فارس خشّان/إسرائيل: شكرا إيران

116

إسرائيل: شكرا إيران
فارس خشّان/الحرة/08 نيسان/19

هذا الكلام الذي يتردد في هذه الأيام على كل الألسنة بمناسبة اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بسيادة إسرائيل على الجولان الذي خسرته سوريا في حرب العام 1967 ليس جديدا أبدا، بل هو تكرار كلاسيكي لهذه اللازمة التي تتكرر عند كل مفترق سياسي أو أمني أو عسكري أو استراتيجي.
وبفعل هذه اللازمة المتكررة في “أغنية” أزمات الصراع العربي الإسرائيلي، يفترض المنطق أن يترقب “مطربوها” دائما قرارات أميركية تترجم الانحياز لإسرائيل، وتاليا أن يتصرفوا دفاعا عن مصالحهم الاستراتيجية، وفق خطة تحول دون إقدام واشنطن على أي خطوة من شأنها أن توفّر مصلحة إسرائيل، على حسابهم.
إيران هذه لم تستطع، حتى تاريخه، من اتخاذ أي خطوة تنعكس إيجابا على الحقوق العربية
ولكن ما يحصل يتناقض مع المنطق، إذ أن المنددين بانحياز واشنطن لمصلحة تل أبيب، وبين كل قرار ” ظالم” وآخر، يقدمون على خطوات جديدة تقصّر المسافة التي تفصل الإدارة الأميركية عن القيادة الاسرائيلية وتعمّق الهوة التي تبعد هذه الإدارة عن الحقوق العربية.
ففي سوريا، المعنية الأولى بالاعتراف الأميركي الذي تأخر أكثر من 38 سنة على قرار إسرائيل بضم الجولان، سفك النظام الأسدي دماء كثيرة في لبنان بداية، ومن ثم في سوريا نفسها، بسطا لسلطته على شعبين مقهورين، من دون أن يبذل أي مسعى جدي، أو يقبل بأي تسوية ـ وقد وصل بعضها إلى مستوى جدي للغاية ـ لاسترداد هذه الأرض المحتلة منذ 52 عاما.
وكان الانطباع دائما بأن النظام السوري يتوسل احتلال إسرائيل للجولان حجة لإبقاء سطوته الحديدية على السوريين واللبنانيين، على اعتبار أن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.
وهذا ما تكرر مع اللبنانيين، عند انسحاب إسرائيل من بلادهم، برفع لواء احتلال مزارع شبعا العالق ملفها القانوني، عند رفض سوريا تقديم وثائق للأمم المتحدة تثبت ملكية لبنان لهذه المزارع.
وتفاقمت الأمور مع دخول إيران إلى سوريا، إذ أن الحرس الثوري الإيراني، وفي محاولة لإعطاء بعد قومي لقيادته العمليات الحربية ضد القوى السورية المناهضة لنظام بشار الأسد، ومستفيدا من الدخول الروسي على الخط، عمل على وضع الجولان على لائحة الاهتمام، فأدخل العامل الإسرائيلي بقوة إلى الوضع السوري المأزوم.
تحريك إيران لموضوع الجولان والإيحاء بالعمل على جعله جبهة واحدة كامتداد لتلك الموجودة في جنوب لبنان، أدخل تغييرات على قواعد اللعبة الإقليمية.
ولم يأت رد إسرائيل على ذلك بعمليات عسكرية “هادفة” فتحت أمامها الأجواء السورية، إلا بمواكبة حركة دبلوماسية ناشطة هدفت إلى ترسيخ نفوذ تل أبيب على الجولان، باعتبار استهداف إيران له استهدافا لأمن إسرائيل الاستراتيجي.
وكان من البديهي، بعدما سلّمت بالدور الروسي “التاريخي” في سوريا، أن تعزز واشنطن حضورها في مناطق نفوذها “التاريخية”، فكان قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
ولاحقا، عندما عجزت روسيا عن إخراج العامل الإيراني من سوريا، أقدمت واشنطن على تعزيز الحضور الإسرائيلي فيها، من بوابة الاعتراف بسيادة تل أبيب على الجولان.
وبمواكبة العمليات الحربية التي قادتها، إنهاء لآخر معاقل “داعش” في شمال سوريا، انطلقت حقبة إعادة رسم خارطة النفوذ في “بلاد الشام”، فكان هذا الهجوم المتجدد على سيطرة “حزب الله” على لبنان، وفق ما ترجمته أدبيات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو خلال زيارته لبيروت.
من الواضح أن الإدارة الأميركية الحالية، وبعيدا من التفسيرات الشخصية للخطوات المتخذة، تنخرط بأسلوب غير مسبوق في رسم مرحلة ما بعد “داعش”.
ومرحلة ما بعد “داعش” هي مرحلة حسر النفوذ الإيراني في المنطقة، من خلال ترتيب أولويات جديدة، عمودها الفقري التصدي للحرس الثوري الإيراني في سوريا ولحزب الله في لبنان.
ومن الواضح أيضا أن واشنطن لا ترهن هذه الخطة بتوافر شركاء محليين، بل هي تعتمد على ما تملكه من سطوة وأدوات “تاريخية”، فإسرائيل من “العدة” الدائمة، والخوف اللبناني من العقوبات وتداعياتها “سطوة”.
إذن، ما المطلوب لإيقاف الخطوات الأميركية “المنحازة” لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط؟
مرحلة ما بعد “داعش” هي مرحلة حسر النفوذ الإيراني في المنطقة
إن إيران، مباشرة أو عبر أدواتها، لا تملك، وفق ما هو ظاهر حتى الآن، من أدوات المواجهة إلا لسان تهديدي، وميليشيات تهيمن على بعض الدول من داخلها، كما هي الحال في لبنان.
وإيران هذه لم تستطع، حتى تاريخه، من اتخاذ أي خطوة تنعكس إيجابا على الحقوق العربية؛ فهي منذ سنوات طويلة تفيد إسرائيل بتهديداتها بحيث تعطي مطالبها غير المحقة آذانا صاغية في الدولة التي تحتضنها، أي أقوى دولة في العالم، وتقرّبها، من الدول المؤثرة في الشرق الأوسط، أي مجلس التعاون الخليجي.
وبهذا المعنى، فإن اسرائيل، وبمناسبة أحدث مكتسباتها، تشكر بلسانها الرئيس دونالد ترامب، وفي “قلبها” تردد: شكرا… إيران.