مهند الحاج علي: النفاق توأم الممانعة

164

النفاق توأم الممانعة
مهند الحاج علي/المدن/05 نيسان/19

أيام فقط تفصل بين اعتبار الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، المقاومة خياراً وحيداً “لاستعادة الجولان”، وبين تسليم النظام السوري وروسيا رُفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل إلى الاستخبارات الإسرائيلية. لنُعد صياغة هذه الجملة. سلّم أو شارك النظام السوري الذي بذل “حزب الله” الغالي والنفيس لإنقاذه من السقوط الحتمي عام 2011، في تسليم رُفات جندي إسرائيلي إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتعزيز موقعه في الإنتخابات الإسرائيلية. الصحافة الغربية وصفتها بأنها “هدية ثمينة” جداً لرئيس الوزراء الإسرائيلي قبل الانتخابات المقبلة. ذلك أن هذا انجاز نوعي عجزت عنه الإدارات الإسرائيلية المتعاقبة.

طبعاً، الرد الأولي والطبيعي لإعلام الممانعة هو الكذب. أحد تلفزيونات الممانعة في بيروت بث تقريراً كاملاً بعنوان “دور المسلحين في تسليم رفاة الجندي الإسرائيلي”. هو دور “بدأ بالقنيطرة وقرب شريط الفصل ووصل إلى دور المسلحين بالعثور على الرفات”. إعلام الممانعة يُريد إقناعنا بالقوة بأن عشرات المسلحين في القنيطرة باتت لديهم قدرات خارقة لا تقتصر فقط على انتزاع الرفات من النظام السوري بكل سلاسة، بل أيضاً بنقلها إلى الجانب الإسرائيلي.

لكن لم يكن هذا الرد الممانعجي وحيداً. أيضاً سرّب “حزب الله” بأن هناك استياءً كبيراً في صفوفه حيال تسليم ​موسكو​ رفات الجندي الإسرائيلي المفقود في ​لبنان​ منذ 37 عاماً. وبحسب هذا التسريب، فإن “تراكم أفعال موسكو بات يُؤثر كثيراً على علاقتها بإيران​ والحزب”. تجنّب التنظيم أي حديث عن دور النظام السوري في تسليم الرُفات إلى الروس والإسرائيليين، وهو دور أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بوتين قال بوضوح إن الجانبين الروسي والسوري وجدا سوية رُفات الجندي الإسرائيلي المفقود. وهذا تأكيد لا بأس فيه ويُظهر بوضوح دور النظام. لذا علينا التعاطي بكوميدية مع إعلان وزير الإعلام السوري ​عماد سارة​، عدم علم ​سوريا​ “بقضية رفات الجندي ال​إسرائيل​ي على الإطلاق ولا ب​تفاصيل​ العثور عليها ولا حتى التسليم”، وأن العملية برُمتها “تمت بين إسرائيل والمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية”.

النظام السوري يكذب على مستوى صناعي، تماماً كما يقتل ويُعذب في أقبية إستخباراته. لكن وعلى عكس ما جاء في بيان استياء “حزب الله”، التعاون في مسألة اعادة رفات الجندي الاسرائيلي، سياسة سورية عمرها عقود، قبل دخول روسيا إلى سوريا.

أمن النظام وديمومته أساس السياسة الخارجية السورية، كما هو في الداخل أيضاً. النظام الذي لا يتوانى عن ضرب المدنيين السوريين بالكيماوي والبراميل الحارقة، بهدف الحفاظ على نفسه، سيتحالف طبيعياً مع الأقوى على الساحة الدولية، ويُقدم الخدمات له. المصلحية المطلقة نفسها في سياسة النظام تنطبق على الخارج كما الداخل. عند لاح انهيار الاتحاد السوفييتي في الأفق في النصف الثاني من الثمانينات، بدأت سوريا تميل إلى الغرب للحفاظ على بقاء النظام. حينها، ارتفع منسوب التوتر بين النظام وبين “حزب الله” على الأراضي اللبنانية، رغم التعاون مع الإيرانيين لإنشائه عام 1982. تحول النظام السوري من مُسهل لعبور الحرس الثوري الى لبنان، إلى حامي المخطوفين الغربيين لدى الحزب. وتولى الضغط عليه أمنياً وعسكرياً بغية الافراج عنه. مجزرة “فتح الله” الشهيرة سبقت مؤتمر مدريد ومشاركة سوريا في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت. الحزب حينها اتهم النظام السوري علناً بتنفيذ الأجندة الإسرائيلية. وعندما تظاهر أنصار الحزب في أيلول عام 1993 احتجاجاً على اتفاق أوسلو، سقط له عشرات القتلى والجرحى برصاص القوى الأمنية الموالية للنظام الحديدي السوري في لبنان حينها.

كان “حزب الله” للنظام السوري، تماماً مثل “حماس”، أشبه بورقة وازنة في أي مفاوضات مع اسرائيل وراعيها الدولي الولايات المتحدة. للحزب وظيفة عند النظام، وكل الحديث عن “محور المقاومة” و”الممانعة” وغير ذلك، كلام فارغ لا طائل منه. في المفاوضات بين فاروق الشرع وايهود باراك بشأن الجولان، كان “حزب الله” و”حماس” على الطاولة. وأيضاً في عهد الرئيس السوري بشار الأسد، كان الحزب عام 2007 على طاولة مفاوضات ضمت من الجانب السوري رجل الأعمال ابراهيم سليمان، ومن اسرائيل الأمين العام السابق للخارجية الإسرائيلية ألون ليال. لم يرَ النظام مشكلة في التفاوض على رأس حزب كان يُقدم التضحيات السياسية والمعنوية لدعم الأسد. الأولوية لحياة النظام.

في سياق تبريره تدخل “حزب الله” في سوريا قبل سبع سنوات، تحدث نصر الله عن نظام الأسد بوصفه “ظَهر المقاومة” وسندها. هذا غير صحيح. والحقيقة أن الأسد ليس سنداً سوى لنفسه وعائلته ونظامه. كل ما عدا ذلك أدوات لها وظائف مُحددة. وتسليم دمشق رُفات الجندي الإسرائيلي الى نتنياهو، بعد أيام على اعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية، يفضح نفاقاً كان لسنوات طويلة توأم السياسة الخارجية السورية وقوى الممانعة المتحالفة معها.