الأب سيمون عساف/يبقى الرجاء.. اين لبنان التاريخ المُشرِّف المزدحم بالحب، والسلام، والمضافة، وموئل المُضطَّهد والملهوف ومرآة شرقٍ اهله يطفئون اشعاعه كلما توهج فيه ضياء؟

61

يبقى الرجاء..
اين لبنان التاريخ المُشرِّف المزدحم بالحب، والسلام، والمضافة، وموئل المُضطَّهد والملهوف ومرآة شرقٍ اهله يطفئون اشعاعه كلما توهج فيه ضياء؟
الأب سيمون عساف/22 شباط/19

لا الجُبن يعرف حليب عنفواني، ولا التخاذل يجرؤ ان يقترب مني، في الجبل بين مرابض الأسود ترعرعت، وبين صخور الوعر تنشَّأت، لا اهاب الجوارح ولا الكواسر ولا ضواري البَرّ.
أنتزع انياب الضباع وهي تنهش بشراسة فريستها اذا حَمِيَ الوطيس.
فارس باسل كابطال الأساطير، اقحم بقلب شجاع معامع التحدي ولو هاجمتني جميع شرذمات وحوش الغاب.
غير اني يائس من جثة مريض مطروحة كالشلو امام عينيّ، تُعَالَجُ بالمُسَكَّنات والأمل مقطوع منها مفقود.
ندور حولها مُمَدَّدة على سرير الغرغرات الأخيرة، نعودها وهي عليلة يلوكها الموت ببطء لئيم ونَهَم ذميم.
لذلك اهرب من الوجع الناخع مثل سائر الناس، وهو ينغِل في عظامي يطاردني في كل مطرح، والمطرح المقرُّ هو الوطن، والوطن في غربة العناية الفائقة بل قُل في الغيبوبة، والأطباء الاخصَّائيُّون البارعون غياب،
امَّا المتدرِّبون في الطوارىء فهُم عُجَّز عن اتقان عملية الإنقاذ، يحضرون لفْظ الأنفاس والحشرجة المشؤومة دون جدوى.
نعم انهم حيارى قاصرون لا يحسنون اجتراح المعجزات!
وأراني اشاطرهم رهبة ساعات النزاع المرعبة، لا امكانية عندي لإنعاش المُفارق بغية الانتعاش وهو على المَفَارق.
وفرضية المستطاع لتأمين التنفُّس الاصطناعي، بعيدة كل البُعد عن ذهني، لأنه لا يعِد بديمومة العافية.
ومثلما تلطم أُمّ الفقيد على الخدين حزناً، كذلك الطم الخدين حسرة على رحيل الأجمل والأكمل من لبنان الدولة، القانون، النظام، الأمن، النزاهة، المرافق، المرافىء، المؤسسات والحياة الاجتماعية المطمئنة الهادئة.
لبنان الكَيف والسهر، والحفلات الراقصة، والعيش الهنيء، والبحبوحة، والحضارة الناهدة الى الامام، والتقدم والازدهار والثقافة الزاخرة بالفكر في مستويات اجيالنا في موتٍ سريريٍّ مخزي.
اين لبنان التاريخ المُشرِّف المزدحم بالحب، والسلام، والمضافة، وموئل المُضطَّهد والملهوف ومرآة شرقٍ اهله يطفئون اشعاعه كلما توهج فيه ضياء؟
اين لبنان القمر والقناديل والنجوم والليالي التي لا تنام، والزجل الشحروري والروكزي تحت قناطر العزّ يصدح على رنين الدفوف ودقّ ذيَّاك القصب؟
اينها حفلات فيروز ووديع الصافي وصباح وسميره توفيق؟
غادرت بلادي كل مظاهر الرقي والحلاوة، وغدر بها النوح والنحيب الخبيئان في مطاوي الضلوع وحنايا الأفئدة.
ان آثار دخان الحوادث والفتن ما زال شحتارها هنا وهناك على الجدران والبيوت والطرقات …
لم تقفز النهضة بوثبات نوعية لتغيير مفاهيم وتبديل اسباب الحرب القذرة.
يا لَلعيب يا لَلعار!
اتحرَّق على وضعٍ إقتصاديٍّ متردٍّ،
على حال البُنى التحتية المهترئة،
على الدوائر وسجلات خزاناتها الصدئة،
على البرطيل والرشاوى والفساد المتفشِّي في الشرايين،
وأُعِدُّ نفسي لِلمشاركة في حمل النعش المُسجَّى.
لا يلُومني لائم او عاتبٌ يعتب عليّْ.
كل التجاريب مرّت بنا وعصفت العواصف وقصفت الرعود وظللنا كالسنديانات العنيدة صامدين.
امَّا اليوم فالحرب من غير سلاح اقسى واعنف.
نعاني من تعاستنا في رحاها ولا مفرّ!.
يبقى الرجاء يهزّ الوجدان وينمِّي الإيمان بالقيامة الحقة، لكن نجهل الكيفية والزمان.
وفي النهاية خطر بالبال طيف طير الفنيق المنتفض من حريقه، النافض رماده، المحلِّق في وساعة الفلك الأعلى.
هذا الرجاء الذي نحياه رغم ترجرج اليقين فينا، يبقى انتظارا غيبياً على ارض الواقع الى ان يتجسَّد حقيقة في ابهى تجلِّياته وتساميه.
ربَّاه، تعوَّدنا ان نتماهى مع وجع الوطن الى ان تحدث الأعجوبة فينهض مُعافى.
لعمري، نحن شعب تزوره اغلب الأحيان اشاير الخوارق…
رأفة بالإنسان الذي من أجله تنازلت خلِّصه مما هو فيه ولك الممنون والشكران.
ا.د. سيمون عساف 22/2/2019