الوزير السابق يوسف سلامه/التاريخ المزوّر …. والرهان الصعب

201

التاريخ المزوّر …. والرهان الصعب
الوزير السابق يوسف سلامه/النهار/06 نيسان/19

سنة ١٩٤٣ وقبل أن تنتهي الحرب العالمية الثانية خطفنا الاستقلال بدعم الانكليز بمواجهة الفرنسيين، وتحدّثنا عن بطولات وجولات،
سنة ١٩٤٧ أنجزت أول سلطة مستقلة انتخابات نيابية ظلّت الاسوأ بتاريخ العصر الاستقلالي الاول، لما انتابها من تزوير مكشوف، وانتصرنا وقتها للديمقراطية،
سنة ١٩٤٩، ولم يكن قد جفّ بعد الحبر عن وثيقة الاستقلال، وتحت راية الوفاء والضرورة، تلاعب النواب بقدسية الدستور، وكسروا هيبته، وجدّدوا لرئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري،
صيف ١٩٥٢، حصل انقلاب أبيض تسبّبت به موجة الفساد المستشري كما قيل آنذاك، استقال بنتيجته رئيس الجمهورية وانتخب الرئيس كميل شمعون رئيسًا للجمهورية،
سنة ١٩٥٦ خرج لبنان من سياسة الحياد التي التزمها في ميثاق ١٩٤٣ (لا شرق ولا غرب) وانقسم أهله بين المحور الناصري العربي (المقرّب بالظاهر من حلف وارسو) ومحور حلف بغداد العربي أيضًا (والملتحف جهرًا بالولايات المتحدة الاميريكية)،
سنة ١٩٥٨ سنة “ثورة ١٩٥٨” التي سقط معها مفهوم سيادة الدولة المطلقة، واضطرّت بعدها السلطة اللبنانية مع الرئيس شهاب لان تتشارك مع الناصرية في السياسة الخارجية وحتى في قسم من سياسات الداخل نظرًا لتعاطف بعض هذا الداخل مع النفوذين المصري والسوري،
سنة ١٩٦٩ سنة التوقيع على اتفاق القاهرة مع الفلسطينيين بعد ضغط خارجي وتعاطف قسمٍ من اللبنانيين معهم تناسى مفهوم الولاء المطلق لسيادة الدولة، فدخل الفلسطيني شريكًا في السلطة الامنية وحتى السياسية في لبنان،
سنة ١٩٧٥ سنة سقوط النظام والدولة وسنة الانهيارات الكبرى، سنة موت لبنان الذي كان يُدعى “سويسرا الشرق” والبدء بمرحلة انتقالية حوّلته بعد ١٥ عامًا إلى “هانوي الشرق”
سنة ١٩٨٢ سنة الاجتياح الاسرائيلي والتأسيس لانتقال السلطة من رجال دولة الاستقلال الى أمراء الحرب عند كل الطوائف،
٢١ ايلول ١٩٨٨ حصول فراغ رئاسي وقيام حكومتين تنازعتا على السلطة والشرعية بالشكل والمضمون وسقوط آخر مدماك من بناء دولة الاستقلال. رحم الله جورج نقاش كم كان على حق عندما قال “سلبيتان لا تصنعان أمّة”
١٤ آذار ١٩٨٩، أراده البعض حرب تحرير، فكان الممرّ لزوال لبنان الذي عرفناه قبلاً “بسويسرا الشرق” ولهجرة نصف قواه الحيّة من أبنائه، وانتهى بإقرار وفرض اتفاق الطائف بالقوة بعد احتلال القصر الجمهوري في ١٣ تشرين والسيطرة بالكامل على القرار السياسي والامني والاداري في لبنان، ورغم هذا لا نزال نعتزّ به ونحتفل بالذكرى كمحطة تأمّل لكرامة لبنان،
١٩٩٢ وصول الحريري الاب إلى الحكم وانطلاق ورشة الاعمار، توهّم اللبنانييون معه أنّهم دخلوا عصر الازدهار والرخاء والاستقرار متناسين أنهم فعليًّا في ظلّ احتلال عسكري وزمن وصاية كاملة متعدّدة الوجوه على القرار اللبناني بكلّ تلاوينه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والامنية، “للاسف هكذا يفكّر اللبنانيّون”، فكانت النتيجة تهجير بيروت اقتصاديًّا وانتقال ملكيتها الى غير اللبنانيين وتراكم الدين العام وحرمان لبنان من الكهرباء والماء والبيئة النظيفة وضمان الشيخوخة وإغراق البلد في بيئة فاسدة تحكّمت بكل مفاصل الدولة ولا تزال،
أيّار ٢٠٠٠ تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي ولكن بقيت مزارع شبعا التي عجزنا بل توقّفنا عن تحريرها،
١٤ شباط ٢٠٠٥ اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي اغتيل معه مشروع الوجود العسكري السوري المباشر في لبنان،
١٤ آذار ٢٠٠٥ قام بعض أهل السلطة ورموزها آنذاك من أصدقاء “القسم المكمّل للرئيس بشار الاسد في النظام السوري”، عنيت (اللواء غازي كنعان وحكمت الشهابي وعبد الحليم خدام) باستنهاض حالتهم الشعبوية وركبوا موجة الغضب اللبناني الطامح لتحرير البلاد من كل وصاية، فخطفوا الدور، وزوّروا التاريخ وانتحلوا إسم ثورة الارز ليستحقوا القيادة والولاء. وبعد تحرّر الوطن، شهدنا تحالف الضرورة (الحلف الرباعي) بين ثورة الارز وحلفاء سوريا في الانتخابات النيابية سنة ٢٠٠٥ بهدف تأمين استمرارهم في السلطة متناسين نبض الشارع في ١٤ اذار. وحدها “السيدة بهية الحريري” كانت صادقة مع نفسها حين أنهت خطابها في ١٤ آذار ٢٠٠٥ ب “إلى اللقاء سوريا”.
شباط ٢٠٠٦ اجتياح الاشرفية من جحافل أصوليّة بدوافع غرائزيّة أرادت تدجين وترويض المسيحيين، فجاءها الردّ بتوقيع وثيقة تفاهم بين الجنرال عون والسيد حسن نصرالله كانت قد بدأت صياغتها منذ زمن، ومع إقرار الوثيقة شهدت الساحة السياسية والوطنية تموضعًا جديدًا بين حلفاء الرئيس بشار الاسد وحلفاء أخصامه السوريين، وفي الحالتين كانت سوريا هي المحور.
تموز ٢٠٠٦ إسرائيل تشنّ حربًا على لبنان والسبب خطف أحد جنودها من قبل حزب الله. انتهت الحرب بصمود عسكري لحزب الله وصعود لافت لدوره على الساحة الاقليمية .
٧ أيار ٢٠٠٨ دخول واضح لحزب الله على الساحة الداخلية وفرض شراكته السياسية وغير السياسية،
ربيع ٢٠١١ ومع اندلاع الحرب في سوريا وعليها، انقسم اللبنانيون بين مؤيّدٍ ومناهضٍ للنظام، وكاد البلد أن ينفجر من الداخل بفضل انعكاسات الحرب السورية عليه،
بين ٢٠٠٥ تاريخ خروج سوريا العسكري من لبنان وتشرين ٢٠١٦، تعطّلت السلطة في لبنان بحثًا عن استرجاع التوازن الضائع وحماية المواثيق،
تشرين ٢٠١٦ انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية نتيجة تفاهم صاغه مع الرئيس سعد الحريري عقب مصالحة وجدانية مع القوات اللبنانية، انتهت كما العادة، بمصالحة ظرفية، ومع هذا تبقى أفضل المخارج المتاحة،
من جديد أعطى الرئيس عون عنوانًا لعهده “إعادة التوازن ومحاربة الفساد”، علمًا أنّ مسيرة محاربة الفساد التي انطلقت شرارتها الاولى من جبال الشوف قبل سبعة عقود مع كمال جنبلاط وكميل شمعون، لم تصل يومًا الى رجاء، وقد لا تصل اليوم، لانّ أهل السلطة عندنا تجمعهم مصالح مشتركة على حساب مصلحة الوطن وأبناء الوطن، ولاننا في لبنان لم نتمكّن بعد من بناء الدولة المدنية العابرة للطوائف بل بنينا المتاريس والحصون حول كل طائفة فخسرنا الوطن وبقيت الطائفية.
تواريخ وأزمنة انطبعت في وجدان اللبنانيين وهي فارغة من أي مضمون وحقيقة، غنيّة بالاكاذيب والاضاليل.
وبعد، كيف الخروج من هذه الوضعية؟ وهل من رجاء؟
يبقى الحلّ بأن نتصالح مع التاريخ ونأخذ منه العبر، لانه وحده هو المدرسة، والمعلم، والكتاب.
فلنتّعظ قبل فوات الاوان لانّ بقاء لبنان يستوجب حلاًّ من اثنين:
إمّا قيام دولة علمانية مدنية عابرة للطوائف،
أو التأسيس لدولة اتحادية تحمي خصوصيّة الطوائف،
وفي الحالتين على الدولة أن تلتزم الحياد الملتزم مبادئ حقوق الانسان في صراع الالهة والاعراق على أرض المشرق، دولة تؤمن أنّ للبنان دورًا وخصوصيّة يفوقان كلّ اعتبار