توفيق شومان: من عبد العزيز بوتفليقة إلى عمر البشير

94

من عبد العزيز بوتفليقة إلى عمر البشير
توفيق شومان/11 نيسان/19

لماذا لا يذهب القادة العرب إلا طردا أو قتلا؟
ما سر تلك الكرسي؟ ما سر ذاك العرش الذي يستوي عليه القادة العرب والزعماء العرب والسلاطين العرب؟.
لا يرحلون بطيبة خاطر
ولا يودعون قصور الحكم والسلطة إلا بعاصفة أو بركان أو إعصار أو زمهرير.
لا يرحلون إلا بعد طوفان
لا يغادرون إلا بعدما يجلسون على رأس الجبل ويتساءلون : هل روما أجمل قبل الحريق أم بعد الحريق؟.
لا يتزحزحون إلا بعد خراب البصرة .
لكن:
كم بصرة ستبقى بدون خراب وبدون دمار؟
كم بصرة لن ينقلب عاليها أسفلها؟.
وإلى متى يبقى العرب ينشدون مثلما أنشد بدر شاكر السياب وقال في أنشودة المطر:
“وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان والجراد”.
يا للعرب
لم يتغيروا شبرا ولا مترا ولا قيد انملة
شيخ القبيلة بات اسمه زعيما او قائدا او حاكما أو ما يعادل ذلك.
والقبيلة غدت حزبا أو حاشية حول السلطان
مذ كان شيخ القبيلة آمرا وناهيا ما زالوا على شيوخهم وقبائلهم.
غيروا الألقاب و لم يتغيروا
هكذا ظنوا التغيير والتطوير والتحديث والتنوير
فإذا غيروا الألقاب دخلوا العصر من أوسع الأبواب.
وإذ سألتهم أو ساءلتهم قالوا : هذا تراثنا وإنا على ما كان أجدادنا سائرون.
لا نبدل في ذلك تبديلا
ولا نتحول عن ذلك تحويلا
فالسلطة لمن غلب
والثروة لمن غلب
وإمامنا وقطبنا وهادينا في ذلك إمرؤ القيس الذي قال لصاحبه الذي بكى :
فقلت له : لا تبك عينك إنما/نحاول مُلكا أو نموت فنُعذرا
فلا خيار ثالث : الموت أو الحكم
الطرد أو الحكم
النفي أو الحكم
السجن أو الحكم
ومن يحد عن طريق امرؤ القيس وعما قاله في أيام الجاهلية فلا هو منا ولا نحن منه ، ولا هو من العرب ولا قحطان ولاعدنان ولا هو من العاربة العاربة ولا من العرب المتعربة أوالمستعربة ولا من العرب البائدة ولا من العرب الباقية ، وما أقفله السلف لايفتحه الخلف.
يا للعرب
لا يذهب القادة والزعماء بحفل وداع
ولا على التراتيل العظيمة للنشيد الوطني
يقدسون الحزن الوطني
يقدسون المأتم الوطني
لا يذهبون بتحية من طلقات المدافع
تطربهم قرقعة المدافع وتغويهم أشلاء أوطان مبعثرة.
وحين تسألهم أو تسائلهم مرة إثر مرة عن ذاك الطرب بقرقعات المدافع ومساعي سوق الناس بالرصاص والقذائف والسياط ، يأتي أحدهم ويقول :
ـ ألم يطرق مسامعكم ما قاله قائدنا وقدوتنا الشاعر زهير بن أبي سلمى في إحدى قصائده الخالدة :
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه/يُهدم ومن لم يظلم الناس يُظلم
وحين يتجدد السؤال مرة تلو أخرى عن علاقة الظلم بالحكم ، يأتي سلطان آخر ويقول : ـ إن ما قاله عظيمنا ومرشدنا الشاعر المتنبي قدوة لحكمنا وسلطتنا وسلوكنا ، فهو يقول :
والظلم من شيم النفوس وإن تجد/ذا عفة فلعلة لا يظلمُ
تلك هي السلطة كما يفهمها العرب
تلك هي السياسة كما يمارسها العرب
تلك هي أدوات الحكم كما يقتنع بها العرب
تلك هي الكرسي التي يستقتل العرب في سبيلها
وتلك هي الكرسي التي تقتل العرب.
كرسي مقدسة يظنونها
كرسي تصبح ماهية الحاكم كما يقول أهل الفلسفة
ماهية تصبح معها الكرسي حقيقة الحاكم وشخصيته ومظهر وجوده
فالكرسي تتصل بحقيقة وجود الحاكم
وينفصل هذا الوجود عن حقيقة الحاكم إذا انفصلت الكرسي عن الحاكم
ولذلك يغدو الدفاع عن الكرسي دفاعا عن الوجود
فخسارة الكرسي خسارة لهذا الوجود
وخسارة الوجود تعني خسارة الحياة
وخسارة الحياة تعني الموت
وعلى هذه الحال لا يبقى أمام الحاكم سوى الدفاع عن الكرسي أي عن وجوده وعن حقيقة هذا الوجود الذي يعني الحياة أولا ثم أولا والحياة أخيرا ثم أخيرا.
ولذلك حين يختار الحاكم أن تكون خاتمته مطرودا أومقتولا، يكون ذلك ناجم عن عقيدة يقينية لديه حول تشابك العلاقة بين الكرسي والحياة ، والحياة هنا لا تعني سوى حياته شخصيا.
لذلك يختار نهاية مأساوية
نهاية فجائعية
يختار الموت أو ما يقاربه
ففي ظنه وفي عقيدته وفي يقينه أن الكرسي هي روحه
ومن يسحب الكرسي يسحب روحه
وماذا بعد سحب الروح إلا الموت؟
لذلك يفضلون الموت
اللهم استرنا
وأبعدنا عن سحب الكراسي وعن سحب الأرواح.