الأب جورج صغبيني/إثنين الرماد

178

إثنين الرماد
الأب جورج صغبيني/راهب لبناني ماروني

كان اليهود يذرون الرماد على رؤوسهم واجسادهم ويبكون وينوحون على خطاياهم من اجل تطهير الجسد من الخطايا ولتذكير هذا الجسد بانه من تراب والى تراب يعود… وذلك قبل البدء باي صوم للتكفير عن خطاياهم…بقيت هذه العادة عند المسيحيين لكنها اخذت الرماد من حرق اغصان الزيتون المقدسة من شعنينة السنة السابقة ليباركها الكاهن صباح الاثنين ويمسح جباه المؤمنين التائبين الصائمين بصليب لنبدأ صومنا بتوبة حقيقية تليق بايماننا المسيحي….. اذكر يا إنسان أنك من التراب وإلى التراب تعود …

اثنين الرماد هو اليوم الأول من الصوم.

قالَ الربُّ يَسوع: «مَتَى صُمْتُم، لا تُعَبِّسُوا كَالمُرَائِين، فَإِنَّهُم يُنَكِّرُونَ وُجُوهَهُم لِيَظْهَرُوا لِلنَّاسِ أَنَّهُم صَائِمُون. أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُم قَدْ نَالُوا أَجْرَهُم. أَمَّا أَنْتَ، مَتَى صُمْتَ، فَٱدْهُنْ رَأْسَكَ، وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ، لِئَلاَّ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صَائِم، بَلْ لأَبِيكَ الَّذي في الخَفَاء، وأَبُوكَ الَّذي يَرَى في الخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيك.

يوم الإثنين يبدأ الصوم المبارك

نرسم اشارة صليب من التراب على جباهنا لنتذكر وحتى لا ننسى اننا نحن البشر: الى التراب تعود الجبلة الأولى وإلى الله تعود نسمة الحياة التي نفحها الله الخالق في التراب.

فالمسيح صام في البرية أربعين يوماً وأربعين ليلةً عبرةً ومثالاً… لبدء بشارته ومقاومة إبليس، ونحن بالصوم نقهر التجارب ونتغلب على إغواءات الشيطان الكثيرة والمغرية…

بالصوم تبدأ مسيرة الصلاة والصدقة والله يكافئ ويجازي.

الرب يقول على لسان النبي يوئيل: «قدسوا صوماً نادوا باعتكاف… مزِّقوا قلوبكم لا ثيابكم»(يوئيل1: 14 و2: 13). لنصم صوماً مقبولاً، لا عن الطعام والشراب فحسب بل عن الشر والآثام… ولتصمْ أفكارنا عن معاندة الله، وألسنتنا عن الكلام الباطل بحقّ أخينا الإنسان، وأجسادنا عن الشهوات، ولنُخضع إرادتنا للـه حتى يكون صومنا مقبولاً، كما يقول الرب على لسان النبي إشعيا: «أليس هذا صوماً اختاره، حلَّ قيود الشر، فكّ عقد النير وإطلاق المسحوقين أحراراً… أليس أن تَكسِرَ للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك… حينئذ تدعو فيجيب الرب، وتستغيث فيقول هاأنذا».(أش58: 6ـ 12).

اليوم “إثنين الرماد”، نرسم علامة الصليب بالرماد على جباهنا. ونبدأ مسيرة الصوم الكبير. سبعة أسابيع نتأمّل فيها أن الله لا يعنيه البياض واللحم والطعام وما يدخل الفمّ بقدر ما يعنيه ما يخرج من الفم. الصوم مهم، لكن الأهم منه هو أن نلجم فمنا ولساننا عن السُباب والكذب والإفتراء والنميمة… الصوم رحلة لكن ليس في المجهول، بل في الذات لضبط تجارب أنانيتنا وشهواتنا ورغباتنا التي لا تنتهي في برّية وادي الدموع في دنيا الشقاء هذه. كما على مثال المسيح في البرية مُجَرَّبَاً من الشيطان. اليوم نبدأ مسيرة الصوم لنَعْبُر به التجارب والآلام حاملين الصليب كما عصا موسى في مراحل حياتنا لنصل بحمايته إلى مجد القيامة. فمع رشّ الرماد على جباهنا نثبّت أنظارنا إلى القيامة، قيامة التراب بجسد روحاني وإلا لكان إيماننا باطلا وصيامنا باطلا…