رائد جرجس/أبي: إني غريب في وطني

113

أبي: إني غريب في وطني!
رائد جرجس/المرصد/02 نيسان/19

توفي أبي منذ 9 سنوات وفي قلبه حسرة أنني لن أعود وعائلتي إلى لبنان.
كنت قد غادرت عام1997 بعد عرض عمل إلى دولة الإمارات وتنقلت بين دبي وكندا وألمانيا إلى أن عدت مع زوجتي وأولادي إلى لبنان في2017 بعد عشرين سنة من “الغربة” – كافية، على حد قول زوجتي.
وكانت حسرتي أن أبي لم يعش ليفرح بعودتنا ويرى أولادي يعودون ليعيشوا بين أقاربهم ويلعبوا بين أشجار الزيتون التي زرعها لهم.
إلا أنني لم أحس يوماً بغربة أكثر من إحساسي اليوم. فأنا غريب في وطني. وأولادي غرباء أيضاً.
إني غريب لأنني لم أعد أعرف جيراني، فالحي الذي ترعرعت فيه أصبح شبه مقفر. والقلة من الجيران الباقين باتوا يوصدون الشبابيك والأبواب خوفاً من غرباء تكاثروا وباتوا كأنهم هم أهل الحي، يفترشون الأرض أمام الأبنية ويحتلون الممرات ويرمقون المارة بنظرة تدل على تبلّد وقح تُشعرك أنك أنت الغريب.
وازداد شعوري بالغربة عندما باشرت بالعمل حيث أن ذهنية المحسوبية والزبائنية هي المتحكمة وليس الكفاءة والخبرة.
وتنسحب هذه الذهنية المدمرة على كافة المجالات الخدماتية والسياسية وغيرها، بحيث يغمرك السيل الجارف من التهليل والتطبيل والانبطاح الأعمى الذي يقود إلى تهالك المجتمع.
ساد الكذب بدل الصدق في التعامل،
والسرقة بدل الشفافية،
والإجرام بدل الأمان،
والتعمية عن الواقع بدل المحاسبة.
لقد تمكّن مني إحساس الغربة في وطني فأصبحت وكأنني شواذ أنشد أشياء مستحيلة بنظر كثيرين وبديهية بسيطة بنظري وبنظر قلة نادرة.
أصبحت غريباً في وطن يضج بالغرباء.
“غرباء” ليس فقط من ناحية الهوية، بل غرباء بالتفكير وغرباء بالممارسة وغرباء بالفعل الذي يناقض القول، وغرباء عن الحد الأدنى من المنطق.
وهنا أتساءل، هل أنا غريب في وطني أم أننا أصبحنا كلنا غرباء عن الواقع؟
هل بات هذا الواقع حقيقة مرّة لا ينفع التنكر لها؟
هل هذه هي حقيقة لبنان اليوم ونتاج ما جنته أيدينا على مدى السنوات الماضية؟
لماذا وصلنا إلى هذا الواقع المؤلم؟
هل باستطاعتنا تغيير هذا الواقع بالفعل بعيداً عن الشعارات الفارغة؟
هل ما زال هنالك أمل؟
أقول اليوم إلى أبي الحبيب: أللهم إني جرّبت أن أعود إلى وطني ولم أفلح…