سناء الجاك/النهار: 07 أيار إقتصادي

63

07 أيار إقتصادي
سناء الجاك/النهار/07 أيار 2019

هي الذكرى رقم 11 لـ”السابع من أيار 2008″ واحتلال “حزب الله” بيروت، ليس فقط وفق مخطط كان بدأ مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستكمل بحرب “لو كنت أعرف”، لكن أيضاً إذلالاً للفريق السنّي خدمة للاجندة الايرانية وسعياً الى مزيد من الشرخ في نسيج مجتمعات “الأقليات اللبنانية”، وحقداً على الرئيس فؤاد السنيورة الذي لا يُروَّض ولا يخاف ولا يزيح قيد أنملة عن قناعاته واحترامه لذاته ومبادئه، وسعياً لترويض دينامو حركة “14 آذار” حينذاك وليد جنبلاط عبر محاولة اقتحام المناطق الدرزية من الجبل.

هي الذكرى التي يحتفل بها قطعاً أصحاب اليوم المجيد، ولولا العيب والحياء، لكانوا خرجوا بدرّاجاتهم النارية وقمصانهم السود وأطلقوا زماميرهم في شوارع بيروت. ولِمَ لا؟ فهم يحصدون غلاله في كل مرحلة وعند كل استحقاق. إنجازاته لا تُعدّ ولا تُحصى. أهدافه تتحقق على النقطة والفاصلة، ومهندسوه وصلوا الى ما يبتغون. صار لبنان الملعب الخلفي لإيران، صار صندوق بريد إقليمياً، افضل مما هو العراق او سوريا او اليمن.

هي الذكرى التي يتجاهلها المفعول بهم، حتى انهم لا يمرون عليها مرور الكرام. لا لزوم لذلك، فلا انتخابات على الأبواب ولا استنهاض للمجموعات المذهبية التي تكرست منذ ذلك اليوم. والاهم ان هذه الذكرى سلبت اللبنانيين كرامتهم، بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم. فلم يترك لهم ذلك اليوم الا الخوف المتفشي الذي يطاول محاور حياتهم كافةً.

الخوف له موجباته، لأن السابع من أيار الأمني الذي شهدناه قبل 11 عاماً، ارسى معادلة كاذبة، قوامها: لنا الأمن ولكم الاستقرار وفق مقاييسنا. فلا الأمن تحقق، لأن الفزّاعات حاضرة في كل حين وفق مقتضيات محور الممانعة القائمة هذه الأيام على خطَّي الإرهاب وإسرائيل. ولا الاستقرار قريب في منظور اللبنانيين الخائفين على رغيف الخبر والمهددين بإفلاس الدولة او بـ”الإجراءات الموجعة”، والا سيواجهون انهيار الليرة.

طبعاً المهندسون البارعون يعرفون كيف يستغلون نقاط الضعف في بنية النظام، ويعرفون أبجدية اللعب على هذه النقاط، مع انهم شركاء فعليون في حفلات الفساد المفتوحة على مصاريعها في كل مرافق الدولة، الا انهم يجيدون التعفف وقلب الحقائق، ويمهدون لتسديد ضربتهم القاضية عبر “7 أيار اقتصادي” بكل ما للكلمة من معنى. فقد باشروا اطلاق الحملة المغرضة والمدبرة على القطاع المصرفي. واستخدموا الأزمات الحالية وما يرافقها من إضرابات وشلل لمكامن وجع المواطنين، لتحقيق المطلوب وترويض المصارف، التي يمكن ان تساهم في إنقاذ الاقتصاد المنهار، بل لوضع اليد عليها حتى تتمكن إيران من التنفس عبرها في مواجهة العقوبات الأميركية التي يبدو انها جدية هذه المرة.

المؤسف أن الطبقة السياسية المفعول بها مذ قبلت تسوية السابع من أيار للبقاء في السلطة، لم تستغل فرصة طرح الموضوع الاقتصادي، وإمكان قطع دابر السرقة والفساد، حيث يجب وكما يجب، لإنقاذ نفسها قبل أي حسابات أخرى.
فكل ما يرشح عن الموازنة يظهر خلل الميزان المنطقي، ما يحول دون أي معالجة جدية، ويظهر ان الفئات التي تحظى برواتب مرتفعة، سواء لأن المواقع وتحديداً في قطاعات المصالح الخاصة، التي وُضعت فيها هذه الفئات تسهل لأهل السلطة النهب على راحتهم، او لأن جذور الفساد التي تفرخ محسوبيات وحمايات، ترسخت فصارت أعمق وأقوى ممن خُيِّل لهم انهم يمونون عليها، فباتت حاضرة للانقضاض على من وظفها.

الاهم، ان ما يحصل هذه الأيام يظهر ان هذه الطبقة السياسية ضعيفة، ليس فقط لكثرة ما نخرها الفساد، ولكن لأنها تفتقر الى برنامج سياسي أخلاقي قائم على أولوية السيادة وعدم القبول بالوصاية الإيرانية مهما كان الثمن، ما يفقدها احترامها، ويسمح للمنتفعين بتحديها والتطاول عليها وإخضاعها، كما يسمح للشعبوية عبر التجييش الطائفي بأن تستثمر ما في كل يجري، وكأن الوضع الحالي ليس صنيعة الشعبويين، وليس صنيعة الراضخين طوعاً للتسوية مقابل المناصب.

لكن الخطر في مكان آخر. ومبررات التسوية لم تعد تبيع أماناً زائفاً او تشتري ولاءً الا لمن يجيد بهلوانيات الشعبوية. التحرك في الشارع الذي يقوده المحظيون والمحميون من هذا الفريق او ذاك، يعكس صراع السلطة بكل شراسته، في حين ان التهديد الفعلي لما تبقى من لبنان هو مع الامعان في مزيد من الانتهاكات للمطالب الشعبية الشرعية وقبول المنخرطين في التسوية بـ”7 أيار اقتصادي” لقاء البقاء في السلطة والرضوح للبلطجة التي تصادر السيادة وتعدهم بالحماية وتغدر بهم ساعة تتطلب مصالح مشغّلها الإقليمي ذلك.