د. خطار أبودياب:الملف الإيراني بين المنطقة الرمادية والخطوط الحمراء/حامد الكيلاني: العراق والتحرش الإيراني بالمصالح الأميركية/العرب: حاملة الطائرات الأميركية في الخليج: رسالة لإيران وللحلفاء

115

الملف الإيراني بين المنطقة الرمادية والخطوط الحمراء
د. خطار أبودياب/العرب/11 أيار/2019

العراق والتحرش الإيراني بالمصالح الأميركية
حامد الكيلاني/العرب/11 أيار/2019

حاملة الطائرات الأميركية في الخليج: رسالة لإيران وللحلفاء
العرب/11 أيار/2019

الملف الإيراني بين المنطقة الرمادية والخطوط الحمراء
د. خطار أبودياب/العرب/11 أيار/2019
يعمل الحكم الإيراني على شد العصب الداخلي في وجه الإدارة الأميركية، ولا يستبعد أن يقود الضغط أصحاب القرار في طهران إلى اتخاذ خيارات متهورة لاعتبارات أيديولوجية.
تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران
تتسارع التطورات بخصوص الملف الإيراني منذ بدايات هذا الشهر، ويبدو لوهلة سريعة كأن طبول الحرب تقرع في الشرق الأوسط والخليج العربي بعد تشديد العقوبات الأميركية وردة الفعل الإيرانية حيالها. لكن في هذه المنطقة من العالم التي تتلاحق فيها الحروب والنزاعات منذ ثمانينات القرن الماضي، يبقى احتمال المواجهة المباشرة والواسعة محدوداً وما التهويل والاستعراضات والتهديدات إلا من باب الردع الاستباقي أو زيادة الضغط.
لكن مع إدارة دونالد ترامب تنتقل واشنطن للمرة الأولى من سياسة رمادية لا تتجاوز ربط النزاع مع طهران، إلى سياسة هجومية تلامس الخطوط الحمراء. في المقابل تجد الصين الداعم الاقتصادي الأول لطهران نفسها في موقف حرج ولا يظهر حماسها للانحياز إلى إيران في هذا المنعطف الدقيق من حربها التجارية مع واشنطن، وينطبق ذلك على الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي والتي لا تملك الروافع الدبلوماسية والاقتصادية الكافية للتأثير في مصير اختبار القوة الأميركي – الإيراني الذي سيزداد احتداماً في الأسابيع والأشهر القادمة.
تعتبر “الجمهورية الإسلامية” أنها مارست الصبر لمدة عام ولم ترد على الخطوة الأميركية بالانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي بالرغم من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية، لكن بعد سعي إدارة دونالد ترامب تصفير الصادرات النفطية وإدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب، أتى الإجراء الإيراني بالتنصل من بعض بنود الاتفاق النووي وفي ذلك رسالة مباشرة للترويكا الأوروبية.
لا تستبعد بعض الأوساط أن تقوم الصين بلعبة مزدوجة تقضي بالحصول على نفط إيراني منخفض السعر عبر التهريب، وكذلك تشديد التعاون العسكري السري (خاصة في مجال الطائرات المسيرة)
لم تخطيء واشنطن بتوصيف هذه الخطوة بابتزاز إيراني للجانب الأوروبي، وبالفعل بعد انسحاب واشنطن من اتفاق 2015، وجدت أوروبا نفسها بين “المطرقة الأميركية” و”السندان الإيراني” بعدما تصورت نهاية الهاجس الإيراني الذي ساد منذ 1979. والآن يعود الكابوس بشكل أو بآخر مع تهديد بنذر مواجهة تخشى أوروبا من انعكاساتها على أمنها الاستراتيجي. وقد تابعت الأوساط الأوروبية تهديدات الرئيس حسن روحاني على “الطريقة الأردوغانية” بتخفيف مكافحة تهريب المخدرات وضبط حركة اللجوء وترك السيل يزحف نحو القارة القديمة.
وفي هذا الصدد يعلق مصدر أوروبي أن إيران استخدمت في الماضي ورقة الإرهاب وأوروبا منتبهة جيدا لكل خطوات طهران. أما بالنسبة للانسحاب من بندي بيع اليورانيوم المنخفض التخصيب والماء الثقيل فيحدد أحد المفاوضين السابقين في جولات فيينا أن هذا الإجراء رمزي لأن هذه المواد لا تجد من يشتريها. أما بالنسبة لمهلة الستين يوما والتلويح برفع تخصيب اليورانيوم فيحدد أحد الخبراء أن أي مغامرة بإيصال التخصيب إلى مستوى يؤهل الإنتاج العسكري تعني إنهاء الاتفاق واصطفاف أوروبا خلف إدارة ترامب.
هكذا بعد رمي الترويكا الأوروبية للإنذار- المهلة وتركيز إيمانويل ماكرون على البرنامج الصاروخي الباليستي مع تمسكه بالاتفاق النووي، تبدو المناورة الإيرانية مسدودة الأفق في رهانها القديم – الجديد على الشقاق بين الأوروبيين وواشنطن. تعتبر الأوساط الفرنسية المتابعة للملف أن الرئيس ماكرون سعى بكل جهده وفشل في إقناع ترامب بالتريث والعمل على استكمال اتفاق 2015 وسد ثغراته (تمديده بعد 2025، تطوير الصواريخ الباليستية والاستقرار الإقليمي) ولذلك رفضت أوروبا خطوته وكانت جادة في التوصل إلى آلية التفاف على العقوبات واستمرار المعاملات المالية والتجارية في بعض الميادين مع طهران، لكن لا القطاع الخاص ولا المصارف الأوروبية تجاوبت ولم يعد هناك هامش مناورة عند الترويكا.
بناء على ذلك، حاول الجانب الفرنسي مطالبة طهران بمرونة حول الملف الباليستي وحول الدور الإيراني في اليمن وسوريا ولم يكن هناك أي تجاوب إيراني ملموس. وزاد الطين بلة تورط طهران في أعمال إرهابية مفترضة ضد المعارضة الإيرانية في باريس وهولندا والدنمارك. إزاء هذه الدائرة المغلقة، زاد نفوذ الصقور داخل إدارة ترامب وازداد التوتر بين واشنطن وطهران من العراق إلى ضفاف الخليج العربي.
ومن الواضح أن إيران المنهكة داخلياً والمصرة على مكاسبها الإقليمية تراهن على عدم حرق المراحل والانسحاب على مراحل من اتفاق 2015 لكسب الوقت، وهي تعلل الآمال على عدم التجديد لدونالد ترامب كي تعود إلى خطوط الوصل مع واشنطن.
في المقابل أتى القرار الأميركي ضد تصدير المعادن الإيرانية ليشكل ضربة إضافية ويمثل تشددا في إدارة الملف بالتوازي مع نشر حاملة الطائرات والقاذفات الاستراتيجية. من الواضح أن فريق الرئيس ترامب لا يخطط للحرب الشاملة على شاكلة ما جرى في العراق في 2003 إذ لسنا أمام عدو مماثل أو ميزان قوى عالمي مماثل أو إدارة أميركية مماثلة، بل أقصى ما يمكن أن يحصل في حال قيام إيران بتحريك أذرعها في ضربات للمصالح الأميركية أو للجنود الأميركيين في المنطقة أو ضد حلفاء الولايات المتحدة، هو ضربة محدودة أميركية شبيهة بما حصل عام 1988 عندما عرقلت إيران الملاحة في المياه الدولية. لكن يمكن لإسرائيل أن تلعب دوراً في مواجهة بالوكالة يكون مسرحها الأساسي سوريا وربما لبنان والعراق. بيد أن احتمالات مواجهة ما قبل بدء الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية في صيف 2020، تبقى رهينة حسابات الأطراف المعنية وقدرة بعض اللاعبين الخارجيين وأبرزهم روسيا على تفاديها أو احتوائها.
مع إدارة دونالد ترامب تنتقل واشنطن للمرة الأولى من سياسة رمادية لا تتجاوز ربط النزاع مع طهران، إلى سياسة هجومية تلامس الخطوط الحمراء
على صعيد آخر عوّلت طهران طويلاً على الصين كشريك اقتصادي واستراتيجي. وبالفعل لعبت بكين دورا كبيرا في تخفيف آثار العقوبات الدولية بحق إيران بين 2012 و2015. لكن يبدو الوضع مختلفاً في 2019 بناء على أرقام طلبيات الصين من النفط الإيراني (مقابل زيادة الصادرات النفطية السعودية إلى الصين). ومن التفسيرات الممكنة لهذا التردد الصيني عدم وجود رغبة في مقارعة واشنطن حول هذا الملف وتسخين الحرب التجارية على هذا المحور.
ولا تستبعد بعض الأوساط أن تقوم الصين بلعبة مزدوجة تقضي بالحصول على نفط إيراني منخفض السعر عبر التهريب، وكذلك تشديد التعاون العسكري السري (خاصة في مجال الطائرات المسيرة). لكن أياً كانت مواقف الصين والهند وتركيا حيال استيراد النفط الإيراني فإنها لن تحد كثيرا من فعالية الخطوة الأميركية وتصاعد تأثيرها على الداخل الإيراني مع سقوط سعر صرف العملة الوطنية والتضخم وغلاء الأسعار.
يعمل الحكم الإيراني على شد العصب الداخلي في وجه الإدارة الأميركية، لكن هناك شك بقدرته على ضبط نقمة شعبية متفاعلة منذ نهاية عام 2017. ولا يستبعد أن يقود الضغط الأقصى أصحاب القرار في طهران إلى اتخاذ خيارات متهورة لاعتبارات أيديولوجية وذاتية تتصل بتوازن القوى داخل الدائرة الأولى للحكم. وفي مواجهة إدارة دونالد ترامب سيوجد كل الإقليم على صفيح ساخن على وقع تطورات الملف الإيراني.

العراق والتحرش الإيراني بالمصالح الأميركية
حامد الكيلاني/العرب/11 أيار/2019
الأزمة في العراق مكشوفة للولايات المتحدة لأن النظام السياسي ليس بإمكانه أن يصنع دولة ذات سيادة بقرار.
مصداقية الحكومة العراقية في امتحان الصعب
تناغم البيان الرئاسي الصادر عن رئاسة جمهورية العراق مع بيان مجلس الوزراء، بعد الزيارة الطارئة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في تأكيدهما على استمرار الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والتزام العراق بسياسته المتوازنة في بناء جسور الصداقة والتعاون مع الأصدقاء والجيران ومنهم إيران، وأن بغداد مكان التقاء وليس فضاء صراع. وفي البيانين إشارات إلى مساعي بسط الأمن وجلب الاستثمارات وسعادة الوزير الضيف بقرار دعم مساعي وزارة النفط للاتفاق مع شركة “إكسون موبيل” الأميركية.
التنسيق بين مكاتب الإعلام في الرئاستين لإخراج صيغة التناغم والتعاطي بهدوء مع مبررات زيارة بومبيو في ذروة الطوارئ بين الولايات المتحدة وإيران تبلور صورة النظام السياسي وكيفية إدارته المرتبكة وغير المتوازنة أولاً في علاقته مع الملايين من أبناء العراق، حيث لامبالاة ولا مصارحة، بما ظهر منها في اختيار أزياء موحدة لمفردات دبلوماسية يمكن تداولها في أعقاب أي زيارة تقليدية لوفود رسمية.
وزير الخارجية الأميركي قطع زيارته لدولة أوروبية وتوجه إلى بغداد لساعات معدودة، بعد أنباء من مصادر استخباراتية عن تحركات واستعدادات الحرس الثوري وأذرعه الميليشياوية داخل العراق لشن هجمات على المصالح الأميركية، بما تعنيه من مقرات دبلوماسية أو قواعد عسكرية أو شركات، وفي ثنايا الزيارة إبحار لحاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” برفقة عدد من البوارج الحربية مع قرار بإرسال 4 من القاذفات الاستراتيجية نوع “بي 52″ الأكثر تأثيراً في الحرب الجوية. تحت ظل هذه الوقائع لا يمكن لأي مصدر إعلامي رسمي تجاهل مبررات الزيارة الخاطفة والتعامل معها بمنطق الترويج خدمة للمؤسسة التي ينتمي إليها.
ما قاله رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي عن قدرة حكومته على حماية المصالح الأميركية وتبذير وعوده للوزير بومبيو، يرسخ القناعات لدى الإدارة الأميركية بطبيعة تلك الوعود من خلال تصريحات الوزير أثناء زيارته عندما تحدث عن تصعيد الأنشطة الإيرانية وتناقل المعدات على أرض العراق، وكذلك بما عبر عنه من رغبة أميركية في استقلال القرار العراقي عن إيران.
بالإمكان معرفة دوافع النظام الإيراني من وراء سياسة الاستخفاف أو الاستهزاء بالتهديدات الأميركية أو تبريرها على الأقل ولو على مستوى العلاقة بين نظام ولاية الفقيه والشعوب الإيرانية، نظراً لاقتراب خط الفقر من نسبة 50 بالمئة، في وقت أعلنت فيه السفارة الأميركية في بغداد عن حجم ثروة المرشد الإيراني علي خامنئي البالغة 200 مليار دولار.
يبدو أن هذه المفارقة استفزت ولاية الفقيه وفصائل الحرس الثوري في العراق وأيضاً الأحزاب المنتمية في ولائها للمرشد بما أطلق العنان لردة فعلها في مظاهر مسلحة يراد لها أن تكون مجهولة، وتحرش غير محسوب النتائج وضمن رصد الاستخبارات الأميركية لتكراره وتذبذب مناسيبه، ارتفاعا وانخفاضا، قياساً لصلته بالسياسة الإيرانية ومتطلباتها.
التهديدات الأميركية طالت الحرس الثوري وتنظيمات الفصائل التابعة له، إضافة إلى القوات النظامية، جوية أو برية أو بحرية، بما أن النظام الإيراني يراهن على قواته البحرية في إيصال رسائله الدعائية إلى الولايات المتحدة كما حصل في مهمة إرسال مدمرة إيرانية إلى مياه الأطلسي، مع ما رافقها من تصريحات إيرانية عن قدرة سلاح البحرية في الوصول إلى مقتربات المياه الدولية للولايات المتحدة في استعراض لضربات ممكنة بصواريخ باليستية بلغ مداها وفق البيانات العسكرية الإيرانية 6 آلاف كيلومتر.
الرد الأميركي حينها التزم الصمت مع بعض التحليلات الإعلامية، لكن من تبنى السخرية في مبررات التجاهل الأميركي على التجرؤ الإيراني اكتشف الآن مدى جدية الإدارة الأميركية في ردود فعلها تجاه النظام الإيراني، عندما أرسلت حاملة الطائرات الأضخم على مستوى سلاح البحرية في العالم والتي وصفها النظام الإيراني بأنها مجرد عملية استبدال روتينية لحاملة طائرات بأخرى.
الأزمة في العراق مكشوفة للولايات المتحدة لأن النظام السياسي ليس بإمكانه أن يصنع دولة ذات سيادة بقرار مستقل، والسبب ببساطة يعود إلى إرادة الاحتلال الأميركي التي مزقت الهوية الوطنية، ثم تخادم إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مع تنظيم الدولة في إيران للإجهاز على بقايا تلك الهوية، وبعدها جاء الدور لإطلاق سراح تنظيم داعش لاحتلال المدن المطلوبة على قائمة الإرهاب الطائفي الإيراني، لتكون معادلاً لتأسيس فصائل الحرس الثوري في العراق بغطاء من المرجعية المذهبية وتحت قانون برلماني يضمن لها الحماية من المساءلة الدولية عن انتهاكاتها الموثقة.
الحشد الشعبي، بتحركاته الأخيرة أو تحرشاته إيرانية الهوى على المستوى السياسي في البرلمان أو بإعلانه الولاء المطلق لولاية الفقيه أو بما صدر عنه من تلويح باستهداف المصالح الأميركية، يضع مصداقية الحكومة العراقية في الامتحان الصعب في تنفيذ وعودها بحماية المصالح الأميركية مع وجود قانون الحشد الشعبي الذي سبق وأن وضع فصائل الميليشيات تحت إمرة صلاحيات رئيس الوزراء.
لذلك على الحكومة تقدير خطورة الموقف في هذه المرحلة والتصرف كدولة، لكن ما يجري في العراق من استباحة لمفاهيم الدولة والمواطنة يتسق مع ما قاله الرئيس حسن روحاني الذي مازال يخاطبنا: من أنتم؟ كما تفعل ميليشياته.

حاملة الطائرات الأميركية في الخليج: رسالة لإيران وللحلفاء
العرب/11 أيار/2019
خيارات الأمن الاستراتيجي تعيد الاعتبار لقوة الردع العسكرية الأميركية في وجه أي تهديدات محتملة.
بالمرصاد لأي تهديد
يعدّل إرسال الإدارة الأميركية لحاملة الطائرات الأميركية أبراهام لينكولن، إلى الشرق الأوسط بوصلة السياسة الخارجية الأميركية من جديد، ويشي بإعادة الاعتبار للذراع العسكرية كقاعدة أساسية في خيارات واشنطن الخارجية. وفيما تبدو إيران المستهدف الرئيسي من إظهار قوة الردع العسكرية الأميركية، تحمل الخطوة رسائل أخرى موجهة للحلفاء تحثهم على تحديد موقف واضح وللمنافسين تحذرهم من المساس بالمصالح الأميركية في المنطقة.
واشنطن – تتحرك حاملة الطائرات الأميركية يو.إس.إس.أبراهام لينكولن، ومجموعتها الهجومية التي تتضمن سفن تدخّل ومدمرات عدّة وعددا من المقاتلات، في طريقها إلى مياه الخليج العربي في مناورة مصحوبة بتحذير واضح من واشنطن إلى طهران بأن قوة الردع العسكرية الأميركية جاهزة في واجهة تهديدات إيران. ويكشف قرار الإدارة الأميركية إرسال حاملة الطائرات أبراهام لينكولن عن تبدل في الاستراتيجيات التي كانت انتهجتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كما يكشف عن تطور في الاستراتيجية التي كان وعد بها الرئيس الحالي دونالد ترامب، ما ينفي ما أوحت به تصريحاته السابقة بعزمه على الانكفاء عن صراعات العالم.
وتكشف التطورات الأخيرة أن الولايات المتحدة تعود بقوة إلى الشرق الأوسط، بعد أن أوحت قبل ذلك بأن خياراتها، لاسيما العسكرية، باتت تعطي آسيا وجنوب شرق آسيا أولوية على حساب مناطق نفوذ أخرى في العالم.
وإلى جانب حاملة الطائرات، أعلنت القيادة المركزية الأميركية أن قاذفات ب-52 التي أرسلتها إلى الشرق الأوسط بسبب ما تصفه واشنطن بأنه تهديدات من إيران وصلت بالفعل إلى قاعدة أميركية في قطر. وترجح بعض المراجع العسكرية الخبيرة أن يكون إرسال القطع البحرية الأميركية إضافة للقاذفات بما في ذلك تلك الاستراتيجية بـ52، يهدف إلى تموضع أميركي جديد في العالم يتجاوز مسألة الأزمة الحالية مع إيران. وقال نائب الأميرال جيم مالوي، وهو القائد المشرف على القوات البحرية الأميركية في الشرق الأوسط، إن معلومات استخباراتية أميركية تشير إلى وجود تهديد من قبل إيران لن يمنعه من إرسال حاملة طائرات عبر مضيق هرمز إذا اقتضت الحاجة.
سايمون تيسدال: الإيرانيون يواجهون خيارات صعبة أمام سياسات واشنطن
ولم يوضح قائد الأسطول الأميركي الخامس المتمركز في البحرين ما إذا كان سيرسل المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى الممر المائي الاستراتيجي الواقع قبالة إيران، والذي يمر من خلاله خمس النفط المستهلك عالميا. والمجموعة، التي تم تسريع نشرها بالشرق الأوسط انتقلت عبر قناة السويس إلى البحر الأحمر، الخميس، وهي الآن تحت قيادة مالوي.
تحذير للحلفاء
لا شك أن التحركات العسكرية الأميركية الجديدة تثير قلقا لدى دول مثل الصين وروسيا، على الرغم من الطابع “الإيراني” للمناورة الأميركية البحرية والجوية داخل مياه الخليج وصولا إلى احتمال تمددها نحو مضيق هرمز.
ويعترف دبلوماسيون أجانب في العاصمة الأميركية أن التهديد الذي يمثله الأسطول الأميركي قرب المياه الإيرانية، يمثل، في وجهات أخرى، تهديدا لنفوذ قوى كثيرة فاعلة في العالم، كما يمثل تحذيرا للحلفاء قبل الخصوم من مغبة التمسك بموقف رمادي محايد في مسألة النزاع القائم حاليا بين واشنطن وطهران حول الموقف من الاتفاق النووي الموقع في فيينا عام 2015.
وتشي متابعة المواقف الأميركية الأخيرة بأن واشنطن ترسل من خلال تحريك قطعها البحرية والجوية إشارات إلى كافة دول العالم حول جدية تدابيرها العقابية ضد إيران، بما يفترض أن يردع أي قوى إقليمية أو دولية تخطط للالتفاف على عقوبات واشنطن، لاسيما الرزم الأخيرة التي استهدفت قطاع النفط كما قطاع المعادن في إيران.
وتتحدث تقارير في بروكسل أن الاتحاد الأوروبي، وبناء على التحرك العسكري الأميركي الجديد صوب إيران، بدأ يغادر المنطقة الرمادية بين إيران والولايات المتحدة، وصار يظهر انحيازا نحو الموقف الأميركي، على الرغم من رفض أوروبا لموقف ترامب في سحب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران.ويبدو واضحا أن بروكسل لم تعد قادرة على الإيحاء بتموضع وسطي في هذه المسألة، خصوصا بعد أن هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني بالعودة إلى استئناف برنامج إيران النووي، بعد إعلانه أن بلاده ستتوقف عن الإيفاء ببعض الالتزامات التي يفرضها اتفاق فيينا.
ولفت المراقبون إلى لغة الحزم التي عبر عنها بيان الاتحاد الأوروبي لجهة رفض المهل التي تود طهران فرضها على الأوروبيين، ولجهة لغة البيان الواضحة حول أن أوروبا ستعود لفرض عقوبات على إيران على منوال ما تفعله الولايات المتحدة، في حال عادت طهران لتنشيط برنامجها النووي أو القيام بمناورات خلفية مشبوهة في هذا الشأن.
وشدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس على ضرورة العمل من أجل إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران. وقال ماكرون في تصريحات صحافية، عند وصوله لحضور القمة الأوروبية غير الرسمية في مدينة سيبيو برومانيا، “يجب علينا إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، وعلينا العمل لإقناع كل الأطراف”.
ووفق ما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، تخشى أوروبا من أن تتحول مغامرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حرب طاحنة لن تكون أوروبا بمنأى عنها.
وتحت عنوان “سياسات ترامب الحمقاء تجعل الحرب مع إيران أقرب”، قال المختص بالشؤون الدولية سايمون تيسدال إن “القادة الإيرانيين يواجهون خيارات صعبة أمام سياسات الولايات المتحدة والتي لا تهدف إلا إلى أمر واحد فقط هو تغيير النظام”.
وينقل تيسدال عن أحاديث في واشنطن أن “ترامب يرغب في تجنب صراع آخر في الشرق الأوسط، لكن الصقور مثل وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي بولتون ونائب الرئيس مايك بنس، الذين يديرون الملفات الخارجية بينما ترامب يلعب الغولف ويغرد على تويتر، لا يشعرون بالخجل من تكرار أخطاء التدخل العسكري في الخارج وفي الغالب سيستمتعون بتنفيذ ما يريدون”.
نظرية قديمة
لا مجال للمناورات المشبوهة
حصلت تطورات عديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأشهر الأخيرة، كالتي حصلت في الجزائر والسودان تضاف إلى تطورات أخرى تجري في ليبيا واليمن، وتحولات مفصلية ستشهدها الساحة السورية خلال الفترة المقبلة، كما أن مستقبل الصراع مع إيران مفتوح أمام احتمالات قد تأخذ مناحي دراماتيكية خطيرة، ما يفرض على الولايات المتحدة انتهاج سياسات ديناميكية متطورة للحفاظ على زعامتها على رأس النظام الدولي الجديد.
ويبدو أن خيارات الأمن الاستراتيجي الأميركي تحت قيادة مستشار الأمن القومي جون بولتون عادت إلى انتهاج نظرية قديمة تم التخلي عنها في عهد أوباما، تعيد الاعتبار للذراع العسكرية كقاعدة أساسية في خيارات واشنطن في السياسة الخارجية.
وكان بولتون استبق إرسال حاملة الطائرات بتصريح قاله فيه إن الإدارة الأميركية سترسل مجموعة حاملة طائرات هجومية وقوة قاذفات إلى الشرق الأوسط ردا على “مؤشرات وتحذيرات” مثيرة للقلق من إيران، ولإظهار أن الولايات المتحدة سترد “بقوة لا تلين” على أي هجوم على مصالحها أو حلفائها.
ويرى مراقبون أن واشنطن التي تود أن تكون شريكا مقررا في مآلات تلك التطورات، قررت أن تكون حاضرة ميدانيا، وبشكل قوي، داخل المنطقة، تحسبا لأي مفاجآت من جهة، ومواكبة عن قرب لحركة الدبلوماسيين والمبعوثين الأميركيين المكلفين بمتابعة ملفات المنطقة من جهة أخرى.
وقالت المتحدثة باسم البنتاغون لشؤون القيادة الوسطى في الشرق الأوسط والخليج ريبيكا ريباريتش، في تصريحات لقناة الحرة الأميركية، إن حاملة الطائرات لينكولن ومجموعتها الهجومية ستعمل في الشرق الأوسط كقوة ردع وستعمل في مناطق عدّة في الشرق الأوسط لحماية القوات الأميركية ومصالحها في المنطقة.
وترى موسكو في الحراك العسكري الأميركي ما يمثل تصدعا في القراءات الروسية الأولى التي تأسست على قاعدة الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط. وقالت تقارير روسية إن “الزحف البحري” الذي تقوم به واشنطن في مياه المنطقة قد غيّر من المعطيات التي على أساسها قامت سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجديدة في الشرق الأوسط.
لكن ذلك لا يعني أن هناك إمكانية لإعادة ترتيب التوازنات بحيث يقوي التقدم الأميركي العسكري في المنطقة من موقع روسيا كمرجع جديد للدول المتضررة من حضور واشنطن الثقيل. وليس من المستبعد أن يجري تنسيق كامل بين الولايات المتحدة وروسيا عسكريا وسياسيا بما يعيد الثنائي الروسي الأميركي إلى صدارة الدول المقررة في المنطقة على حساب دول إقليمية طموحة، من بينها تركيا وإيران.