ماثلا أبدا أمام العيون. أيها الحبر الجليل، يا من “مجد لبنان أعطي له”، هل يبقى مجد للبنان ما لم يزينه كرسيكم المقدس ويرعاه تدبيركم المخلص وتحميه رؤيتكم وعمق الايمان؟ أيها الجالس على كرسي بطرس الانطاكي، المتوّج بزهد مارون وقداسة شربل وطهارة رفقا والحرديني، أيها الوارث لمآثر يوحنا مارون وحجولا ودانيال الحدشيتي والحويك، إجعل الحزم والحكمة والشجاعة والإصرار رفاقك فلا يخيفك العالم وتباعده عن نصرة الحق، ولا يرهبك المحتلون الغرباء وتجاسر أقزامهم المخربين. فشعبنا الذي دفع ثمن هذا الوطن كما لم يدفع شعب على هذه الأرض عبر تاريخه الطويل، يقف معكم ويسير خلفكم غير عابئ بالتضحيات ينتظر كلمتكم المرشدة وقراركم الحكيم أينما كان في مشارق الأرض والمغارب، وهو يعلم أن صلابة موقفكم سوف تسهم في تحرير الوطن وعودة قراره المستقل وازدهاره واستقراره، فلم يكن المهاتما غاندي الذي حرر الهند بدون سلاح باقدر ولا بأوسع رؤية منكم ولو اختلف الاحتلال. وليعلم الجميع أن مهادنة الغزاة لن تعيد الحق، ولا وقوف الجبناء أو المستفيدين واجهة لهم. وقد يكون العصيان والرفض لمخططاتهم التذويبية ودعوة اللبنانيين جميعا للالتفاف حول مقامكم السامي، بارقة تبعث الأمل بالمستقبل وتجعل المترددين الخائفين من ظلم الجلادين وقساوة إرهابهم واستمرار تهديدهم باشعال الفتنة كلما طلب إليهم الرحيل، يقفون خلفكم حتى يخرج المحتلون والدخلاء.

أيها الأب العطوف، من جنوب لبنان المعذب، حيث القهر أصبح خبز الناس اليومي، والظلم شريعة المتسلطين الجدد، نرفع الدعاء إلى الله ليمدّكم قوة وحكمة، فتنادون بالحق كما عودتمونا وتطالبون بوقف المهزلة التي تمعن إهانة وتحقيرا باصحاب الأرض الصامدين فيها والتي تزيد كل يوم عدد الراحلين عنها والمبعدين منها. فبعد ربع قرن من الآلام في هذا السجن الكبير، يلاقي الوطن أبناءه ورافعي رايته الذين لم يسمحوا بأن يدنس ترابه أو ينزل علمه أو يذل أهله، يلاقيهم بالارهاب والوعيد، بالسجون والتعذيب الذي يذكّر “بالباسيل” ويكاد ينسينا “المزة” التي أغلقوا، وكأنه كتب علينا أن نحمل أوساخ الآخرين، فيكون حسد السنين العتيقة لصورة لبنان الجميلة قد أكمله حقدهم تشويها، وتعيد الأسطورة نفسها؛ فالأرض التي شربت دم هابيل الصديق(دم – سق) تمتص دم لبنان وتدنّس وجهه المحبب من الله كما وجه هابيل.

أيها الأب الفاضل، لقد قالها شاعرنا مرة ونكررها أمامكم:
صبرنا على الأيام رغم صروفها لأنا جمعنا الرأس والقلب واليدا
ونمضي إذا ما باعد الخلف بيننا كأنا سرابا في الرياح تبددا
ندعوكم لأن تجمعوا القلوب وأنتم الرأس وتشدوا على الأيدي ليزهر مجد لبنان من جديد ويعود كما اسمه قلب الله ولبه الأبيض.
المجد لله