الدكتورة رندا ماروني: الثورة الكبرى وصغار الثائرين

383

الثورة الكبرى وصغار الثائرين
الدكتورة رندا ماروني/21 كانون الثاني/19

لقد قام النظام السوري الأسدي متلحفا غطاء جيش اليرموك وجيش التحرير الفلسطيني وقوات الصاعقة في الثامن عشر من شهر كانون الثاني من العام ١٩٧٦ بإرتكاب مجزرة الدامور التي قضى فيها ٦٨٤ شهيدا من رجال ونساء وأطفال، وفي تمام الذكرى السنوية لهذه المجزرة الثالثة والأربعين تتحفنا السلطة بلسان وزير خارجيتها وفي تغريدة تويترية وترت الأجواء قبيل إنعقاد مؤتمر جامعة الدول العربية الذي تستضيفه بيروت ويترأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبعد أيام قليلة على إنعقاد إجتماع بكركي الذي لمح لمسؤولية بعض الأطراف في عملية تغيير الأعراف المتبعة في عملية تشكيل السلطة وتجميد العجلة السياسية كما ذكر ما يدور ويحكى عن مسعى بعض الفئات التي تعمل على تغيير النظام اللبناني وتسعى لمؤتمر تأسيسي جديد يعيد النظر بما هو قائم ومنصوص عليه في دستور الطائف، إذا تتحفنا بإعتبار غياب سوريا هي الفجوة الأكبر اليوم في المؤتمر، حيث يشعر الوزير بثقل فراغها بدل أن يشعر بخفة وجودها حيث يجب حسب تعبيره أن تعود إلينا لنوقف الخسارة عن أنفسنا.

ولم يكتفي بهذا، بل لعب دور المحامي والحريص على النظام السوري في الأعمال التحضيرية للقمة العربية الإقتصادية في بيروت داعيا إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، كما أن ما جاء في كلمة الرئيس عون توج الحرص على المصالح السورية من خلال إقتراح تأسيس بنك عربي لإعادة الإعمار، ومن خلال أسفه لخلو بعض المقاعد رغم الجهود التي بذلها لبنان، حيث لم يلق الموضوع الأول أي تجاوب من الوفود العربية، أما الموضوع الثاني دفع بأمير قطر الى المغادرة وهو القائد العربي الوحيد الذي كان موجودا الى جانب رئيس موريتانيا بعد أن نكسوا بالوعد الذي قطعوه له بعدم التطرق في الحديث عن عودة سوريا للانضمام كعضو إلى الجامعة العربية، شرطا لقدومه، متكفلا بتغطية نفقات المؤتمر ووديعة مالية بقيمة مليار دولار الأمر الذي ذهب أدراج الرياح كرمة المجاملة مع النظام السوري والمغازلة التى فضل عليها هذا النظام موقف الرئيس بري الضاغط لحضور سوريا القمة شرطا لانعقادها.

وبين الشرط المسبق من الرئيس بري والمغازلة اللاحقة للانعقاد والمطالبة بتحقيق المصالح السورية في إعادة الدور والحضور وإعادة التعمير، هناك انبطاح كلي ومحو للذاكرة والتاريخ الذي يشهد على ثورات كبرى ضد المحتل روتها دماء الشهداء، لم تكن أولها شهداء مجزرة الدامور، ولن يكون آخرها شهداء ثورة الأرز، فتاريخ لبنان حافل بالثورات الكبرى في سبيل الحرية.

وإذا كانت الثورات في العادة ما تكون موجهة ضد المحتل، أو لتحقيق أغراض مطلبية، إلا أننا لم نسمع على مر التاريخ عن ثورة أو ثورات برعاية المحتل، ففي عصر العجائب والغرائب وفي العصفورية التي نعيش فيها حاليا هناك ما يسمى ثورة على الفساد والفاسدين، عنوان كبير يستعمله من هم في السلطة وبعض من هم خارجها، فأهل السلطة يطرحون محاربة الفساد كعنوان فيما هم منغمسون في الفساد السياسي بالتعامل مع المحتل تكريسا للمناصب وتحقيقا للمكاسب المادية وتحقيقا للفساد المالي والاقتصادي.

فيما بعض من هم خارج السلطة يطرحون عنوان محاربة الفساد إنما في الحقيقة يستهدفون النظام اللبناني بصيغته التعايشية، ويطرحون شعارات من مثل “صار بدا ثورة وكلنا ثورة”، إنما في حقيقة مضمونها صار بدأ ثورة شيوعية معادية لصيغة النظام اللبناني، أو ثورة على غرار الثورة الإسلامية في إيران، وكلنا ثورة برعاية المحتل الإيراني إستراتجيتنا الدفاعية شعب جيش مقاومة، حيث لا مانع من إنضمام حزب مسلح غير شرعي إلى هذه الثورة، كما جاء على لسان زياد الرحباني منذ فترة وجيزة، أو لا مانع من إستراتيجية دفاعية تدرج سلاح غير شرعي شرط أساسي للانضمام إليها كما جاء على لسان زياد عبس خلال فترة الانتخابات النيابية.

ففي عصر الانحطاط الذي نعيش فيه نترحم على ثورات كبرى خاضها أبطال من بلادي، ونشفق على صغار يطرحون أنفسهم ثوار، فيما هم في الحقيقة ليسوا بصغار الثائرين، فقط بل بصغار المنافقين.
ثورة كبرى
وصغار الثائرين
لا يعدون كونهم
أقزاما منافقين
في خدمة المحتل
بوعي ويقين
يدرون ما يفعلون
صنعهم مشين
ابتكارهم مخلوق
وصفه هجين
في مخيلة بعضهم
عمره سنين
ولدى البعض الآخر
كنوز ملايين
إشارة تحركهم
كجند مجندين
لمكاسب ومناصب
وعد وتخزين
ثورة كبرى
وصغار الثائرين
لا يعدون كونهم
أقزاما منافقين.