المدن/إستعادة الرفات: إسرائيل قدمت الغطاء الاستخباراتي للجنود الروس/ساطع نور الدين: رفاتٌ إسرائيلي..حطامٌ سوري

120

رفاتٌ إسرائيلي..حطامٌ سوري
ساطع نور الدين/المدن/الأحد 07/04/2019

الحفل العسكري المهيب الذي جرى في وزارة الدفاع الروسية في موسكو قبل أيام لدى تسليم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو رفات جندي إسرائيلي حُفظ في سوريا منذ قتل في لبنان قبل 37 عاماً، لا يمكن ان يفسّر فقط برغبة الكرملين في التدخل الانتخابات الإسرائيلية، ولا بمليارات الدولارات التي يودعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأفراد عائلته ومستشاريه في المصارف الاسرائيلية، بمنأى عن أي عقوبات أميركية او دولية.
ثمة لغز محيّر، طرح للمرة الاولى عندما قرر الرئيس الروسي فجأة في خريف العام 2015 ان يزج بالجيش الاحمر في حرب سورية غير مجزية، بالتفاهم والتنسيق المسبق مع إسرائيل، التي كانت حليفته وشريكته ومفتاح سياسته الخارجية. كان السؤال يومها ، ولا يزال هو: ما الذي يجنيه بوتين من ذلك التحالف العميق مع إسرائيل، وما الذي يطمح الى كسبه من تلك الخدمات المجانية التي يقدمها للاسرائيليين على جبهتهم العسكرية مع سوريا؟
لا يمكن ان يكون بوتين من السذاجة، مثل بعض العرب، بحيث يعتقد ان توثيق العلاقة مع إسرائيل يفتح أمامه الابواب المغلقة في واشنطن، ويحميه من العقوبات الاميركية والدولية. فقد حصل العكس تماما في السنوات الاربع الماضية على التدخل العسكري الروسي في سوريا. زاد الحصار الاميركي والاوروبي على روسيا، وكاد الامر يصل الى حافة الحرب مع الاميركيين. وظهر ان تأثير إسرائيل محدود جداً إن لم يكن معدوماً في هذا الصراع العالمي الجديد.
ولا يمكن ان يكون بوتين من البساطة بحيث يظن، كما بعض العرب، بأن هداياه الانتخابية الى نتنياهو يمكن ان ترجح كفته وترفع مجموع مقاعد حزبه في الكنيست الثلاثاء المقبل، وبالتالي تعزز فرص تكليفه برئاسة الحكومة المقبلة. فالجمهور الاسرائيلي لا ينخدع بسهولة، حتى ولو كان فيه نحو مليون ناخب من أصول روسية، والقضاء الاسرائيلي لا يتورط بمثل هذه اللعبة الخطرة، التي تجرده من سيادته وموقعه الخاص داخل الدولة الاسرائيلية.
ما الذي يتوقعه بوتين من نتنياهو ومن إسرائيل مقابل تلك الخدمات الجليلة التي يقدمها الآن، والتي تدفع الى حد الشك في أن بوتين ما كان ليتدخل في سوريا إلا لخدمة المصالح الاسرائيلية، عندما لمس أن إيران يمكن ان تستولي على كل شيء في سوريا، وعندما شعر فعلاً أن سقوط بشار الاسد بات مسألة أسابيع، حسب تقديرات الكرملين المعلنة في تلك الايام.. ثمة من يجزم الآن بأن قرار التدخل الروسي في سوريا كان بطلب وبإلحاح مباشر من نتنياهو بالذات، أكثر مما كان بدعوة عاجلة من قائد فيلق القدس الايراني الجنرال قاسم سليماني، على ما هو شائع.
الرد على هذا السؤال – اللغز، لا يكمن إختصاره في تجنيد القوات الروسية في سوريا للعثور على رفات الجندي الاسرائيلي، أو في ذلك التكريم الرسمي الذي حظي به ذاك الرفات وكأنه يعود لأحد أبطال الحرب الروس، وبما يفوق ما يمكن أن تحظى به جثث قتلى الجيش الاحمر نفسه.. ثمة ما هو عصي على الفهم، وحتى على التخيل، في ذلك الحفل المهيب.
ما يربط بين بوتين ونتنياهو ، بين روسيا وإسرائيل اليوم، هو أعمق من أن يأخذ في الحسبان الحرج الذي قد تشعر به طهران، جراء التنقيب عن جثة إسرائيلية في “أراضيها السورية”، وتسليمها من دون صفقة او مبادلة مع أصحابها.. وهو أقوى من أن يأخذ في الاعتبار خطاب النظام السوري المبني على خدعة قديمة لم تمر يوماً إلا على حلفائه المخلصين، ممن ينكرون تاريخه المناهض لكل أنواع الثورات والمقاومات التي سجلت على مدى نصف قرن مضى.
الرفات الاسرائيلي مجرد علامة جديدة على ولادة ذلك الحلف الاستراتيجي- بكل ما للكلمة من معنى- الذي بات يربط بين روسيا وإسرائيل.

إستعادة الرفات: إسرائيل قدمت الغطاء الاستخباراتي..للجنود الروس
المدن/الأحد 07/04/2019
عندما ذهب زخاريا باومل ويهودا كاتس وتسفي فيلدمان، جنود الاحتياط الشبان من كتيبة شارون الى معركة السلطان يعقوب في لبنان عام 1982، كان العقيد “أ” الذي قاد عملية استعادة رفات باومل، ما يزال طفلاً في السادسة من العمر، يستعد للذهاب إلى الصف الأول في المدرسة بعد نهاية العطلة الكبيرة.
هذا الأسبوع، استكمل العقيد “أ”، وهو الآن ضابط كبير في جهاز الاستخبارات العسكرية، الفصل الأخير من عملية “النغمة الحزينة”، التي تمكن من خلالها بإعادة رفات الرقيب أول باومل الى البلاد عبر طريق معقدة، ووقف مشاركاً في الجنازة التي أقيمت قبل يومين.
المحادثة مع العقيد “أ” لمعرفة تفاصيل العملية المثيرة كانت ممتعة، لكنها مخيبة للآمال في الوقت نفسه، إذ ما تزال تفرض عليه قيود كثيرة تمنعه من إعطاء تفاصيل أو التوسع في الحديث حول الطرق الاستخبارية التي استخدمت للعثور على المفقودين الثلاثة.
الحظر الأول الذي تلقاه العقيد، أبلغ به بتوجيهات رقابية استثنائية، طلبت عدم الإسهاب في الحديث عن مشاركة “دولة ثالثة” في العملية. تلك التوجيهات كانت مضحكة إلى حد ما، إذ اكتشف الجميع أن السر الذي حظر على العقيد “أ” الحديث عنه لم يكن سراً، عندما شكر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تدخل روسيا في إعادة الرفات.
يقول العقيد “أ”، إن ما فعله كان استكمالاً لجهود كل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على مدى 37 عاماً، لكنه في السنوات الأخيرة وجد فرصة استثنائية، تم استغلالها بشكل دقيق والوصول أخيراً إلى مكان دفن زخاريا.
“إنها تخلق عدداً غير نهائي من الفرص”، يصف العقيد الحرب الأهلية في سوريا. ويضيف “في الميدان، يتشارك الأشخاص في مصالح وجودية واقتصادية، وعندما يتعلق الأمر بنشاط عسكري فإن المنطقة تتجاوب معك، وتحصل على معلومات جديدة”. ويتابع “كل الوحدات بذلت جهوداً كبيرة، حتى تمكنا من توحيدها في المنطقة التي توجد فيها الجثة، وبعملية إبداعية تخللتها جرأة فكرية وصلنا أخيراً إلى حل هذا اللغز، فالمنطقة التي دفنت فيها الجثة كانت معروفة لنا بدقة لكن كان عندنا فرضية أخرى تقول إن المفقودين الإسرائيليين دفنوا قرب المنطقة التي دارت فيها المعركة”.
ويتحدث العقيد “أ”، عن الدور الفلسطيني بعد اتفاقات أوسلو، حيث سلم رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات نصف بطاقة باومل إلى إسرائيل، لكن أجهزة الاستخبارات كانت على يقين بأن الفلسطينيين لا يقولون الحقيقة كاملة بشأن قضية الجنود المختفين. ويوضح “على مر السنين عرفات وفلسطينيون آخرون تحايلوا علينا حول مكان الجثث، وكشفنا تحايلهم بفضل معلومات استخباراتية”، كما أن “من يعرفون مكان الدفن الدقيق داخل النظام السوري قليلون جداً، وعدد منهم لم يعودوا موجودين” بسبب الحرب الأهلية.
“عندما شخصنا الزي العسكري وحذاء زخاريا لم نتمكن من حبس دموعنا.. هذا شعور لا يمكن وصفه” يقول العقيد “أ”، ويشير إلى أن التشخيص تم داخل الأراضي السورية.. “الزي العسكري والحذاء أعيدا في طائرة رئيس الحكومة لدى عودته من موسكو”.
وحول الدور الروسي يقول العقيد “أ”، إن روسيا قامت بمحاولات كثيرة خلال السنتين الأخيرتين، وكلها فشلت بالوصول إلى الموقع الدقيق. يشرح العقيد الإسرائيلي “وفرت إسرائيل غطاء استخباراتياً للعملية عن بعد، فيما عمل مقاتلون روس في الميدان داخل سوريا”.
جثة باومل لم تكن الوحيدة، إذ تم تشخيصها بعد فحص عدد من الجثث التي نقلت أجزاء منها إلى إسرائيل الأسبوع الماضي. يؤكد العقيد “أ” أن حفل التأبين الذي أقيم لباومل ليس نهاية القصة “أعتقد أننا سنعثر على يهودا وتسفي”.
نشر هذا التقرير للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس” وترجمته “المدن” إلى العربية